الكاتب المبدع أحمد الخميسي

الكاتب المبدع أحمد الخميسي

في قطعة ليل

أحمد الخميسي . كاتب مصري

[email protected]

ناصر أبو عون

  أحمد الخميسي قاص ومترجم متنوع التجربة ؛ يكتب ما يتماس مع الواقع ويتميز بعمق الأداء اللغوي؛ عرفته الساحة الأدبية في مصر من خلال مجموعته القصصية (الأحلام) و(الطيور الكرنفال)1967 ، أكد حضوره وريادته لأبناء جيله من خلال ترجماته المتعددة عن اللغة الروسية نذكر منها (نجيب محفوظ ومرايا الاستشراق) و ( نساء الكرملين ) وغيرها .

 عبر مجموعته القصصية (قطعة ليل) نراه يحاول غواية القارئ وجره إلى شباكه بأسلوب قصصي يتماس مع واقعنا المعاش مسيجا نصوصه ببعد تخييلي ينبع من أُطر سردية تتميز برمزية الحوار. وينتمي أحمد الخميسي إلي المدرسة الواقعية ولكنه يهرب من إسار المنهج الشكلاني إالى الواقع الحقيقي والمباشر للتعبير عن الجوهر لا مجرد التعبير عن العلاقات المجردة بين الأشياء مع النفاذ إلى الأعماق للكشف عن معانيها الكلية المختبئة لاجئا إلى التفاصيل الدقيقة للوصول إلى ماهية العلاقة بين الإنسان وعالمه الداخلي .

وجاءت قصص المجموعة تعبيرا عن مواقف وذكريات تمّ اختزانها داخل الصندوق الوجداني للمؤلف لفترة طويلة حتى اختمرت وخرجت عبر نفق المخيلة الإبداعية معتمدة على طاقة الدفع الذاتي  . 

والكاتب لا يهتم بتقنية الحدوتة ولا يخضع لمنطق الحكاية في أدبياتنا العربية وإنما يصور إحساسا مستخدما آلية الدهشة والمفارقة عبر دفقات شعورية وإذا نظرنا إلى إهداء المجموعة وجدنا هذا التعبير الذي يحمل من المرارة الكافية لخنق مجتمع بأمله : (إلى المستقبل الذي لا يأتي أبدا) إهداء يعطيك انطباعا بأن الحياة تجمدت والزمن توقف عند هؤلاء فقط الذين يقدمهم لنا أحمد الخميسي في قصص تعتمد شكل البورتريه وروح الزمن الجميل الذي تسرب من بين أيدينا ونحن نجلس ننتظر عودة الماضي . وفي قصة (تصادف أنني)يعبر الكاتب عن هذا الزمن البرئ وهذا التعلق الجامح وهذا الوفاء النادر الذي جمع بين شاعر وامرأة أحبته حتى النخاع واختطفه الموت منها وظلت تحمله في ذاكرتها وسكناتها وحركاتها. إنها رمزية لزمن الحلم الجميل زمن الحلم القومي الذي تكسر على حافة الزحف المادي فتساقطت كل الأقنعة وبقي وحده الحلم يقاوم الذبول والجفاف داخلنا : ( عيناها كانتا نفس العينين الواسعتين ، تشاكسان بتحد ضاحك . لكن شيئا فيهما بعد رحيل الشاعر كان ينفلت من دورة الحياة حولها ويصب روحها كلها بعيدا في عالم آخر.. أدهشني أنها مازالت كما رأيتها وأنا صغير تعيش حقيقة واحدة ،كما يحيا الإنسان على ضوء نجوم ربما لم تعد موجودة منذ زمن بعيد .)

 ويربط قصص المجموعة خيط رفيع من الواقعية السحرية التي تعتمد في فكرتها على الصورة البورتريه ، دفع الكاتب إلى ذلك حاجته إلى التعبير عن العلاقة بين الأشياء ، ثم بين الأشياء والمشاعر راصدا الأحاسيس الشاردة والتفاصيل الدقيقة لتشكيل لوحاته القصصية وتلوين صورها بظلال الحلم المضبب والمغبش .

في النهاية فإن القاص أحمد الخميسي استطاع الوصول إلى القارئ عبر خطاب إبداعي مستنير لا يعتني لا بالشكل ولا بالقالب ديدنه الوحيد توجيه خطابه وبعث رسالة إلى صناديق عقولنا البريدية لعلها توقظ سباتنا الذي طال دهورا.