الصهيونية 4
الصهيونية...
دين... وسياسة.. وفكر. وفن
4
د. نجيب الكيلاني
لقد تحولت اليهودية إلى الصهيونية، وإذا كانت اليهودية ديناً سماوياً فإن الصهيونية ليست مجرد حركة سياسة، وإنما هي دين أرضي صنعه اليهود، هي اختراع جديد قام على أنقاض اليهودية، ثم اكتسب صورة دينية سياسية فكرية، لم يكتف اليهود بما أقدموا عليه من تحريف وتغيير في كلمات التوراة، بل إنهم في كل عصر يضيفون جديداً يتفق ومصالحهم وفلسفتهم المتعصبة التي تعادي كل ما هو إنساني، وتتنافى مع الضمير الحي، وترفض الإنصاف والعدل، فهم أساتذة فلسفة "الغاية تبرر الواسطة" نعم "ميكيافيليون" قبل أن تولد الميكيافيلية..
وقصتهم مع المسيح والمسيحية قصة معروفة، تنضح بالحقد والتآمر والمكيدة، وتاريخهم مع محمد صلى الله عليه وسلم ومع المسلمين في فجر الدعوة الإسلامية مليء بالغدر والخيانة والكذب والنفاق، ومن منا لا يعرف أنهم نقضوا العهود، وتحالفوا مع المشركين، بل زعموا للمشركين أن دينهم – أي عبادة الأصنام- أصح وأفضل من دين الإسلام، وكانوا هم البادئين في بذر بذور الفتنة والشقاق بين أفراد وفئات المجتمع المسلم الجديد، بما أشاعوه من فتن، وما اخترعوه من روايات وأحاديث نبوية، وهم الذين فتحوا باب الطائفية والشعوبية، وكثيراً ما حاولوا إفساد أداة الحكم، وتأليب الجماهير، وإثارة الحروب، وتكوين الجمعيات السرية، ونشر الفسق والفجور والانحراف في كل مجتمع عاشوا فيه، ولقد ابتلوا من جراء ذلك، بالضربات القاصمة، والعقوبات الصارمة، فتكرر طردهم من مختلف البلدان بعد أن أدينوا بعديد من التهم وارتكاب المؤامرات التي أفسدت الحياة السياسية والاجتماعية والاقتصادية والدينية، ولذا نراهم أعدى أعداء الإسلامية، وأشد خصومها عنفاً وخطورة..
إن أي قارئ لتراثهم، وأي مطلع على "بروتوكلات حكماء صهيون" يدرك عن يقين أنهم هم الذين انحرفوا وعاثوا في الأرض فساداً واضطراباً، وبعد أن تكونت لهم دولة في فلسطين بالمكيدة والخداع، اتضحت مطامعهم أكثر، وتبدت شراهتهم في كل جانب من جوانب فكرهم وقيمهم وفنونهم، نراهم يتحدثون عن السلام وهم يعدون العدة للحرب، ويتغنون بالعدل، وهم منغمسون في المظالم، ويدعون للتسامح والحب والتصالح، وهم صورة صادقة لأبشع ألوان التعصب والكراهية والخصام.. لقد وصل بهم الحقد إلى أن يزوروا كلام الله، ويطبعوا نسخة من القرآن مليئة بالتحريف والتبديل، تلك هي صفات وطباع "خراف بني إسرائيل الضالة" على حسب تعبير المسيح الذي حاولوا صلبه، وضرب دعوته السمحاء.
