السكوت خطيئة

الاعتقال والمعتقلون بين الصمود والاعتراف

للنائب حسام خضر

خليل أبو خديجة

بداية روائية رائعة، لواقع مؤلم، لغة ومصطلحات سامية، تعبر عن حضيض نفسية الخائن او المعترف او المهزوم، تلك الهزيمة التي رسمها قلم الكاتب، بأحرف العربية، جعلت من المعتقل والتحقيق، معركة بقاء ووجود، تختزل الحرب المعلنة منذ العام 1948، المعتقل في هذه اللوحة فلسطين، والمحقق احتلال، وبينهما تدور معركة تحدد المبادئ المتفوقة العليا، فاما ان يصمد المعتقل وينجح بايصال رسالة للمحقق ومن وراؤه ان ما يحمله من مبادئ وقناعة جزء لا يبتر منه، واما ان ينتصر المحقق، ويوصل للمعتقل بكافة الطرق والاساليب رسالة الذل والهوان، وان خيار الاحتلال هو كل ما تبقى له. فالعقيدة ليست فقط ما تؤمن به، بل هي ما تستطيع ايضا ان تدافع عنه.

  تحدث الكاتب في مؤلفه عن قطاع الاسرى في المجتمع الفلسطيني، ذلك القطاع الذي يضم 80% من افراد المجتمع الفلسطيني خلال سنوات الاحتلال الاسرائيلي، فيصفه ويصف مكامن ضعفه، ونقاط قوته وصموده.

  وتحدث الكاتب ايضا عن "ثقافة اوسلو" التي اراد ان يخبرنا عبرها ان مثقف اوسلو أميّ سياسة، وان نتائج هذه الثقافة كانت ولازالت "افرازات"، مصطلح يعكس النتائج البغيضة المقززة لكل ما اخرجته.

  تخلو المكتبة الفلسطينية اليوم من مؤلفات تحمل توجه الكاتب، وايديولوجية تعلقه بالتغيير، وايمانه بزرع الوعي والعلم لحصاد النجاح. بل ان البعض من الكتّاب يرى انه لا يحق للكاتب ان يوجه وان يحاول تغيير فكره لدى القارئ، ويعتبره من الاخطاء الادبية الفنية، فيما اراه واجبا وطنيا يجب تطويره وتنميته.

  مؤلفات، كفلسفة المواجهة وراء القضبان، تلك المؤلفات الممنوعه، والتي صودرت وتصادر فور طباعتها، هي التي تنتشل الفلسطيني من واقعه الايديولوجي المختل. حلقات التوعية والدراسة في السجون الاسرائيلية، كانت من اهم المراحل لأي معتقل، وكم سمعنا عن مناضلين دخلوا السجون أميين، وخرجوا منها يكتبون لغات عديدة، ويتحدثون بالسنة متنوعة، فاين نحن من ذلك؟

  لم يطرح الكاتب هذا التساؤل، وانما اجاب عليه اجابة صحيحة ومعتبرة، فرصد الواقع التعليمي داخل وخارج السجن، سواء في المدارس، او حتى الجامعات التي اعتبرها الكاتب "دور عرض للازياء"، وذلك ما لا يختلف عليه اثنان.

  لكن اكثر ما اثار اعجابي وتعجبي في هذا المؤلف، تصنيفه لافراد الشعب الفلسطيني بين مناضل وعميل وآخر لازلنا نبحث له عن موقع، وذلك الاخر هو الأنا والنحن، وأرانا اقرب الى العمالة منا الى النضال، فكما ختم الكاتب مؤلفه: " اذا كان الكلام من فضة فالسكوت خطيئة.."