رؤيتي: التحديات في سباق التميّز
رؤيتي: التحديات في سباق التميّز...
للشيخ محمد بن راشد آل مكتوم*
صالح أحمد
-واقع... آفاق.. وتطلعات-
رائع أن نجد من يطرح أفكاره ووجهات نظره للناس، وخاصة إذا كان قائدا أو مسؤولا، فكأنما يقول : هذا أنا .. هكذا أفكر، فافهموني...
الشيخ محمد بتن راشد آل مكتوم ، زعيم عربي أراد أن يخاطب الشعب، أن يكون مع الشعب بأفكاره ورؤيته وتطلعاته، في "رؤيتي".
لا نستطيع أن نطلق على هذا الاصدار "الجهد" إسم كتاب؛ فما هو بالكتاب أصلا، وأظن أن الشيخ محمد آل مكتوم، لم يرد له ان يكون كتابا، بقدر ما أراد له أن يكون رسالة إلى شعبه وأمته؛ تحمل موعظة ودرسا وحكمة.. استقاها من تجربته أولا، ثم من موروثه الاجتماعي والأدبي والتربوي والحضاري.. ثانيا، لتكون الرؤية قد اكتسبت نضجا، واقتربت أكثر من نقطة الاكتمال، التي لا أرى بالوصول إليها إلا نهاية الطريق، بمعنى: إذا اكتملت الفكرة أو الموعظة... فقد انتهت، وصدق القائل: " لكل أمر إذا ما تمّ نقصانُ"
ينهي الشيخ رسالته "رؤيته" من حيث بدأها، وتعانُق النهاية مع البداية لم يأت من سبيل الصدفة، بل جاء مدروسا –برأيي وتصوري المتواضع- فالشيخ إنما أراد للقارئ أن أن يستشعر أن هذه الرؤية كلٌّ متكامل، لا ينفصل جزء منها عن سواه، وكما لا تنفصل نهايتها عن بدايتها، فكل حرف فيها يعانق أخاه في تكامل فكري، وتصوُّر ترابطي، لا ينهض شيء فيه إلا بمؤازرة سابقه، وردف تابعه... فالرؤية أفق، والأفق نور، ولا انقسام للنور...
وعليه: فقد انهى الشيخ رسالته "رؤيته" بقوله: "اللؤلؤ لا يطفو على السطح، يجب أن نغوص من أجله، والحياة فرص، والفرص لا تطرق الأبواب، فمن يريدها عليه أن ينتزعها انتزاعا، وعلى الإنسان أن يتسلح بروح القوّة وصلابة الإرادة، والرغبة والعزيمة في انتزاع الفرص الكبيرة لكي لا يعيش على فُتات الأسود".ص54
وكما قدّمت؛ فإن هذا القول يتعانق مع بداية الرؤية "الرسالة"، إذ بدأ الشيخ رسالته إلى شعبه ناصحا إياهم بعدم الركون الى الحياة لأنها حلبة سباق؛ فالغزال لا ينجو، ولا ينجح في صراع البقاء، إلا إذا كان أسرع من أسرع أسد، والأسد أيضا لا ينجو ولا ينجح في سباق البقاء؛ إلا إذا كان أسرع من أبطأ غزال. وهو يجمل حكمته هذه "رؤيته" بقوله: "... عليك أن تعدو أسرع من غيرك حتى تحقق النجاح بإذن الله" .ص2
وهذا القول يتسق تماما مع قوله في الخاتمة: " على الانسان أن يتسلح بروح القوة وصلابة الإرادة والعزيمة والرغبة في انتزاع الفرص الكبيرة لكي لا يعيش على فتات الأسود."ص54
هذا التعانق يحمل في طياته فكرتين، أو حقيقتين :
1- أن الشيخ بن مكتوم، يؤمن بنظرية : البقاء للأقوى.
2- أن الشيخ يرى بأن الصراع العالمي يتمحور حول الاقتصاد والسباق الاقتصادي والعمراني .
لذلك: نجده وعلى مدى كل الرسالة "الرؤية" يتمحور حديثه حول: القائد، القيادة، القدوة، الإرادة، التحفيز، إتخاذ القرارات، الحزم، اختيار فريق العمل وحشد الطاقات... كما يقرن ذلك دائما بمنطق السباق واقتحام المصاعب تطلعا للفوز...