إن عداءهم للإسلامية قديم، بل إن عداءهم لجميع الأديان الأخرى لا يحتاج إلى أدلة أو براهين، فتراثهم القديم والحديث يغص بالنصوص التي تؤكد ذلك، وليس غريباً أن ينالوا العقاب من الله على أيدي عباده في الجزيرة قديماً، ثم في بلدان ألمانيا خاصة وأوربا عامة، وفي روسيا وغيرها من أقطار الأرض.. لقد نشروا الكثير من مبادئهم وفلسفاتهم المريضة في كل الدنيا، وجرفوا الشباب والمفكرين والفنانين إلى الهاوية، لقد مهدوا للماركسية وروجوا لها، باعتبارها فلسفة تهدم الأديان الأخرى، وتثير الأحقاد بين الطبقات، وتتخذ التصفية الدموية منهجاً لها في حسم أمور الخلاف الفكري، والنزاع العقائدي، ومكنوا للوجودية على أساس أنها تمجد النزعة الفردية المتحللة من كل قيمة تربط الإنسان بخالقه ومن كل عقيدة تدعو للصفاء والمحبة والإيثار بين البشر، وكانوا وراء بدع الخنافس والهيبز وغيرها مما أثر على أخلاقيات الشباب العالمي ودورهم الإيجابي في البناء والنهوض والتقدم، وفلسفوا انحراف المرأة وشططها، ومكنوا لانحرافها، فانتشرت الإباحية الجنسية والشذوذ، وضمرت معاني الوفاق العائلي والأسري، فتمزقت أواصر المجتمع، وشقي الناس شقاءً مريراً برغم التفوق التكنولوجي والمادي، وكان من جراء ذلك أن مهدوا لظهور جيل من علماء النفس والاقتصاد والسياسة والاجتماع يهدمون أكثر مما يبنون، فكانوا أفتك بالإنسان وحضارته من القنابل الذرية والهيدروجينية، وكان أن سلطوا الأضواء على نخبة من المفكرين والفنانين، وفتحوا لهم باب الشهرة والذيوع، فمشى وراءهم خلق كثير من كل أطراف الأرض، وبذلك لم ينج من شرهم قطر من الأقطار، وربما استطاعوا الوصول لكل بيت من البيوت، لقد سيطروا على أجهزة الإعلام مباشرة أو عن طريق عملائهم.. اندسوا في السينما والمسرح والآداب والفنون، وامتدت أصابعهم إلى محافل الحكم والسياسة، نراهم في البيت الأبيض الأمريكي في مواقع التفكير والتأثير، وتوغلوا في الحياة الاقتصادية وأصبحوا يسيطرون على العديد من المؤسسات الصناعية ورؤوس الأموال، ومن ثم أصبحوا يملكون زمام الاقتصاد والسياسة والصناعة والفكر والفن.. وصبغوا كل ذلك بفلسفتهم السوداء أفراداً وجماعات.. ولهذا فهم كانوا وراء معظم موجات الخراب والدمار التي اكتسحت العالم قديماً وحديثاً، وبطبيعة الحال لم يكونوا قادرين على فعل ذلك لو لم يتخذوا من السذج والبلهاء مخالب لهم يستترون وراءهم، ويدفعونهم دفعاً لتنفيذ مخططاتهم الجهنمية.. لقد اتخذوا من المحافل الماسونية وأندية الروتاري واليانصيب وأندية القمار والفن سوقاً رائجة لترويج بضاعتهم، وبث أفكارهم وسلوكهم، وهم قبل هذا وذاك قد "حصنوا" أنفسهم ضد تلك المفاسد والأوبئة، حتى يبيد العالم ويبقوا هم في مراكز النفوذ والسيطرة، ألم تقرر كتبهم وتعاليمهم وتراثهم العتيق أن لهم الحق في أن يحكموا العالم، وأن غيرهم من "الأميين" ليسوا سوى خدم وأدوات لهم، يستعملونهم في تحقيق أغراضهم الخبيثة ومطامعهم الدنيئة؟؟ أليس لهم الحق في قتل من شاءوا، ونهب أموال من شاءوا، وأن يقتل أطباؤهم المرضى من غير اليهود، ولهم أن يخونوا ويغدروا ويسفكوا الدماء ويسرقوا، ما دام ذلك يعود بالنفع عليهم ويحقق المصلحة لهم؟؟ أليست هذه التعليمات كلها مكتوبة في "تلمودهم"؟؟
إن الصهيونية أسلوب خسيس في الفكر والفن والسلوك والسياسة.. هي الدين الجديد الذي صنعه الصهاينة على أنقاض اليهودية القديمة، هي جماع الشر والفتنة والمقت لكل من عداهم، هي الاستغلال البشع والغدر وتزييف الحقائق ونشر كل ما يحط من قدر الإنسان وكرامته وكبريائه وأصالته.
