اعترافات عبد المتجلي (محاولة للإصلاح)

اعترافات عبد المتجلي (محاولة للإصلاح)

عرض: يحيى بشير حاج يحيى

عضو رابطة أدباء الشام

تأليف: د. نجيب الكيلاني

يستعرض الدكتور نجيب الكيلاني في روايته هذه محاولة الشاب عبد المتجلي لإصلاح ما فسد في المجتمع! فمن هو عبد المتجلي؟ وكيف كانت النتيجة؟

عبد المتجلي شاب يعيش في غير عصره! لا لأنه يأتي بعجائب وغرائب من المثل والقيم، ولكن لأنه يصر على السلوك المستقيم من خلال الثوابت الصحيحة، والصفات الفاضلة، وهو شخصية نمطية تجدها في كثير من مجتمعاتنا، إنه موظف بسيط غير مرغوب به في الدائرة التي يعمل فيها، ومع ذلك فإن الناس يحبونه، لأنهم مؤمنون بصدق توجهاته وحسن نواياه، ولأنه لا يسعى من أجل نفع ذاتي، أو غرض دنيوي كما يفعل الآخرون، ومن ثم كانوا يشفقون عليه لأنه يتصدى لمفاسد أكبر من طاقته بكثير، وقد لخص معاناته أحد عقلاء القرية قائلاً: إنه صوت أصيل يجب أن يظل مدوياً، ويجب أن نظل نسمعه، حتى ولو لم يأت بنتيجة؟!

قرأ خبراً في إحدى الصحف يقول: (ويسرقون الونش) فهاج وماج، وشرح لأهل القرية خطورة هذا العمل، وأنه تحد خطير لإرادة الأمة، وأن من يسرق الونش يسرق المستقبل لأننا في عصر التكنولوجيا، فتقدم بطلب إجازة لمدة شهرين بدون راتب للبحث عن الونش المسروق.

ذهب إلى المنطقة التي سرق منها الونش، سأل الناس، تعرف على السائق، عاين المكان؟!! شك الناس في أمره ولكن عندما عرفوا حقيقته قدم له بعضهم ما يعرف من معلومات رأفة به، وشفقة على حماسه وصدقه.

لقد تعب في البحث، وأخيراً اهتدى إلى فكرة مداهمة الورش؟! لأن أحد الصبية العاملين أخبره أن كثيراً من السيارات والمركبات المسروقة تفكيك في (المشرحة) قطعة قطعة، وتتحول إلى كومة من المعدن، وتختفي معالمها، وأخبرته إحدى البائعات المقيمات في المنطقة أنه لو وجد الونش، فلن يستطيع أن يمسه أو حتى يقترب منه، لأن حيازتهم له يعني أنه أصبح ملكهم، ولن يجرؤ أحد أن يسألهم من أين أتوا به؟!!

ومع ذلك فقد كان يتردد على الورش ومعه الملف الخاص بالونش، وبالصور والمواصفات.

لاحظ عبد المتجلي أن أحد المتسكعين يراقبه، فلم يهتم له في البداية، وتكرر اللقاء به حتى قدم نفسه على أنه من قرية مجاورة، وأنه معجب بجهوده، وراح يثني على عمته باعتباره مواطناً حريصاً، فاسترسل عبد المعطي معه في الحديث، وارتاح كل منهما إلى صاحبه وفتحا ملف الفساد والمعاناة بدءاً من الزيت المفقود، ووصولاً إلى فساد الجمعيات الزراعية، والتهرب من الضرائب..

وعرض عبد المتجلي الأمور من خلال رؤيته، وأن سبب الخراب والضياع هو البعد عن شرع الله! فوافقه صاحبه ووعده أن يدله على من يستطيع تقديم العون الفعلي للعثور على الونش المفقود، وصحبه إلى من يدله، ولكن إلى باب واسع يحرسه رجال مدججون بالسلاح، يتحاورون بالنظرات والإشارات، ويتفاهمون مع القادمين بالضرب واللكمات! فناله منها ما ناله، وسمع صوتاً أجش من خلفه يقول: وقعت أخيراً في أيدينا!!

أفهمهم أنه جاء للبحث عن الونش، فتلاحقت اللكمات، وقيل له: إن قضية الونش تمثيلية للتعمية، وأن عمله هذا للتضليل؟ وتلقى مزيداً من الضرب والركل بما لم يكن يسمح له أن يلتقط أنفاسه.

قاسى الزنزانة بنظراته الحزينة، ثم نظر إلى جلده الذي تسلخ من شدة الضرب، وحاول أو يجد مبرراً لهذه المعاملة فلم يجد!!

إن موضوع الونش لم يكن مقنعاً للضابط، بل هو حسبما يرى مجرد ستار يختفي وراءه عبد المتجلي الحقيقي؟!!

وجاءت التحريات الإضافية لتقول: إن عبد المتجلي لم يشترك في حياته في مظاهرة، ولم ينضم إلى  حزب، إنما كان دائماً مع عامة الناس الذين يشكلون رأياً عاماً بعيداً عن التكتلات السياسية والحزبية، ثم صدر الأمر بالإفراج عنه بعد تحسن حالته الصحية.

وبقي الونش مسروقاً، وعاد عبد المتجلي إلى قريته ليجد اقتراحاً بفصله من الوظيفة، بعد أن ثبت لمجلس القرية أنه عدو للديمقراطية!!

ولكن أهل القرية، كل القرية كان لهم موقف آخر فاستقبلوه بالزينات والفرح.