تَعْليقاتٌ عَلى مُتونِ الْكُتُبِ الْعَرَبيَّةِ 18
تَعْليقاتٌ عَلى مُتونِ الْكُتُبِ الْعَرَبيَّةِ = 18
مَنْهَجٌ فِي التَّأْليفِ بَيْنَ كُتُبِ الْعِلْمِ وَبَيْنَ طُلّابِها ، بِوَصْلِ حَياتِهِمْ بِحَياتِها
[ تَعْليقَةٌ عَلى مَتْنِ " جَمْهَرَةُ مَقالاتِ الْأُسْتاذِ مَحْمودْ مُحَمَّدْ شاكِرْ " ]
د. محمد جمال صقر
قالَ |
قُلْتُ |
بَقِيَ بَعْدَ هذا أَنْ نَسْأَلَ الْأُسْتاذَ ( جبرائيل سليمان جبور أحد مدرسي الأدب العربي بجامعة بيروت الأمريكية ) ، أَلّا يَحْمِلَ عَلَيْنا إِذا قُلْنا مَعَ تَقْديرِنا لِكِتابِه هذا ( ابن عبد ربه وعقده ) : إِنَّه تَعَجَّلَ فَلَمْ يُعْنَ بِاخْتِيارِ الْأَلْفاظِ وَالتَّرْكيبِ الْفَصيحِ الْعِبارَةِ ! وَلا نُحِبُّ أَنْ نوقِفَه عَلى شَيْءٍ مِنْها ؛ فَما نَظُنَّ أَنَّ صَوابَ الرَّأْيِ فيها بَعيدٌ عَنْه ؛ " وَمِنْ زينَةِ الْحَسْناءِ لِباسُها " ! |
ولكن هذا جسم الحسناء ، وذاك روحها ، ولا تقوم لها بغيرهما معًا قائمة ! |
(...) إِلّا أَنَّ أَكْثَرَ مَا اسْتَدْرَكَه ( الشيخ إبراهي اليازجي ) ، عَلى كُتُبِ اللُّغَةِ الَّتي أُلِّفَتْ فِي الْعَصْرِ الْأَخيرِ لَمْ يَظْهَرْ مِنْها إِلَّا الْقليلُ ؛ وَلَعَلَّ ذلِكَ يَرْجِعُ إِلى أَنَّه لَمْ يُقَيِّدْهُ بِالْكِتابَةِ كَما بَيَّنَ الْأُسْتاذُ جُبْرانْ نَحّاسْ ، في مُقَدِّمَةِ هذَا الْكِتابِ ؛ قالَ : " وَلكِنَّه كانَ أَثْناءَ مُطالَعَتِه إِذَا اسْتَوْقَفَ نَظَرَه لَفْظٌ أَشارَ إِلَيْهِ بِنُقْطَةٍ عَلى الْهامِشِ ، وَهُوَ فِي الْغالِبِ يَرْسُمُ خَطًّا تَحْتَ ذلِكَ اللَّفْظِ ، وَرُبَّما عَنَّ لَه شَيْءٌ مِمّا فاتَ الْمُصَنِّفَ ( يَعْنِي الْبُسْتانيَّ صاحِبَ مُحيطَ الْمُحيطِ ) ، فَاسْتَدْرَكَه ، وَلكِنَّه لَمْ يَتَكَلَّفْ مِثْلَ هذا الِاسْتِدْراكِ إِلّا فيما نَدَر " |
على مثل هذا جَرَيْتُ ؛ حتى لَأَعْجِزُ عن التفكير في نشر ذلك المقدار الضخم على الناس ! كنت أخط تحت الخطأ ، وأُنَبِّهُ عليه في حاشية جانبه ، بعلامة × ، فإذا صَحَّحْتُه حيث هو ، فبعلامة (×) . وأخط تحت العبارة تعجبني أتوقع حاجتي إلى نَقْلَها ، وأنبه عليها في حاشية جانبها ، بعلامة * ، فإذا لم أتوقع حاجتي إلى نقلها ، فبعلامة (*) . |
رَأَيْنا قُتَيْبَةَ بْنَ مُسْلِمٍ عامِلَ الْحَجّاجِ بْنِ يوسُفَ " الْمَشْهورِ بِغَطْرَسَتِه وَقَسْوَتِه " ، يَخْطُبُ فِي النّاسِ ، وَيَقولُ لَهُمْ : إِنَّ اللّهَ قَدْ أَحَلَّكُمْ هذَا الْمَحَلَّ لِيُعِزَّ دينَه ، وَيَذُبَّ بِكُمْ عَنِ الْحُرُماتِ ، ويَزيدَ لَكُمُ الْمالَ اسْتِفاضَةً وَالْعَدوَّ قَمْعًا . وَوَعَدَ نَبيَّه - صَلَّى اللّهُ عَلَيْهِ ، وَسَلَّمَ ! - النَّصْرَ بِحَديثٍ صادِقٍ وَكِتابٍ ناطِقٍ ، فَقالَ : " هُوَ الَّذي أَرْسَلَ رَسولَه بِالْهُدى وَدينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَه عَلَى الدّينِ كُلِّه وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكونَ " . وَوَعَدَ الْمُجاهِدينَ في سَبيلِه أَحْسَنَ الثَّوابِ ، وَأَعْظَمَ الْأَجْرِ عِنْدَه ، فَقالَ : " ذلِكَ بِأَنَّهُمْ لا يُصيبُهُمْ ظَمَأٌ وَلا نَصَبٌ وَلا مَخْمَصَةٌ في سَبيلِ اللّهِ وَلا يَطَؤونَ مَوْطِئًا يَغيظُ الْكُفّارَ وَلا يَنالونَ مِنْ عَدوٍّ نَيْلًا إِلّا كُتِبَ لَهُمْ بِه عَمَلٌ صالِحٌ إِنَّ اللّهَ لا يُضيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنينَ . وَلا يُنْفِقونَ نَفْقَةً صَغيرَةً وَلا كَبيرَةً وَلا يَقْطَعونَ وادِيًا إِلّا كُتِبَ لَهُمْ لِيَجْزِيَهُمُ اللّهُ أَحْسَنَ ما كانوا يَعْمَلونَ " . ثُمَّ أَخْبَرَ عَمَّنْ قُتِلَ في سَبيلِه أَنَّه حَيٌّ يُرْزَقُ ، فَقالَ : " وَلا تَحْسَبَنَّ الَّذينَ قُتِلوا في سَبيلِ اللّهِ أَمْواتًا بَلْ أَحْياءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقونَ " ؛ فَتَنَجَّزوا مَوْعودَ رَبِّكُمْ ، وَوَطِّنوا أَنْفُسَكُمْ عَلى أَقْصى أَثَرٍ وَأَمَضِّ أَلَمٍ ، وَ إِيّايَ وَالْهُوَيْنا ! |
الله أكبر ! هَلْ أَبْلَغُ من قول هذا والتنقل بينه ! |
كُلُّ ذلِكَ بَعْضُ الْعَمَلِ الْبَيانيِّ الَّذي يَتَدَفَّقُ مِنْ لِسانِ هذَا الرَّجُلِ ( مصطفى صادق الرافعي ) . وَإِنَّ لَه خاصَّةً عَجيبَةً إِذا تَكَلَّمَ في الِاجْتِماعِ الْعَرَبيِّ الْإِسْلاميِّ في هذَا الْعَصْرِ ، ما بَيْنَ خُلُقٍ وَعِلْمٍ وَعَمَلٍ ودينٍ ، هِيَ هذِهِ الرَّوْعَةُ الْمُسْتَعْلِنَةُ الْمُنْصَبَّةُ عَلى مَعانيها كُنوزُ الشَّمْسِ |
مصطلح أستاذنا على ما نسميه الثقافة العربية الإسلامية |
(...) وَقِسْمَةٌ أُخْرى إِلَى الْإِطْباقِ وَالِانْفِتاحِ ؛ فَالْحُروفُ الْمُطْبَقَةُ هِيَ الَّتي تَرْفَعُ مَعَها ظَهْرَ لِسانِكَ إِلى غارِ الْحَنَكِ الْأَعْلى ، مُطْبِقًا بِه عَلَى الْهَواءِ ؛ وَهِيَ أَرْبَعَةُ أَحْرُفٍ : الضّادُ ، وَالطّاءُ ، وَالصّادُ ، وَالظّاءُ (...) وَقِسْمَةٌ إِلى الِاسْتِعْلاءِ وَالِانْخِفاضِ . وَالِاسْتِعْلاءُ أَنْ يَعْلُوَ الصَّوْتُ ، فَيَرْتَطِمَ بِالْحَنَكِ الْأَعْلى ؛ فَالْحُروفُ الْمُسْتَعْلِيَةُ سَبْعَةٌ : الْخاءُ ، وَالْغَيْنُ ، وَالْقافُ ، وَالضّادُ ، وَالصّادُ ، وَالطّاءُ ، وَالظّاءُ |
