تقديم رحلة نصف قرن

د. محمد عمارة

قبل ظهور الاسلام بنحو ثلاثة قرون بلغ الشعر العربي ذروة الجذالة والفصاحة والفحولة والجمال .. وكان ذلك إعلاناً عن أن اللغة العربية قد بلغت القمة، وهاهي تستعد لاستقبال القرآن الكريم، المعيار العربي المعجز والمغذي، والذي سيصبح – عبر الزمان والمكان – كتاب العربية الأول، والتجسيد المتعالي والمجاوز لأعلى ما في هذه العربية من مظاهر الجمال.

وإذا كان الشعر هو "الرسم الموسيقي الناطق" ، الذي يعبر بالصور عن المشاعر والقلوب والضمائر والأحاسيس، فإن الشعر الجاهلي قد بلغ القمة في أساليب التعبير عن أحاسيس الشعراء، الذين كانوا اللسان المعبر عن الحياة العربية، وقيمها وعقائدها،، وما لقبائلها وحواضرها من أعراف وعادات وتقاليد".

 ولأن الجاهلية العربية – في جملتها – كانت " زمن فترة ": الشرك فيها هو محور الاعتقاد الديني، وليس لدى أهلها وحي إلهي ولا شريعة سماوية- اللهم إلا بقايا متناثرة وغامضة من ملة إبراهيم وإسماعيل، عليهما السلام – كانت مضامين الشعرالجاهلي – مع جمال الشكل المعبر – هي مزيج من الحكمة والشجاعة والكرم والمروءة والإنسانية والتكافل وصيانة الحرمات – وإشارات إلى التوحيد الديني – تمزج هذه المعاني النبيلة مع كثير من أعراف العداوة والعداء والعدوان والإغارة والسبي والسلب والنهب واستحلال الحرام ، والفخر بالظلم والجبروت " والانتهاك لحرمات الآخرين !..

أي أن وفرة الجمال في هذا الشعر الجاهلي قد صاحبتها – في أحيان كثيرة – المضامين الهابطة والفاسدة والضارة والضالة، التي لا تنضبط بمعايير الحلال والحرام ، والمقبول والمرذول ، كما تزكيها الفطر السوية ، وتضبطها منظومة القيم والأخلاق ..

 ومن يراجع نماذج عيون الشعر الجاهلي – وفي مقدمتها معلقة امرئ القيس [ 130- 80 ق هـ /497 – 545 م ل] – يجد مصداق هذا التحليل ! قمة الجمال في التعبير والتصوير لمضامين هي مزيج من قيم الكرم والبطولة والفسق والخنا والفجور !..

 فلما ظهر الإسلام ، وصاغ بقيمه وجدانات الجماعة المؤمنة ، والجيل الفريد الذي أزال القوى العظمى – الروم والفرس – وحرر الأوطان والضمائر ، وغير اتجاه التاريخ ، ومصدر الإشعاع الحضاري .. لما حدث هذا الإنجاز الأعظم في تاريخ العرب والشرق والإنسانية ، انتهى ذلك الفصام النكد بين جمال الشعر وبين الهبوط والانحراف في المعاني والمضامين.

 لقد أنعش القرآن الكريم وزكى قيم الجمال في الشعر العربي ، وأسهم في توسعة الآفاق أمام آيات هذا الجمال" لأن القرآن الكريم هو الكتاب الجميل ، الذي يعلم قراءه وحفاظه ومتدبريه آيات الجمال، وأجمل الصور في التعبيرعن مظاهر الطبيعة ومكنونات الضمائر والنفوس وخطوات القلوب ..

 إنه الكتاب الذي يعبر بالصور عن أعقد المعاني الفلسفية والحقائق العلمية والخواطر النفسية .. بل لقد عبر بالصور حتى عن حقائق عالم الغيب التي لا تدرك كنهها الحواس والعقول ..[أَلَمْ تَرَ كَيْفَ ضَرَبَ اللّهُ مَثَلاً كَلِمَةً طَيِّبَةً كَشَجَرةٍ طَيِّبَةٍ أَصْلُهَا ثَابِتٌ وَفَرْعُهَا فِي السَّمَاء {14/24} تُؤْتِي أُكُلَهَا كُلَّ حِينٍ بِإِذْنِ رَبِّهَا وَيَضْرِبُ اللّهُ الأَمْثَالَ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ {14/25}] ..[ وَلَوْ أَنَّمَا فِي الْأَرْضِ مِن شَجَرَةٍ أَقْلَامٌ وَالْبَحْرُ يَمُدُّهُ مِن بَعْدِهِ سَبْعَةُ أَبْحُرٍ مَّا نَفِدَتْ كَلِمَاتُ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ {31/ 27}]

