العتبات النصية في قصيدة العمود

القارئ غاية العمل الأدبي

العتبات النصية في قصيدة العمود

جلسة لاتحاد أدباء نينوى

الدكتور جاسم محمد جاسم

عضو اتحاد أدباء وكتاب نينوى

وليد مال الله - العراق

[email protected]

استضاف اتحاد ادباء وكتاب نينوى ضمن نشاطاته الاسبوعية الدكتور جاسم محمد جاسم عضو اتحاد أدباء وكتاب نينوى والتدريسي في كلية التربية بجامعة الموصل لالقاء محاضرة ثقافية بحضور عدد كبير من المثقفين والادباء، وتحدث الدكتور جاسم  في محاضرته عن موضوع (العتبات النصية في قصيدة العمود) مشيراً في بداية حديثه الى التطور الحضاري والمعرفي للبشرية اذ قال (لم يكن التطور الحضاري والنضج المعرفي الذي تعيشه البشرية اليوم ليمر عليها دون ان يكلفها زمناً وجهداً توزعا على مدى قرون طويلة عاشت فيهما البشرية مخاضاً عسيراً من اجل بلورة وعيها وتسخير مكامنها في توظيف مفردات الطبيعة لصالحها، فكان كل قرن يمضي يضيف الى سابقه سمة او اكثر من سمات التطور تاركاً بذلك بصمته النوعية في التهيئة لما يمكن ان يضاف الى جوانب الحياة الانسانية من جديد في الزمن الآتي. وهكذا انطلق الانسان في صراعه الطويل مع الحياة وما يحيط به فيها من أشياء وموجودات فكانت عصور الحياة البدائية في مرحلة ما قبل التاريخ العتبة الاولى التي وطأها وصولاً الى بداية التفكير الحضاري في شكله الطفل. ذلك التفكير الذي كان من سماته انه وسم تعامل الانسان مع الطبيعة بسمتين: الاولى، رؤيته في الطبيعة عدواً لدوداً دعته الفطرة الى اتقاء شره والعمل على درء خطره. فكانت ردة فعله بناءً على ذلك بناء المسكن وتبني العقيدة الدينية ومحاولة تفسير مجاهيل هذا العدو بالأساطير، وشيئاً فشيئاً تصالح الانسان مع الطبيعة واطمأن اليها فراحت تتبلور لديه السمة الثانية، وهي ان ينظر اليها في جانبها الجمالي فنما وتطور عنده الاحساس بالجمال).

ثم عرج  جاسم الى مراحل تطور الشعر موضحاً ان (الشعر بوصفه منتجاً انسانياً خضع هو الاخر لما خضع له الانسان من مراحل بلورت كينونته، ودفعت بمسيرة تطوره فتنوعت اشكاله وتعقدت مضامينه، اذ قطع الشعر في مراحل تشكله عبر التاريخ رحلة طويلة انتهت الى ما نجده عليه اليوم من تنوع شكلي وتعقيد مضموني أوصلاه أحيانا الى حد التعمية والتلغيز ومصادرة القارئ ربما على نمط ما نجد عند الكثير من شعراء الحداثة).

العتبات النصية

مضيفاً ان هذا الامر هو الذي (دفع بالشعراء الى إشفاع المنتج الشعري بمفاتيح قرائية تتمثل في العتبات التي يطأها القارئ للولوج الصحيح الى فناء النص، والمحافظة بالتالي على سلامة قناة الاتصال، وقد هيأ لولادة هذا النوع من المساعدات القرائية التطور التكنولوجي الهائل في مجال الطباعة والتصميم، وهو تطور لم يترك توظيف العتبات النصية حكراً على ما غمض من انواع الخطاب الشعري بل جعل ذلك التوظيف يتعدى تلك الانواع الى ما أطلق عليه بالسهل الممتنع من أنواع الخطابات الشعرية، على غرار ما نجده في شعر نزار قباني الذي تلعب فيه العتبات النصية دوراً لا يقل اهمية أحياناً عن دورها في شعر يمكن عده غامضاً قياساً عليه كما نجد في شعر عبد الوهاب البياتي مثلاً، وهذا يعني ان العتبات النصية وان كانت الغاية النفعية أساسا فيها إلا ان ذلك لم يمنع انتقالها الى دائرة الجمالي خاصة في الخطابات التي توهم انها من السهولة بحيث لا تحتاج الى خطاب عتباتي يسهل على القارئ طريقة التعامل معها للوصول الى الدلالة).   