الإطباق استعلاء وزيادة ؛ إذ يطبق اللسان من خلف ومن أمام ، على سقف الحنك من أوله وآخره ، فأما الاستعلاء فلا يرتفع معه طرف اللسان ليطبق ، بل يرتمي كمن يمد رجليه ؛ فينبغي من ثم ألا تعاد حروف الإطباق مع حروف الاستعلاء ، وإلا لك تكن للتقسيم فائدة |
لَمّا أَرادوا هذَا الْمَعْنى نَفْسَه مِنَ التَّأَوُّهِ وَالْغَيْظِ وَالْغَمِّ ، اتَّخَذوا " أَخَّ " . وَالْخاءُ حَرْفٌ حَلْقيٌّ جافٌّ غَليظٌ يَكونُ مَعَه الِاسْتِعْلاءُ وَالتَّرَفُّعُ وَالِاسْتِبْشاعُ وَالِاشْمِئْزازُ ؛ فَقَوْلُ أَصْحابِ اللُّغَةِ : " أَخَّ " كَلِمَةُ تَوَجُّعٍ وَتَأَوُّهٍ وَغَيْظٍ ، قَوْلٌ ناقِصٌ لا يُفْضي إِلَى الْمَعْنَى الْحَقيقيِّ ، وَهُوَ أَنَّ الْمُتَوَجِّعَ يُبينُ عَنِ اشْمِئْزازِه وَشُموخِه وَتَقَذُّرِه ؛ وَلذلِكَ ما وَرَدَ فِي اللُّغَةِ أَنَّ " الْأَخَّ " الْقَذَرُ ؛ يَقولُ الرّاجِزُ يَذْكُرُ سِنَّه وَعَجْزَه وَضَعْفَه : وَانْثَنَتِ الرِّجْلُ فَصارَتْ فَخّا وَصارَ وَصْلُ الْغانِياتِ أَخّا أَيْ قَذَرًا ؛ لا يَقْرَبُهُنَّ ، أَوْ لا يَقْرَبْنَه . وَكَذلِكَ تَرى أَنَّهُمْ لَمّا رامُوا التَّعْبيرَ فِي الْأَوَّلِ أَقاموا لَه " الْحاءَ " لِلْبُحَّةِ الَّتي فيها ، وَهِيَ لينٌ وَنُعومَةٌ ، وَهِيَ قابِلَةٌ لِلدَّوَرانِ مَعَ الْهَمْزَةِ فِي التَّكْرارِ ، لِأَنَّ الَّذي يَنْطِقُها يُريدُ مَعَها أَنْ يُكَرِّرَها وَيَتَلَوّى مَعَها ، وَيَعْكِسَ أَضْلاعَه لِما يُقاسيهِ مِنَ الْأَلَمِ أَوِ الْغَيْظِ . وَالْخاءُ لِجَفْوَتِه وَانْقِطاعِه في غارِ الْحَنَكِ وَاسْتِعْلائِه ، لا يَُطيعُ عَلى مِثْلِ ذلِكَ ، بَلْ أَكْثَرُ عِبارَتِهِ الْمُقْتَرِنَةِ بِه هِيَ فِي الْوَجْهِ وَالشَّفَتَيْنِ ، وَالْأَلِفُ تَرْفَعُ مِنْ بَعْضِها وَتَخْفِضُ مِنْ بَعْضٍ |
كنت قديما أحفظ هذا الرجز الفَذَّ ، وأتحرَّج من بعض أشطاره : " وَكانَ أَكْلًا قاعِدًا وَشَخّا تَحْتَ رِواقِ الْبَيْتِ يَغْشى الدُّخّا " ! أَيِ الدخان ، وعليه الاستشهاد ! وكذلك كنت أحفظ في استعجام كلمة " أخ " ، بالمعجمة ، آثارا أموية ؛ حتى لقد رآها مُحْدَثَةً ابنُ دُرَيْد . |
في جَحْفَلٍ لَجِبٍ صَواهِلُه بِاللَّيْلِ تُسْمَعُ في حافاتِه آء |
ثم سقط قبل صواهله ، كأنه " تَسْعى " أو " تَنْبو " ، أو " تَدْنو " ، أو ما أشبه ، مما يدل على اليقظة ليلا والصخب ! |
ما أُمُّ أَوْلادٍ ثَكولٌ ... إِلّا مَطيَّةٌ لَها " ظَهْرٌ ، وَبَطْنٌ ، وَذِرْوَةٌ ، وَتَشْرَبُ مِنْ بَرْدِ الشَّرابِ وَتَأْكُل " ؛ فَمَصيرُها مَصيرُ كُلِّ مَطيَّةٍ ، هُوَ الْمَوْتُ ، هُوَ إِقْبالُ الْفَناءِ بِالْهَدْمِ وَالتَّدْميرِ ، فَمَنْ وَثِقَ بِالْبَقاءِ عَلَيْها وَهِيَ فانِيَةٌ ، فَقَدْ جَهِلَ ، وَضَلَّ ! |
" رحمة الله وبركاته عليكم أهل البيت إنه حميد مجيد " ! |
