وزنة حامد في تألق دائم
وزنة حامد
ألند إسماعيل
وزنة قاصة سورية عرفت كيف تتعامل مع الكلمة بهدوء الأعصاب وجمالية المزاج و سمو الروح وتتلاعب بمفرداتها و كأنها أصداف البحار الفريدة من نوعها و تدللها بكل افتنان وعطف وتمنحها رونقاً زاهياً حسب تناسبها في الجملة و إيجاد الموقع المناسب لكل كلمة ، وهي البريق التي تلمع على أوراق الياسمين المغسولة برذاذ الخريف ،فان أناملها تجرد القلم من الشوائب والتعقيد من الالتواء .
كما هي الحال في مجموعتها القصصية الثانية (صفير القطار) التي تبعث في مقدمتها ببطاقة حنين إلى توأم روحها دمشق الحاضن لذكرياتها و تصفها بأنها قصيدة أدبية يزورها كل مثقف ليقطف منها ثمرته الإبداعية و يتحلى بأحجار الحضارة التي دونت عليها أسماء العظماء ، فكتبت وزنة حامد اسمها على بوابة المجد وعلى طول المسافة الفاصلة بينهما فتقول :
دمشق أرهقني عشقك
و أتعبني هواك
فلا أنت تكبرين لاقترب منك
ولا العشق يهترئ فأتخلص منه
وكلانا يلاحق الآخر في أروقة الشوق ...
أتطلع من تحت شرفة أهدابك إلى عشاقك الذين غرفوا من مقلتك الشوق ... ولم يرتووا... فهل ارتوي وأنا الشرقية القادمة من بين احاقيف الصحراء و أخاديد الرمل .
عندما كتبت وزنة حامد مجموعتها (صفير القطار) إنما انطلقت من الراهن الذي يعيشه الإنسان ومن صميم الحقيقة التي لازمت مجمل قصصها والغوص إلى ملكوت القصة وعمق أصالتها النقية التي تمثل النجوم الدافئة وهي معلقة في صدر السماء ، أنجمٌ شبيهة بالمخلوقات وانقسامهم بين أن تكون على هامش العالم أوفي متنه ,لا أي فرق لطالما تصارع حقيقة وجودها بين العظماء و تصبح مغزى الوجود وأصله ، وفي كتاباتها (حمد يا حمد ، ثعلب في ثوب زاهد ،حمو ) هذه القصص المديدة الباذخة على الحالة المعيشية الفقيرة التي تمنع الإنسان من أن يتمتع بحياته مقارنة بالجفاف الذي خيم أوزاره المتعبة على الشمال الشرقي ، فهي قامت على قشر المفردات من عصافاتها ومن ثم تنظيفها من الشوائب و مضغها عبر تليين وبسط المعنى التي تتألق بلا وميض وتسطع القارئ من غير صدى ، فحبر قلمها بقي كما هو رغم تصدع الأرض من زوابع الجفاف .
وفي مجموعتها الثانية ( صفير القطار) – وتحديداً في الساعة الثانية- تنفجر فيها الكلمات و تتناثر حروفها على شكل أبيات وكأنها لوحة شعرية لا تنتهي من الاستفسار عن تبعثرها و فوضاها كأنها مستنفرة من أمرها أو سقيمة برعب هارب من سباته تجفل الكلمات و تمزقها إلى أن ترفرف بحرية منفلتة فوق سحابات بيضاء ، والقاصة تتفرج على تمزقها غير آبها بما تخبئ آهاتها المجلجلة التي زرعت غرستها الإبداعية في صفحات من القرطاسية لم تكن الحالة لديها عبثية أو طارئة ، انما هي التي منحت القصة رونق أصالتها و أنقذت القصة من تهورها وعصيانها .