 [يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تُبْطِلُواْ صَدَقَاتِكُم بِالْمَنِّ وَالأذَى كَالَّذِي يُنفِقُ مَالَهُ رِئَاء النَّاسِ وَلاَ يُؤْمِنُ بِاللّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ فَمَثَلُهُ كَمَثَلِ صَفْوَانٍ عَلَيْهِ تُرَابٌ فَأَصَابَهُ وَابِلٌ فَتَرَكَهُ صَلْدًا لاَّ يَقْدِرُونَ عَلَى شَيْءٍ مِّمَّا كَسَبُواْ وَاللّهُ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الْكَافِرِينَ {2/264} وَمَثَلُ الَّذِينَ يُنفِقُونَ أَمْوَالَهُمُ ابْتِغَاء مَرْضَاتِ اللّهِ وَتَثْبِيتًا مِّنْ أَنفُسِهِمْ كَمَثَلِ جَنَّةٍ بِرَبْوَةٍ أَصَابَهَا وَابِلٌ فَآتَتْ أُكُلَهَا ضِعْفَيْنِ فَإِن لَّمْ يُصِبْهَا وَابِلٌ فَطَلٌّ وَاللّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ {2/265}] .

 وتتوالى في القرآن الكريم الآيات التي تعبر بالصور عن الواقع .. والمعاني .. والأفكار .. والقيم والأخلاق .. فنقرأ فيه :[ مَّثَلُ الَّذِينَ يُنفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ كَمَثَلِ حَبَّةٍ أَنبَتَتْ سَبْعَ سَنَابِلَ فِي كُلِّ سُنبُلَةٍ مِّئَةُ حَبَّةٍ وَاللّهُ يُضَاعِفُ لِمَن يَشَاء وَاللّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ {2/261}]

 [وَهُوَ الَّذِيَ أَنزَلَ مِنَ السَّمَاء مَاء فَأَخْرَجْنَا بِهِ نَبَاتَ كُلِّ شَيْءٍ فَأَخْرَجْنَا مِنْهُ خَضِرًا نُّخْرِجُ مِنْهُ حَبًّا مُّتَرَاكِبًا وَمِنَ النَّخْلِ مِن طَلْعِهَا قِنْوَانٌ دَانِيَةٌ وَجَنَّاتٍ مِّنْ أَعْنَابٍ وَالزَّيْتُونَ وَالرُّمَّانَ مُشْتَبِهًا وَغَيْرَ مُتَشَابِهٍ انظُرُواْ إِلِى ثَمَرِهِ إِذَا أَثْمَرَ وَيَنْعِهِ إِنَّ فِي ذَلِكُمْ لآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ {6/99}] ٍ- .. [وَنَادَى فِرْعَوْنُ فِي قَوْمِهِ قَالَ يَا قَوْمِ أَلَيْسَ لِي مُلْكُ مِصْرَ وَهَذِهِ الأَنْهَارُ تَجْرِي مِن تَحْتِي أَفَلَا تُبْصِرُونَ {43/51[{

 ]إِنَّا زَيَّنَّا السَّمَاء الدُّنْيَا بِزِينَةٍ الْكَوَاكِبِ {37/6}] - ..[ يَا بَنِي آدَمَ خُذُواْ زِينَتَكُمْ عِندَ كُلِّ مَسْجِدٍ وكُلُواْ وَاشْرَبُواْ وَلاَ تُسْرِفُواْ إِنَّهُ لاَ يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ {7/31}]- .. [وَالأَنْعَامَ خَلَقَهَا لَكُمْ فِيهَا دِفْءٌ وَمَنَافِعُ وَمِنْهَا تَأْكُلُونَ {16/5} وَلَكُمْ فِيهَا جَمَالٌ حِينَ تُرِيحُونَ وَحِينَ تَسْرَحُونَ {16/6[{ٍ وَتَحْمِلُ أَثْقَالَكُمْ إِلَى بَلَدٍ لَّمْ تَكُونُواْ بَالِغِيهِ إِلاَّ بِشِقِّ الأَنفُسِ إِنَّ رَبَّكُمْ لَرَؤُوفٌ رَّحِيمٌ {16/7} وَالْخَيْلَ وَالْبِغَالَ وَالْحَمِيرَ لِتَرْكَبُوهَا وَزِينَةً وَيَخْلُقُ مَا لاَ تَعْلَمُونَ {16/8}]

 فالتعبير القرآني بالصور عن المعاني والأفكار – كل المعاني والافكار – فيجعل كتاب الدين الأول المدرسة العظمى في التدريب على جماليات التعبير ، بل وعلى الصياغة الجمالية لوجدان المتدبرين لهذا القرآن الكريم..

