المناهج النقدية الحديثة في ضوء التصور الإسلامي 2

المناهج النقدية الحديثة في ضوء التصور الإسلامي

الحلقة الثانية


رمضان عمر

[email protected]

رئيس رابطة أدباء بيت المقدس / فلسطين

من أهم إشكاليات النقد الأدبي الجديد، وما رافقه من تبنٍ لمناهج نقدية غربية، خضوعه لمنطق التبعية والانبهار؛ وارتباطه بتجليات فرضتها الهزيمة الحضارية العربية في مجالات الفكر  والاقتصاد والسياسة، أمام  انتصارات التقنية والتكنولوجية والحضارة الغربية.

ذلك أن المناهج النقدية الغربية-الحديثة منها على وجه الخصوص-قد  انطلقت من فلسفة شوفينية أفرزتها النظرة المركزية الغربية الاستعلائية، التي  ترى في  الغرب قيمة عظمى لا تضاهيها قيمة، وأن الأطراف  التي  طردت عن المركز بفعل الفعل الحضاري الأوروبي لا تمثل شيئا، ولا تشكل  مرجعية،إلا أن تكون سوقا استهلاكيا لتصدير المنتج الحضاري  الغربي، ومن  هنا فالعرب  وفق النظرة الأوروبية الشوفينية مجرد متلق لا يشكل  معادلا حضاريا.

أما الناقد العربي  المنبهر بهذا المنتج الأوروبي  الجديد، فهو –أيضا- ينطلق  من واقع الانفعال  لا التفاعل مع ذلك المنهج الغربي؛  ولا شك أن الفرق  شاسع بين الانفعال  والتفاعل؛ فالانفعال  يحرم المنفعل  من حق الاختيار،وإمكانية التمييز،   ويجعله  رهين الهيمنة والاستحواذ والاستجابة.

ولعل نظرة سريعة إلى سوق  النقد العربي الحديث تنبئ عن حقيقة هذا التحول الانفعالي.... الانهياري،  والانبهاري،  في التبني السطحي  لتلك المناهج الوافدة، دون التزود برصيد ذاتي  حضاري  ينطلق  من مركزية  حضارية مضادة تؤمن بقيمة الذات، ولا تعترف  للأخر بأكثر  مما يستحق ؛فتأخذ  وترد، وتؤسس  وتستخلص؛ لتشكل في النهاية منهجا مناسبا،ملائما لطبيعة التصور الفكري والحضاري الذي يشكل مظلة للثقافة العربية الأوسع.

والأمثلة التي  تؤكد هذا الزعم أكثر  من أن تحصى؛ فالنقد المتكدس في أسواق  اليوم باسم الحداثة لا يحمل في كثير  من تفصيلاته أكثر  من تمويهات وفذلكات لا تبين ولا تستبين، إلا أن أرادت قدحا فنسفت وقصفت؛  وزعمت أن موروثنا  الحضاري  ما هو إلا خليط  من التخلف  والرجعية  والهراء  والخبل، وأكدت على ضرورة  تجاوز الماضي  والتحليق  في سماء  الحداثة والتغريب  من خلال  تبن واضح للمناهج النقدية الحديثة.

ونحن نؤكد هنا أن الحركة النقدية الحديثة التي  ارتمت دون تفكير في أحضان  الغرب  الفكري الثقافي لا تختلف  عن الحركة السياسية الرسمية التي  ارتمت هي  أيضا في ذات الحضن واستقت من ذلك الحليب  ورضعت منه حتى الثمالة،  ولم لا نؤكد ذلك ونحن ندرك تمام الإدراك أن المناهج النقدية لا تنطلق  إلا  من فلسفات  وايديلوجيات ينتجها الفكر البشري المرتبط بمركزية محركة،  والمركزية التي  تحرك هذه النظريات كلها هي  المركزية الأوروبية وهي  مركزية مرهونة بفكرتين استعلائيتين: الفكرة الاستعمارية التي  تؤمن بان الأرض  مشاع للفكر التنويري الغربي؛ ومن هنا جاءت  مصطلحات نشر الديمقراطية والتبشير والحريات  ...الخ.

أما القضية الثانية فهي  المنطلق  القومي  الذي يجعل  لغة الخطاب  الثقافي  لغة ذات قيمة أوروبية، تنهار  معها كل  التركيبات الأخرى، وهنا تكمن خطورة النقد الحديث  الذي يتعامل  مع الخطاب  الأدبي  كخطاب  كوني  لغة وأسلوبا  ومضمونا؛ مما يعني  انتفاء الخصوصية أمام انتشار الأفكار  المركزية ذات البعد الإمبراطوري.

أما الخطورة الثالثة، التي لا يمكن تجاهلها، فهي  أن الناقد العربي الحديث تلفت إلى الغرب  منبهرا بالقيم الغربية المنجزة؛فظن أن تلك الرؤى التي  أثبتها العقل الأوروبي الحديث  هي  سر نهضته، وأن تطبيقها  في  واقعنا العربي المنهزم  سيعدل  الميزان الحضاري  بين دفتي  المشرق  والمغرب،دون  أن ينتبه هذا الناقد أن هذه المناهج قد ارتبطت بمنظومات قيمة متعددة، فرضتها طبيعة الحريات في  الغرب، مما مكن الفرد المثقف –هناك-  من تمثل ثقافة ذات بعد مادي  منسجم مع تصوراته المنطقية لوظيفة الإنسان الغربي في الحياة.

وهذا يعني أن نعيد طرح السؤال  الثقافي وفق  إستراتيجية وظيفية ذات بعد قومي: هل  التربية المشرقية قادرة  على الاحتفاء  بمياه الحرية والديمقراطية لنزرع فيها مناهج  تنسجم مع  متطلباتنا الوظيفية؟ 

وهنا يبدأ الاشتباك السياسي  والديني  في البحث  عن مرجعيات تؤسس لمنهج  يصلح لهذه التربة، أعني  أن أصحاب  المناهج النقدية الجديدة كان عليهم- بداية- أن يمهدوا التربة –عندنا- لتكون صالحة لهذا الزرع  أو ذاك؛ وهذا يقتضي  إحداث  ثورة فكرية تغييرية في  واقعنا السياسي؛ فالمناهج النقدية الغربية ما كان لها أن تستقر في الواقع الأوروبي  لولا  ثورات التغيير  والتنوير،  بدءا من القرن السادس، وليس  انتهاء  بالحرب  العالمية الثانية، التي  جعلت الغرب  قوة ومؤسسة علمية معرفية حضارية لا  تنازعها قوة أخرى