نقوش على ثوب امي
نقوش على ثوب امي
ديوان ربحي محمود
القدس : من جمال غوشة
ناقشت ندوة اليوم السابع الاسبوعية الدورية في المسرح الوطني الفلسطيني - الحكواتي سابقا - ديوان " نقوش على ثوب امي " للشاعر ربحي محمود ، صدر الديوان عام 2004 عن مؤسسة " عناة للطباعة والنشر في رام الله ، ويقع في 107 صفحات من الحجم المتوسط.
بدا النقاش جميل السلحوت فقال :
يتماثل غلاف الديوان الذي هو عبارة عن لوحة " تطريزية " من امهاتنا وجداتنا ، هذا التطريز الجميل الذي يعبر عن حضارة يبدو واننا في نهاية طريق الابتعاد عنها، لانه كما قال احد الباحثين بان من تموت من مطرزات ومرتديات هذه الثياب لن توجد اخرى مكانها .
ولوحة الغلاف ليست في مناى عن الاهداء ص 3 ولا عن القصيدة الاولى التي يحمل الديوان اسمها ، بل هي ليست بعيدة عن مجمل قصائد الديوان ، والذي يظهر من خلاله ان الشاعر يملك مخزونا ثقافيا شعبيا نغبطه عليه ، ولا غرور في ذلك، فهو ابن قرية ترقوميا قضاء الخليل ، المغرومة في الريف الفلسطيني،وهو ابن امرأة شعبية كانت ترتدي في حياتها الزي الشعبي الفلسطيني، وهي ايضا التي غرست في دم ابنها الحب والحنان ، فبادلها حبا بحب لذلك فهو يهدي ديوانه الى روحها " الباقية والمتجذرة في دمي وكياني ؟
وقصيدة الديوان الاولى" نقوش على ثوب امي " والتي تندرج ضمن " وجد ابيات " الشاعر، هي عبارة عن مرئية الشاعر لوالدته ، لكنها في نفس الوقت تعبير صادق يعكس مشاعره تجاه هذه الوالدة، انها تعكس لوعة الفراق والابتعاد عن اعز النساء واكثرهن وفاء ، فراق " ست الدنيا "
فماذا يفتقد الشاعر ، والى ماذا يشتاق ؟ ؟ انه يفتقد حضن الوالدة الذي ضمه طفلا ، واحتضنه شابا ورجلا فيقول : ص5
اتوق الى ضمة الصدر
الى همسة القلب
في رقة حانية
واذا كان الوالدان يبقى ابنهما طفلا في عيونهما مهما كان عمره ، فان الشاع يستسلم امام هذه الحقيقة ، ويرى نفسه طفلا في حضن والدته ، لذا فهو يتوق
الى الكف تعبث بالشعر
تمشي على الوجه
وهو يربط ما بين الانسان والمكان، لذا فهو يفتقد المكان الذي ولد وترعرع فيه ، الى الاجواء الريفية التي عاش وامه فيها فيقول :
اتوق الى الارض والبئر
زفرفة الطير والقمح والنشة الغافية
لسحر الغيوم اتوق
لبدر التمام
وشمس النهار
وشاي الصباح المنعنع
اتى التين واللوز والدالية ص 5
وهذه الطبيعة الخلابة في الريف الفلسطيني، حقول القمح ، اسراب الطيور ، النسيم العليل ، صفاء السماء ، اكتمال القمر بدرا ، اشجار التين واللوز والى العنب ، وماذا ؟ ؟ انه شاي الصباح وشاي المساء ليس المضاف اليه النعناع البلدي الذي تحضرة الوالدة .
وماذا ايضا؟ : انه يتوق " الى قطعة من صفاء الحديث والنجم يسهر .. يحرس ازهانا والصغار " إنها بساطة الحياة الخالية من التعقيدات، انها الاحاديث البريئة الصادقة ، كصدق اشعاع نجم في سماء صافية ، وكانه يفتح عينيه ليحرس الازهار البرية الجبلية ، والاطفال الصغار .
واذا كان الشاعر مشتاق الى كل ذلك الحب والحنين والرعاية والامن والطمأنينه التي اكسبته اياها والدته ، فانه ايضا يحن الى صرامة والده، والى ضبطه للامورة ، والى وضعه الخطط لمواصلة اعمال الفلاحة في الارض حيث تقول :
احسن الى ضحكة من ايي ساخرا ..
