(عشّ الدّبابير) للأديب جميل السّلحوت

ديمة جمعة السّمّان

لون جديد من الأدب يخاطب فئة عمرية حسّاسة

بأسلوب ممتع وشيّق تصلح لحلقات تلفزيونية متكاملة

ديمة جمعة السّمّان

لقطات ووقفات إنسانية لحياة عائلة فلسطينية تتكون من أب وأم وأولادهما الثلاث فارس ورباب ويزيد ، والجدة عائشة .سجلها جميل السلحوت في كتابه "عشّ الدبابير الصادر في أواخر اموز 2007 عن دار الهدى في كفر قرع.

عش الدبابيرعنوان موفق لمجموعة قصصية مرتبطة مع بعضها البعض ،منتقاة، تلخّص الواقع الفلسطيني لحياة الأسرة الفلسطينية بحلوها ومرّها.

مجموعة غنيّة بالأحداث على المستوى التراثي والثقافي والإجتماعي والتربوي والسياحي والجغرافي والتاريخي والوطني.. تقدم المعلومة بصورة لطيفة شيّقة ،ومفيدة غير مقحمة ،يسهل استيعابها وتثبيتها في ذهن القاريء دون عناء.

أتى الأديب بقصص حقيقية أتت كالخيال.. بعضها كان هو بطلها قبل عقود من الزمان .. تتحدث عن طفولته المعذّبة .. فيتوه القاريء بين الواقع والخيال .. ويدخله عالم المغامرة الممتع .. ويغني ثقافته بأحداث لا يسمعها الطفل إلا من جدّه أو جدّته.

كما أنه لم يهمل الجانب الإبداعي من حيث الصور والوصف الدقيق الذي يجعل القاريء يعيش الحدث ويتعاطف مع الشّخوص.

لون جديد من القصص التربوية النفسية تخاطب فئة عمرية حساسة تفتقر إلى الكتابات الموجّهة بأسلوب ممتع وعميق .

هكذا قدم الأديب جميل السلحوت ( عش الدبابير)، من خلال خمسةعشر قصة تحمل مضامين مختلفة.وقد طرحت بعضها بصورة رمزية غير مباشرة ، خاصة في القصة الأولى بعنوان ( رحلة مدرسية)، حيث كانت الرحلة إلى حديقة الحيوانات، وهناك قصّت الطفلة رباب قصتها الخيالية والحوار الذي جرى بينها وبين كل حيوان رأته هناك،فأثارت قضية التمسك بالوطن وعدم الرضوخ للإحتلال وممارساته المهينة من خلال رفضها عملية (التفتيش) من كل حيوان تصل قفصه، حيث خضع جميع زوّار الحديقة للتفتيش ما عداها هي وصديقتها.

أما القصة الثانية التي أتت بعنوان (المعلمة تخطيء ورباب ترفض الإعتذار)، فقد عالجت موضوع التمرد على الظلم. جاء الظلم على يد معلّمة رباب، حيث ضربت زميلها بالمسطرة على يده ، ولم يكن هو المذنب ، بل طالب آخر، إلا أن الأمور اختلطت على المعلّمة وظنّته المذنب، فاعترضت رباب ورفضت بشدة الموضوع ، كما أصرت على الإنتقال إلى شعبة أخرى عند مُدرسّة أخرى. 

القصة جميلة ومفيدة إلا أنني شعرت ببعض المبالغة في الحوار ، حيث تحولت جرأة الطفلة إلى تمرّد غير مقبول تربويا. فعندما اعتذرت المدرّسة لرباب وطلبت منها العودة إلى صفها ( بالطبع بعد أن وصل الأمر لمديرة المدرسة.. والتي تدخّلت بدورها).. قالت رباب ص 13: (لن أقبل عذرك، هل تريدين أن تضحكين عليّ بهذا الإعتذار، ولن أعود إلى صفك مرة أخرى) . وتدخّلت المديرة ولكن إصرارها ورفضها زادا حدّة.

وفي ص 14، حاولت المعلمة بتعاون مع المديرة التأثير عليها من خلال إعطائها قطعة شوكولاته وعلبة عصير ، إلا أن رباب رفضت بشدة قائلة: ( هل تريد أن تقدم لي رشوة هذه المعلمة القبيحة؟) فبكت المعلمة شعورا بالإهانة.

وحاولت أم رباب التدخل لاعادتها إلى صفها، فرفعت رباب صوتها قائلة ص14: (إذا ضحكت عليك المعلمة فلن تضحك عليّ ، إذا لم تسمح لي المديرة بالإنتقال إلى الشعبة الأخرى فإنني سأعود إلى البيت ، وسأخبر والدي بالذي حدث ، وسأطلب منه أن يرسلني إلى مدرسة أخرى).

