ما هي الإسلامية 1
ما هي الإسلامية؟
1
د. نجيب الكيلاني
الإسلامية منهج في الفكر والسلوك، ومن ثم فإنها تجمع بين النظرية والتطبيق، وهذا المنهج منهج رباني، ,ليس من صنع البشر "صبغة الله، ومن أحسن من الله صبغة". فالإسلامية بتعبير آخر هي الدين الإسلامي، وقد أراد الله لعباده بها خير الدنيا والآخرة، وجعلها الله سبحانه وتعالى أساساً لحياة متوازنة يسعد فيها الفرد والمجتمع، ولذا كان محورها الإخاء الصادق، ولحمتها العدل الأمثل، وقوامها المحبة، تضيء جنباتها بالإيثار والتضحية، وتخفق أعلامها بالطاعة لله، والعمل من أجل مرضاته، وفي رحابها يعيش الإنسان عابداً لله وحده، وهذه العبادة أسمى وأكبر من الطقوس الشكلية، لأنها عبادة باللسان والقلب والعقل والعمل، لا تلوثها أحقاد طبقية، ولا نوازع دموية، ولا ينحرف بها هوى النفس عن الجادة، ينطبق عليها قول محمد صلى الله عليه وسلم "لا يؤمن أحدكم حتى يكون هواه تبعاً لما جئت به".
فالمؤمن الخاشع في المحراب يؤدي صلاته ونسكه عابد...
والمجاهد في ميدان الجهاد الأسمى عابد..
والعامل في مصنعه أو حقله عابد.
وطالب العلم في قاعة الدرس، أو في مختبر التجارب العلمية عابد..
والتاجر الذي يرعى حق الله، ولا يغش في تجارته عابد...
والمرأة التي تسهر على راحة زوجها وأولادها، وتكدح من أجلهم عابدة...
والقاضي الذي يحكم بين الناس بالعدل، ويتحرى الحقيقة عابد،
والطبيب الذي يخفف آلام المرضى، ويتخذ مختلف الوسائل للقضاء على الداء عابد..
وقس على ذلك كل فرد من أفراد المجتمع يؤدي واجبه بأمانة وإخلاص، ويرعى حقوق الله وحقوق الناس، ولا يخشى أحداً إلا الله، ولا يقصد من وراء عمله إلا وجه الحق جل وعلا..
فالإسلامية – إن صح التعبير- فلسفة إلهية شاملة تغطي وجه الحياة بكل نواحيها وصورها، سواء في العلاقات الإنسانية، أو الجوانب السياسية والاقتصادية والاجتماعية والعلمية، وفي المسائل التشريعية أو القانونية، وكذلك العلاقات الدولية، والاحتكاكات العسكرية، والابتداعات الأدبية والفنية، وليس هذا المفهوم الشامل تقليداً لأي فكر من أفكار الفلاسفة القدامى أو المحدثين، ولا محاولة مصطنعة لإبراز الدين الإسلامي في صورة غريبة عنه، من أجل الترويج له، أو الدفاع عنه، في مواجهة الزحف الفكري والعقائدي الذي يسود العالم الحديث بآرائه ومبتكراته، وإنما كان هذا المفهوم الشامل للدين واقعاً تاريخياً، فقد قدم الإسلام تجربة حية قوية، ناطقة بكل هذه المعاني طوال حقب التاريخ، ومن وراء هذه التجربة كان التراث الإسلامي المسجل حافظاً لكل تلك القيم، فهي مدونة في القرآن كتاب الله المنزل، وفي أحاديث المصطفى صلى الله عليه وسلم، وفي سيرته وأعماله وفيما استقاه الصحابة والتابعون من هذين النبعين الخالدين، حيث انعكست تلك القيم والأفكار على أقوالهم وأعمالهم وسلوكهم، فنحن الآن أمام تجربة رائدة مكتملة الأداء من حيث التنظير والتطبيق، ومن حيث النماذج البشرية التي أذهلت العالم بقدراتها الفائقة وطاقاتها الهائلة، ومنجزاتها الرائعة، وحضارتها الفذة التي كانت –بالمقاييس الإنسانية- أعظم حضارة عرفها التاريخ.