الشعرية

وفي جملة حديث الدكتور جاسم عن الشعرية أشار الى ان (النقد الادبي دأب في تاريخه الطويل على اعتبار الشعرية شغله الشاغل، فراح يبحث عن أسرارها في الطبيعة تارة كما هو حاصل عند أرسطو في شعريته المحاكاتية، وتارة راح يبحث عنها في الشاعر نفسه كما هو حاصل في نقدنا العربي في طفولته، وكذلك في النقد الغربي مع نشاط العلوم النفسية في القرن الماضي، وتارة راح يبحث عنها في النص نفسه مع ظهور مدرسة النقد الجديد والمناهج الشكلية والبنيوية، ثم انتقل هذا النقد مؤخراً الى البحث عنها في القارئ داعياً الى ابراز دوره كونه غاية العمل الادبي، ان النقد وان يكن بذلك قد استنفذ أطراف العملية التواصلية بثالوثها (المرسل- الرسالة- المرسل اليه) متمشياً مع طبيعة العصر الذي نشط فيه إلا انه لم يقف عند هذا الحد، اذ بدأت تلوح في الأفق النقدي بوادر البحث عن الشعرية بحثاً يتماشى مع طبيعة عصرنا الزاخر بالتقانة وتطور المطبوع، وما الى ذلك من تأثير جميع أطراف العملية التواصلية، ولعل جيرار جينيت في تقديمه لفهمه الجديد للشعرية الحديثة يمثل انعطافة جديدة في بحث النقد الدائب عن أسرارها، وذلك ما جعلها شعرية شكلية تتناول النص بوصفه كتاباً مطبوعاً).  

تعريف النص

وفي تعريفه للنص اضاف الدكتور (جاء في كتاب اللسان، النص رفعك الشيء، ونص الحديث ينصه نصاً رَفَعَهُ ونص المتاع جعل بعضه على بعض، وفي القاموس المحيط، نص الشيء حرّكه، ونص العروس، أقعدها على المنصة، والنص عند ثعلب الكشف والاظهار، وكل مُظهر فهو منصوص واصل مادة النص من قولهم أقعده على المنصة، وفي المعجم الوسيط يرد النص بمعنى حرفية النقل لقول ما، فالنص صيغة الكلام الأصلية التي وردت من قائلها  ومنها قولنا هذا نص ما قاله فلان، او هذا ما قاله فلان بالنص، وهذا يوضح ان دلالات لفظة نص في اللغة تتأرجح بين مداليل، الرفع والعلو والاظهار والدقة في النقل وضم الشيء بعضه الى بعض ولعل المعنى الاخير هو الأقرب الى المنحى الاصطلاحي الذي نحاه اللفظ من حيث ان النص متراكمات لفظية تجمع وفق ما تقتضيه غاية المنتج وقوانين اللغة، وهذا ما يؤكده التخريج الاصطلاحي للفظة في أساسها اللاتيني، اذ ان كلمة (texte) ماخوذة اصلاً من (texture) الذي يدل على معاني النسج والحياكة بما يوحي بسلسلة من الجمل المنسوجة بنيوياً ودلاليا. اما في الاصطلاح فقد أثار مصطلح النص إشكاليات كثيرة جعلت منه مفهوماً عائماً يكاد يتمتع بنسبية عالية في طريقة فهمه والتعامل معه وهذا ناتج عن تنوع المنهجيات المتبناة من لدن كل من خاض في محاولة تعريفه وتحديده. يقول فاضل ثامر(ان مصطلح النص ذاته يمثل إشكالية كبيرة ومعقدة في النقد الحديث وذلك لانه لم يعد يقتصر على دلالته المعجمية والاصطلاحات المعروفة بل راح يكتسب دلالات جديدة ويتداخل مع عدد من المصطلحات المجاورة مثل الخطاب والعمل او الأثر الادبي)، وتنوعت زوايا النظر اليه من حيث الطول او القصر او من حيث كونه مكتوباً او مقروءاً او من حيث كونه مغلقاً او مفتوحاً  ويورد محمد مفتاح في كتابه تحليل الخطاب الشعري مجموعة تعاريف للنص منطلقاً من تعدد  التوجهات المعرفية التي تتعامل معه منها انه مدونة كلامية وانه حدث مقترن بزمان ومكان ليخلص الى القول،ان النص اذن (مدونة كلامية ذات وظائف متعددة)، وهذا تعريف يقترب من تعريف جوليا كرستيفا في كتابها علم النص اذ تقول (نعرف النص بانه جهاز نقل لساني يعيد توزيع نظام اللغة واضعاً الحدث التواصلي، نقصد المعلومات المباشرة،ضمن علاقة ملفوظات مختلفة سابقة او متزامنة). واذا كان كلا التعريفين الآنفين يركزان على كون النص مجموعة علامات لسانية فاننا وجدنا لدى سعيد يقطين انفتاحاً بالتعريف الى مجالات أوسع من حيث تركيزه على قابلية النص لان يكون مظهراً دلالياً يفعّله المتلقي ويعطيه أبعاده التي لا يستوي نصاً إلا بها اذ يقول (النص مظهر دلالي يتم من خلاله إنتاج المعنى من لدن المتلقي)، وذلك يعني امكانية سحب اللوحة الفنية في الرسم مثلاً او الصورة الفوتوغرافية وكل مظهر فني لسانياً كان أم غيره الى مساحة هذا التعريف، وهذا ما لمح اليه سعيد يقطين في موضع آخر في حديثه عن التعلق النصي بالقول (لا يقف حد التعلق النصي بين نصين ينتميان الى نظام علامات خاص، اللفظ- الكتابة، ولكنه يتعدى ذلك الى انظمة متعددة العلامات حيث يكون النص المتعلَّق به السابق من نظام لفظي مثلاً لكن النص المتعلق اللاحق ينتمي الى نظام علامات مختلف)).