على الرغم من أنني أدري أن تلك الحادثة حصلت مع ابنة الكاتب الصغيرة ،ولم يزد حرفا واحدا منها، فلم يكن مضطرا لذلك، إلا أن الواقع أحيانا يكون أكثر خيالا من الخيال.

حيث أن ما جرى استثنائي جدا، فالطفلة (طفرة)، والهيئة التدريسية (على غير العادة) واعية تماما لطبيعة الطفلة، فاستطاعوا استيعابها، والذي ساعد على ذلك العلاقة المسبقة بين والديها والمديرة، التي حاولت جادة مجاملة الوالدين.

وإلا لما تصرفت المديرة بهذا الشكل.. هذا ما أعتقده.

القصة الثالثة كانت بعنوان (وليمة). كانت القصة رائعة، بدأها بوصف الطبيعة بشكل موفق جدا، ثم أتى بالقصة التي عكست طفولة بريئة لطفل العائلة الصغير يزيد، حيث أعجب بالضيفة، وسأل والده بكل براءة أمام الجميع بمن فيهم أمه وزوج فاطمة الضيفة: (لماذا لم تتزوج فاطمة هذه! إنها أجمل من أمي ؟)

إلا أن نهاية القصة تنتهي أيضا ببراءة الصغير حين رفض أن ينام إلا بحضن أمه قائلا: (أنت أجمل امرأة يا أمي).

وفي القصة التالية بعنوان( في زيارة المسجد الأقصى)، أخذ الكاتب بيد القاريء في جولة في القدس الشريف خارج السور وداخله.. عرّفت القاريء الذي لم يدخل القدس يوما بطرق وشوارع القدس ، وبالمسجد الأقصى وأروقته .. وثواب من يصلّي فيه. كانت جولة دينية سياحية موفقة جدا، كما أنه تم ربطها بالإحتلال وممارساته بصورة لبقة .. عرّفت القاريء حق الفلسطيني المسلوب بالعبادة.. فمن لا يحمل هوية زرقاء لا يسمح له بدخول القدس للقيام بواجباته وطقوسه الدينية.

وبعدها انتقل الكاتب إلى عنوان آخر( بين المقاثي) قدّم من خلالها معلومات زراعية يستفيد منها الكبير قبل الصغير ، وهي عن كيفية زراعة الفقوس والكوسا والبامياء واللوبياء والبندورة..الخ. ومدى أهمية استغلال الأرض وزراعتها ، حيث يوفر لهم اكتفاءا ذاتيا .. يغنيهم عن الحاجة خاصة في سنوات المحل. كما عرّفنا بالدبابير ولسعاتها وخطورتها..لقد تعرض فراس وأصحابه للسعات الدبابير مما اضطر والديه لنقله إلى مستشفى المقاصد في القدس.

لقد كان ما حصل لفراس سببه الحسد .. هذا ما فسرته جدته .. من خلال القصة التالية التي عنونها الكاتب ( الحسد هو السبب).

كما ركّز هنا السلحوت بشدة على النظرة الإجتماعية للذكر والأنثى.. فالبنت لا تُحسد ولكن الولد يُحسد .. فهو ثمين.. ولا يحسد أحدٌ أحداُ إلا على الشيء النفيس .

ثم سألت الجدة ربها في ص. 39، ( لماذا يا رب لم تخلق رباب ولدا ذكرا لتكون عونا لوالدها.. البنات همّهن للممات).

كما أنه في ص40، عندما عاد والدا فراس مازن وصفية من المستشفى في الصباح الباكر.. قامت صفية بتحضير الفطور للجدة والأطفال على الرغم من أنها كانت متعبة مثلها مثل زوجها مازن الذي توجه من فوره للنوم.. وعندما انتهت من مهامها توجهت لغرفة النوم لتأخذ قسطا من الراحة فإذا بصوت الجدة يتبعها: ابتعدي عن مازن ولا تدخلي عنده ،دعيه يستريح.) وكأن ليس من حقها أن ترتاح هي الأخرى لمجرد أنها أنثى.

وهنا يؤكد الكاتب بكل ما جاء بالقصة بأن مجتمعنا هو مجتمع ذكوري.. ينصف الذكر على حساب الأنثى.

وفي القصة التي تلتها بعنوان ( الأفاعي).. طرح الكاتب موضوع هاما جدا ، وهو حق الجار على الجار .. واحترام الجيرة .. فحتى الأفاعي تحترم جيرانها ولا تؤذيها.