ولذلك ، كان هذا القرآن الكريم جملة البلاغة في أعلى صورها .. ومن ثم المثل الأعلى الذي يحفز الشعراء المسلمين – دينا وحضارة – إلى المزيد من الجمال في الشعر الذي يقرضون .

 ولأن القرآن الكريم ليس مجرد نص بليغ وجميل ، وإنما هو المعبر بالبلاغة والجمال عن الدين، الذي هو في جوهره منظومة سامية للقيم والخلاق .. لذلك ، أعاد القرآن الكريم للشعر العربي الاتساق بين جماليات الشكل وبين التزام المضامين بأخلاقيات الاسلام .. وتلك هي الشروط التي لا تفريط فيها لما نسميه " الشعر الإسلامي " والأدب الإسلامي : التعبير الجميل عن أخلاقيات الإسلام ، وعن الحياة الملتزمة بهذه الأخلاقيات.

 ولهذه الحقيقة كان تمييز القرآن الكريم بين لونين من الشعر والشعراء:

- الشعراء الذين غووا في المضامين غير الأخلاقية " فاتبعهم الغاوون..

- والشعراء الذين ثاروا وانتصروا على هذا اللون من الشعر الجاهلي .. فأبدعوا الشعر الجميل الذي عبروا به عن قيم الخير والحق والعدل والجمال ..

 [وَالشُّعَرَاء يَتَّبِعُهُمُ الْغَاوُونَ {26/224} أَلَمْ تَرَ أَنَّهُمْ فِي كُلِّ وَادٍ يَهِيمُونَ {26/225} وَأَنَّهُمْ يَقُولُونَ مَا لَا يَفْعَلُونَ {26/226} إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَذَكَرُوا اللَّهَ كَثِيرًا وَانتَصَرُوا مِن بَعْدِ مَا ظُلِمُوا وَسَيَعْلَمُ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَيَّ مُنقَلَبٍ يَنقَلِبُونَ {26/227}]

 لكن .. لأن الإنسان هو الإنسان ،، ولأن هناك دائما وأبدا فروقا ومسافات – تضيق أو تزيد – بين " الواقع " وبين " المثال " .. شهدت الحياة الإسلامية – عبر التاريخ الإسلامي – عددا غير كثير من الشعراء الذين امتاز شعرهم بالرقة والعذوبة والجمال ، مع انفصام بعض هذا الشعر عن منظومة القيم والأخلاق التي صاغها الإسلام .. ولقد اشتهر من هؤلاء الشعراء – في المشرق - : أبونواس – الحسن بن هانئ – [145- 196 هـ 762- 812م] – و في المغرب والأندلس : الغزال – يحيى

بن الحكم – [ 156 – 250 هـ 773- 864م] - حتى كأننا – في هذا اللون من الشعر– شعر المجون.. والخمريات .. والغزل الفاحش في الذكور والإناث – قد عدنـا

 إلى الجاهلية من جديد ، شعر يبلغ الذروة في جماليات الشكل ، لكنه يفتقر إلى فضيلة الالتزام بقيم الإسلام وأخلاقيات الفطرة الإسلامية السوية ، ولأن سنة الله في تاريخ الأمم والشعوب والحضارات هي " سنة التداول " [ آل عمران: 140] .. فإن سير التاريخ والحضارة والثقافة – والشعر قسمة من قسماتها ليس خطا صاعدا للتقدم دائما وأبدا.. ولا خطا هابطا للتخلف دائما وأبدا .. وإنما هو " تداول الدورات " – ويعبر عن هذه " السنة والقانون " حديث رسول الله – صلى الله عليه وسلم – :" لا يلبث الجور بعدي إلا قليلا حتى يطلع ، فكلما اطلع من الجو شيء ذهب ن العدل مثله ، حتى يولد في الجور من لا يعرف غيره . ثم يأتي الله تبارك وتعالى بالعدل ، فكلما جاء من العدل شيء ذهب من الجورمثله ، حتى يولد في العدل من لا يعرف غيره" – رواه الإمام أحمد-..

 لأن هذه هي السنة الإلهية في مسارات الأمم والشعوب والحضارات والثقافات ، فلقد جاء حين من الدهر على الحضارة الإسلامية دخلت فيه مرحلة التراجع والركاكة والتقليد والجمود ، عندما طالت قرون الأخطار الخارجية التي هددت الوجود – صليبية ومغولية - . فأسلمت الأمة زمامها للعسكر المماليك – وكانواغرباء عن روح الحضارة العربية – فحرروا الأرض ، وحفظوا وجود الإسلام وحضارته .. لكن " عسكرة الدولة " – في ظل حكمهم الطويل – قد أثمر " عسكرة المجتمع ".. فتراجع إبداع الاجتهاد الفقهي لحساب التقليد .. وتراجعت العقلانية الإسلامية لحساب الخرافة – التي حسبت على التصوف زورا وبهتانا -.. وتراجعت بلاغة التعبير – في النثر –لحساب الركاكة.. وتراجع الشعر عن الجمال ، عندما تحول إلى محسنات شكلية وصناعية – سموها بديعية – لا تؤهلها المعاني والمضامين التي تحملها – كي تكون شعرا حقيقيا ..