في التناص

وفي حديثه عن التناص أوضح الدكتور جاسم ان (التناص مصطلح حديث نسبياً يجسد فكرة ليست بالجديدة مفادها ان كل نص ما هو إلا اعادة تنظيم وتحويل لنصوص موجودة سلفاً، وهكذا أصبح من الثابت نظرياً ان المعطى اللغوي لا يتولد عن فراغ مهما تعاظمت قابلية المبدع على التجديد (فاللغة تفرض عليه شاء أم أبى مكتسباتها والمحتوى الثقافي لذاكرتها)كما يقول الطاهر لبيب في كتابه سوسيولوجيا الغزل العربي، ومن هنا صار ينظر الى أي نص بمقتضى النظرية التناصية، على انه ناتج تأليف بين مستلهمات بتقنيات معينة بحيث ان المنتج الادبي لا تنبع قيمته من جدّته، وهي محدودة نسبياً بل من قدرته على استلهام وتوظيف ما سبقه من نصوص وخطابات توظيفاً خفياً وإضافة جديد عليه، ليكون هذا الجديد مكمن استلهام وإضافة الى غيره وهكذا تتوالد النصوص مؤشرة جدلية التأثير والتأثر، وطالما كان التأثير والتأثر طرفي جدلية قائمة منذ وجد الانسان، والشعر بوصفه نصاً أدبياً يؤشر نشاطاً ابداعياً انسانياً ليس ببعيد عن قدرية التناص اذ يحيل المدلول الشعري هو الآخر الى مدلولات خطابية مغايرة بشكل يمكن معه قراءة خطابات عديدة داخل القول الشعري. كما يحدد محمد مفتاح مقومات ثلاثة للتناص اعتماداً على (كرستيفا وأورفي و لورانت و ريفاتير) تشير الى تأكيد ما سبق ذاهباً الى ان (التناص هو تعالق نصوص مع نص حدث بكيفيات مختلفة)، ويعرفه شجاع مسلم العاني تعريفاً ينفتح به الى إمكان علائقي بين فنون مختلفة، اذ يذهب الى ان التناص (هو تداخل النصوص وتعالقها او علاقة نصوص لاحقة بنصوص سابقة ولا يقتصر هذا التعالق على النصوص الادبية، بل يمكن ان يكون بين الادب والسينما او بين الادب والفنون التشكيلية او بينه وبين الموسيقى)، وهكذا تركز جل تعاريف التناص كما يذهب عمر الطالب الى انه (تفاعل بين عدة نصوص، فريفاتير يرى ان التناص هو إدراك المتلقي للعلاقات بين عمل أدبي وأعمال أدبية اخرى سبقته او تلته)، ويعرفه جيرار جينيت بانه علاقة حضور مشترك بين نصين او نصوص كثيرة)، ويختم بالقول ان هناك تعاريف متعددة للتناص، وليس هناك تعريف نهائي مطلق، وكل التعاريف تلمح على علاقة التفاعل بين نص معين ونصوص أخرى ترتبط معاً بعملية التناص.

