التغيير من الداخل
التغيير من الداخل
عرض: غرناطة عبد الله الطنطاوي
إنه كتاب من القطع المتوسط، ويقع في 282صفحة، للمؤلف الدكتور أيمن أسعد عبده.
إنه كتاب ليس كبعض الكتب، التي نقرأها وننساها بعد فترة من الزمن، فهو كتاب يتغلغل في الفكر ويعمل به، ويغير كثيراً من عاداتنا وطريقة تفكيرنا.
وقد استفاد المؤلف من كتاب "العادات السبع للأشخاص الأكثر فاعلية" لستيفين كوفي، وهو أمريكي أكاديمي مشهور، ومتخصص في علم النفس، ويؤكد كوفي أنه لم يكتشف هذه العادات السبع، وإنما هو يعتقد أنها قواعد طبيعية موجودة في الحياة، ودلت عليها بعض الأديان والتقاليد، وإنما كان دوره أنه نظمها وشرحها ووضعها في قالب قشيب.
وقد بوّب المؤلف عبده كتابه بهذه العادات السبعة.
فكل باب شرح فيه عن عادة من هذه العادات بشكل مفصل، ثم كتب خلاصة قصيرة عن نفس الموضوع، ثم ربط هذه العادة بتعاليم ديننا الحنيف، ومن ثم أجري تطبيقات على هذه العادة، بأن يورد بعض القصص التي جرت في عهد الرسول العظيم محمد صلى الله عليه وسلم أو مع بعض الصحابة أو التابعين الأجلاء، كي يربط الحاضر بالماضي ويؤكد على عظمة ديننا الحنيف ورقيه وسبقه إلى كل معارف الحياة، وعلى أنه تجاوز التنظير الفكري إلى التطبيق العملي.
والعادات السبع المذكورة هي:
أولاً: كن مبادراً:
حتى لا تكون تصرفاتنا وأعمالنا ردود أفعال آلية، بل يكون الإنسان مسؤولاً عنها، ومرتبطة بتعاليم ديننا الحنيف، وليست وليدة اللحظة، أو من خلال مشاعرنا المتغيرة بين لحظة وأخرى.
وبذلك نكون مبادرين إلى التغيير دائماً إلى الأفضل، ولنا مطلق الحرية لاختيار ردة الفعل المناسبة، تُجاه المؤثرات الخارجية.
ثانياً: ابدأ والنهاية في ذهنك:
ولابد أن تكون النهاية محددة، لأن الأهداف الغامضة والمطاطة يصعب تحقيقها.
وأن تكون النهاية واقعية، حتى لا نصاب بالإحباط.
وأن تكون النهاية طموحة، وفيها بعض الإثارة والتحدي.
وأن تكون النهاية مقيدة بمدة زمنية، لأننا في سباق مع الزمن.
وعلينا متابعة النهاية ومحاسبة النفس دائماً حتى نقوّم ما نعمله.
ولا ننسى هذه المقولة الرائعة: "إن الإخفاق في التخطيط هو تخطيط للإخفاق".
وذكر المؤلف الحديث الشريف الذي يقرر هذه العادة ويعززها، "من كانت الآخرة همه جعل الله غناه في قلبه، وجمع له شمله، وأتته الدنيا وهي راغمة، ومن كانت الدنيا همه جعل الله فقره بين عينيه، وفرق عليه شمله، ولم يأته من الدنيا إلا ما قدر له".
ثالثاً: ضع الأهم أولاً:
كما يقول وبينيس: "الإدارة هي فعل الأشياء بشكل صحيح، بينما القيادة هي فعل الشيء الصحيح".
وقد وضع ستيفين كوفي نظرية المربعات الأربعة، وهي:
1-مهم وطارئ. 2-مهم غير طارئ.
3-غير مهم وطارئ. 4-غير مهم وغير طارئ.
وبهذا الشكل نتعلم أن نقول "لا" للأشياء التي سوف تشتتنا عن أهدافنا، وتؤخرنا عن الأمور الأكثر أهمية".
