الحداثة مفهومها وتجلياتها

فرح عبد الإله

باحث سوسيولوجي

[email protected]

    يعد مفهوم الحداثة من المفاهيم التي ما زالت ملتبسة، فعند محاولتنا لتعريف هذا المفهوم نجد أنفسنا أمام كم هائل من التعريفات يحيط بها نوع من الغموض والاختلاف، وهذا أمر طبيعي كونها تقترب من عقول مختلفة، مما يتبادر لنا السؤال التالي: ماذا نعني بمفهوم الحداثة؟ وأين نشأتها؟ وما هي تجلياتها؟

إن كلمة حداثة نقيد القديم وهو مصطلح أوربي المنشأ نعني بها المعاصرة والعصرنة. ويعرف جون بروديار الحداثة : << ليست الحداثة مفهوما سوسيولوجيا، ولا مفهوما سياسيا، وليست بالتمام مفهوما تاريخيا، بل هي نمط حضاري خاص يتعارض مع النمط التقليدي، أي مع كل الثقافات السابقة عليه أو التقليد>>.

    يمكننا من هذا التعريف القول بأن الحداثة هي محاولة للتجديد والإبداع وتجاوز التقليد والتخلف كما أنها تعكس بأكملها التحول الهائل الذي غزا مجال الفكر والتقنية والمعرفة بصفة عامة. إذا ما هي العوامل التي ساهمت في ظهور الحداثة في أوربا؟

بالنسبة لظهور الحداثة يطرح العديد من الإشكالات، حيث اختلف العديد من المفكرين في تحديد إرهاصاتها الأولية فالبعض يرى بأن الحداثة ظهرت بفكر ديكارت في القرن 17م، والبعض الآخر يربطها بعصر الأنوار في القرن 18م، والبعض يربطها بالثورة الأمريكية سنة 1776م والثورة الفرنسية 1789م.

    ومن هنا يدل على الغموض والاضطراب الذي يكتنف دراسة وتحليل الحداثة. لكن يمكن أن نقول بأن العامل الأساسي في ظهور الحداثة في أوربا هو الاطلاع هذا الأخير على الفكر العربي عن طريق الترجمة والاحتكاك بالعرب عبر مجموعة من القنوات كالحروب الصليبية والتجارة، وهذا العامل هو الذي مهد وساهم في تسريع وتيرتها، وقد تجسدت في الاكتشافات الجغرافيا واختراع المطبعة وتطور الثورة الصناعية، وظهور الدولة الحديثة وحقوق الإنسان، وانتشار الفكر الليبرالي والرأسمالية....

وقد آلت الحداثة بالغرب إلى نهج سياسة إمبريالية قائمة على الغزو والتوسع في معظم أرجاء العالم قصد نشر الحضارة الغربية الجديدة مقابل استهلاك الشعوب الضعيفة واستنزاف ثرواتها لصالح شعوبها، حيث كان الأوربي في إفريقيا على سبيل المثال يقدم للأفارقة الصليب والإنجيل وكان يأخذ منهم ثرواتهم وأرزاقهم.

    ومن أهم تجليات الحداثة فنربطها عادة بالتقدم التكنولوجي والصناعي إلا أن التغيرات الفكرية كانت الأكثر تأثيرا، وتجسدت في الصراع والخصام الأدبي بين الأنصار التجديد وأنصار القديم.

أما في المجال السياسي فقد تمثلت في الديمقراطية وتعبير عن حرية الفرد والمجتمع في اتخاذ قراراته كونها تعتبره واعيا ومسؤولا عن أفكاره وأفعاله، بالإضافة إلى ظهور منظمات وأحزاب ونقابات...

أما في المجال الاقتصادي فقد اتخذت الشكل الرأسمالي المتمثل في الربح السريع والذي يهدف إلى التخلص من الرقابة الأخلاقية والاجتماعية عبر فتح مجموعة من الأسواق لتصرف المنتوجات الصناعية والفلاحية بهدف الربح.

أما الجانب الاجتماعي فقد تجسدت في خوصصة المدارس والمستشفيات، ظهور أنماط الاستهلاك ، كما نجد هناك نوع من التغير في التقاليد والعادات، ثم الانتقال من الأسرة الممتدة إلى الأسرة النووية، إلى جانب ذلك خروج المرأة إلى العمل.