تلك الحضارة التي جعلت شعارها التوحيد، فلا معبود إلا الله، ولا خضوع لقوة من قوى الأرض، سواء تمثلت هذه القوة في فرد من الأفراد، أو جيش من الجيوش، أو ثروة من الثروات، أو دولة من الدول، ومن هنا تحررت إرادة الإنسان من كل خوف، وتنزهت عن عبادة أي وثن من الأوثان، ورفعت رأسها في شموخ وكبرياء، ولم تخفض جباهها إلا لله الواحد القهار وصدق شاعرنا إذ يقول:
عشنا أعزاء ملء الأرض ما لمست=جباهنا تربها إلا مصلينا
لا ينزل النصر إلا فوق رايتنا=ولا تمس الظبى إلا نواصينا
وكان من شعارات هذه الحضارة أيضاً "لا إكراه في الدين، قد تبين الرشد من الغي..." (1) فلا يساق الناس بالعسف والإرهاب لمجرد اختلافهم في الرأي مع حاكم من الحكام، ولا وجود للتصفيات الجسدية أو إزهاق الأرواح ظلماً وحقداً، ولا يلقى بالناس في غياهب السجون بسبب رأي يرتؤونه، أو نقد يوجهونه، ولا تشرد الأطفال والنساء بسبب اتهام باطل يوجه إلى عائلهم، لقد كان لكل فرد الحق في أن يقول ما يشاء، فيتقارع الناس الحجة بالحجة، والدليل بالدليل، فتثرى الحياة بالجدل البناء، والآراء الناضجة، تحت راية الحب والحرية والإخاء، وفي هذه الحضارة التي باركتها العناية الإلهية، ترعرعت القيم الفاضلة، وزالت المفاسد والأوهام والخرافات، وتألقت المواهب الإنسانية في كل ناحية، وخطت الفتوحات العلمية خطوات واسعة إلى الأمام، وفتحت النوافذ والأبواب لمختلف ألوان الفكر والثقافة، وعاش الإنسان آمناً على نفسه وأسرته ومستقبله، لا يمزقه الغدر، ولا يشله الخوف، ولا يمسحه حاكم جبار لا يرحم، وكانت هذه الحضارة الفريدة ترجماناً أميناً واقعياً لمعنى الإسلامية، كما كانت هذه الحضارة بتراثها وعلومها وتجاربها هي المفتاح لعصر التقدم العلمي والتكنولوجي الذي حملت لواءه أوربا في القرون التالية.
وكان من شعارات هذه الحضارة أيضاً التقنين.. نعم.. فقد وضعت الدساتير والقوانين واللوائح التي تنظم العلاقة بين الإنسان وأخيه الإنسان، وبين الحاكم والمحكوم، وبين العامل وصاحب العمل، وبين الغنى والفقر، وبين الغالب والمغلوب في الحروب، وبين الدولة وجاراتها من الدول الأخرى، وبين القائد والجند، وبين الزوج والزوجة (الأحوال الشخصية)، وبين الأب وأبنائه.. إلخ.
هذا الشمول الفذ في العلاقات، وهذا التقنين البارع، لم نجد له مثيلاً من الحضارات السابقة، لقد بلغ درجة من الرقي والكمال والمثالية، عجزت عنها كل الفلسفات القديمة والمعاصرة، ومن ثم اتصفت بصفة الإعجاز، فلا يستطيع فكر من الأفكار، ولا فلسفة من الفلسفات أن تصل إلى مستواها المذهل، ثم أليس عجيباً أن يحظى المجتمع الإسلامي بهذا التقنين أو التشريع المثالي الرائد منذ أربعة عشر قرناً من الزمان، مع أننا في هذا العصر نرى دولاً كثيرة تلجأ إلى هدم الدساتير والقوانين، وتهدم موازين العدل والحرية، وتعتصم بالسلطات الاستثنائية، وتلجأ إلى القيود الغريبة لكبت الحريات، والاحتكام إلى شريعة الغاب, والتفرقة العنصرية، وترتكب أبشع المظالم والحماقات باسم الحفاظ على أمن الدولة وأمن المواطنين وذلك كله في الواقع حيل ساذجة للاحتفاظ بالسلطة، والتشبث بكراسي الحكم، واغتصاب المغانم الحرام من أيدي التعساء والمساكين الذين لا حول لهم ولا قوة؟؟ أليس هذا عجيباً؟!
