تَعْليقاتٌ عَلى مُتونِ الْكُتُبِ الْعَرَبيَّةِ = 44
تَعْليقاتٌ عَلى مُتونِ الْكُتُبِ الْعَرَبيَّةِ = 44
مَنْهَجٌ فِي التَّأْليفِ بَيْنَ كُتُبِ الْعِلْمِ وَبَيْنَ طُلّابِها ، بِوَصْلِ حَياتِهِمْ بِحَياتِها
[ تَعْليقَةٌ عَلى مَتْنِ " رَسائِلُ الْجاحِظِ " ]
د. محمد جمال صقر
قالَ |
قُلْتُ |
قالوا : وَقَعَ بَيْنَ حَيَّيْنِ مِنْ قُرَيْشٍ مُنازَعَةٌ ، فَخَرَجَتْ عائِشَةُ أُمُّ الْمُؤْمِنينَ - رَضِيَ اللّهُ عَنْها ! - عَلى بَغْلَةٍ ، فَلَقِيَهَا ابْنُ أَبي عَتيقٍ ، فَقالَ : إِلى أَيْنَ ؟ جُعِلْتُ فِداكِ ! قالَتْ : أُصْلِحُ بَيْنَ هذَيْنِ الْحَيَّيْنِ . قالَ : وَاللّهِ ، ما غَسَلْنا رُؤوسَنا مِنْ يَوْمِ الْجَمَلِ ؛ فَكَيْفَ إِذا قيلَ : يَوْمُ الْبَغْلِ ! فَضَحِكَتْ ، وَانْصَرَفَتْ . هذا - حَفِظَكَ اللّهُ ! - حَديثٌ مَصْنوعٌ ، وَمِنْ تَوْليدِ الرَّوافِضِ ؛ فَظَنَّ الَّذي وَلَّدَ هذَا الْحَديثَ ، أَنَّه إِذا أَضافَه إِلَى ابْنِ أَبي عَتيقٍ ، وَجَعَلَه نادِرَةً وَمُلْحَةً ، أَنَّه سَيَشيعُ ، وَيَجْري عِنْدَ النّاسِ مَجْرَى الْخَبَرِ عَنْ أُمِّ حَبيبَةَ وَصَفيَّةَ . وَلَوْ عَرَفَ الَّذِي اخْتَرَعَ هذَا الْحَديثَ طاعَةَ النّاسِ لِعائِشَةَ - رَضِيَ اللّهُ عَنْها ! - لَما طَمِعَ في جَوازِ هذا عَنْهُ . وَقالَ عَليُّ بْنُ أَبي طالِبٍ - كَرَمَ اللّهُ وَجْهَه ! - : مُنيتُ بِأَرْبَعَةٍ : مُنيتُ بِأَشْجَعِ النّاسِ - يَعْنِي الزُّبَيْرَ - وَأَجْوَدِ النّاسِ - يَعْني طَلْحَةَ - وَأَنَضِّ النّاسِ - يَعْني يَعْلَى بْنَ مُنْيَةَ - وَأَطْوَعِ النّاسِ فِي النّاسِ ، يَعْني عائِشَةَ . وَمِنْ بَعْدِ هذا ، فَأَيُّ رَئيسِ قَبيلٍ مِنْ قَبائِلِ قُرَيْشٍ كانَتْ تَبْعَثُ إِلَيْهِ عائِشَةُ - رَضِيَ اللّهُ عَنْها ! - رَسولًا ، فَلا يُسارِعُ ، أَوْ تَأْمُرُه ، فَلا يُطيعُ - حَتَّى احْتاجَتْ أَنْ تَرْكَبَ بِنَفْسِها ! وَأَيُّ شَيْءٍ كانَ قَبْلَ الرُّكوبِ مِنَ الْمُراسَلَةِ وَالْمُراوَضَةِ وَالْمُدافَعَةِ وَالتَّقْديمِ وَالتَّأْخيرِ ، حَتَّى اضْطَرَّهَا الْأَمْرُ إِلَى الرُّكوبِ بِنَفْسِها ؟ وَإِنَّ شَرًّا يَكونُ بَيْنَ حَيَّيْنِ مِنْ أَحْياءِ قُرَيْشٍ ، تَفاقَمَ فيهِ الْأَمْرُ ، حَتَّى احْتاجَتْ عائِشَةُ - رَضِيَ اللّهُ عَنْها ! - إِلَى الرُّكوبِ فيهِ - لَعَظيمُ الْخَطَرِ ، مُسْتَفيضُ الذِّكْرِ ، فَمَنْ هذَا الْقَبيلانِ ؟ - هكذا ، والصواب من هذان - وَمِنْ أَيِّ ضَرْبٍ كانَ هذَا الشَّرُّ ؟ وَفي أَيِّ شَيْءٍ كانَ ؟ وَما سَبَبُه ؟ وَمَنْ نَطَقَ مِنْ جَميعِ رِجالاتِ قُرَيْشٍ ، فَعَصَوْهُ ، وَرَدّوا قَوْلَه ، حَتَّى احْتاجَتْ عائِشَةُ فيهِ إِلَى الرُّكوبِ ؟ وَلَقَدْ ضَرَبوا قَواديمَ الْجَمَلِ ، فَلَمّا بَرَكَ وَمالَ الْهَوْدَجُ ، صاحَ الْفَريقانِ : أُمَّكُمْ أُمَّكُمْ ! فَأَمْرُ عائِشَةَ أَعْظَمُ ، وَشَأْنُها أَجَلُّ عِنْدَ مَنْ يَعْرِفُ أَقْدارَ الرِّجالِ وَالنِّساءِ ، مِنْ أَنْ يُجَوِّزَ مِثْلَ هذَا الْحَديثِ الْمُوَلَّدِ ، وَالشَّرِّ الْمَجْهولِ ، وَالْقَبْيلَتَيْنِ اللَّتَيْنِ لا تُعْرَفانِ ! وَالْحَديثُ لَيْسَ لَه إِسْنادٌ ، وَكَيْفَ وَابْنُ أَبي عَتيقٍ شاهِدٌ بِالْمَدينَةِ ، وَلَمْ يَعْلَمْ بِرُكوبِها ، وَلا بِهذَا الشَّرِّ الْمُتَفاقِمِ بَيْنَ هذَيْنِ الْقَبيلَيْنِ ! ثُمَّ رَكِبَتْ وَحْدَها ؛ وَلَوْ رَكِبَتْ عائِشَةُ لَما بَقِيَ مُهاجِريٌّ وَلا أَنْصاريٌّ ، وَلا أَميرٌ وَلا قاضٍ إِلّا رَكِبَ ؛ فَما ظَنُّكَ بِالسّوقَةِ وَالْحُشْوَةِ وَبِالدَّهْماءِ وَالْعامَّةِ ! |
يتساخر بنا أبو عثمان ، على طريقة من يورد الملحة الحارة ، قائلا : ألهذا قيمة ! أبمثله يهتز الناس ! أُفٍّ لمثل هذا ! - وهو يُرَوِّجه ! ثم كيف ترجع عائشة أم المؤمنين - رضي الله عنها ! - عن عملها العظيم ، لملحة حارة ! هذا بلا ريب ، أثر الصنعة باديا ، لا يستحيي أن ينادي على نفسه ! ثمت إننا نحب أمهات المؤمنين جميعهم ، لا نفرق في التكريم والحفظ ، بين أي منهن ، فإن كان مُحاصِرو سيدنا عثمان - رضي الله عنه ! - أَبَوْا على أم حبيبة أم المؤمنين - رضي الله عنها ! - أن تدخل إليه بعدما دعاها ، فلمنزلتها من أخيها سيدنا معاوية - رضي الله عنه ! - الذي ثاروا به عليه فيما ثاروا . |
رَأَيْتُ الْخُبْزَ عَزَّ لَدَيْكَ حَتّى حَسِبْتُ الْخُبْزَ في جَوِّ السَّحاب وَما رَوَّحْتَنا لِتَذُبَّ عَنّا وَلكِنْ خِفْتَ مَرْزِئَةَ الذِّئاب وَهذا لَيْسَ مِنَ الْهِجاءِ الْموجِعِ ، وَإِنَّمَا الْهِجاءُ ما يَكونُ فِي النّاسِ مُثْلَةً ! |
هذا رأي أبي عثمان في الأمور كلها ، فإما أن يبلغ أقصاها ، وإما أن يعرض عنها ؛ فليس أنكد في رأيه ، مِنَ الوَسَط ! |
رَأَى الطّائِفُ بِاللَّيْلِ شَخْصًا عَظيمًا قَدِ انْخَنَسَ عَنْهُ ، فَشَدَّ نَحْوَه . |
هذا الحارس الدوّار ، ولم نعد نراه ! |
لَمّا قالَ الْمَدينيُّ وَهُوَ بِالْحِجازِ ، وَذَكَرَ أَبَا الْبَخْتَريِّ وَهُوَ قاضٍ بِبَغْدادَ ، وَإِنَّما ضَرَبَ بِهِ الْمَثَلِ ، وَلَمْ تَكُنْ قَصيدَتُه مُوَجَّهَةً إِلَيْهِ ، فَلَمّا سَمِعَ قَوْلَه أَبُو الْبَخْتَريِّ : لَوْ كُنْتَ تَطْلُبُ شَأْوَ الْكِرامِ فَعَلْتَ فَعالَ أَبِي الْبَخْتَري تَتَبَّعَ إِخْوانَه فِي الْبِلادِ فَأَغْنَى الْمُقِلَّ عَنِ الْمُكْثِر قالَ : يا غُلامُ ، عَلَيَّ بِأَرْبَعِمِئَةِ دِرْهَمٍ ، وَتَخْتٍ فيهِ أَرْبَعونَ ثَوْبًا ، وَبَغْلَةٍ ناجِيَةٍ . فَأَعْطاهُ ، أَوْ بَعَثَ بِها إِلَيْهِ . |