إنهم يجرون العالم كله إلى لون من "الهستيريا" الجامحة، ثم يقفون متفرجين ليجنوا الثمار الملوثة بدماء الأبرياء والمخدوعين والمساكين.. هل يمكن أن يكون ما يحدث الآن مجرد صدفة؟؟
إذ كيف نرى اليهودي في كل مكان من أنحاء الأرض مرتبطاً بالصهيونية قلباً وقالباً، وهم يلتقون على سياسة واحدة، وفي نفس الوقت نرى العرب والمسلمين متناحرين ممزقين متعادين، وقد تفرقوا أيدي سبأ؟ هل يمكن أن يكون ذلك كله صدفة؟؟
وهل نعتقد أن موجات الفن المنحرف السائدة، التي جرفت أجيالنا إلى متاهات بعيدة عن منابع ديننا، هل نعتقد أن هذا مجرد صدفة؟ وهل في الإمكان أن نتصور تلك الحملات الإعلامية والحروب الكلامية وغير الكلامية بين بعض رؤساء دولنا جاءت صدفة؟.. وهل خروج نسائنا على هذا النحو من التبرج والزينة وفوضى العلاقت بين النساء والرجال، وإهدار الأموال في المشروبات والأزياء والعبث الرخيص، هل كل ذلك ضرب من الصدف التي جاءت جزافاً؟..
ثم ما معنى تلك الإطراءات والثناء والتبجيل الذي يكال لفئة من ذوي البطش والطغيان الذين يتخذون العنف والتنكيل والإرهاب وسيلة لحكم الشعوب، ويبددون ثروات بلادهم، ويهدرون طاقاتها ويمكنون للفساد والرشوة والانحراف؟؟
وما معنى أن نجد فئة من المفكرين والكتاب والفنانين يدوسون أغلى القيم وأروعها، ويبشرون بالإباحية والتحلل، ويغرون السفهاء بالأمجاد الروحية، والتراث العريق، وينقلون العقول إلى جنة موهومة من الخدر أو الغيبوبة الملوثة، فيقع الناس في متاهات الحيرة والتخبط والضلال، فتتفرق بهم السبل، وتتباعد بينهم المسافات، ويبقى كل كائن حي في جزيرة مهجورة، فنكون كالمنبت الذي لا أرضاً قطع، ولا ظهراً أبقى.. ما معنى ذلك كله؟؟ وما تفسير ذلك الموقت الذي يقفه المخدوعون من السياسيين والمفكرين إزاء كل شخصية مخلصة ترى الحقيقة، وتحاول إنقاذ الموقف، وفتح الطريق أمام الكلمة البناءة والعمل البناء، وسرعان ما تتكتل القوى والجهود لضرب هذه الشخصية وتعويقها ورميها بكل نقيصة ورذيلة، واختراع الأكاذيب والافتراءات ورميها بها.. ما تفسير ذلك كله؟؟
أريد أن أقول: إن وراء ذلك كله:
أولاً غفلة منا عما يدور حولنا من حقائق وتحركات،
ثانياً: وجود مخطط صهيوني رهيب تؤازره القوى الاستعمارية الصليبية،
ثالثاً: ترابط كل القوى المعادية للإسلامية، بدافع المصلحة، لحصر الإسلام وتخضيد شوكته، ومنعه من الانطلاق وتأدية الرسالة المنوطة به، وليس هذا التصور مجرد وهم أو خيال، ولكنه واقع تاريخي وواقع معاصر، نراه ونلمسه كل يوم رآه ولمسه آباؤنا من قبل، والجهل لا يعفي من المسؤولية، وقد سبق وشرحنا ما قال مستشار الرئيس الأمريكي الأسبق "جونسون" في إحدى الجامعات الأمريكية، حينما حدد نظرته إلى الصراع القائم بين العرب وإسرائيل واعتباره أن إسرائيل امتداد للحضارة المسيحية في الشرق...
إن الصهيونية هي بمثابة نواة الخلية الأكالة التي تتطلع لالتهام الإسلام والمسلمين.. هي حجر الزاوية، بل هي المحرض والقائم على متابعة تنفيذ المخطط المدمر، وإذا كانت إسرائيل تقف مدججة بالسلاح من أخمص قدمها إلى قمة رأسها، في قلب العالم العربي، فيجب أن نتذكر أن هذا السلاح.. ورغيف الخبز.. وكل مقومات الحياة تأتيها من هناك.. من الحلفاء الطبيعيين لإسرائيل.. من ممثلي الاستعمار الصليبي، ولن تخمد جذوة ذلك العداء للإسلامية في أي يوم من الأيام، سيظل ذلك العداء قائماً مهما عقدت اتفاقيات سلام، ومهما أقيمت أحلاف ومعاهدات صداقة، ومهما تناقلت الصحف ووكالات الأنباء التصريحات التي تفيض بالحب والتعاون والصداقة.