 إنّ حادثة اللسع التي تعرّض لها فراس أشعرته بأهميته ومعزّته ممّن حوله من الأهل والأصدقاء والجيران.. جاء هذا بعنوان (مفاخرة)، وهي قصة جديدة من قصص ( عش الدبابير).. (فقد كانت علب الشوكلاتة المختلفة الألوان تتكدس فوق بعضها البعض، بالإضافة إلى أكياس بلاستيكية مليئة بأنواع مختلفة من الفاكهة. واحد فقط شذّ عن القاعدة ، إنّها معلّمته ، لقد أحضرت له باقة زهور جميلة ورواية " أنا وجمانة: للأديب محمود شقير.

جاءهذا في ص 49، (كانت الهدية لافتة للإنتباه، وازداد شعور فراس بأهمّيّة الهدية عندما كان يسأله الطبيب أو أحدى الممرضات : من أين لك هذه الزهور الجميلة وهذه الرواية الرائعة.)

إذن فهي دعوة من الكاتب بضرورة تقديم (الكتب) كهدايا بالمناسبات، حيث أنها هدية قيّمة ومفيدة، تلعب دورا في التشجيع على القراءة.. التي أصبحت نادرة بشكل عام وتحديداً عند الفتية.

أما في قصة ( الكهوف المسكونة) فقد تطرّق الكاتب إلى الخرافة والجهل خاصة لدى الكبار بالسّن الذين يفسرون كل أمر غير مألوف بتفاسير خاطئة ، يرجعونها إلى الجن والأشباح وما شابه. ولا يقتنعون بأية تفاسير أخرى كانت علمية أو منطقية .. ويكذّبون كل من يحاول تفسير الأمور لهم على حقيقتها بل ويتّهمونه بالكفر.

أما رباب في قصة ( تجربة فاشلة)، فقد حاولت جاهدة أن تعيش (تجربة الفشل)، ولم تنجح، حيث أن قناعات معلماتها بذكائها وقدراتها أفشلت تجربتها ، وعادت من جديد إلى دائرة الطالبات المتفوّقات.

أما فراس فقد نجحت تجربته في قصة( التجريب) رغم عدم قناعة أهله بقدراته، إلا أن إتاحة الفرصة له بالتجريب ساعده على اكتشافه واكتشاف أهله لمواهبه.

وهذه دعوة لأولياء الأمور بإتاحة الفرصة لأولادهم بخوض التجربة، لأنها الوسيلة الوحيدة التي تساعد الأطفال والفتية على اكتشاف مواهبهم وبالتالي تطويرها.

ونعود إلى الإحتلال ومآسيه وحواجزه وجداره الذي أصبح أمرا واقعا ، وضرائبه التي لا تبقي فلسا في جيوب المواطنين ، من خلال قصة ( دار الظالمين خراب).. وقصة ( الحواجز) وقصة ( الجدار).

أما قصة (القضاء والقدر) فقد كانت مؤثرة جدا.. فبعد أن عشنا معظم أحداث القصص مع الجدة ( عائشة).. وخاصة في قصتها الأخيرة عندما عادت بنا للخلف عشرات السنين تحكي لنا قصتها مع الجد ( والد مازن) ووالدته.. حيث أطلع الكاتب القاريء على عادات الريف الفلسطيني في ذلك الزمان.. وكيفية انتقاء العروس..الخ

كما تحدثت الجدة عن حياتها السعيدة مع الجد التي استمرت خمسا وأربعين سنة.

فإذا بنهاية حياة الجدة تأتي حزينة جدا.. تحت عجلات سيارة.

كما نجح الكاتب بوصف شعور العائلة الحزين وفقدانهم لها خاصة (يزيد) طفلهم الصغير.

أعتقد أن الرواية التي كتبها الأديب جميل السلحوت ..والتي حصرت في خمس وتسعين صفحة من القطع المتوسط  وصدرت عن دار الهدى للطباعة والنشر كانت موفقة جدا ..غطّت العديد من القضايا الإجتماعية  والتراث والفلكلور في الريف الفلسطيني.

إلا أن الغلاف لم يعطها حقها – للأسف -.. كنت أتمنى على دار النشر أن تعمل على إخراج أو حتى إختيار غلاف أكثر جاذبية.. فالغلاف الحالي يعطي انطباعا بأن الكتاب توثيقي وليس رواية.

كما أتمنى على الكاتب أن يواصل كتاباته لهذه الفئة العمرية -شبه المحرومة- من كتابات قيّمة لهم.