تَعْليقاتٌ عَلى مُتونِ الْكُتُبِ الْعَرَبيَّةِ

تَعْليقاتٌ عَلى مُتونِ الْكُتُبِ الْعَرَبيَّةِ 20

مَنْهَجٌ فِي التَّأْليفِ بَيْنَ كُتُبِ الْعِلْمِ وَبَيْنَ طُلّابِها ، بِوَصْلِ حَياتِهِمْ بِحَياتِها

تَعْليقَةٌ عَلى مَتْنِ " شَرْحُ أَحاديثَ مِنْ صَحيحِ الْبُخاريِّ : دِراسَةٌ في سَمْتِ الْكَلامِ الْأَوَّلِ "

لِلدُّكْتورِ مُحَمَّدْ مُحَمَّدْ أَبو موسى

د. محمد جمال صقر

[email protected]

قالَ

قُلْتُ

أَيُّ أَدَبٍ يَسْتَطيعُ مُنْصِفٌ أَنْ يُقَدِّمَه عَلى أَدَبِ عَليٍّ وَابْنِ مَسْعودٍ وَابْنِ عَبّاسٍ وَابْنِ عُمَرَ وَقَيْسِ بْنِ الْأَحْنَفِ وَغَيْرِهِمْ ! إِنَّ أَدَبَ هؤُلاءِ بَصائِرُ يُهْتَدى بِها ، وَقَدْ أَمَرَنا رَسولُ اللّهِ - صَلَّى اللّهُ عَلَيْهِ ، وَسَلَّمَ ! - أَنْ نَضَعَ أَصْحابَه فِي الْهِدايَةِ مَواضِعَ النُّجومِ ، وَهُوَ حينَ يُبَلِّغُنا ذلِكَ إِنَّما يُبَلِّغُنا وَحْيَ رَبِّه . وَلَمْ يَبْقَ لَنا مِنْ أَصْحابِه إِلّا بَيانُهُمْ ؛ فَهُوَ النَّجْمُ الَّذي يُهْتَدى بِه ، وَالسّاري إِذا تَرَكَ الْمَناراتِ ضَلَّ ، وَقَدْ أَوْقَدوا لَنَا الْمَناراتِ ، وَكانوا كَما قالَ الْأَوَّلُ :

خَضَأْتُ لَه ناري فَأَبْصَرَ ضَوْءَها وَما كانَ لَوْلا خَضْأَةُ النّارِ يَهْتَدي

يا مَناراتُ اسْطَعي لي أَرْسُمِ الْمَخْبوءَ في أَشْجانِه مِنْ قَبْلِ أَنْ يُدْرِكَ عَيْنِي الْغَرَق !

وَارْسُمي آيَتَكِ الْكُبْرى عَلَى الْأَطْلالِ تَسْطَعْ إِنَّ قَلْبي صَعِق !

أَنا كَلِفٌ بِهذَا اللَّوْنِ مِنَ التَّحْليلِ ، وَأَسْتَهْدِفُ ذلِكَ في كَثيرٍ مِمّا أَكْتُبُه ، وَلا أُنَبِّهُ إِلَيْهِ إِلّا قَليلًا ، لِأَنَّه يَروغُ مِنّي ! وَأَسْتَعْذِبُ الرَّكْضَ وَراءَ السَّرابِ مِنْهُ ، وَأَرْجو أَنْ يُتاحَ لِدِراسَةِ بَيانِ هذَا اللِّسانِ الشَّريفِ ، مَنْ يَخْطو عَلى هذَا الدَّرْبِ ، وَيَكونُ أَثْبَتَ قَدَمًا ، وَأَنْفَذَ لِسانًا وَطَبْعًا ! وَرُبَّما هَداهُ الْقَطا يَوْمًا إِلى مائِه ، وَيَوْمَئِذٍ تَتَجَلّى حَقائِقُ جَليلَةٌ في دَرْسِ أَدَبِ هذَا اللِّسانِ خَسَفَتْها دِراساتٌ أَعْجَميَّةٌ فاسِدَةٌ ، يَوْمَ شُغِلَتِ الْأَجْيالُ عَنْ مِثْلِ هذِهِ الْأَهْدافِ

أحسن ما قلت " أستعذب الركض وراء السراب " ، وإنني فيه لمثلك ، وأود أن أكون المشار إليه ، المبشر به ، ولكنَّ مِثْلَه لا يَتَوَقَّعُ نفسه !