كما نجده يكثر من الالتفات إلى قضية الترتيب العمودي، " السُّلَّمي": رئيس ومرؤوس، تابع ومتبوع، مطاع ومُطيع... كقوله: "... أعط مرؤوسك يعطك، قدِّره يقدِّرك، أحببه يحبك، قوِّه يقوِّك، إحترمه يحترمك، قُدهُ إلى الأمام، يتبعك إلى آخر دنيا التّميُّز". ص40
ومرة أخرى نجده يؤكد على مفهوم التبعية: (تابع ومتبوع، رئيس ومرؤوس.. مطيع ومُطاع...) وعلى أن الرئيس هو المالك، وهو القادر، وهو الرأس المُدبِّر، وهو القادر وحده على القيادة والعطاء، أما المرؤوس: فلا يتقن إلا الاتباع! إنه لا يملك إلا أن يكون غزالا،، وعليه أن يتعلم الجري، (إطاعة وتمشيا مع قانون الطبيعة) ليتمكن من النجاح في حلبة صراع البقاء، وتميزه والحال كذلك؛ لا يكون أكثر من قدرته على الفوز بالبقاء والاستمرارية لأطول وقت ممكن (ما دام قادرا على العطاء).
وهو يؤكد على ذلك بقوله : "لا بد أن نفتح الأبواب والنّوافذ، ونخرج إلى الشمس، ونتسابق، وننتزع حصّتنا انتزاعا من ثروة العالم وخيره.." ص9
وهكذا فقط يمكن الوصول إلى المستقبل -برأيه-، بالصراع، بالسباق "المادي"، وانتزاع الثروة انتزاعا، هذا السباق القائم على الترتيب السّلّمي: "رئيس ومرؤوس"، "تابع ومتبوع"...
ليس هذا فحسب، بل يعود الشيخ ليؤكد على ضرورة الايمان بأن القائد لا يخطئ، وبأنه يرى ما لا يراه غيره، وأنه وحده القادر على قيادتنا إلى المستقبل، وإلى الفوز في السباق... فنجده يؤكد على ذلك في أكثر من موضع في رسالته "رؤيته"، كقوله: "...على القائد أن يتمسّك برؤيته إيمانا بأنه يرى في المستقبل ما لا يراه غير، وأن رؤيته ستحقق الأهداف المرسومة" ص11
وقوله: "...عندما أقدّم رؤيتي لمشروع معيّن فإن رسالتي تكون واضحة لجميع المعنيين بتنفيذها : هذه رؤيتي، أريد تنفيذها بالصورة الآتية..." ص12
وقوله: "... القائد يقود من المقدّمة، آخذا بزمام الأمور؛ هذا هو الهدف، فاتبعوني إليه" ص16
وقوله: "يمكن أن يقترح الجميع كل الإجابات التي يريدون اقتراحها، لكن القائد صاحب الجواب الأخير، لأنه صاحب المسؤولية الأولى، منهجنا: (عقول كثيرة، ورأي واحد)"ص19
وكأني به يريد أن يخلص من خلال هذه الأقوال وغيرها الى القول: على القائد أن يؤمن في قرارة نفسه بمنطق: (أنا الكل والكل أنا).
وزيادة في التأكيد على ما ذهبنا إليه من أنّ رؤية الشيخ تنحصر في نظرية البقاء للأقوى في حلبة الصراع، وأن الصراع العالمي لا يعدو كونه صراعا ماديا اقتصاديا؛ نجد الشيخ يضرب لنا مثلا : كوريا الجنوبية ، فيقول: "كوريا الجنوبية في بداية الستينات كانت أفقر من مصر ، وتعيش ضغوطا عسكرية واقتصادية، ولكن هذا لم يقف عائقا أن تصبح دولة اقتصادية كبيرة" ص23
ولم يتطرق الشيخ أبدا إلى المراحل البنائية التربوية والتعليمية والتثقيفية والحضارية التي مرت بها كوريا الجنوبية حتى وصلت إلى ما وصلت إليه ...
لا مكان لديه ولا اعتبار للرؤية الاجتماعية والانسانية والفكرية، فكلها أدوات، "عناصر" مساعدة في حلبة السباق. لذلك: لم يتطرق الشيخ الى الرؤية التربوية والتثقيفية، ولا إلى البنية الاجتماعية، ولا الى التطلع الحضاري الفكري والثقافي، ولا إلى قضية التكافل الاجتماعي والحياتي الذي يهدف إلى بناء المجتمع العصامي، والمتكافل، الذي يكمل كل فرد فيه أخاه، في الاعتماد على الذات، على القدرات والمقدّرات والموارد الذاتية، بهف الاستغناء - قدر الامكان- عن الأجنبي، في سبيل بناء مجتمع نهضوي ذاتي الجهد والهدف، يصنع مقومات الرقي والتقدم والتحدي بنفسه ولنفسه... انطلاقا من الاستقلالية في الرؤية التربوية الثقافية المميزة والملائمة لظروف وتطلعات ومعتقدات وأهداف وأفكار الفرد والمجتمع، ومرورا بالبعد والرؤية المجتمعية التنظيمية، المبنية على أساس تكافلي، وتؤازر حياتي متكامل، وصولا إلى المجتمع العصامي الذي يخلق قدراته وادواته ويرسم آفاقه بنفسه، ويتطور من خلال إبداعه وإنتاجه الذاتي مُطوِّرا ظرفه وواقعه ومستقبله من خلالها، وليس من خلال حلبة السباق المحكومة بقانون البقاء للأقوى والأسرع والأغنى...
