"بسمة مع ظلال الرحيل"

"بسمة مع ظلال الرحيل"

قراءة في ديوان "قصائد بصرية"

للشاعر الدكتور أمين عبد الجبار ..

توفيق الشيخ حسين

[email protected]

الأدب تعبير عن الحياة ووسيلته اللغة .. ومعرفة الحياة والتعمق فيها يكسبان الشاعر ثقافة وخبرة لأن الشعر مرتبط بالحياة .. ووجود حس مرهف يجعل تجربته أكثر صدقا ً .. وكما يقول " كولردج " :

 " أن الأدب نقد للحياة "

التجربة الشعرية عند الدكتور أمين عبدالجبار كما يقول " تجربتي محدودة وعفوية , أي بمعنى الهواية " كمن يبحث عن وسيلة تعبير تفجر مكنوناته الداخلية .. لكنه أستطاع ان ينتصر على اللغة وان ينقل همومه وأفكاره بحرية بعد ان نفض جناحيه في فضاء بلا حدود ...

عن دار الفكر للنشر والتوزيع في البصرة صدرت المجموعة الشعرية الثانية للدكتور أمين عبدالجبار السلمي " قصائد بصرية " وضمت ( 22 ) قصيدة .. يعبر فيها الشاعر عن معاناته وتمتزج في أبياته الروح البسيطة التي تنم عن الفرح والحزن معا ً ...

فيفتتح قصائده بقصيدة " أبو ذر الغفاري " والذي كان من الرجال الذين أحبهم رسول الله ( ص ) ووصفه بصفتين هما الصدق والوحدة والتفرد .. حيث كان من أكثر الصحابة مجاهرة بالحق .. وقال عنه رسول الله ( ص )

" رحم الله أبا ذر يمشي وحده ويموت وحده ويبعث يوم القيامة وحده " ...

أبا ذر يا ألق الثائرين

ويا عزة الراكع الزاهد

تموت لوحدك

قال الصفي الأمين

وتبعث وحدك في الموعد

كمثلك لم يمش فوق الأديم

شجيرة الحناء تمتزج بالألم والفرح .. كانت ترقص فرحا ً وكأنها طوق من الياسمين .. تغازل هدوء السماء كعروس في ليلة عرسها .. وطيور النوارس البيضاء تبهج صباحاتها بشد ّوها .. وبساتين النخيل تجعل وجه الفاو صبوحا ً .. وبعد صمت ووحشة يدركها الموت ويلفها الحزن وتهجرها الطيور وتبقى وحدها ترقب السماء .. ويعز عليها أن تكون جرداء خوفا ً من الفناء ...

 شجيرة الحناء

 يا شجيرة الحناء

 أدركك الموت

 وفيك أستخلف الخواء

 في موطن قد كان واحة

 الحناء والنخيل

 في الفاو وفي السيبة

 في المدينة الفيحاء

عذرا ً أيها الأقصى .. أبكى فيك الزمان .. تبقى تئن في جنح الظلام وتبكي من الالآم .. تتعثر الكلمات .. وتتلاشى العبارات .. ولا استجابة للصرخات .. ينادي بأعلى الصوت ولا من مجيب .. فهناك رب يحميك ..

سلاما ً أيها الأقصى

فمن أجلك كم ضحى

وأن قصر عنك القوم

أعدها مرة أخرى

أما للبيت من يحميه

في القلب حزن كبير .. يلوذ بالصمت .. ويبحث عن واحة صدق لكنها تختفي في الأفق البعيد .. يعيش في سراب الذكريات مع مسرات العمر .. يودع الأحباب .. ويبقى وحيدا ً ...

يا نفح طيب ويا شوقا ً يراودني

ويا مسرات عمر بعضها شجني

يا زهرة كم اسر القلب مبسمها

تندي خدودها في زهو وفي حزن

ودعت قبلك احبابا وأمكنة

واليوم منفردا من ذا يودعني

تغيب الحروف عن اللغة .. تحرقنا دموع الشوق .. نسكن مع أنفسنا بصمت .. نبحر بين خلجات النفس .. عبر همسات الروح .. نشتاق

ليوم غد .. وننتظر اللقاء ...

لأجمل ما في العمر يوم لقائنا

وأروع ما في الشمس حين تغيب

ونبحر في بحر من الشوق عاصف

ونصغي لصوت هامس ونجيب

أحزان تجر الأحزان .. أنهار الحزن فاضت على الرافدين .. الجرح في القلب .. يغتسل بنبض الحياة .. غربة تسكن القلب .. مع رحيل عن الوطن .. نحتضن دروب الأمل .. ونحيا مع الدهر لأن الليل لن يطول ...

جراحك فاضت على الرافدين                    وبين جراحك لي موضع

تغربت في طلب ٍ للعلوم                        وعدت فقيل عجيب لما يصنع

وصبرا ً جميلا ً ستمحى الجروح               وتحيا مع الدهر ما يوسع

رياح الأسى تنسكب كالجمر إلى الأعماق وسط الدمار .. زمن يكتب بحروف من ألم على ارتعاشة الرماد .. يمزقنا الخوف عبر دروب

الصمت .. أطفال يرسمون الفجر الأبيض بأشلاء ممزقة لتروي مأساة محرقة الحياة ...

شواظ نار عاصف ومحرقة

أطفال غزة في العراء

أجسادهم ممزقة

أطفال غزة في الشتاء

أطفال غزة في الشواء

أطفال غزة أبرياء

تبقى الأقدار تجري خلفهن السنين .. وتعانق بسماتها ظلال الرحيل على قارعة الصمت .. تتلاشى الأحلام .. وتختصر الكلمات لتستعيد صدى الأنين المثقل بالأرق .. يتوعد القلب بلقاء يسكن الروح .. ويبحث عن ضياء الفجر ليتأمل بقايا الذكريات ...