يجب أن نصل لهذه الحقيقة المؤكدة، ونتصرف على ضوئها، ونرسم سياستنا وخططنا وفي أذهاننا أسوأ الاحتمالات، ولقد تعمدت فيما أسلفت أن أجعل غفلتنا هي العامل الأول قبل الصهيونية، حتى أضع المسؤولية الكبرى على عاتق أجيالنا، فنحن لا نستطيع أن نصد عدواناً، أو نخوض حرباً ضد غاز لنا، أو نكسب معركة إلا إذا نهضنا من تلك الغفلة، وعرفنا ما يدور من حولنا والمراد بنا، والقوى العديدة التي تتآزر وتتجمع لضربنا، والأساليب المتنوعة – الخفية أو الظاهرة – التي يتبعها العدو لهدم إرادتنا، وتوهين عرانا، والنيل منا، على الرغم من أننا أمة لها طاقاتها البشرية والمادية الكافية، وفي الإمكان أن نحمي تراثنا وأرضنا وقيمنا وأن يكون لنا المكانة اللائقة بنا في هذا العالم..
ترى متى تشفى شعوبنا من هذه الغفلة؟؟
وهناك أمر هام يجب الالتفات إليه جيداً، إذ كيف استطاعت الصهيونية الوصول إلى أهدافها المدمرة؟ إن الحقد وحده، وكذلك النوايا السيئة وحدها غير قادرة على الأخذ بيد الصهيوني إلى الهدف الذي يرسمه لنفسه، ولسنا من السذاجة بحيث نظن ذلك الظن فيخيل إلينا أن الرغبة – مجرد الرغبة - توصل الإنسان إلى الأمل المنشود.. إن كون الصهيونية عدواً لدوداً لنا لا يعني أن نتجاهل الحقيقة.. تلك الحقيقة التي تؤكد أن العدو قد اتخذ للأمر أهبته، وتجهز للمعركة التجهيز الكامل بالكوادر الفنية والأدوات الضرورية فلن نكسب معركة بغير سلاح ورجا وخطة وعقيدة.. لقد استطاعت الصهيونية أن تتيح الفرصة لرجالها كي يتعلموا، وأن يزودوا أنفسهم بالإمكانيات العلمية الواسعة من تعليم ودراسة وتدريب وتجارب، فحصلوا من العلوم العصرية أقصى ما يستطيعون، ومن هنا ينبغ فيهم علماء في شتى الفروع، بل ظهر منهم رواد وقادة في بعض تلك العلوم، فأصبح للعالم الصهيوني في حد ذاته قيمة ومكانة، وأمكنه أن يكون ذا تأثير ووزن في مجال العلم والتكنولوجيا، وكثيرون منهم تفرغوا تفرغاً تاماً للجانب الذي برعوا فيه أو تخصصوا له، نرى منهم علماء في الذرة وتطوير السلاح الحربي وفي العلوم الطبيعية والفلسفية والاقتصادية وفي علوم الإدارة والسياسة، ومن ثم لم تكن حروبهم حروباً تقليدية تعتمد على الشجاعة الفردية، والقوة الجسدية، وإنما كانت حربهم من قبل ومن بعد حرباً فكرية ذات مكر ودهاء، ومن ثم وجدوا من يستمع لهم، وينصت لآرائهم، وعاملوا العالم معاملة تبادل المصلحة أو المنفعة، وهي اللغة التي تفهمها حضارة المادة أو حضارة الظاهر، وهناك فرق كبير بين من يبدد أمواله في شراء السلع الاستهلاكية الكمالية، وينفق على ملذاته ببذخ وبين من يوظف أمواله في مجالات الإنتاج والاستثمار والصناعة، فالأول لا يجد لنفسه رصيداً سوى المتعة العاجلة الزائفة، والثاني يقوى ويثري وتتسع رقعة نفوذه واستثماراته، وذلك كله يهيء له من أسباب السيطرة والتأثير ما لا يتيسر للآخر.. ولهذا وجدنا من يعلن أن معركتنا مع العدو معركة علم وتكنولوجيا، ولكي نستطيع مواجهة ذلك العدو لا بد لنا من أن نتقدم في مجال العلم والتكنولوجيا، ولقد أسلفنا وقلنا إن آلاف الملايين من الدولارات والدخول الكبيرة التي نجنيها من البترول والمواد الخام والثروات المختلفة، كفيلة بأن تحقق لنا الكثير في مجال الصراع مع العدو، لأن ذلك العدو يستفيد من أموالنا هذه، وهي في بنوكه ويستثمرها في التصنيع وتطوير التكنولوجيا، والتقدم العلمي الذي يعتبر سلاحه الأول في صراعه معنا..