التناص في الغرب

كما أجمل المحاضر موضوع التناص في الغرب وما مرّ من مراحل في عملية صيرورته واستقراره بمرحلة ولادة الفكرة، وهذه المرحلة يجسدها ميخائيل باختين في حوارياته في معرض دراسته للخطاب الروائي، فقد كان للتزمت البنيوي بتعبير جينيت الذي دعا الى عزل النص عن المجتمع أثراً وردة فعل في ظهور هذه الفكرة، اذ ما ان بدأت البنيوية التكوينية بإضفاء بريق على النقد بخروجها من بوتقة النص المغلق الى فضاء انفتاحه على الماحول، حتى ساد نوع من القناعة بان العلاقة بين النص والمجتمع علاقة لا يمكن التغاضي عنها لدى قراءة المنتج الادبي فجاء باختين لينقل هذه العلاقة الى العلاقة بين النصوص نفسها يقول جينيت (ان هذه المعركة التي كانت حول علاقة النص بالمجتمع بصفة عامة انتقلت منذ باختين لتكون معركة اخرى حول النص ولكن هذه المرة في علاقته بالنصوص الاخرى بالدرجة الاولى)، فلكي يشق الخطاب طريقه الى معناه يقول باختين (فانه يجتاز بيئة من التعبيرات والنبرات الاجنبية ويكون على وئام مع بعض عناصرها وعلى خلاف مع اخرى).

مضيفاً أما مرحلة ولادة المصطلح، فلم يستعمل باختين التناص كمصطلح وان تطرق اليه كفكرة لدى معالجته لمشاكل شعرية دستويفسكي وان تردد لديه مصطلح آخر يفيد نفس المعنى تقريباً وهو مصطلح الحوارية، بوصفها علاقة تحاور بين المنتج الحالي ومنتجات سابقة على نحو ما، وهو ما التقطته كرستيفا كفكرة في كتابها ثورة اللغة الشعرية عام 1966.

وعن مرحلة تبني المصطلح واستقراره نقديا أوضح الدكتور (تتمثل هذه المرحلة بشيوع المصطلح في الابحاث والدراسات النقدية بعد ان احتضنته الابحاث البنيوية الفرنسية ما تبعها من اتجاهات سيميائية وتفكيكية تمثلت في كتابات رولان بارت وتودورف وغيرهما من رواد الحداثة النقدية، ومن ثم هاجر المصطلح الى أمريكا في السبعينات من القرن الماضي وفي عام 1967 أصدرت مجلة بويطيقا عدداً خاصاً عن التناص وفي سنة 1979 اقيمت ندوة عالمية عنه في جامعة كولومبيا تحت إشراف ريفاتير، لكن المفارقة ان كرستيفا نفسها قد تخلت عن المصطلح سنة 1985 وآثرت عليه مصطلحاً آخر هو التنقلية قائلة (ان هذا مصطلح التناص الذي فهم غالباً بالمعنى المبتذل لنقد الينابيع في نص ما نفضل عليه مصطلح التنقلية.