ولقد استمر هذا التراجع – بدرجات متفاوتة .. ومع بعض الاستثناءات – إلى النصف الثاني من القرن التاسع عشر الميلادي..

 فمع تبلور مدرسة الإحياء والتجديد الإسلامية الحديثة .. التي كان جمال الدين الأفغاني [ 1254- 1314هـ / 1838-1897م] رائدها .. والتي كان الإمام محمد عبده [1266- 1323 هـ/ 1849- 1905م] مهندسها الأكبر .. تحرر التعبير الأدبي من الركاكة والسجع والتقليد .. وعاد الاتصال بين أساليب التحرير العربية وبين سلاسة عصر الجاحظ [163 – 255 هـ / 780- 869م] وبلاغته ..

 وأيضا كان الإحياء والتجديد في شعر العربية ، الذي بدأه محمود سامي البارودي [1255 – 1322هـ/ 1839-1904م] .. وتألق فيه أمير الشعراء أحمد شوقي [1285- 1351هـ/ 1868- 1932م] وحافظ إبراهم [1287-1351هـ/1839-1904م] .. وأحمد محرم [ 1294-1364هـ/ 1877-1945م] ومحمود حسن إسماعيل [ 1328-1398هـ/ 1910-1977م] وعمر بهاء الأميري [1334-1412هـ/ 1915-1992]..

 وفي هذه المدرسة – التي ارتاد ميدانها البارودي .. وكان شوقي أميرها – عادت للشعر العربي – مرة أخرى – العروة الوثقى بين جمال الشكل التعبيري وبين المضامين الملتزمة بأخلاقيات الإسلام وقيم الحضارة التي أبدعها الإسلام..

ولأن مدرسة الإحياء والتجديد هذه – في ميادينها المختلفة – إنما كانت تحارب في جبهتين:

- جبهة التجديد الذي يستخلص خير ما في موروثنا العربي والإسلامي .. ويفكك قيود المتخلف والجمود والتقليد والخرافة التي تحول بين العقل المسلم وبين الإقلاع الحضاري.

- جبهة التصدي للغزوة الاستعمارية الغربية الحديثة التي قادها بونابرت [1769-1821م] على مصر [1213هـ/ 1798م] .. فإن مدرسة الإحياء .

والتجديد الشعري ، قد وجدت نفسها- هي الأخرى – تحارب على ذات الجبهتين: تحارب الركاكة والتقليد في الأشكال والمعاني – وتحارب " الحداثة الغربية " التي جاءتنا في ركاب جيوش الاستعمار..

 لقد تبلورت " الحداثة الغربية " في سياق النهضة الغربية الحديثة، وفي المعركة مع الكنيسة، لتقيم قطيعة معرفية كبرى مع الموروث – ومع الموروث الدينى على وجه الخصوص - .. وبتعبير أحد دعاتها، " فإنه بعد أن كان المسيحي حريصا على طاعة الله وكتابه، لم يعد الإنسان يخضع إلا لعقله .. فأيديولوجية التنوير قد أقامت القطيعة الإبستمولوجية – [ المعرفية] – الكبرى، التي تفصل بين عصرين من الروح البشرية: عصر الخلاصة اللاهوتية للقديس توما الأكويني [1225- 1274م] وعصر الموسوعة لفلاسفة التنوير .. فمنذ الآن فصاعدا راح الأمل بمملكة الله ينزاح، لكي يخلي المكان لتقدم عصر العقل وهيمنته.. وهكذا راح نظام النعمة الإلهية ينمحي ويتلاشى أمام نظام الطبيعة .. لقد أصبح الإنسان وحده مقياسا للإنسان .. وأصبح حكم الله خاضعا لحكم الوعي البشري ، الذي يطلق الحكم الخير باسم الحرية .. ويمكن للمعجم اللاهوتي القديم أن يستمر ، ولكنه لم يعد يوهم أحدا، فنفس الكلمات لم يعد لها نفس المعنى"(1)

 هكذا أقامت " الحداثة الغربية " قطيعة معرفية مع الله والدين.. وأحلت الإنسان محل الله، بل وأخضعت الله للإنسان!.. فالإنسان سيد الكون، وليس خليفة لسيد الكون.. وبذلك عزلت – هذه الحداثة – السماء عن الأرض .. ومن ثم حررت الإبداع الأدبي – نثرا وشعرا – مع كل عوالم الأفكار – من قيم الدين وأخلاقياته.

