شهرزاد في حضرة رئيس الجمهورية
آفاق
شهرزاد في حضرة رئيس الجمهورية
د. مأمون فريز جرار
ارتبط اسم شهرزاد بحكايات ألف ليلة وليلة ، وصارت شهرزاد رمزا للمرأة العاقلة التي تعالج أمراض ( الرجولة ) لدى بعض الرجال ، وإذا كانت شهرزاد الأولى قد استطاعت أن تعالج شهريار وتنزع منه حب الانتقام بقتل النساء فإن لشهرزاد في كل عصر وظيفة يمكن أن تقوم بها امرأة عاقلة تحسن فهم الموقف وتجيد التصرف .
أقول هذا وبين يدي رواية " شهرزاد في حضرة رئيس الجمهورية" التي صدرت حديثا عن دار المأمون لكاتبة ملتزمة ذات تجربة طويلة وثقافة عالية ، وتجربة حياة طويلة في الغرب ورؤية عميقة شاملة لحال الأمة وأمراضها ، وذات تطلع إلى مستقبل مشرق لهذه الأمة ، وقد اتخذت الكاتبة : سعاد موسى أبو عمارة شهرزاد مركبا عبرت به المسافة بين الشعب والحاكم ، وشخصت آلام الناس وأحلامهم ، واخترقت الحجب والحواجز ، واستطاعت أن تكشف عن الجانب الإنساني العادل في قلب الحاكم الذي يسعى بعض من حوله من المنتفعين أن يحجبوا عنه واقع الشعوب ، وأن يكونوا هم المنتفعين المتمتعين بالامتيازات على حساب الشعب ، استطاعت شهرزاد المعاصرة بحرقتها على واقع الناس وسعيها إلى التغيير أن تنتقل من السجن لتكون معلمة لابن رئيس الجمهورية الذي فقد أمه ، واستطاعت بحكمتها وحنكتها أن تفتح قلب ذلك الطفل ليتعلق بها ، ولتفتح حوارا طويلا مع الرئيس استطاعت من خلاله أن تكشف الحجب ، وتضع بين يديه الحقائق ، واستطاعت أن تقيم الجسر المقطوع بين الراعي والرعية ، وإذا كان هناك خيط عاطفي نشأ بين الرئيس وشهرزاد المعاصرة من خلال تعلق الابن بها ثم من انكشاف خصائص شخصيتها للرئيس مما دفعه إلى أن يتخذها في نهاية الرواية زوجة لها ، إذا كان ذلك موجودا فإن الرواية لم تخرج عن خطها الأصلي وعن جدها ولم تقع في وحل الغراميات الرومانسية.
وإذا كانت شهرزاد الأولى قد سامرت شهريار في الليل ، فهي زوجته ، فإن شهرزاد المعاصرة اتخذت من النهار ميدان المحاورة لا المسامرة ، فقد كان دورها ، وهي سجينة الرأي المطالبة بحقوق الشعب ، دور معلمة لابن رئيس الجمهورية ، وإذا كانت الليالي قد امتدت مع شهرزاد لألف ليلة وليلة ، فقد كانت نهارات شهرزاد المعاصرة ستة عشر نهارا ، ففي وضح النهار كان الحوار الذي أرادت منه كشف الحجب والأستار وهدم الأسوار بين الحاكم والرعية .
عندما قرأت هذه الرواية قلت إنها تصلح للتوزيع على زعماء العرب في اجتماع قمة عربية لأنها ليست خاصة ببلد معين أو زعيم معين بل فيها صوت الشعب المتطلع إلى الحرية والحياة الكريمة ، وهي ذات نظرة إيجابية فقد انتهت بالمصالحة بين الراعي والرعية وسارت الأمور على ما يضمن الخير للشعب والاستقرار للحكم .
المؤلفة ذات لغة راقية تحلق بالقارئ في مواضع كثيرة ، وذات ثقافة ونظرة عميقة تدرك الخفايا والحاجات المختلفة للشعب وتحسن التعبير عن مطالبه ، وهي ذات رسالة تتحرق وهي ترى الأجيال الجديدة معرضة عن القراءة متعلقة بالوسائل الحديثة التي هي لكثير من أبناء الجيل الجديد حجاب يمنع الثقافة والوعي بدلا من أن تكون جسرا إليها .
على ظهر غلاف الرواية نقرأ للكاتبة : "وتستمر حكاات شهرزاد بلا انقطاع حتى عصرنا هذا ، وتختلف باختلاف الزمان والمكان وحال الإنسان ، ليعقد السلطان المعاصر في النهاية صلحا أبديا مع شعبه ، لا تزعزعه المحن ولا تهزه العواصف ، فيلتئم الشمل ويعيش الوطن في وئام . وتود الكاتبة لو أن حكاياتها تجتذب أجيالنا للقراءة ليمعنوا النظر فيها .. ولعلهم يهتدون".