كوريا الجنوبية لم تصبح دولة اقتصادية كبيرة إلا بعدما أصبحت دولة مواطنيها، بمعنى: دولة تعتمد الخدماتية الإنسانية، والشفافية والتكامل المجتمعي المبني على الرؤية الفكرية والتربوية والحضارية الخاصة والمتميّزة، والمتطلعة الى تطوير القدرات الفردية في كل فرد من أفراد المجتمع تحت شعار: كل فرد نافع في المجتمع والحياة، إذا عرف كيف يكون نافعا لنفسه... وكل فرد سيكون قادرا على المساهمة في تطوير مجتمعه إذا استطاع أن يطور نفسه... وواجب الدّولة أن تهيئ للفرد الأرضية المناسبة والظروف المواتية للتطور والرقي من منهاج تربوي مميز، إلى رؤية مجتمعية واضحة، إلى تطلع حضاري مستقبلي واقعي وشفاف ومميز، إلى واقع عملي يستوعب كل الطاقات وينميها ويضعها على الطريق الصحيح، طريق الانتاج لأجل التطور والتطور لأجل بناء المستقبل...
بينما بقيت مصر فقيرة متأخرة محطمة... لأنها بقيت إتكالية، تعتمد العشوائية والتلقائية، ولم تتبنى رؤية ثقافية حضارية واضحة، ولم تتبنى رؤية مجتمعية واضحة، ولم تبني سلم أولويات إجتماعية ثقافية حياتية... (ما يسمى : ميثاقا اجتماعيا)، بل ظلت تدور في فلك الصراع من أجل رغيف الخبز، وكيف يمكن للدولة أن توفر رغيف الخبز للأفواه الجائعة، في دولة تحكمها الطبقية والسّلَّميَّة، فالفرد في المجتمع واحد من اثنين: رئيس أومرؤوس، تابع أومتبوع، مالك أو محتاج...
نفس المنطق نجده عند الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم ، باختلاف بسيط، أنه يملك النفط، يملك الخبز، لن يجد من يساله عن رغيف الخبز، فهو في أمان من ثورة الخبز... أما في المنطق الحياتي... المنطق التعاملي.. التنظيم المجتمعي والفكر الحياتي، فلا خلاف إلا في الصياغة: في التعبير، فهو يعبر عن السُّلميَّة المجتمعية بقوله: "أنا أتعلم من جيادي، ومن يعرف كيف يسعد الجياد، يعرف كيف يسعد الناس، من يتقن رفع معنويات الخيل، سيتقن رفع معنويات الناس، إن أعطيتها ستعطيك، وإن شجّعتها ستقتحم المصاعب وتحملك إلى الفوز، لكن يجب ان تعرفها جيدا..."ص42
وإذا سألنا:
- ماذا يسعد الجياد؟
فالجواب بسيدط: أن تأكل جيدا، وتشرب جيدا، وتنام وترتاح جيدا...
- وماذا يجعل الخيول أقوى وأسرع وأنفع؟
الجواب أبسط: أن تُروَّض جيدا، وأن تُدرَّب على طاعة القائد جيدا ، وأن تدرّب على السباق، وأن تُلقّن ضرورة الفوز ، وأن قيمتها عند صاحبها، وغيره ، تكمن في قدرتها على الفوز، بمعنى على العطاء، على إدخال الربح ماديا وشعوريا للسيد المالك (الشعور بنشوة الفوز)..
- وما الهدف في المحصلة؟
فرحة المالك وشعوره بالقوة والفوز، وعودتها هي الى الحظيرة (الإسطبل) بأمان، مرضيا عنها... وقد فازت في كسب فرصة البقاء...
* الكتاب : حصلت عليه من موقع : أيمن النجار ، في شبكة النترنت –
(May 2006- Najjar-Aman Al)