مازحا يقطع الصمت .. سغضب يرضى
برسم حدا لكل الحدود
ولماذا كل هذا الشوق وهذا الحنين؟ ؟ والجواب
أهتف اين اختفت تلكم الامسيات ص6
أي لان الشاعر ما عاد يعيش هذا الواضح، انه يفتقده ، فالوالدة رحلت من هذه الدنيا، والشاعر رحل من الريف الى المدينة ، رحل من الفضاء الرحب ، الى زحمة المدينة لقوله : ص 7
يمزق شوقي قلب المدينة
ويتركني شاردا في المنافذ
يخنق عمري ويغلق دربي
يخلفني جثة م حطام
واذا كان ملك الشعر يحن الى خبز امه ، فان ربحي محمود " الى النقش في ثوم امس احن " ص 7
وبعده قال ابراهيم جوهر :
نقوش على ثوب أمي " القصيدة التي حمل الديوان عنوانها ، قصيدة إنسانية المضمون ، شفيفة الاحساس ، محملة بالعواطف الصادقة ، نابضة بلوحات عامرة بالحركة والحنين والطفولة .
واذا كانت " الام " في الشعر الفلسطيني قد حملت معنى رمزيا تضخم حتى صار " الوطن " ، فانها للمغترب وطن حقيقي، او جزء من الوطن ، ولا ضير ان تكون وطنا، كما لا ضير ان يكون الوطن اما ، ولكن العبرة في الصدق الفني ، وفي حسن التعبير وجماله العام المعبر عن نفسية الشاعر .
الشاعر في هذه القصيدة يستحضر قصيدة محمود درويش الشهيرة فيحترس احتراسا لافتا، وكانه ينضم الى المنادين بالتخلص من ربقة المشهورين ، واولئك الذي يستسهلون ارجاع كل ابداع جديد الى ابداع آخر لاحد المشهورين ، وان قيل كل مهما في وقتين مختلفين " وينع من ضبعين مختلفين ، وعبر عن موقفين مختلفين .
وان مسألة التاثر والتاثير قضية نقدية قديمة في ادبنا العرب وفي الادب العالمي عموما ، وهي ليست عيبا فنيا ولا اخلاقيا كما اتفق النقاد والدارسون .
عن ام محمود درويش يست ام ربحي محمود ، وان كانتا امين لشاعرين ، وان كتبت القصيدتان من منطلقين مختلفين ، وبلغتين مختلفتين ، وان توحدت التفعيلة في القصيدتين ( فعولن ) .
في هذه القصيدة لربحي محمود يعدد الشاعر مفردات عشقه التي بتوق اليها لانه افتقدها في غربته ، وهي مفردات قد اكتسبت بعد ادالا في البعد عن الوطن ، كما اكتسبت التعبير خصوصية تتميز بالتاكيد الذي اجده من خلال تعداد المفردات التي يتوق الشاعر الها . وهنا نقف ازاء خاصيته نفسية للشاعر ، وكاه يؤكد صدق مشاعره للقارئ من جهة ، ويشعر بالتعويض النفسي الداخلي وهو يعدد المفردات ويصور المواقف ويذكر الذكريات ، وكاني به يقول : لقد افتقدت اما حقيقية – انسانه بمعنى الكلمة ، كما افتقدت وطنا حقيقيا بمعنى الكلمة ، وكما ان الوطن لا يعوض فان الام لا تعوض ! وهو من جهة ثالثة – بهذا التعداد اللافت للنظر والفكر – انما يؤكد على انسانيته قبل كل شيء – إنسانية الشاعر ، ويدافع عن هذه الانسانية الصادقة التي تلتصق بالام ، وتخلص لها ، وتذكرها وتعدد فضائلها .
والشاعر في اثناء انثيال نهر حنينه وتوقه واشتياقه – وهو الذي استخدم هذه المفردات بمعان مختلفة وخاصة بالحلة النفسية وليس كترادفات كما يشيع عند العامة – في هذه الاثناء لا يستطيع التخلص من عشق الفلسطيني ذي التجربة اخاصة ، فهو يذكر رموز الوطن : الحقول والنعنع والدالي والتين واللوز والقمح والطير والارض والبئر والقمر والازهار ... ليخلص من هذا كله الى ان هذه المفردات انما توصل الى مفردات اخرى تتراكب فوقها في سجل النضال الفلسطيني فيكون فيها الامان والقوة التي لا تلين . ويكون فيها العنفان .