 وعندما علت سحابة – أو غمامة – هذه الحداثة الغربية في سماء بلادنا – في ظل الاستعمار – وجدت من يستظل بها ، ومن يحارب – في ميادين اللغة والأدب والشعر – أعلام مدرسة الإحياء والتجديد – البارودي.. وشوقي وأمثالهما- فوجدنا:

سلامة موسى [1305- 1377هـ/ 1888 - 1958م] الذي قال عن العربية – التي

تفردت بالجمال حتى في أشكال الحروف - :"إنها لغة بدوية .. ميتة حتى في زمن ظهور القرآن .. وتراثها يحمل عقيدة اجتماعية يجب أن نحاربها .. وهي ليست لغة الديمقراطية ، بل لغة القرآن وتقاليد العرب"(2)

ولويس عوض [1333- 1409هـ / 1915- 1989م] الذي شكك في أصالة العربية – لغة القرآن - .. والذي جعل رسالته في الأدب محاربة شعراء الإحياء والتجديد ، و" تلميع " غثاء الحداثة الشعرية والأدبية في بلادنا ..والدعوة – مثل سلامة موسى – إلى إحلال العامية – لغة الهكسوس – محل الفصحى – لغة القرآن - !..

وكان أدونيس ،، الذي قال عن رائد الإحياء والتجديد الشعري – محمود سامي البارودي - : " لقد أحيا ما كان يجب أن يموت"!.. " والذي جعل ثابت شعره وأدبه وفكره الدفاع عن تمرد الشيطان على الذات الإلهية.. حتى لقد كاد أن يعبد هذا الشيطان من دون الله!..

وكان هذا الذي انقلب عن العروبة وقوميتها وتراثها إلى الفرنكفونية .. فلما انقطعت صلاته بالشعر، جعل همه محاربة القيم والأخلاق الإسلامية.. والتمرد على الأعراف التي تعارفت عليها الأمة.. بل وعلى مقدساتها .. فأصبح " جدول أعماله الصحفية ":

- الدعوة إلى تعبير الأنثى بالجسد .. أي جعل الجسد الأنثوي العاري – " الموديل " – هو الملهم للرسامين والنحاتين والمصورين والأدباء .. ففصاحة الجسد الأنثوي العاري – عنده – لا تعادلها فصاحة أخرى ! – مع أن مهنة " الموديل " هذه هي لون من ألوان " النخاسة " ، والامتهان للجسد والروح معا .. بل لقد سحب دعوته هذه حتى على جسـدي آدم وحواء – عليهما السـلام!

- والدعوة إلى احتقار العربية – لغة القرآن الكريم – وذلك بالدفاع عن وصف لويس عوض لهذه اللغة الوطنية والقومية بأنها :"لغة ميتة".. ودخيلة "؟ ولقد .

دعا هذا "الحداثي – الفرنكفوني" إلى الاحتفاء والاحتفال بالإسكندر الأكبر [ 356-324 ق.م] بتزيين مياديننا بتماثيله – وهو الذي افتتح مرحلة غزو الغرب للشرق ، والقهر الحضاري لثقافات الشرق ولغاته ودياناته ، عشرة قرون ، لم تنقشع ظلماتها إلا بالفتوحات التحريرية التي قادها المسلمون تحت رايات الإسلام..

 كما شارك في الاحتفال – عامين كاملين – بالاحتلال، بدلا من الاستقلال – الاحتفال بمرور قرنين على غزوة بونابرت [ 1769-1821م] لمصر [ 1213 – 1216 هـ/ 1798 – 1801 م] و إحراقه مئات القرى المصرية ، وإبادته سُبع الشعب المصري، وتحويله الأزهر الشريف إلى اصطبل للخيول !مزق الفرنسيون فيه القرآن الكريم ، وتراث العلوم الإسلامية .. بل وبالوا وتغوطوا وتمخطوا وسكروا فيه !..

 ولقد بلغت الحداثة الغربية عند هذا " الحداثي – الفرنكفوني" حد إنكار وجود " المقدس ".. وذلك عندما سئل عن رأيه فيما " لو اصطدم المبدع الشاعر بما هو مقدس "، " فإذا به – بعد أن أعلن تقديسه لقيمة العقل وقيمة الحرية " – يعلن رفضه لوجود " المقدس الديني" من الأصل والأساس ! .. فهذا الذي يسمونه " مقدسا دينيا" – برأيه - ليس أكثر من اختراع نخترعه نحن ، وادعاء ندعيه .. وبنص عباراته – في الإجابة على هذا السؤال – يقول :

 " إن المقدس ليس كائنا خارج الشعر، أو خارج الإنسان .. المقدس هو مقدس لأننا نقدسه .. والشاعر يفترض أنه قد غلبته النشوة ، أو روح السخرية ، أو، الجحود، كل هذه المشاعر وكل هذه الحالات تصادف الإنسان ، وتصادف الشاعر. ماذا يصنع في هذه الحالة؟ . نحن نتوقع دائما من الشاعر أن يكتب بلغة تؤدي ما يريد أن يؤديه ، لكن تظل محافظة على ما يجب لها من جمال "!!(3)

 فالمقدس – عند هذا " الحداثي – الفرانكفوني"- هو العقل والحرية .. : أما .