يا ويلي !

رَبِّ ، عافني ، واعف عني ، ووفقني !

الْواوُ الَّتي في قَوْلِه : " وَكانَ يَخْلو بِغارِ حِراءٍ " ، كُنْتُ أَظُنُّها فاءً ؛ فَراجَعْتُ الْجامِعَ الصَّحيحَ ، وَفَتْحَ الْباري ، وَعُمْدَةَ الْقاري ، وَالرِّواياتِ الَّتي ذَكَرَهَا الْعَيْنيُّ ، فَوَجْدْتُها في جَميعِها واوًا . وَلَوْ كانَتْ فاءً لَكانَتْ مَعْطوفَةً عَطْفَ تَرْتيبَ بِلا مُهْلَةٍ ، عَلى " حُبِّبَ إِلَيْهِ الْخَلاءُ " ، وَكانَ يَكونُ الْكَلامُ " حُبِّبَ إِلَيْهِ الْخَلاءُ ، فَكانَ يَخْلو " ، وَكَأَنَّه خَبَرٌ واحِدٌ وَما تَرَتَّبَ عَلَيْهِ ، وَهذِهِ الْواوُ جَعَلَتِ الْكَلامَ خَبَرَيْنِ : " حُبِّبَ إِلَيْهِ الْخَلاءُ " ، وَ" كانَ يَخْلو " ؛ وَهذا يوجِبُ أَنْ يَكونَ هُنا حَذْفٌ أَيْ : " حُبِّبَ إِلَيْهِ الْخَلاءُ " ، فَخَلا ، " وَكانَ يَخْلو في غارِ حِراءٍ " ؛ فَالْخَلْوَةُ الْمُتَرَتِّبَةُ عَلى حُبِّ الْخَلاءِ مَحْذوفَةٌ ، وَالْمَذْكورُ خَبَرٌ آخَرُ عَنِ الْمَكانِ الَّذي كانَ يَخْلو فيهِ . وَهذا هُوَ حاقُّ مَعْنَى الْواوِ

ربما كان في الواو على ما ذكرتَها به ، تنبيه على ما ينبغي أن يُسْتنبط من أنه لما حبب إليه الخلاء ، كان يخلو خلوات مختلفات قريبة وبعيدة ، وكانت منها خلوته بغار حراء

التَّزْميلُ مَعْناهُ الِاشْتِمالُ وَالتَّلْفيفُ

ليكن إذن التَّشْميل !

لَمْ تَكُنْ خَديجَةُ وَحْدَها هِيَ الَّتي تَعْلَمُ ذلِكَ ، وَلَمْ يَكُنْ أَهْلُ النَّصْرانيَّةِ هُمْ مَصْدَرَ ذلِكَ ، وَإِنَّما بقايا دينِ إِبْراهيمَ - عَلَيْهِ السَّلامُ ! - وَهذا لَمْ نُحَقِّقْهُ في دِراسَةِ تاريخِ الْجاهِليَّةِ ، لِأَنَّنا نَنْزِعُ وَنَحْنُ نَتَكَلَّمُ عَنْهُمْ ، إِلى دَفْعِهِمْ بِكُلِّ باطِلٍ ؛ حَتّى نَنْتَهِيَ إِلى أَنَّ الْإِسْلامَ هُوَ الَّذي أَنارَ لَهُمْ كُلَّ شَيْءٍ ، وَهذا شُعورٌ طَيِّبٌ ،وَلكِنْ مِنَ الطَّيِّبِ أَيْضًا أَنْ نُنْصِفَ الْواقِعَ الْعَرَبيَّ ، وَهذا لا يَنْقُصُ شَيْئًا مِنْ عَظَمَةِ الْإِسْلامِ ، وَأَنَّ هذَا الدّينَ الْعَظيمَ صادَفَ خِيارًا ؛ فَكانوا خِيارًا فِي الْإِسْلامِ ، كَما كانوا خِيارًا فِي الْجاهِليَّةِ ، وَزادَهُمُ الْإِسْلامُ فِقْهًا