وكان من أبرز معالم هذه الحضارة الإسلامية أن "المسلمين تتكافأ دماؤهم، ويسعى بذمتهم أدناهم، وهم يد على من سواهم" حسبما ورد في الهدي النبوي، وأن أكرمهم عند الله أتقاهم كما نص القرآن الكريم، فأصبح الإنسان في ظل المعاني الإسلامية الخالدة فرداً حراً قادراً على العطاء الأمثل، له حقوق، وعليه واجبات، تتفق والطبيعة الإنسانية، وتلتزم بقيم العدل والخير والمساواة، ولا يتميز هذا الفرد بحسب ولا نسب ولا لون ولا جنس، ولا انتماء لكبير أو صغير، أو حاكم أو محكوم، وإنما تميزه ينبع من العمل الصالح المفيد الذي يخدم به دينه وأمته ونفسه، وكانت هذه الصورة الزاهية، هي وليدة المجتمع القرآني، المجتمع الفاضل الذي تمثل قيم الإسلام ومعانيه في القول والسلوك، وفي الوسيلة والهدف، وفي السلم والحرب، وفي المسجد والشارع والحقل والمصنع وساحة الجهاد وفي البيت، وفي السر والعلن "قل هذه سبيلي أدعو إلى الله على بصيرة أنا ومن اتبعني، وسبحان الله وما أنا من المشركين".
من هذه العناصر الأصيلة تكونت شخصية الفرد المسلم، تلك الشخصية ذات الملامح الواضحة المحددة، التي استطاعت أن تحطم الحاجز بين النظرية والتطبيق، فأصبح الشعار عملاً وسلوكاً، وتحولت الأفكار إلى كائنات حية تدب على الأرض، وتمشي بين الناس، وأصبحت الآيات القرآنية، وكذلك الأحاديث والأعمال النبوية حركة وفعلاً إيجابياً، فعاش الناس في رضى واطمئنان، وامتلأت قلوبهم بالثقة والأمل، وزخر المجتمع الإسلامي بالرجال الذين يحملون المسؤولية عن وعي وبصيرة، يكافحون في إيمان وصبر، لا يريدون غير وجه الله، وتوارت وساوس النفاق والغدر والأنانية " إن الذين قالوا ربنا الله، ثم استقاموا، تتنزل عليهم الملائكة ألا تخافوا ولا تحزنوا، وأبشروا بالجنة التي كنتم توعدون نحن أولياؤكم في الحياة الدنيا وفي الآخرة، ولكم فيها ما تشتهي أنفسكم، ولكم فيها ما تدعون".
وكان من علامات هذه الحضارة الإسلامية أنها فهمت قضية التطور والثبات فهماً دقيقاً سليماً، يتسم بالواقعية والصدق، فقد أكدت التجربة أن شريعة الله صالحة لكل زمان ومكان في أصولها وحقائقها الأزلية التي ترتبط بطبيعة الإنسان وباحتياجاته الفطرية البديهية، ومن ثم أصبحت هذه الأصول والقواعد والقوانين ثابتة لا تتغير، فلا تغير مثلاً في الإيمان بالتوحيد أو في الحدود المشروعة أو قوانين الميراث أو شعائر العبادات أو الأخلاقيات الشخصية من صدق وأمانة وتعاون وعدل ومشورة، وغير ذلك من الأصول والقواعد والكليات التي زخرت بها الشريعة، وهناك بعض الأمور تركها الشارع لتتغير وتتواءم مع طبيعة الأزمنة والأمكنة، وهي أمور لم ترد فيها نصوص، وهذا لم يحدث سهواً، حاشا لله، وإنما تركت قصداً، والهدف من ذلك واضح جلي لكل ذي عقل، والأحكام في مثل هذه الأمور ترجع إلى ذوي البصر والبصيرة من علماء المسلمين المتخصصين الذين يلتزمون في تأويلاتهم وآرائهم وأحكامهم بالمعنى العام، وبالروح الإسلامية المهيمنة على أفكارهم وتصرفاتهم، ومن ثم فلن يخرج منهم إلا ما كان ملتزماً بروح التشريع وآدابه ومقاصده، ومن ثم فلا ضرر ولا ضرار، والضرورات تبيح المحظورات، وهناك القياس والإجماع.. وباب الاجتهاد كان وما زال مفتوحاً أمام ذوي الخبرة والتخصص لكي يقولوا كلمة الإسلام، ولن يقولوها إلا إذا كانوا أهلاً لها، واتخذوا من كافة الوسائل والاستعدادات ما يجعلهم كفيلين بقولها...
