مع الدعاة خطوة خطوة

كلمة عن كتاب:

أ.د/ جابر قميحة

[email protected]

بسم الله الرحمن الرحيم وصلاتي وسلامي على نور بصري وبصيرتي محمد بن عبد الله وآله أجمعين . أما بعد : فقد عشت ليلتين مع سِفر ضخم ، يعد عطاء طيبا جدا في مجال الفكر الإسلامي ، والدعوة إلى الله ، وهو كتاب مع الدعاة خطوة خطوة للأستاذين الكريمين منصور عبد الظاهر ، وحسن أحمد المحراث .

 وقد جاء الكتاب في زمن الغربة والكربة ، ليكون ضميمة حية لكتب الدعوة إلى الله على بصيرة . اسم الكتاب مع الدعاة خطوة خطوة ، وكنت أتمنى أن تكون التسمية " مع الدعوة والدعاة خطوة خطوة " حتى لا يفهم القارئ أنه كتاب خصص لعرض مجموعة من الدعاة بطريقة " الترجمة الغيرية " ، مع أن الكتاب يعد موسوعة للدعوة والدعاة والتيارات الفكرية ، ومكان العقيدة الإسلامية في نفوس المسلمين ، وجهود الدعاة في عرض المفاهيم وتعميقها .

 والكتاب كما قلت عطاء موسوعي جمع بين القديم والجديد ، وبين التراث والمعاصرة ، ونشهد بأن أقوى ما فيه هو التصدي للشبهات التى يثيرها دعاة الباطل من العلمانيين وغيرهم . وسِمة أخرى يجب ألا تغيب عنا ، وهي الوحدة الموضوعية والفنية التى جمعت علميات الكتاب في نسق فكري وتعبيري واحد ، وكأن الكتاب ألفه كاتب لا كاتبان ، وهذا في ذاته يدلنا على أن العقيدة السمحة تخلق في القلوب والعقول رابطة قوية ، حتى يصبح العطاء متدفقا من معين واحد ، ويأخذ مجراه الحميد إلى قلوب الناس وعقولهم دون عوج أو التواء .

 جاء الكتاب ليكون واحدا من أعطيات الراسخين في العلم ، بعد أن ساد تيار " الراسخين في الجهل " . وقد جاء في الأثر " إن لكل شيء إقبالا وإدبارا ، وإن من إدبار هذا الدين ما كنتم عليه من جهالة ، وإن من إدبار هذا الدين أن تجفو ( أي تجهل ) القبيلة كلها حتى ما يكون فيها إلا العالم أو العالمان ، فهما مقهوران ذليلان ، إذا أمرا بمعروف ونهيا عن منكر ذلا وقهرا ، وإن من إقبال هذا الدين ما نصركم الله في بدر ، وإن من إقبال هذا الدين أن تعلم القبيلة كلها حتى ما يكون فيها إلا الجاهل أو الجاهلان فهما مقهوران ذليلان ، إذا أمرا بمنكر ، أو نهيا عن معروف ذلا وقهرا " .

 فلا مبالغة فيما ذهبت إليه من أننا نعيش عصر " الراسخين في الجهل " . ومما يؤسف له أن هؤلاء هم الذين تسلط عليهم الأضواء الإعلامية ، ويحتلون أعلى المراكز الإدارية والأدبية . وقد صدق رسول الله صلى الله عليه وسلم إذ أجاب أحد السائلين عن علامات القيامة بقوله : " إذا ضيعت الأمانة فانتظر الساعة ، وإذا وٌسـِّـد الأمر غير أهله فانتظر الساعة " . ألسنا في عهد قوم ضيعوا الأمانة ، وسيطروا على ما لا يستحقون من مراكز عليا لا يفهمون دقائقها وما تتطلبه من علم وحكمة ودراية .

 والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر واجب يلزم الجميع ، كلا بقدر استطاعته ، وقد وضح رسول الله صلى الله عليه وسلم " أن لكل عمل من الأعمال الطيبة صدقة فهو القائل : ألا إن بكل تكبيرة صدقة ، وبكل تحميدة صدقة ، وتميط الأذى عن الطريق صدقة ، وفي بُـضع أحدكم صدقة .. الخ

 ولكن بعض الناس فهم أن الإسلام يدعو إلى الاكتفاء بإصلاح الذات وذلك من قوله تعالى : " يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا عَلَيْكُمْ أَنْفُسَكُمْ لَا يَضُرُّكُمْ مَنْ ضَلَّ إِذَا اهْتَدَيْتُمْ إِلَى اللَّهِ مَرْجِعُكُمْ جَمِيعًا فَيُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ " المائدة (105) .