المقدس الديني فهو اختراع يخترعه من يؤمن به ، ولا وجود له في الواقع والحقيقة.. والسخرية من هذا المقدس الديني.. والجحود له ، في لحظات " النشوة..والإبداع " أمر مطلوب ، طلما كانت العبارة التي نعبر بها عن هذه السخرية وهذا الجحود جميله.. فقط لا غير!. نعم .. لقد تنكرت هذه الحداثة الأدبية – بمعناها الغربي – ليس فقط للمعايير القيمية التي جاء بها الاسلام – والتي اجتمعت عليها كل الشرائع السماوية- .. وإنما تنكرت – كذلك – للفطرة التي فطر الله الناس عليها – فطرة ارتباط جمال التعبير بجمال المضامين – أي ارتباط الجمال بالأخلاق..

 وهي الفطرة التي جعلت الناقد الروسي " بلنسكي" [1811-1848] يقول :" إن الجمال شقيق الأخلاق، فإذا كان عمل فني ما فنيا حقيقة فهو أخلاقي بنفس المعنى. فإن الصور الفنية الإيجابية التي تعكس حياة الناس ونبلها وجمالها تفرض الاحترام والحب والإعجاب المخلص ، وتعطي أنماط الأبطال الحقيقيين في الحياة للقاريء والمتفرج متعة وبهجة جماليتين. أما الصور السلبية، فإنها تثير مشاعر الاستنكار الأخلاقي والاحتقار التي ترتبط ارتباطا وثيقا في طابعها بمشاعر الازدراء والاحتقار التي نحسها عندما ندرك ما هو قبيح ودنيء. ومن ثم فإن وحدة الجمالي والأخلاقي هي أساس الدور التربوي ودور التحويل الأيديولوجي الذين تقوم بهما الفنون في الحياة الاجتماعية .. "(4) . وهي ذات " الفطرة الأدبية " – إذا جاز التعبير – التي أفصح عنها الفيلسوف المسلم ابن سينا [370-428 هـ/ 980-1037] عندما قال: " وجمال كل شيء وبهاؤه هو أن يكون على ما يجب له .." (5) .. وهو نفس المعنى الذي عبر عنه الأديب والمؤرخ ابن الأثير [555-630هـ/ 1160-1233م] بقوله : " إن الجمال هو البهاء والحسن والزينة، التي تقع على المصور والمعاني جميعا".هكذا شهد القرن العشرين الميلادي – في ميدان الشعر العربي – الصراع بين الشعر الجامع بين جمال الشكل والمضمون – أي الشعر الإسلامي – حتى لو

عبر به غير المسلم عن المضامين الإنسانية العامة – وبين " المسخ الحداثي ".. الذي سموه " شعرا " – والذي أراد أصحابه إقامة القطيعة مع الجمال الشعري والشعر الجميل، كما تعارفت عليه أمتنا عبر تاريخها الطويل..وإذا كان العرب القدماء قد سنوا سنة الاحتفاء والاحتفال بشعرائهم النابغين والمبرزين والمتميزين ، الذين يعبرون عن ضميرالأمة وقيمها وأعرافها .. فإن من واجبنا ومن الحق علينا أن نعتز ونسعد ونحن نقدم هذا الديوان للشاعر المسلم.. والمصري .. والعربي.. والإنسان: الشاعرمحي الدين عطية..فنحن في هذا الديوان، الذي يجمع " الحصاد الشعري" لشاعرنا الكبيرفي نصف قرن من "عمره الشعري" – نجد أنفسنا أمام نموذج صادق التعبير عن حقيقة الشعر كما تعارفت عليه حضارتنا العربية الإسلامية : التعبير الجميل عن المعنى الجميل..إننا أمام شاعر من مدرسة شوقي – أمير شعراء هذا العصر – امتلك ناصية الإبداع للقصيدة العمودية – كما عرفها أسلافنا - .. ولم يخل شعره من أشكال الموشحات ولا من قوالب شعر التفعيلة – الذي إن بدا متحررا من " البحر" إلا أنه ملتزم بشروط الشعر وموسيقاه، التي تميزه عن غيره من أساليب التعبير الأدبي.. ونحن أمام شاعر مسلم يغني لأفراح الإنسانية على اختلاف مللها ونحلها ومذاهبها وفلسفاتها وأجناتها وألوانها والقارات التي تعيش فيها.. يغني لأفراح الإنسانية .. ويبكي لما تعانيه من جراح وأتراح .. فهو إسلامي، لم يمنعه سجن الإسلاميين وتعذيبهم من الوقوف مع سجانهم في مواجهة العدوان الصهيوني الاستعماري على مصر.. بل ومن أن "يبصق غصة الهزيمة في وجه الأعداء لهبا ممزوجا بالدم وهو المسلم الإنسان، الذي يتحول شعره الجميل إلى سلاح في معارك الأحرار والمستضعفين والمعذبين في الأرض .. كل الأرض .. من زنوج أمريكا.. إلى فيتنام البوذية.. إلى كل قضايا تحرير الإنسان .. كما ينبض قلبه وشعره بكل مشكلات أمة الإسلام وهو الشاعر المتحلي بفراسة المؤمن.. الذي ينظر بنور الله .. فتستشرف "بصيرته الشعرية" – في هزيمة يونيو سنة 1967 م – التحرير القادم