ومن أبرز ملامح تلك الحضارة الإسلامية أنها احترمت العلم والعلماء في شتى فروع المعرفة الدينية والدنيوية، ولهذا نجد تراثاً ضخماً في العقيدة والتفسير والفقه واللغة والرياضيات والفلك والجغرافيا والطبيعة والكيمياء وعلوم النبات والحيوان, والفلسفة والاجتماع والدراسات النفسية والطبية وغيرها، وكانت هذه الحضارة واسعة الأفق بحيث ترجمت تراث الحضارات الأخرى، وتناولتها بالدراسة والتمحيص والنقد والتنقيح، وخرجت بها إلى حيز "التجربة العملية"، وهذا انقلاب تاريخي خطير، كان له أعمق الأثر في تاريخ البشرية جمعاء، فانطلق العلماء في كل فج وصوب يكتشفون وينقبون، ويصححون ويزيدون وينقصون، وليس هذا بغريب على دين جعل من طلب العلم فريضة على كل مسلم ومسلمة، وبذلك أصبح العلم جزءاً من الدين، بل إن العقيدة بأبوابها المختلفة ونصوصها وقوانينها كان تناولها كله بطريقة علمية فذة معجزة..
ولم تغفل الحضارة الإسلامية جانب الفن، فـتألق فن الشعر والكتابة والقصة، وقدم الشعراء والكتاب تراثاً خالداً يتميز بالعمق والأصالة، ويبعد عن الوثنية والانحراف العقائدي، ويخدم المجتمع القائم في حدود الصورة الاجتماعية التي كانت تناسب تلك العصور، ولم تعترض حركات التجديد في الأشكال الفنية المختلفة، وأصبح العلماء والشعراء والكتاب قادة الفكر في أمة تحترم الفكر، وتقدس حريته، وقد يرى الكثيرون أن المذاهب المختلفة وتصارعها كان لها أثر بعيد المدى في تفتيت الأمة، وتحطيم وحدتها، ومع ذلك فإن هذه الخلافات والصراعات المذهبية كانت صورة قوية لما في ذلك المجتمع من حرية الفكر والرأي، وتعبيراً عما يعن للمفكرين من وجهات نظر لم يقمعها سيف ظالم، ولم تكبتها إرادة طاغية، هذه الحرية في الواقع كانت سلاحاً ذا حدين، أفادت من جانب، وأضرت من جانب آخر، لكنها أولاً وأخيراً دليل على ما كان يستمتع به أفراد المجتمع المسلم من حرية.. ولو اندس فيها أعداء الإسلام، وانحرفوا بها عن الجادة، واستغلوا تلك الحرية أبشع استغلال، لضرب الزحف الإسلامي الجبار، لولا ذلك لتغير وجه العالم، ولتولدت عن تلك الحضارة روافد غنية بكل رائع ونبيل من القيم والأفكار والمنجزات العظيمة...
تلك كانت بعض سمات الحضارة الإسلامية، ولعلنا لاحظنا من خلال العرض الموجز الذي قدمناه أنها صورة صادقة لما نقصده بكلمة "الإسلامية" التي هي منهج في الفكر والسلوك، وواضح أن التجربة قد أثبتت نجاحها وصدقها وملاءمتها لطبيعة الإنسان أياً كان هذا الإنسان في أي عصر من العصور، وفي أي صقع من الأصقاع..
لكن المشكلة الكبرى تكمن في أن عدداً كبيراً من الدعاة إلى الإسلام في عصرنا يعتقدون أن الدعوة مجرد كلمات تقال حول الإسلام ومبادئه العظيمة، أو أنها مجرد كتاب يكتب من ناحية من النواحي التي تبرز محاسن الإسلام وإعجازه، إن الكلمة سواء أكانت خطبة أو مقالة أو كتاباً أو قصة أو قصيدة أو مسرحية برغم أهميتها وضرورتها ليست هي كل شيء..
إن الدعوة بالكلمة يجب أن يواكبها الفعل...
ولكي أوضح ذلك أقول: إن علينا أن ننزل إلى الشوارع والأحياء، إلى القرى والكفور والمدن، ونبحث عن مشاكل الناس على الطبيعة، ونحاول أن نشاركهم في البحث عن حل لمعاناتهم اليومية، قد يكون هذا الحل في إيجاد مستشفى أو مدرسة أو دار لمحو أمية الأميين، أو في إنشاء مصنع صغير يستوعب العاطلين، أو جمع الزكاة لتوزع على العجزة والفقراء والمحتاجين، أو حل مشكلة مساكن أو مواصلات أو مياه.. أن نواسي الناس في أحزانهم، ونشاركهم في أفراحهم وأن نمد يد العون لهم في كل ما يحتاجون إليه بقدر الاستطاعة..