فيما شكلت كما قال المحاضر مرحلة الجينيتية، ذلك ان فهم جينت للقابلية التناصية على قاعدة بحثه الدائب عن فهم جديد للشعرية قد حدا به الى البحث الدقيق في طبيعة العلاقات الكامنة بين النصوص، ليخرج في النهاية بنظام علائقي ينفتح برؤية الدرس النقدي وآلية فهمه للنص على نحو يقلل من سلطة نظرية التناص التي شكلت معياراً نقدياً في فهم طبيعة النصوص وآلية تشكلها منذ ستينيات القرن الماضي، فكان ان خرج جينيت في إطار بحثه عن طبيعة العلاقات بين النصوص بخمسة تقسيمات لهذه الطبيعة يشكل التناص قسماً واحداً منها وذلك في إطار ما اسماه بالمتعاليات النصية التي تشكل فهمه الجديد للشعرية، وهو فهم مر عنده بمرحلتين اذ يقول (ليس النص هو موضوع الشعرية، بل جامع النص أي مجموع الخصائص العامة او المتعالية التي ينتمي اليها كل نص على حدة ونذكر من بين هذه الانواع، أصناف الخطابات، صيغ التعبير، الأجناس الأدبية) غير انه عام 1982 تخلى عن هذا الفهم للشعرية وتبنى موضوعاً آخر هو التعالي النصي ويريد به (كل ما يضع النص في علاقة ظاهرة او خفية مع نصوص أخرى)).

ماهية النص الموازي

وكشف جاسم ان ماهية العتبات النصية أو النص المحيط لا يمكن فهمهما إلا في ضوء فهم ماهية النص الموازي لارتباطهما معاً بعلاقة الجزء بالكل. وفي حديثه عن المصطلح اللاتيني

(paratexte)  أضاف الدكتور ان هذا (المصطلح الذي أطلقه جيرار جينيت على ما بات يشكل اليوم ركناً هاماً من أركان الشعرية الحديثة بحسب تصوره ويريد به كل ما يمت بصلة الى النص المدروس بعلاقة خفية بعيدة مع نصوص أخرى زائداً ما يمت اليه بعلاقة مباشرة قريبة كالعنوان والهوامش والتذييلات وكلمات الناشر وما الى ذلك من بيانات النشر التي باتت تشكل في الوقت الحاضر نظاماً اشارياً ومعرفياً لا يقل اهمية عن المتن، بل انه يلعب دوراً هاماً في توجيه نوعية القراءة)، موضحاً (ان المتأمل في تعامل النشاط النقدي مع المصطلح اللاتيني يقع بجلاء على صعوبة تحديد المعنى الدقيق وبالتالي المصطلح المناسب المعادل في العربية لهذا المصطلح وذلك متأت ربما من سببين، الاول ضيق المصطلح في التعبير عن الفكرة التي يريدها جينيت نفسه مما ألجأه إلى نحت المصطلح من مقطعين (para) وهي بادئة تعني موازاة الشيء ومرافقته و(texte) وتعني النص، وقد أبدى جينيت تبرمه من أزمة المصطلح التي يعيشها الواقع النقدي بعامة. الثاني هو التفاوت في الأفق الترجمي عند المترجمين العرب في التعامل مع المصطلح الامر الذي أوجد عدة ترجمات أدت الى التفاوت في استخدامه فنجد المصطلحات، النص الموازي، المناص، المناصة، مرافقات النص، كلها قابلة لان تعني ما اراده واضع المصطلح).