ويستشهد المؤلف بقول الله تعالى ليعزز هذه الفكرة، وقد استشهد بغيرها وبكثير من الأحاديث الشريفة، أو الأقوال المأثورة عن الصحابة أو التابعين، أو حتى الفلاسفة في الزمن القديم والحديث:
" وإن قيل لكم ارجعوا فارجعوا هو أزكى لكم". وهذا واضح في تقديم المهم على الطارئ، وعدم خجلنا من قول لا للطارق الطارئ، ووجوب قبول الطارق لكلمة لا دون غضب.
وأورد قصة لطيفة عن الإمام ابن الجوزي، وهو يطبق نظرية المربعات الأربعة وكأنه قرأ عنها.
رابعاً: فكر بعقلية: أربحُ ويربح الآخرون:
وهذا تأكيد ما قاله رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه".
وقد أكد رسول الله صلى الله عليه وسلم على أن "الدين نصيحة"، وأيضاً: "لا ضرر ولا ضرار".
وكل هذه المفاهيم تنصبّ في بوتقة واحدة، وتشجع على التضحية والإيثار، مما يؤدي إلى انتشار الحب والوئام بين الناس عامة كافرهم ومؤمنهم.
وأورد المؤلف كثيراً من الحوادث التي حدثت مع الصحابة والتابعين، التي تؤكد عمق العلاقة الإنسانية بين البشر، بعد رسوخ هذه المبادئ العظيمة.
خامساً: احرص أولاً أن تفهمَ، ثم أن تُفهَم:
وهذه من أهم العادات، لأنها متعلقة بفن الاستماع، وهذا ما يحتاجه الناس في حديثهم، فهم يتقنون فن الحديث ويتدربون عليه، متجاهلين أهمية فن الاستماع، والتي من خلالها نرى الحياة بصورة جديدة، بدلاً من أن نراها بناءً على نظرتنا نحن وتجاربنا نحن.
وقد استشهد ببعض الآيات التي تبرز بعضاً من فنون الاستماع، وطريقة الحوار.
سادساً: التعاون الإنمائي:
المؤاخاة مثال عملي فعّال، يؤكد هذه الفكرة، لأنها تغلبت على الفروقات النفسية والشخصية بين البشر، وصنعت مجتمعاً متميزاً لا مثيل له في التاريخ.
ومن ثم يلخص المؤلف العادات الثلاث الأخيرة بفكرة أن الإنسان إذا حقق هذه العادات الثلاث يكون قد انتقل من مرحلة الاعتماد على نفسه، إلى مرحلة التكامل مع غيره.
سابعاً: اشحذ المنشار:
وهي عادة التجديد الذاتي المستمر، للروح والعقل والجسد، حتى لا يحكم على نفسه بالموت، إذا ركن إلى الراحة والاسترخاء.
وهكذا نرى أن انتقال الإنسان من حال التفريط والضياع، إلى حال التنظيم والفاعلية أمر تحكمه قوانين وضعها الله في هذا الكون، ولا بد أن نراعيها، إذا أردنا التغيير إلى الأحسن، وهذه القوانين جارية على المؤمن والكافر والبر والفاجر.
ونحن الآن في أمسّ الحاجة إلى تطبيق هذه الأفكار البنّاءة، لأن أعراض الشيخوخة الفكرية قد غزت الأفكار والجماعات الإسلامية وغيرها من الجماعات، وصارت نسخاً مكررة دون إبداع أو تغيير، بل تحولت إلى حلقات مصارعة، يشدّ فيها كل طرف اللحاف إليه، تتحكم بهم الأنانية المفرطة، بعيداً عن المنهج الذي قامت عليه.
وقد جاءت عبارات المؤلف سلسة واضحة مترابطة، تربطنا بديننا.
وهذا الكتاب كل فرد منا يحتاج إليه، حتى يتعلم منه كيفية التعامل مع من حولنا بطريقة لبقة، نستفيد ونُفيد.
نفع الله بهذا الكتاب وكاتبه الأمة، ورزقه الأجر والمثوبة إن شاء الله.