أريد أن أقول: إن الناس شبعت كلاماً ويريدون فعلاً، ولقد كان المسلمون الأوائل يدركون ذلك فعاشوا قضايا عصرهم أو مجتمعهم وساهموا في حل مشاكله وقضاياه، وكذلك فعلت بعض الجماعات الإسلامية في عصرنا الحديث فتوافد إليها الناس من كل فج وصوب، ووجد الناس الفرصة مواتية ليعبروا عن رضاهم وارتياحهم فتوحدوا في جبهة واحدة تعمل من أجل المجموع.. من أجل الصالح العام.
هذه الحقيقة الاجتماعية أصحبت معروفة وواضحة لدى الجميع، ومن ثم فلا عجب أن نرى المبشرين في مختلف الأديان يبنون المعبد مع المستشفى والمدرسة ويطبقون مناهجهم هنا وهناك، وذلك أقرب طريق إلى عقول البشر وقلوبهم.. نعم الدعوة يجب أن تكون مقرونة بالخدمات، هكذا فعل أجدادنا المسلمون الأذكياء بوحي من كتاب الله وسنة نبيه، ومن ثم تتغير الصورة التقليدية للداعية، فلا يصبح مجرد إنسان يتزيى بزي معين، ويطلق كلمات جذابة مشحونة بالعاطفة والبلاغة وقوة التأثير فحسب، بل يصبح الداعية مصلحاً اجتماعياً، ورائداً من رواد التغيير إلى الأفضل، وطبيباً يعالج أمراض المجتمع، ويأخذ بيد الناس إلى العمل الإيجابي، وإلى المشاركة الفعلية في تعديل المسار، فتنطلق الجموع إلى الغد المشرق الباسم، وتمتلئ قلوبهم بالثقة والأمل.. ولكي يكون الداعية قوة بناءة مؤثرة لا بد أن يكون قدوة حسنة "يا أيها الذين آمنوا لم تقولون ما لا تفعلون؟؟ كبر مقتاً عند الله أن تقولوا ما لا تفعلون".
هذه نقطة..
والثانية أن يتخذ الداعية وسائل العصر الحديثة مطية إلى أهدافه الشريفة، فالتعبير المباشر كالخطبة أو المقالة أو الدرس لم تعد وحدها كافية لإحداث التغيير المنشود، إن الفنون تلعب دوراً خطيراً في التأثير على وجدان الناس وآرائهم وسلوكهم ومن ثم فإن الدعاة في عصرنا يجب أن يعرفوا تكنيك المسرحية والرواية والتمثيلية والأفلام السينمائية وغيرها، تلك الوسائل التي يقبل على سماعها ومشاهدتها آلاف الملايين في شتى أنحاء الأرض.. إن فن العرض الحديث أمر لا مناص لنا من دراسته وفهمه من أجل الوصول إلى الجماهير العريضة وإقناعها من خلال ذلك الحشد الهائل من الفلسفات والأفكار المنحرفة التي يعج بها عالمنا المعاصر... وليس ذلك ببدعة، وإنما كان المسلمون الأوائل يحتفون بالإعلام الإسلامي في حدود إمكانيات عصرهم... ولذا فإنه بات من الضروري الزحف على وسائل الإعلام المختلفة وأن يكون سلاحنا في هذا الزحف الفهم الواعي لهذه الفنون وأثرها وأهميتها، وأن نجد الكفاءات والمواهب الحقيقية لجيش الإعلام الإسلامي، فقد أصبحت الأسلحة الإعلامية أقوى وأفعل من السيف والمدفع والدبابة والطائرة، لأننا نريد غزو العقول والقلوب والنفوس قبل أن نفكر في غزو الأرض..
ولن تكون الإسلامية واقعاً حياً إلا إذا اجتمع الفكر والسلوك، أو النظرية والتطبيق، ولن تصل هذه الإسلامية إلى عقول الناس وقلوبهم إلا بالقدوة والمشاركة البناءة في حل مشاكل الناس، واتخاذ أحدث أساليب العلم والتكنولوجيا في معركة الإسلام ضد أعدائه.. ضد قوى الشر والفساد والانحراف والأنانية والتسلط.. والآن ننتقل إلى سؤال آخر ألا وهو:
من هم أعداء الإسلامية؟؟
(يتبع)
(1) البقرة – آية 256
(2) يوسف - آية 108
(3) فصلت آية 30/31