خَطَبَ الْأُسْتاذُ الْخَضِرُ ( محمد الخضر حسن ) ، وَمُحِبُّ الدّينِ الْخَطيبُ ، ثُمَّ كاتِبُ هذِهِ السُّطورِ (...) ، وَمِمّا حَدَثَ في هذَا الِاجْتِماعِ ( اجتماع الطبقة الأولى من أعضاء جمعية الشبان المسلمين ) - وَعَدَدْناهُ تَوْفيقًا وَبَرَكَةً - قِيامُ رَجُلٍ إيطاليٍّ مُوَظَّفٍ بِالْمَحْكَمَةِ الْمُخْتَلِطَةِ ، خَطَبَ خُطْبَةً بالِغَةً ، أَثارَتِ النّاسَ ، وَأَحْيَتْ في نُفوسِهِمْ أَمَلًا قَويًّا وَعَزْمًا صادِقًا |
شهدت أستاذنا في تسعينيات القرن الميلادي العشرين ، ينفي عن نفسه مهارة الخطابة ، ويثبتها للشيخ الباقوري ! |
ذِكْرُ الْكاهِنِ فِي الْقُرْآنِ لَيْسَ مِمّا يُقيمُ لِأُسْتاذِنا ( أنيس المقدسي في كتابه تطور الأساليب النثرية ) - أَبْقاهُ اللّهُ ! - حُجَّةً فيما يَدَّعيهِ مِنْ أَنَّ الِاتِّهامَ مَبْنيٌّ عَلى ما رَأَوْهُ مِنَ الشَّبَهِ بَيْنَ أُسْلوبِ كُهّانِهِمْ وَأُسْلوبِ السُّوَرِ الْأولى مِنَ الْقُرْآن . وَلْيَتَدَبَّرِ الْأُسْتاذُ هذَا الْمَوْضِعَ فَضْلَ تَدَبُّرٍ ؛ فَإِنّا لَنْ نُفَسِّرَه لَه إِلّا بَعْدَ أَنْ يُقِرَّ بِأَوْهامِهِ الَّتي ذَكَرْناها ، وَيَقينُنا أَنَّ الْقُرّاءَ قَدْ فَهِمُوا الْآنَ مَوْضِعَ التَّفْسيرِ الصَّحيحِ لِمَسْأَلَةِ الْكِهانَةِ . أَمّا سَجْعُ الْكُهّان فَموجَزُ الرَّأْيِ فيهِ عِنْدَنا أَنَّه هُوَ طَريقَةُ الْكُهّانِ فِي الْإِخْبارِ بِالْغُيوبِ ، ثُمَّ زَمْزَمَتُهُمْ عَلَيْها ، ثُمَّ الِاسْتِعانَةُ عَلى إيقاعِ التَّأْثيرِ عَلَى السّامِعِ في زَمْزَمَتِهِمْ بِالِاتِّزانِ وَالتَّعْديلِ الَّذي وَضَعوه لِكَلامِهِمْ |
أَوَّلَ مِنْ أَوَّلَ مِنْ أَمْسِ ، حاضر الدكتور خالد فهمي من آداب المنوفية ، ببحثه " الفرار من الإبهام " ، في خلال مؤتمر قسمنا الثالث " العربية بين نحو الجملة ونحو النص " ؛ فانطلق من حديث " أَسَجْعٌ كَسَجْعِ الْجاهِليَّةِ " - وهكذا رواه وأثبته في سؤالي له عنه - وذكر في النهي معنى درء الفتنة ، أو ذكر ما في ذلك السجع من الفتنة ، ثم تركه إلى معنى اللبس الذي ينفعه في بحثه ؛ فذكرت له استحساني لمعنى درء الفتنة في النهي عن سجع الكهان ، وتلوت له قول الحق - سبحانه ، وتعالى ! - في بعض أحبار أهل الكتاب : " يَلْوونَ أَلْسِنَتَهُمْ بِالْكِتابِ لِتَحْسَبوهُ مِنَ الْكِتابِ وَما هُوَ مِنَ الْكِتابِ " ، وإن لم يكن في سجع الكهان ، وهو قريب من قول أستاذنا هنا بالزمزمة . ولقد نبهنا أستاذنا هنا على ضرورة اطراح فكرة التوجيه الديني من سياق أداء سجع الكهان وتلقيه ، وصرف التفكير إلى : 1 الإخبار بالغيوب ، 2 زمزمة الإخبار ، 3 التأثير بالاتزان والتعديل . |