لسيناء .. فينشد سنة 1967 م

سيناء

من خلف الغيب رأيتك سيلا

يجتاح يهود

ورأيتك مصرع حلم مفقود

ورأيتك قبرا للزعم المردود

ورأيتك مليوني لحد للأمل المعقود

يا أرضا تاهت فيك ملايين يهود

 منذ عهود وعهود

وسيبزغ فجرك يوما يا سيناء

يا مهبط موسى

يا مثوى الشهداء

 يا درس بطولة

ينشده الأبناء

يا ترنيمة يوم العودة

يا ملحمة بقاء.

كما ينشد – في الذكرى الأولى لهزيمة سنة1967 م – لصورة جندي النصر في سنة 1973م:

إن شئتم نصرا فعليكم

بصناعة شيئ جبار

بصناعة جيل مختار

 صيغوا الجندي المتوضئ

حتى يسعى في الميدان..

بحثا عن ريح الجنة..

لا ركضا من شبح النار..

صيغوا جيل الهامات المرفوعة..

جيل الأصوات المسموعة..

جيلا يستوعب تاريخه..

كي يدرك معنى الحرية..

وينشد في بغداد سنة 1991م ما كأنــه نشـيد بغـداد سنــة 2003م:

بغداد هل نشبت بك الأظفـار ثانية وهل عاد المغـول إلـى الحـــياة؟

بغداد، ياعرس الخلافة هل ذُبحت وهل تآمرت الذئاب مع الرعاة؟

وتحلقــت معهــم مغاويــر العشائــر تُبعــا وتقاسمــوا لحــم الشيـاة؟

بغداد، لا والله قد خسئوا فقد حــفـر الغـزاة بجيشهــم قــبر الطغـــاة

وتكشفت عورات أصحـاب الرذيلـة والهوى وتطايرت خيم العـراة

والغافلون استيقظـوا وتلفتـوا يتساءلـون فأبطلـــوا سحــــر الحـــواة

بالأمس حاصــرك التتار فأسلمــوا واليـوم تأتيك العمائــم بالغـــزاة

بغداد صبرا تلك أيام نرى الأطهـــار فيهــا يُرجمــون مــن الزنـــاة

صبرا فلن تختل – يا أحلى عروس في حضارتنا – نواميس الإلـه

ولسوف ينطلق النفير من المشارق والمغـارب كالمـؤذن للصـــلاة.

 إننا أمام شاعر مسلم.. وإسلامي .. وإنسان، ينتمي إلى الإنسانية.. ويختص دائرة الجامعة الإسلامية بالخصوصية التي تميزها وتميز مكانتها في ضميره وشعره ..وذلك دون أن ينفصل ، ولو لحظه واحدة . عن وطنيته، التي تجعل لمصر مكانة القلب والعقل في مشاعره وأشعاره..

 وإذا كنا نشهد الكثيرين من الذين يعودون إلى بلادنا – ومشكلاتنا- بعد فترات .

الإغتراب ، متأففين مما تعيشه بلادنا من سلبيات .. فإن شاعرنا الكبير قد طوف في بلاد الغربة وقضى بها السنوات الطوال.. من سنة 1968 م حتى سنة 2003 تقريبا - .. فلما عاد إلى مصر لم يتأفف من حالها – مقارنا بحال أمريكا مثلا – وإنما كانت قصيدته (عودة الروح) التعبير عن الوطن والوطنية التي يعيشها ويتنفسها:

 

عاد الحجاب إلى الوجوه الناضرة

 والمسجد المهجور عاد خلية

فيها الشباب الغض يسعى خاشعا

بُشراك يا أرض الأحبة إنني

ولهان تبهرني العواطف غضة

عادت بي الذكرى لأجيال خلت

ما بين تيه واضطراب في الرؤى

أو بانكفاء رافض لا يرتوي

بُشراك يا أرض الكنانة

عودهُ للفطرة الغراء أسرعت الخطى .