وأشار المحاضر الى ان (ترجمة غسان السيد ووائل بركات للمصطلح بمرافقات النص تظهر تركيزهما على الجانب الطباعي المكاني لما يعنيه المصطلح وهذا جانب مهم من جوانب ما يصبو اليه جينيت من المصطلح إلا انه يمكن ان يفهم من مرافقات النص بوصفها مصطلحاً يحمل دلالة الإلزام بحيث يراد ان لكل نص مرافقاته التي لا يستوي بدونها نصاً، وهذا يتعارض مع الواقع النصوصي الذي لا يشترط وجود هذه المرافقات دائماً. اما اجتماع كل من محمد مفتاح و بسام قطوس وجميل حمداوي على استخدام مصطلح النص الموازي فيمكن عده شبه إجماع يمكن الاتكاء عليه في تداول المصطلح مع التنبيه على حدوث بعض الخلط لدى جميل حمداوي في التعامل مع المصطلح، اذ يذهب الى ان (النص الموازي حسب ما يثبت ينقسم الى قسمين هما النص الفوقي والنص المحيط، ثم يوضح معنى النص المحيط بانه ما يتكون منه فضاء النص كالعناوين والمقدمة والحواشي والهوامش والاهداءات وكل ما يحيط بالكتاب إحاطة قريبة، ولكنه يعود فيعرف المناص في نفس الصفحة بما نصه (المناص، وهو عبارة عن عناوين وعناوين فرعية ومقدمات وذيول وصور وكلمات الناشر) وهذا يعني ان المناص الذي هو جزء من النص الموازي قد اخذ نفس ترجمة النص الموازي عنده. اما عبد الرحمن ايوب فقد انفرد بترجمته للمصطلح بالنظير النصي في حين ان عبد الرزاق بلال آثر استخدامه بلفظه الأجنبي في مقدمة كتابه وانه كان يفهم انه يميل الى مصطلح العتبات اكثر من ميله الى مصطلح النص الموازي خاصة وانه عنون كتابه بمدخل الى عتبات النص وهذا ما جعله لا يفرق بين النص المحيط الذي هو العتبات النصية وبين النص الموازي الذي هو اعم منه على اعتبار ان الاول جزء من الثاني. وأما بلقاسم خالد فيقف وقفة متأنية مع ترجمة المصطلح ينبه فيها الى ضرورة توخي الدقة في التعامل معه، لكنها وقفة لا تشفي الغليل قدر ما تشير الى أزمة مصطلح وهو بذلك لا يطرح جديداً وان نبه الى الخطوة الاولى بالاتجاه الصحيح، يقول (تبدو لنا ترجمة المصطلح اللاتيني بالنص الموازي غير مقنعة لان التوازي لا يتضمن التداخل او التعارض. ثم ان تناول جينيت للمفهوم ضمن قراءته للعتبات يرجح هذا الزعم، فالعتبة واصلٌ بين الداخل والخارج فيما هي فاصل بينهما في ذات الوقت ومن هنا قد يكون مصطلح البرزخ بمعنى ابن عربي مسعفاً في اعادة بناء ترجمة المصطلح)).

ويضيف موضحاً (هذا الوعي ببرزخيه النص الموازي هو ما يجنبنا منزلق ادعاء الاتحاد بينه وبين الممارسة النصية نسترشد بذلك مما نص عليه ج هيلس ميلر في تحديده لمعنى البادئة اذ يرى انها متعارضة تعني، القرب والبعد، والبرانية والجوانية والتشابه والاختلاف). ومهما يكن من امر فيبدو ان مصطلح النص الموازي قد حظي بشبه اجماع ليدل على عالم النصوص والخطابات التي يتعالق معها العمل الادبي النص الفوقي وكذلك على النص المحيط أي العنوان الرئيسي والعناوين الداخلية ولوحة الغلاف والاهداءات والمقدمات النقدية وكل ما يتآزر مع بعضه في اضفاء الكينونة المادية الملموسة على العمل الادبي بحيث يتمظهر على شكل كتاب تتآزر مكوناته في تجسيد شعريته).

يراد بالنص الموازي اذن حسب قول الدكتور جاسم (مجمل الخطابات المساهمة في ولادة النص من جهة والعتبات المحيطة به من جهة اخرى وهي المداخل التي تجعل المتلقي يمسك بالخيوط الاولية للعمل المعروض وهو ايضاً (البهو) بتعبير لويس بورخيس الذي منه ندلف الى دهاليز نتحاور فيها مع المؤلف داخل فضاء تكون اضاءته خافتة باعتبار ان الرواية او الديوان الشعري يتضمن كل منها نصاً موازياً أي ما يكّون منه كتاباً ما. ويميز جينيت اربع طبائع تميز النص الموازي بعامة والنص المحيط خاصة في ذهابه الى أن (محايثة او ملازمة النص الموازي هي ذات طبيعة نصية مثل التمهيد، او ايقونية مثل الرسوم التوضيحية، او مادية مثل اختيار نوعية الطباعة، الورق، حجم الخط، نوعه، وقد تكون حدثية بمعنى ان التعرف على حدث ما سيعدل القراءة نفسها وداخل هذا التعرف الموسع سيصبح كل سياق نصا موازيا)).