 ولكن الصحيح ما يبرزه الحديث النبوي الآتي " عن أبي أمية الشعباني رضى الله عنه قال سألت أبا ثعلبة عن قول الله سبحانه وتعالى " يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا عَلَيْكُمْ أَنْفُسَكُمْ لَا يَضُرُّكُمْ مَنْ ضَلَّ إِذَا اهْتَدَيْتُمْ .... " . قال أبو ثعلبة أما والله لقد سألــَت عنها خبيرا ، سألتُ رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال : " بل اتمروا بالمعروف ، وتناهوا عن المنكر ، حتى إذا رأيت شحا مطاعا ، وهوى متبعا ، ودنيا مؤثرة ، وإعجاب كل ذي رأي برأيه ، فعليك بخاصة نفسك ، فإن من ورائكم أياما الصبر فيها مثل القبض على الجمر ، للعامل فيها مثل أجر خمسين رجلا يعملون مثل عملكم " . قلت " يا رسول الله خمسين منا أو منهم ؟ " قال " بل خمسين منكم "

**********

 وقارئ الكتاب يكتشف بسهولة أنه يأخذ نفسه بقاعدة التدرج ابتداء من أول نقطة في الموضوع ، والسير والتصعيد إلى أن يتكامل الموضوع بكل جزئياته ، بأداء تعبيري يتسم بالإيجاز والتركيز ، ولكن ذلك لم يكن على حساب الوضوح .

 والكتاب في الواقع معرض لكثير من القيم والمبادئ التى ترتبط بالدعوة ارتباطا وثيقا ، فاتسع لفن الدعوة ومنهجها الأصيل ، وواجب الدعاة ، والأحكام الدينية ، والسياسة الشرعية وأصول الحكم ، وأمراض القلب والنفس والمجتمع ، والاقتصاد ، والحقائق التاريخية قديما وحديثا ، والتصدي للشبهات التى تنال من الإسلام ، أو تؤول الآيات على غير هدى وبصيرة ، وللأسف نجد من هؤلاء علماء ( بالمفهوم الرسمي ) . ونجد في هذا التصدي ما يدل على قوة عارضة المؤلفين الكريمين ، فهما يردان الشبهات بوجدان إيماني متوقد وفكر واع حصيف ، دون ما غلو أو إسراف ، كما نجد في رد شبهة الشيخ محمد بن فتح الله بدران ، وشبهة الشيخ الدكتور عبد الرحمن بيصار ... الخ .

 وثمة بعض الهنات اللغوية التى يجب أن يتنزه عنها كتاب في مثل هذه العظمة ، منها على سبيل التمثيل " تعريف كلمة غير ، فلا يصح أن نعرفها بالألف واللام ، لأنها ــ كما يقول النحاة ــ موغلة في الإبهام . وكذلك حذف المضاف إليه الأول ، كقولنا : (درست سيرة وأحاديث النبي). والصحيح (درست سيرة النبي وأحاديثه) . ومم جاء في الكتاب " بفضل وثواب نشر الدعوة الإسلامية " .

 ولم يرد هذا في العربية إلا شذوذا . كقول الفرزدق :

يا من رأى عارضا أسر به      بين ذراعيْ وجبهةِ الأسدِ

والتقدير : بين ذراعي الأسد وجبهته .

(والعارض :السحاب المعترض في الأفق . والأسد أراد به برج الأسد ، وهو برج من بروج الشمس ) .

 **********

 وما قدمته لا يزيد على كونه كلمة عابرة عن هذا السفر العظيم ، وهو جدير بكل تقدير ، وأتمنى أن يكون في يدي كل مسلم ــ بما جمع وأوعى ــ وذلك عن قريب إن شاء الله ، ولنا مع الكتاب وقفات ووقفات بمشيئة الله ، مع تقديري للعالمين الجليلين منصور عبد الظاهر وحسن أحمد المحراث .