تاجا يزين كل رأس حاسرة

بالذكر والتكبير دوما عامرة

لم تلهه دنياه، يرجو الآخرة

أشتاق تطربني المآذن هادرة

في كل عين بالتحية ناظرة

كانت عقول النشء فيها حائرة

أو في انسلاخ عن أصول غائرة

من جاره، أو منكر للآخرة

ظمأى، إلى عش الفضيلة طائرة

مزدانة بالطهر، بنت القاهرة .

 إننا أمام شاعر من شعراء التجديد – في الشكل والمضمون – لكنه خصم عنيد " لغثاء الحداثة" – بمعناها الغربي..حتى ليرد – في ديوانه هذا- على "طاعون الحداثة" بقصيدته التي تحمل عنوان (الطاعون)

هل عز الشعر على الشعراء وسمعنا بين بلابلنا ورأينا أن عروس الشعر .

والذوق الفاسد يستشرى المفلس يسعى في الطرقات والعاجز يخشى أن يُرمى ويصفق خلف مواكبهم لكن الفطرة مازالت عذراء الحس تميَز بين ليظل الصدق يطاردهم .

وغاب الشط عن السفن؟

غربانا تنعق في الفنن؟

تُزف بلون كالكفن؟ .19

19

طاعونا في وعي الوطن؟

يرص حروفا كالعفن

بالجهل فيسجد للوثن

أقزام الشعر الممتهن

موروث الناس من الزمن

عواء الذئبة والشجن

وتعود الروح إلى البدن .

 ونحن أمام شاعر مؤمن.. الإيمان عنده سلاح لمواجهة كل التحديات .. فهو بهذا الإيمان في حالة (إبحار) دائم:

قد أصبح يوما أو أمسى مهموما، والبسمة حولي مختنقا، والنسمة جذلى وأظل أدور ولا أدري فإذا ما غرقت، وانطفأت أو ضاقت، بعد، بما رحبت أسرعت أفتش في قلبي أتوضأ منه، فيزهرني استحضر يونس محنته فيلين الشوك على كفي فإذا أدعيتي أشرعة فأطيل سجودي معتزما .

مسجونا من غير جدار كدرا، كخريف الأشجار مشتعلا، تحت الأمطار من أين يهب الإعصار من ليلى كل الأقمار أرض، وسماء، وبحار عن فجر خلف الأشجار كالنبت بشط الأنهار أستلهم طه في الغار وتذوب بقدمي الأحجار في الصدر بلون النوار مع قرص الشمس الإبحار .

 

ولأني لا أريد – في هذا التقديم – أن أتبوأ مقعد " الناقد الأدبي المتخصص" فأتحدث – بالتفصيل – عن المفردات المعبرة عن شاعرية شاعرنا الكبير.. فإني أدع القاريء العزيز- بل أدعوه – للإبحارفي هذا النهر الشعري الجميل.. الغني بجماليات التعبير وجماليات المعاني والمضامين..

 فإلى هذا الحصاد الجميل.. حصاد نصف قرن من شاعرية شاعرنا الكبير.. والرقيق الاستاذ محي الدين عطية..

              

الهوامش::

(1) إميل بولا [الحرية، العلمنة، حرب شطري فرنسا ومبدأ العدالة ] منشورات بيروت – باريس سنة1987م – نقلا عن ،هاشم صالح – مجلة [الوحدة]- الرباط – المغرب – عدد فبراير – مارس سنة 1992م- ص 20،21-.

(2) سلامة موسى [اليوم والغد] ص 186 طبعة القاهرة سنة 1928 م . و [البلاغة العصرية].

 (3) أحمد عبد المعطي حجازي [ من حوار معه منشور في ( أخبار الكتاب) – العدد 37 – سبتمبر سنة 2000 م – اتحاد كتاب مصر – القاهرة].

(4) [الموسوعة الفلسفية] – السوفيتية – بإشراف:م. روزنتال، ب يودين – ترجمة: سمير كرم – طبعة بيروت سنة 1974م – مادة"الجمالي والأخلاقي".

(5) [لسان العرب] – لابن منظور – و[المعجم الفلسفي] – لمجمع اللغة العربية – طبعة القاهرة سنة 1399هـ/ سنة 1979م - وانظر كتابنا [الإسلام والفنون الجميلة] ص 10،9 – طبعة القاهرة سنة 2006م.