ويعبر الشاعر عن تجربة الغربة القاسية من خلال قلب المدينة الذي يمزق الشوق ويمنعه ويبقيه شاردا في المنافي ويخلفة جثة محطمة .
ان هذه المفردات هي نقوش ثوب الام التي تزينها تزيننا نفسيا خاصا وفق ثقافة خاصة مطبوعة بمزاج خاص دال على ثقافة صاحبها لقد هرب الشاعر متعمدا من قصيدة درويش ، لذلك فانه يكتب " أتوق " وليس " أحن " والكلمات من وزن واحد، ولكن التوق اقوى من الحنين .
لد توافرت مجموعة من عوامل النجاح في هذه القصيدة فعلى مستوى الاسلوب واللغة والفكرة ، ثم المواوجة بين الام والاب في مخزن الشاعر العاطفي ، والمزاوجة بين الام والوطن ، ثم المزاوجة بين التوق والتوق : اذ بدا الشاعر قصيدته بقوله : اتوق الى ضمة الصدر " وانها بتصوير الام في ذاكرة الروح والعاطفة بقوله " ويلمع وجهك وسط الزحام / ويبقى على القلب نقش لثوبك / وتبقين يا ام بدر التمام " فانت الاكتمال ولك الوفاء
وعلى مستوى الموسيقى ، فقد وفرت تفعيلة ( فعولن ) الرقراقة المنسابة والمتوالية جوا حانيا في القصيدة ، ساعدها في ذلك تنويع القوافي المنتقاه بعناية تشي باهتمام خاص من الشاعر .
فقافية الياء والتاء المربوطة ( حانية – آتية ) وفرت الليونة والهدوء والحنان في المقطع الاول . وقافية الراء ( البئر – الصغار ) توحي بالتردد والتكرار والاصرار . اما حميمية الموقف فتتبدى في قافية الالف والميم ( حمام – امام – تمام ) في المقطع الاخير ، وكذا الامر مع قافية الالف والنون ( امان – عنفوان ) في المقطع الثاني
لقد كثرت في القصيدة حروف القرب والهمس والحنان والخفة اللذيذة ( الشين – السين – الحاء – الغين – العين – اللام – الميم – النون ) إضافة الى حروف المد الثلاثة : الالف والواو والياء التي ساعدت في اشاعة جو عام من المدى والصدى والايحاء الاليف المتناسب مع مضمون القصيدة .
هذه قصيدة ربحي محمود التي حمل الديوان عنوانها ، جاءت نقشا من نقوش الديوان الذي جاءت قصائده في مجملها نقوشا على صدر الوطن
وبعده قال سمير الجندي
مجموعة اشعار للشاعر ربحي محمود حلق بنا فيها فوق سماء الوطن الغالي وعبر متاهات العشق الوردي الذي تفوح منه البساطة وتتجلى فيه صور الحياة المعبقة برائحة الطابو والزيتون والشهداء .
نقوش على ثوب امي ، عنوان جميل وشاعري يعبر عن عمل الاحساس وهو عنوان لاول قصيدة في المجموعة ، اسم يحمل الكثير من المعاني السامية التي عبر عنها شاعرنا بكلمات رقيقة ، جزلة ، مكثفة ، صادقة ، تملاؤها العاطفة المتدفقة ، الغنية بالصور الشعرية المعبرة عن الحنين للارض والريف والزمن الذي مر وانقضى فيقول :
اوق ويدفعني الشوق
نحو احتشاد الحقول
انام على فكرة لا تموت
اردد صوتك ..
اهتف ، اين اختفت تكلم الامسات
واصحوا على كفي الفارغة
واهفو طويلا لجمر المواقد "
نسج الشاعر كماته بدافع من الشوق المتجفق نحو الوطن الغالي، وكان مبدعا في نسجه ، موضحا الفكرة الكامنة في قلبه بهذه اللغة المكثفة التي طوعها في رسم افكاره وانتمائه لهذا التراب الريفي الطاهر.