قبل بيتي المديني هذين في الأغاني ، كما ذكر المحقق العلامة - قوله : " نَبيذانِ في مَجْلِسٍ واحِدٍ لِإيثارِ مُثْرٍ عَلى مُقْتِر فَلَوْ كانَ فِعْلُكَ ذا فِي الطَّعامِ لَزِمْتَ قِياسَكَ فِي الْمُسْكِر " فقد أثنت القافية " مُقْتِر ، مُسْكِر " ، على " أبا الـ" بَخْتَري " عفوا ، بما جنت من قبل على " يحيى ابن " أكثم " ، عفوا ، فيما : " حَدَّثَني الْحَسَنُ بْنُ عُلَيْلٍ الْعَنَزيُّ وَالْمُبَرِّدُ وَغَيْرُهُما ، قالوا : كانَتْ مُتَيَّمُ جارِيَةً لِبَعْضِ وُجوهِ أَهْلِ الْبَصْرَةِ ، فَعَلِقَها عَبْدُ الصَّمَدِ بْنُ الْمُعَذَّلِ . وَكانَتْ لا تَخْرُجُ إِلّا مُنْتَقِبَةً ، فَخَرَجَ عَبْدُ الصَّمَدِ يَوْمًا إِلى نُزْهَةٍ ، وَقَدِمَتْ مُتَيَّمُ إِلى عُبَيْدِ اللّهِ بْنِ الْحَسَنِ بْنِ أَبي الْحُرِّ الْقاضي ، فَاحْتاجَ إِلى أَنْ يُشْهِدَ عَلَيْها ؛ فَأَمَرَها بِأَنْ تُسْفِرَ ، فَلَمّا قَدِمَ عَبْدُ الصَّمَدِ ، قيلَ لَه : لَوْ رَأَيْتَ مُتَيَّمَ وَقَدْ أَسْفَرَها الْقاضي ، لَرَأَيْتَ شَيْئًا حَسَنًا لَمْ يُرَ مِثْلُه ! فَقالَ عَبْدُ الصَّمَدِ قَوْلَه : وَلَمّا سَـرَتْ عَنْها الْقِنــاعَ مُتَيَّمٌ تَرَوَّحَ مِنْها الْعَنْبَريُّ مُـتَيَّما رَأى ابْنُ عُبَيْدِ اللّهِ وَهْوَ مُحَكَّمٌ عَلَيْها لَها طَــرْفًا عَلَيْهِ مُحَكَّما وَكانَ قَديمًا كالِحَ الْوَجْهِ عابِسًـا فَلَمّا رَأى مِنْها السُّفورَ تَبَسَّما فَإِنْ يَصْبُ قَلْبُ الْعَنْبريِّ فَقَبْلَه صَبا بِالْيَتامى قَلْبُ يَحْيى بْنِ أَكْثَما فَبَلَغَ قَوْلُه يَحْيى بْنَ أَكْثَم - وكان قاضي القضاة ! - فَكَتَبَ إِلَيْهِ : عَلَيْكَ لَعْنَةُ اللّهِ ! أَيَّ شَيْءٍ أَرَدْتَ مِنّي ، حَتّى أَتاني شِعْرُكَ مِنَ الْبَصْرَةِ ! فَقالَ لِرَسولِه : قُلْ لَه : مُتَيَّمُ أَقْعَدَتْكَ عَلى طَريقِ الْقافِيَةِ " ! |
قالَ بَعْضُ الْمُحارِفينَ الْفُقَراءِ أَوْ الطِّيابِ الشُّعَراءِ : أَتُراني أَقولُ يَوْمًا مِنَ الدَّهْرِ لِبَعْضِ التِّجارِ أَفْسَدت مالي أَوْ تُراني أَقولُ مِنْ أَيْنَ جاءَتْ لِدَوابي بِذَا الشَّعيرِ جِمالي أَوْ تُراني أَقولُ يا قَهْرَماني سَلْ غُلامي مُوَفَّقًا عَنْ بِغالي أَوْ تُراني أَمُرُّ فَوْقَ رِواقٍ لِيَ عالٍ في مَجْلِسٍ لِيَ عال أَسْرِجوا لي فَيُسْرِجونَ دَوابي فَأَقولُ انْزِعُوا السُّروجَ بَدا لي هَذَيانًا كَما تَرى وَفُضولًا دائِمَ النَّوْكِ مِنْ عَظيمِ الْمُحال |
لن تقول ؛ فإن السماء لا تمطر ذهبا ولا فضة ، بل ماء تعمل أنت به في الأرض ، ولكن " حُلُمُ الدَّجاجِ كُلُّه حَبٌّ " ، لا يمر زمان حتى يَحْلُمَه المُتَعَطِّلون ! لَوْلا قُلْتَ وأنت الشاعر الطيب : أتراني أقول يوما قصيدة لم يقلها أحد ، ولا يقولها ! أَتُراك غَلَبَك فَقْرُكَ ، فلم تجد في شِعْرِك ما يقيم أَوَدَك ! أَتَدْري ، لو كُنْتَ قُلْتَ هذا لَكُنْتَ قُلْتَ ذاك ! |