النهر
(في ديوان العرب)
أ.د/
جابر قميحةمن الحقائق التي حملها إلينا التاريخ ، وسرت مسرى الأمثال قولهم " العرب أمة شاعرة " ، وكذلك قولهم " الشعر ديوان العرب " . ولا مبالغة في ذلك : فالشعر هو الذي حفظ تاريخهم ، وأيامهم ومسيرة حياتهم .
**************
عزيزي القاريء عشنا في حلقتين سابقتين مع البحر ، والبحيرة ، وفي حلقتنا هذه نعيش مع النهر ومكانه في الشعر العربي :
قال كشاجم :
والنهر بين اعتدال في سيره وتأودْ
كالأفعوان تلوى ثم استوى وتمددْ
وقال أبو إسحاق بن خفاجة :
لـلـه نـهـر سـال في مـتـعـطـف مثل السوار كأنه قـد رق حتى ظن قرصا مفْرغا وغـدت تحف به الغصون كأنها والريح تعبث بالغصون وقد جرى | بطحاءِأشـهـى ورودا من لمى الحسناءِ والـزهـر يـكـنفه مجرُّ سماء مـن فـضـة في بردة خضراء هـدب يـحـف بـمقلة زرقاء ذهـب الأصيل على لجين الماء |
وهو في البيت الأخير متأثر بقول كشاجم في وصف نهر " قويق " :
وإن تألق للشم س فيه ضوء ومورد
حسبت أن لجينا يذاب فيه بعسجد
**************
ويقول بن حمديس :
ومُـطـرَّد الأمـواج يصقل جريح بأطراف الحصى كلما جرى كـأن حـبـابا ريع تحت حَبابه | متنهصَـبَا أعْلنتْ للعين ما في عـلـيـهـا شكا أوجاعه بخريره فـأقـبـل يـلقي نفسه في غديره | ضميرهِ
وقال أبو عبد الله محمد بن غالب البلنسي المعروف بالرصافي الرفاء:
ومـهدل الشطين تحسب فاءت عليه مع الهجيرة سرحة فـتراه أزرق في غلالة سمرة | أنهمُـتـسـيِّل من درة صـدِئَت لفيئتها صفيحة مائه كـالدارع استلقى بظل روائه | لصفائهِ
وقال الصنوبري في وصف دجلة :
فـلـمـا تعالى البدر واشتد وقـد قـابـل الماء المفضض نوره تـوهـم ذو الـعـيـن البصيرة أنه | ضوؤهبـدجلة في تشرين بالطول وبعض نجوم الليل يطفي سنا بعض يرى ظاهر الأفلاك في باطن الأرض | والعرض
**************
أما أبو الحجاج المنصفي فيشبه الزورق بصقر انحط مذعورا على صفحة النهر فرارا من عُقاب يطارده ، ثم يشبهه بمقلة للجو أهدابها وأجفانها المجاديف ، يقول أبو الحجاج المنصفي :
وسابح بان لا تثنى قوائمه كالصخر ينحط مذعورا لعقبان
كأنه مقلة للجو شاخصة ومن مجاديفه أهداب أجفان
وقال علي بن لبّال يصف سباق الزوارق على صفحة النهر :
بـنفسي هاتيك الزوارقُ وقد كان جيد النهر من قبل عاطلا عـليها لزهر الشمع زُهرٌ كواكب ورب مـثـار بـالـجناح وآخر | أجريتكـحـلـبـة خـيل أولا ثم فـأمسى به في ظلمة الليل حاليا تـخـال بها ضمن الغدير عواليا بـرِجْل يحاكي أرنبا خاف بازيا | ثانيا
**************
وظاهرة المد والجزر كانت تؤثر تأثيرا واضحا في نهر " أشبيلية " إلى امتداد 72 ميلا فيما يذكر صاحب " نفح الطيب " . قال أبو الحسين محمد بن سفر يصف نهر أشبيلية وقت الجزر وصفا طريفا فكها فيقول :
حيث الجزيرة والخليج شق النسيم عليه جيب قميصه فتضاحكت ورق الحمام بدوحِه | يحفهايـشكو إليها كي تجيب حواره فانساب من شطيه يطلب ثأره هـزءا فضم من الحياء إزاره |
والخلجان والغدران والجداول من الظواهر التي ترتبط إيجابا وسلبا: فالأولى تمده ، والثانية والثالثة تتلقى منه المدد .
يقول أبو الفضل جعفر بن محمد بن الأعلم :
هذا الخليج وهذه أدواحه جسمٌ نسيم رياضِه أرواحُهُ
سيف إذا ركد الهواء بصفحه درع إذا هبت عليه رياحه
**************
وقال شاعر أندلسي في الجدول ( النهير الصغير ) :
وحـديـقـة مخضرة نـادمـت فيه فتية صفحاتهم والجدول الفضي يضحك ماؤه وإذا تـجـعد بالنسيم حسبته وتـنـاثرت نقط على حافاته وتـدحرجت للناظرين كأنها | أثوابهافـي قضبها للطير كل مغرَّد مثل البدور تنير بين الأسْعُد فـكأنه في العين صفْح مهنّد بـمـا تـراه مُـشْبها للمبْرَد كـالـعِـقد بين مجمّع ومبدد درٌ نـثـير في بساط زبرجد |
**************
وقال الرصافي البلنسي الرفاء في الدولاب ( وهو كالساقية المصرية ) :
وذي حـنـين يكاد لـما غدا للرياض جارا يبتسم الروض حين يبكي مـن كل جفن يسل سيفا | شوقايـخْتلس الأنفس اختلاسا قـال له المحْلُ لا مساسا بـأدمـع مـا رأين باسا صـار لـه غمده رئاسا |
وقال فيه ابن سعد البلنسي :
لـلـه دولاب يـفيض قـد طارحته به الحمائم شجوها فـكـأنـه دنـف يدور بمعهد ضاجت مجاري طرفه عن دمعه | بسلسلفـي روضـة قـد أينعت أفنانا فـيـجـيـبها ويرجع الألحانا يـبـكـي ويسأل فيه عمن بانا فـتـفـتـحت أضلاعُه أجفانا |
وقال الصنوبري في نهر " قويق " (الذي كان يجف في الصيف) :
قـويق إذا شم ريح الشتاء وإن أقبل الصيف أبصرته إذا مـا الـضفادع نادينه: | أظـهر تيها وكبرا ذلـيلا حقيرا حزينا كئيبا "قويق قويق" أبى أن يجيبا | عجيبا
**************
وبهذه الأبيات نختم حلقتنا عن النهر ، ونودعك أخي القاريء وندعو الله أن نلتقي في حلقة وحلقات أخر بمشيئة الله .