الخطاب الشعري عند عبد السلام بو حجر

بين الاسترسال الدلالي والإيقاعي

ذ. محمد دخيسي - وجدة المغرب

[email protected]

يقدم النص الشعري الصورة الكاملة عن المسير التجريبي للشاعر، سواء من حيث الانتقال من شكل لآخر، أم من حيث التعابير والأساليب التي تسمه، وتشكل من خلاله الأطروحة المميزة للشاعر.. اخترنا هذا التقديم للتأكيد على كونية النص الشعري عند الشاعر المغربي عبد السلام بوحجر الفائز أخيرا بجائزة أحسن قصيدة شعرية عمودية عن القدس .. والكونية المقصودة في مقولتنا هي: التشكيل الدلالي في قصائده، ومكونات الخطاب الشعري عنده.. والتأكيد على الكونية ملازم بالطبع لكون القصيدة عنده مشكلة من عناصر محلقة في فضاء الورق وفي الفضاء الخاص بالشاعر.. والخطاب الشعري مميز عنده أيضا بمستويات مختلفة منه الخطاب الإيحائي والخطاب الأفقي والخطاب الدائري... وقد فصل فيها العديد من النقاد.. لكن ما استنتجناه من خلال قراءتنا لبعض نصوص الشاعر أنها جاءت على شكل تكويني كوني، كما الكون يتناسل من جزيئات إلى كليات، فالنص كذلك عنده متناسل من جزئي إلى كوني عام..

لذلك اخترنا التعامل مع بعض القصائد الشعرية للشاعر عبد السلام بوحجر بإثراء فكرة الخطاب التناسلي عنده ومحاولة الكشف عن أهم لحظاته الشعرية..

 1- الخطاب التناسلي: من الأصل إلى الفرع:

يقول الشاعر في قصيدة (سفر في جسد) [1]:

  كان صوتا رائعا

  أيقظني في هدأة الليل على غير انتظار

  في سجن صغيرْ

  داخل السجن الكبير

  شق في سمعي دروبا لمرور الطلقات

  فتلفت إليه

  بيد أني

  لم أجد بالقرب مني

  غير نفسي

  فصحوت

  من سباتي مرتين

يمثل التركيب اللفظي والدلالي في هذا الجزء من النص المذكور حلقة متكررة عبر مراحل النص السبع، إذ كل مقطع يبدأ بالفعل (كان) الذي يتناسل عبر أفعال أخرى، ويسترسل الشاعر في أسلوبه المتداعي حتى يصل إلى نتيجة أخيرة. وتكون النتيجة في الغالب غير متوقعة عند المتلقي. كأنها مخاض يولد الجنين غير المرتقب. لذا نشدد على الطابع التركيبي المميز عنده، ونؤكد أيضا الطابع الموضوعي (التيمي) المتعلق بهذه الصيغة. ونقف الآن عند النموذج الذي سقناه آنفا لنحدد أهم التراكيب في:

أولا: الاستهلال بالفعل الكوني ---- كان

ثانيا: إضمار الاسم المتعلق بهذا الفعل، أو الفاعل الحقيق له، بحيث إن الفعل (كان) ناقص ويحتاج لاسمه (أو الفاعل في حالة الفعل التام).

ثالثا: النعت التابع للخبر..

رابعا: الاسترسال في مجموعة من الأفعال والجمل القصيرة، مما يوحي أن الشاعر يخاطب الآخر على أساس إعداده لبناء فكرة معينة:

  أيقظني، أيقظ الإنسان، شق في سمعي..، فتلفتُّ إليه..

إلا أن اللافت للانتباه، وما جعلنا نركز على أهم الخطاب التناسلي في نصوصه؛ هو انه ينهي المقطع بارتداد إلى الوراء، إلى الأصل الذي كان الأولى الاستهلال به، حيث يورد قوله:

  بيد أني...

  غير أني.. (المقطع الثاني ص- 7)

  لكنني.. (المقطع الثالث ص- 8)

  إنما داخل نفسي...( المقطع الرابع، ص- 9)

.... ونلاحظ غيابه في المقطع الخامس. غير أن الشاعر قد يعوض هذا النقص، ويؤكد على تنامي الخطاب الشعري التناسلي عنده بتساؤل ذاتي: فتساءلت.. وتمردت... ومشيت.. لينهي المقطع بمشي مسترسل ينتظر منه الاسترسال في المقطع الموالي..

  غير أني... (المقطع السادس، ص- 11)

  غير أني ( المقطع السابع ، ص- 12)

والملاحظ أن الشاعر يعود دائما إلى نقطة البداية، حيث يجد دائما ذاته حاضرة / غائبة في نصه، غائبة في بدايته، لينتهي به التأكيد على حضوره القوي بالرغم من ضمورها..

لعلنا قد أعطينا في بداية هذا التحليل السمة الأساسية التي يبني بها الشاعر عبد السلام بوحجر قصائده الشعرية في الغالب.. وبما أننا أما المحطة الأخيرة التي ظهرت منذ أربع سنوات تقريبا، فيمكننا أن نسترشد بها للغوص في أفق موسع، ولتأكيد فرضيتنا السالفة..

- عبد اللسام بوحجر: إيقاع عربي خارج الموت، عيون المقالات، مطبعة قرطبة الدارالبيضاء، ط- 1، 1990، ص- 6.[1]