في النص المحيط

ونوه المحاضر الى ان (جيرار جينيت يقسم النص الموازي الى قسمين آخذاً بنظر الاعتبار بعد او قرب كل قسم من النص الأساسي زمانياً ومكانياً، يسمي القسم الاول النص الفوقي ويريد به كل ما يتعلق بالنص أو الكتاب من الخارج كالنقود التي تناولته بعد صدوره او الاستجوابات والشهادات والمراسلات مع المؤلف وكل التعليقات التي لا يرتبط زمن كتابها بزمن كتابة النص بل هي غالباً رديفة له وبينهما فجوة زمنية على نحو ما. اما القسم الثاني وهو ما نروم الوصول اليه  فهو ما يسميه جينيت بالنص المحيط ويريد به فضاء النص من عنوان رئيسي وعنوان فرعي  أي عنوان شارح ولوحة غلاف ولوحات داخلية، ومقدمة وتصدير واستهلال وكل ما يتضمنه الكتاب في جانبه الشكلي بما يجعل منه كتاباً).

واضاف الدكتور الى انه (يمكن تحديد ملامح النص المحيط حسبما هي عليه عند جينيت بما يلي، أولا انه ضرورة طباعيه تتناول النص بوصفه كتاباً مطبوعاً، أي انه سمة المدوّن لا الشفاهي. ثانيا انه مساعد قرائي غايته فتح الأفق لدى المتلقي لكيفية الولوج الى أغوار النص واستنطاقه قصد الشروع في تأويله تأويلاً فاعلاً. ثالثا انه بلورة مخصوصة وموسعة لمفهوم التناص بالمعنى الكرستيفي ولابد ان تتم عملية تلقي النص وموازيه على اساس معطيات نظرية التناص فضلاً عن العلاقات الأربع الاخرى التي تبلورت حولها شعرية جيرار جينيت في تفسيرها للواقعة النصية. رابعا لا تقتصر هذه العلاقة على العلامات اللغوية، بل تنشأ هذه العلاقة بين علامات لغوية واخرى بصرية او غيرها، رسم، أو فوتوغراف).

الخلاصة

وخلص الباحث الدكتور جاسم من كل ماسبق الى انه يمكن القول (ان العتبات النصية ليست سوى جزء من نظام معرفي عام يطلق عليه النص الموازي وقد تداخل هذا المصطلح مع مصطلح النص المحيط ليعنيان مجموعة نصوص يتعلق وجودها ودلالتها بوجود نص رئيسي تعمل تلك بوصفها بُنى افتقارية تستمد فاعليتها بالاتكاء على ذلك النص ومؤثرة في الوقت نفسه في توجيه دلالته كالعناوين بأنواعها والاهداءات ولوحات الأغلفة والمقدمات. ان الناظر في طبيعة المصطلحين العتبات النصية والنص المحيط، يجد ان الاول قد استفاد من تشبيه جينيت لمفردات النص المحيط بالعتبة مركزاً على جانبها الوظيفي وإمكانها العلائقي مع النص الرئيسي أياً كان موقعها كأن تكون عتبة قبلية كالعنوان او عتبة بعدية كالهوامش او عتبة داخلية كالرسوم المصاحبة في حين ان المصطلح الثاني يركز على موقع تلك العتبات من ذلك النص وهو موقع يؤثر في تلقي العمل من جهة ويميزه عن غيره من النصوص الموازية من جهة اخرى كالنصوص الفوقية، كتب تتحدث عن الكتاب من بعيد، مقالة نقدية تتناول الكتاب بحيث لا تتفق مع صدوره زمانياً ومكانياً، لقد شكلت المتعاليات النصية الخمس التي هي مجموع العلاقات التي يمكن ان يربط إحداهما مفردات النص المحيط بالنص الرئيسي ركيزة تتأسس عليها شعرية النص بوصفه كتاباً، بما لهذا الوصف من تأثير في عملية التلقي. وهذا يعني ان هذه الشعرية لدى جينيت يتعاضد في تشكيلها طرفان، النص بوصفه كتاباً او مدوناً أي انها شعرية مقروء لاشعرية شفاهي، والقارئ بوصفه متلقٍ تتأثر عملية تلقيه بنوعية قناة الاتصال التي تنفذ من خلالها المادة الأدبية الى حواسه. والشعرية الجينيتية هنا تشهد تنشيط  الحاسة البصرية في عملية التلقي).

وكان الدكتور قد طبق بحثه على عينة من أنموذجين شعريين،هما عبد الوهاب البياتي ونزار قباني وخرج بنتائج خاصة بالجانبين النظري والتطبيقي بما يخص العتبات النصية والنصوص الموازية والمحيطة.