هذه معالم مدرستنا الشاكرية - والمؤلف من أعلامها - قد ظهرت ؛ فمن رأيها أن أفاضل أولئك ، رباهم الله - سبحانه ، وتعالى ! - على عينه ، ليحملوا دينه وكتابه

كانَ يُمْكِنُ أَنْ يُقالَ : فَانْطَلَقا إِلى وَرَقَةَ ؛ حَتّى أَتَياهُ . وَفي هذَا التَّرْكيبِ إِهْدارٌ لِلْمَعْنَى الْمُرادِ ، وَهُوَ أَنَّها هِيَ الَّتِي انْطَلَقَتْ ، وَهِيَ الَّتي أَتَتْ ، وَأَنَّه - عَلَيْهِ السَّلامُ ! - كانَ يَكونُ مَعَها . وَوَراءَ ذلِكَ مَعْنَيانِ : الْأَوَّلُ أَنَّه - عَلَيْهِ السَّلامُ ! - لَمّا أَلَمَّ بِه هذَا الْأَمْرُ ، جَعَلَ يَتَلَمَّسُ جَليَّةَ الْأَمْرِ فيهِ ، وَلَمْ يَجِدْ أَصْدَقَ وَلا أَنْفَذَ وَلا أَحْكَمَ ، مِنْ خَديجَةَ - وَالثّاني أَنَّه - عَلَيْهِ السَّلامُ ! - كانَ في طَبْعِه سُهولَةٌ وَلينٌ ، وَكانَ سَمْحًا وَدودًا ذا مَرْحَمَةٍ ؛ حَتّى كانَتِ الْجارِيَةُ توقِفُه وَتَسْأَلُه فيما تَشاءُ ، وَتُكاشِفُ أَحْيانًا بِما كانَ يُنْكِرُ الصَّحابَةُ سَماعَه ، وَهُوَ - عَلَيْهِ السَّلامُ ! - يَسْمَعُ ، وَيُجيبُ بِسَماحَةِ نَفْسٍ وَسَعَةِ صَدْرٍ وَكَرَمِ طَبْعٍ ، وَيُنْكِرُ عَلى مَنْ يُنْكِرُ !

لقد ذُكر في صفات المؤمن سهولةُ الطبع ولينُ العَريكة ؛ فمن وجدها في نفسه عفوا ، فليحمد الله ، وليشكره بحُسْنِ شُمولِ الناس بِهما ، ومن لم يجدها ، فليجتهد في تحصيلها بالتظاهر ، حتى الظهور !

" مُخْرِجيَّ " أَصْلُها مُخْرِجوني ؛ فَحُذِفَتِ النّونُ لِلْإِضافَةِ ، فَاجْتَمَعَتِ الْواوُ وَالْياءُ ، وَسُبِقَتْ إِحداهُما بِالسُّكونِ ، فَقُلِبَتِ الْواوُ ياءً ، وَأُدْغِمَتِ الْياءُ فِي الْياءِ ، وَقُلِبَتْ ضَمَّةُ الْجيمِ كَسْرَةً لِتَناسُبِ الْياءِ

إنما أرادوا في هذه الكلمة التحريرية ، أن قلب الواو ياء وإدغامها في الياء ، حَتْمٌ متى اجتمعتا وكانت أولاهما ساكنة ، واوا كانت هذه السابقة أم ياء . أما سُبِقَتْ بالبناء للمجهول ، فركيك !