وعقيدتنا السمحاء في حاجة إلى حمايتها بالعلم وأدواته ومنجزاته الحديثة.. فإذا كنا بالأمس نحمي حوذتنا بالسيوف والرماح، ونفتح الطريق أمام دعوة الحرية والحب والإخاء بهذه الأسلحة التقليدية، فإن تطور الزمن يقتضينا أن نعد أنفسنا الإعداد الحديث للمعارك الحديثة طبقاً لمقتضيات العصر الذي نعيشه، ولن يحدث ذلك إلا إذا كان لدينا جيل من العلماء المحدثين، وتحت أيديهم الإمكانيات اللازمة لتطوير الصناعات والمساهمة في التطور التكنولوجي..
وهذا يقتضي منا الدعوة إلى حركة تجميع كبرى، فلنسمها وحدة أو اتحاداً أو أي شيء آخر، المهم أن تتكاتف القوى، وتتآزر المجهودات، ونحقق نوعاً من التضامن أو التكامل الاقتصادي، ولوناً من ألوان الوحدة الفكرية أو السياسية والعسكرية، وبذلك تصبح ثرواتنا في خدمة الفرد والمجتمع، أعني في خدمة الدعوة الإسلامية التي نحيا بحياتها، ونفنى بفنائها، وننتصر بانتصارها، ونسعد جميعاً بسيادتها على مقدراتنا وسلوكنا وأفكارنا.. وصدق من قال "ما قصرت المنى ولكن قصر المتمني"..
الشيء الآخر هو أن الصهيونية جعلت هدفها فوق كل اعتبار، فوق الأهواء الفردية، أو التناحرات الطائفية، أو الخلافات في الرأي، إنهم يختلفون كثيراً، لكن على أسس من المنطق، ويجعلون من أهدافهم ومخططاتهم نقط التقاء واتفاق لا خلاف عليها، لهذا فهم ينطلقون من كل صوب وفج، ويأتون من الشمال والجنوب، والشرق والغرب صوب المركز الذي حددوه هدفاً للبلوغ.. ونحن لا ننكر أن لكل إنسان أطماعه الشخصية، وتطلعاته الفردية، لكنها لا تقف حجر عثرة في الوصول إلى الغاية الكبيرة، هؤلاء الأعداء قد أدركوا خطورة المعركة التي يخوضونها، وضخامة الهدف الذي يسعون إليه، ويدركون في نفس الوقت أنهم قلة بأنفسهم كثيرون بحلفائهم، فحاولوا أن يوهنوا قوى عدوهم في فترة زمنية واتاهم فيها الحظ، ونفعتهم الإمكانيات المتاحة التي استغلوها في براعة ودهاء، لكن الأمور لا تسير دائماً على هذا النحو من التوفيق والنجاح، فسرعان ما يدب فيهم عامل الوهن والفناء، ويزول الزيف والخداع، وتنفك الروابط المصطنعة التي وثقوها في غفلة منا، ويعودون كما كانوا "تحسبهم جميعاً وقلوبهم شتى" وتظهر الطبيعة السيئة التي دمغوا بها، فمعركتهم ليست لله وإنما للشيطان، وكفاحهم من أجل العاجلة وليس الآجلة، ولن يتزعزع بنيانهم، وينهار سلطانهم إلا إذا ودعنا غفلتنا، وآمنا بالإسلامية سلوكاً وفكراً، واتخذنا للأمر عدته، وانطلقنا في معركتنا تحت راية الحق والفضيلة في سبيل الله وحده، عندئذٍ ينكشف الغطاء، ويزول الزيف، وتصبح كلمة الله هي العليا، وكلمة الذين كفروا السفلى، حتى ولو ساقوا جيوش الأرض قاطبة لحربنا.. "كتب الله لأغلبن أنا ورسلي"..
(صدق الله العظيم)
(يتبع)