السيرة النبوية (الجيل الفريد)

السيرة النبوية (الجيل الفريد)

يحيى بشير حاج يحيى

عضو رابطة أدباء الشام

لا غرابة في اهتمام القاص المسلم بالاستمداد من السيرة النبوية وتسجيل مواقف الرسول (صلى الله عليه وسلم) وصحابته أمام المحن، وتخطيهم العقبات إلى أن تحققت للإسلام دولة.

والكاتب المسلم يقدم هذه الفترة بأحداثها وأشخاصها باعتبارها النموذج الأمثل للمسلمين عبر العصور.

لقد كانت السيرة النبوية، وما زالت بحراً زاخراً، تنبه إلى ما فيه من درر كوامن، الكثير من الأدباء، وما يزال فيها كنوز لم يتعرض لها الروائيون المسلمون بعد، وهي تنتظر منهم أن يعرضوها بأسلوب قصص شيّق يستوفي الشروط الفنية، فيكونوا بذلك قد سددوا ثغرة ينفذ كنمها أصحاب الأفكار المنحرفة، والعقائد الزائفة، بما يقدمونه لأبناء جيلنا من ترهات وخيالات مريضة تحت مسمى الأدب والفن القصصي.

ومما يبشر بالخير على الرغم من هذا السيل الطامي من القصص والروايات المنحرفة أن أدباءنا الإسلاميين استطاعوا بما يقدمونه من قصص أن يزيحوا جزءاً لا يستهان به من هذا الركام الذي وقف طويلاً أمام أبناء الجيل في التعرف على تاريخنا العظيم، وسيرة نبينا الكريم، والاستمتاع بهما، والانتفاع منهما.

وتبقى طريقة التناول هي التي تحدد نجاح العمل القصصي بعد أن توافرت الفكرة الصحيحة والحدث والشخصيات والغاية النبيلة.

ولعل من أقدم الأعمال القصصية وأنجحها ما كتبه أمين دويدار، تحت عنوان (صور ممن حياة الرسول) في كتاب تجاوز (600) صفحة، وقد صاغ المؤلف الأحداث بشكل متسلسل، معتمداً طريقة السرد، جاعلاً الحقيقة التاريخية هي الأساس، وقد سيقت بأسلوب قصصي يشد القارئ، ويجعل المشاهد أمامه حية شاخصة، كأنها رأي عين، ويدركها بكل مشاعره في حقيقتها الواقعة بعيداً عن اختراع المواقف وحشرها.

وخص بعضهم قبائل بعينها، متحدثاً عن بطولة أبنائها في مناصرة الإسلام، والدفاع عن الدعوة، كما فعل عبد الحميد طهماز في (فتيان أسلم) حيث عرض عدداً من مواقف هذه القبيلة وفتيانها، فتحدث عن ربيعة بن كعب، وأمنيته في مرافقة النبي (صلى الله عليه وسلم) في الجنة وإعراضه عن الدنيا، وعن صبوات الشباب! كما تحدث عن سلمة بن الأكوع، ومبايعة النبي له ثلاث مرات، وعن بطولة عامر بن الأكوع في خيبر، وعن التائب الصادق ماعز الأسلمي، وتطهيره من المعصية!! وعن الألوية التي خص النبي (صلى الله عليه وسلم) بها هذه القبيلة، وعن موقف فتيانها يوم حنين، ودورهم في قمع حركة الردة، وجهودهم يوم وجّه أبو بكر رضي الله عنه الجيوش لفتح العراق، وبلاد الشرق، واهتمام عمر (رضي الله عنه) بهم، وإنزالهم في حيين خاصين بهم في الكوفة، وتأتي هذه المواقف بما فيها من بطولة لتكون نبراساً يحرك الهمة في نفوس الشباب للسير على خطا هؤلاء الأماجد.

وأما "فرسان مخزوم" للمؤلف نفسه فهي أيضاً مستوحاة من السيرة، وقد أبرز الكاتب عدداً من أبطال هذه القبيلة، فتحدث عن بطولة أبي سلمة، وهجرته إلى الحبشة أولاً، ثم إلى المدينة.. وعن جهاده وشجاعته، وعن جرأة الوليد بن الوليد في إطلاق سراح أسيرين مسلمين، والنجاة بهما!! وعن موقف عكرمة بنم أبي جهل في الإسلام ثم إيمانه وبطولته في اليرموك!! وعن حنكة خالد بن الوليد العسكرية في مؤتة وغيرها.

وأما "قاتل حمزة" للدكتور نجيب الكيلاني وهي مستمدة من السيرة فقد عالجت قضية الحرية التي لا يضاهيها الالتزام، وتؤكد على أن الحرية الحقيقية لا يمكن أن تبدأ إلا من داخل النفس بانتصاره على الشهوة والكراهية والهوى والأنانية، وهو ما جاء به الإسلام من تحرير للإنسان من العبودية ولغير الله، فقد نال وحشي حريته لقاء قتل حمزة، ولكنه لم يعش الحياة التي حلم بها، وأصبح دم حمزة لعنة مقيمة لا تفارقه، ليبدأ رحلة العذاب والذل من جديد.

وتمضي به الأيام قلقاً معذباً، ويكون صلح الحديبية، ثم فتح مكة، فتتضخم مأساته، ثم يلقى النبي صلى الله عليه وسلم مؤمناً به، وتبقى كلمة رسول الله له: "غيِّل وجهك عني" تعذبه، ولكنه عذاب يفجره الألم والندم..

وتكون حروب الردة فيبلى فيها بلاء حسناً، ويقدر له أن يقتل مسيلمة الكذاب بالحربة التي قتل بها حمزة من قبل.. ويمضي مع الجيوش الإسلامية، حيث يلقى منيته وهو على فراشه..

ويقابل هذه الشخصية شخصية أخرى عرفت حياة الرق والعبودية ولكنها منذ بداية أمرها استعلت على فوارق اللون والجنس ومقاييس الجاهلية؟! تلكم هي شخصية بلال (رضي الله عنه) التي جعلها عبد الحميد السحار محور قصته في (بلال مؤذن الرسول) التي ألقت الضوء على حياته بدءاً من عمله في تجارة أمية بن خلف إلى وفاته، فلقد استجاب للإسلام حين دعاه أبو بكر (رضي الله عنه) وصبر على  أذى المشركين، وحرره الصديق حين اشتراه وأعتقه ولكنه كان إعتاقاً تحرر فيه من سلطة السيد على جسده، وقد سبقه إعتاق آخر حين تحررت روحه وضميره وقلبه من قيود الجاهلية فآمن بمحمد صلى الله عليه وسلم وبدينه العظيم!!