مِنْ بَلاغَةِ هذَا الْقُرْآنِ الْعَظيمِ ، أَنَّ الْآيَةَ تَنْزِلُ في حادِثَةٍ تُطابِقُها أَدَقَّ الْمُطابَقَةِ ، فَإِذا أَبْعَدْتَها عَنْ هذِهِ الْحادِثَةِ ، رَأَيْتَ أُصولًا عامَّةً تَسْتَوْعِبُ كُلَّ حَدَثٍ يَدْخُلُ في هذَا الْبابِ ، فَإِذا كانَتْ هذِهِ الْآياتُ ( ذرني ومن خلقت وحيدا ... لا تبقي ولا تذر ) نَزَلَتْ فِي الْوَليدِ ، فَهِيَ تَصِفُ النَّموذَجَ الْمُتَحَدّي وَالْمُعانِدَ في كُلِّ زَمانٍ وَمَكانٍ . وَقَدْ وَقَفْتُ أَتَأَمَّلُ هذَا النَّموذَجَ ، وَأَنْظُرُ حَوْلي ؛ فَأَجِدُ الْآيَةَ كَأَنَّها نَزَلَتْ فيمَنْ حَوْلي ! وَلا تَنْسَ أَنَّ أَبْناءَ الْوَليدِ الشُّهودَ الْمَذْكورينَ فيِ الْآيَةِ ، مِنْهُمْ سَيْفُ اللّهِ خالِدٌ ، وَمِنْهُمْ عُمارَةُ ، وَهِشامٌ ، وَقَدْ دَخَلَ في دينِ اللّهِ أَبْناءُ الْوَليدِ هؤُلاءِ الثَّلاثَةُ ، وَلا تَنْسَ أَيْضًا أَنَّ الْوَليدَ هُوَ الَّذي قالَ : " وَاللّهِ لَقَدْ سَمِعْتُ مِنْ مُحَمَّدٍ آنِفًا كَلامًا ما هُوَ مِنْ كَلامِ الْإِنْسِ ، وَلا مِنْ كَلامِ الْجِنِّ ! وَإِنَّ لَه لَحَلاوَةً ، وَإِنَّ عَلَيْهِ لَطُلاوَةً ، وَإِنَّ أَعْلاهُ لَمُثْمِرٌ ، وَإِنَّ أَسْفَلَه لَمُغْدِقٌ ، وَإِنَّه يَعْلو وَما يُعْلى " ! وَهذا كَلامُ مَنْ أَدْرَكَ آيَةَ اللّهِ فيما سَمِعَ ؛ حَتّى إِنَّ قُرَيْشًا قالَتْ : صَبَأَ - وَاللّهِ - الْوَليدُ ! وَكانَ بَيْنَ الرَّجُلِ وَالْخَيْرِ خُطْوَةٌ واحِدَةٌ ، وَلكِنَّهُ الْخِذْلانُ ! وَإِنَّما اشْتَدَّ غَضَبُه - سُبْحانَه ! - عَلى مَنْ عَرَفَ الْحَقَّ وَعانَدَ

سميت المؤلف العالم الفنان ، من قبل : " البلاغي الفيلسوف ، أو الفيلسوف البلاغي " ، وأدعو له ، ثم لنفسي !

يا كم أتمنى أن أفرغ لأصول كلام ثقافتنا العربية الإسلامية ، مثلما فرغ !

رضي الله عنه !

قَدْ كُنْتُ أَرَدْتُ أَنْ أَضُمَّ مَقالَةَ هِرَقْلَ قُسِّ الرّومِ ، في نُبوَّةِ مُحَمَّدٍ - صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ ، وَسَلَّمَ ! - وَقَطْعِه بِأَنَّهُ النَّبيُّ الَّذي بَشَّرَتْ بِهِ الْكُتُبُ إِلى مَقالَةِ وَرَقَةَ بْنِ نَوْفَلٍ الْقُسِّ الْقُرَشيِّ الْعَريقِ الَّذي أَحَبَّه قَوْمُه لِأَنَّ بَيْنَ الْمَقالَتَيْنِ شَبْهٌ ظاهِرٌ

صوابه " شَبَهًا ظاهِرًا " ؛ فالأولى اسم أن والآخرة نعته ! وربما عجبت أن تقع أمثال هذه الهفوات على علمك أن لكل عالم هفوة ! ألا فليكفك أن تشعر بتعلق كيانات أمثال المؤلف العالم الفنان ، بما ربما أذهلهم عن تكرار النظر في العبارة التي غيروها ولم ينتبهوا إلى بعض آثار ما كانت عليه ، مما لا يجوز فيما صارت إليه . ولكن المتعجلين المغرورين ، لا يكتفون ؛ فيذهبون يضربون بذلك الطبل !

أَغْفَلْنا هذِهِ الرّابِطَةَ الْحَميمَةَ بَيْنَ الْبَيانِ وَالسُّلوكِ ؛ فَفاتَنَا الْكَثيرُ مِنْ فَهْمِ الْبَيانِ ، لِأَنَّ التَّهْذيبَ وَالتَّثْقيفَ لَيْسَ تَهْذيبَ لِسانٍ ، فَحَسْبُ ، وَإِنَّما هذِهِ اللُّغَةُ الْمَصْقولَةُ وَالْبَعيدَةُ عَنِ الشَّوائِبِ وَالْأَخْلاطِ وَالْفُضولِ ، هِيَ لُغَةُ السُّلوكِ الَّذي هذا وَصْفُه ، وَإِنَّ الْإِطْنابَ قَبْلَ أَنْ يَكونَ إِطالَةً فِي الْكَلامِ ، هُوَ إِطالَةٌ فِي الْفِعْلِ وَامْتِدادٌ وَتَرَهُّلٌ فِي السُّلوكِ نَفْسِه ، وَخُصوصًا في لُغَةِ الْحِكايَةِ وَالْخَبَرِ كَهذِهِ اللُّغَةِ الَّتي تُعالِجُها ، وَالَّتي تَرى مِنْ خِلالِ كَلِماتِها ، سُلوكَ هذَا الصَّحابيِّ الْجَليلِ ، وَهُوَ في مَعيَّةِ رَسولِ اللّهِ ، صَلَّى اللّهُ عَلَيْهِ ، وَسَلَّمَ ! وَكَذلِكَ كانَ سُلوكُ الشَّيْخَيْنِ مَعَه - رِضْوانُ اللّهِ عَلَيْهِمْ جَميعًا ! وَاقْرَأْ مَرَّةً أُخْرى ، لا لِتَتَأَمَّلَ اللُّغَةَ وَلكِنْ لِتَتَأَمَّلَ السُّلوكَ وَالْأَحْداثَ الَّتي وَراءَ الْكَلامِ ، تَجِدْ سُلوكًا مُخْتَصَرًا اخْتِصارَ الْكَلامِ ، صافِيًا صَفاءَ اللُّغَةِ ، وَمُنْسابًا انْسِياَب اللُّغَةِ ، وَكَأَنَّ اللُّغَةَ في حَقيقَتِها ، هِيَ شَيْءٌ ما ؛ حَدَثٌ ، أَوْ فِعْلٌ ، أَوْ فِكْرَةٌ تُحَوِّلُ هذَا الشَّيْءَ إِلى لُغَةِ الْأَحْداثِ وَالْأَفْعالِ وَالْخَواطِرِ ، بُنِيَتْ تَرْكيبًا ، وَلَمْ تُبْنَ في تَرْكيبٍ ، مَوْقِفٌ نَفْسيٌّ تَحَوَّلَ إِلى لُغَةٍ ، وَكَأَنَّنا نَتَسامَحُ حينَ نَقولُ الْمَعْنى في هذَا التَّرْكيبِ ، لِأَنَّ الْحَقيقَةَ هِيَ أَنَّ الْمَعْنى هُوَ هذَا التَّركيبُ ، إِذا صَفَتِ الْفِكْرَةُ ، وَتَحَدَّدَتْ ، وَكانَتْ عَميقَةً وَسَخيَّةً ، وَاخْتَلَطَتْ بِها أَوْشابٌ وَأَخْلاطٌ رَأَيْتَ اللُّغَةَ كَذلِكَ

كنت اليوم أحدث تلامذتي عما ينبغي أن يكون بين كلام الإنسان وجسمه !

تَعْبيرُ " خُذْ فَأَخَذْتُ " ، وَ" وَالْحَقْ فَمَضَيْتُ " ، وَ" اقْعُدْ فَقَعَدْتُ " ، وَ" اشْرَبْ فَشَرِبْتُ " - وَقَدْ تَكَرَّرَ هذا - هُوَ مِنْ عَطْفِ الْمَعْنى عَلَى الْمَعْنى ؛ حَتّى لا نُخالِفَ الْمَشْهورَ مِنْ قَوْلِهِمْ : لا يُعْطَفُ الْخَبَرُ عَلَى الْإِنْشاءِ

بل الخبر معطوف على الخبر ، ولكن المعطوف عليه في هذا الأسلوب ، هو فِعْل القَوْل المفهوم من ذكره أولا ، المقدر قبل كل أَمْرٍ !