دراسة نقدية في "مواكب الفجر"
دراسة نقدية في "مواكب الفجر"
أسامة محمد أمين الشيخ
مواكب الفجر ديوان لشيخ شعراء الصعيد ( محمد أمين الشيخ 1924 : 1995م ) ديوان مفعم بالتجارب الشعرية المختلفة ، حيث طاف بنا شاعرنا الراحل بين دروب الشعر وأغراضه وعلى الرغم من فخامة إنتاج راحلنا الأدبى إلا أن الديوان اشتمل على درر شعره وكانت المقدمة لرفيق دربه وكفاحه الأدبى د / الطاهر أحمد مكى – فقال عنه : ظلت صورة الشاعر محمد أمين الشيخ فى خاطرى واضحة كأننا كنا بالأم سوياً ، دقيق الجسم ، متوهج الفكر ، حديد النظر ، مبتسم دائماً ، ودود العشرة ، كثير الصحبة ، لا تسمع منه إلا ما تحب ، يأخذ الحياة مأخذا مطمئناً لا ريث ولا عجل صاحب فكرة ومبدأ يؤمن بهما ويعمل لهما ولقد وصف نفسه غير قاصد بأصدق مما يمكن أن يصل إلى ذلك أى ناقد :
مـتاعى أحاسيس حب كـمـثـل البلابل والعندليب أغـنـى أغـرد للكاد حين فـلـيـس لمثلى أن يستكين | رقيقوديـوان شـعر يناجى كـطـيـر أحلق بين البشر وأنشد شعرى القرى والحضر ولـيـس لمثلى حياة الحجر | القمر
وعن قصائد الديوان فمتنوعة ففى أعظم قصائده وأجملها على الإطلاق جواز السفر فهى تجربة شخصية صادقة عما يعانيه العربى من حدود فى مطارات وموانى فقال :
عرانى الأسى من جواز سفرى وأمـسـكـه فـى يدى تارة وأسـأل عـنـه بباب المطار ويـوقـفـنى ضابط سمهرى يـدقـق فـى قسمات الوجوه | وذقـت عـلى صفحتيه وفـى الجيب أحفظه فى حذر وبـاب الـخروج وعند الممر ويـمـعـن فى قامتى بالنظر ومـن ذا يـسـائله ما الخبر؟ | الأمر
ويدافع عن نفسه مستبسلاً أمام الضابط فيقول :
ومـا كنت يوما بذى ولست بمن يخطف الطائرات ولـست زعيماً يجوب البلاد | سابقاتولست خطيراً وكيف الخطر ويـلـحق بالراكبين الضرر ويـطلق بين الشعوب الشرر |
وينهى الشاعر موقفه من هذا الجواز بتساؤل :
فهل تسأل الطير أين الجواز؟ وأين الهوية ؟ أين المقر ؟
سأحرق هذا الجواز اللعين وأمضى إلى حيث يشاء القدر
ولقد كان أديبناً رحمة الله عليه قد نشأ نشأة دينية أدبية انعكست على شخصيته فقد نشأ بين كتب التفاسير وأمهات الكتب والدواوين الشعرية وأتم حفظ القرآن الكريم وهو دون العاشرة من عمره ولم يكن يتحد بلسانه فحسب بل كان مؤمناً حاضر القلب يرشدك حاله قبل مقاله لذلك كانت النزعة الدينية غالبة على شعره فأكثر من القصائد الدينية البارعة فى ديوانه وكانت قصيدته فى " رحاب يثرب " فقال:
دنـت مـآذنها واشتد بى يا صاحبى نسمات الحب تنعشنى وجـئت نحو رسول الله فى لهف يا خير من جاء بالتوحيد يا أملى كـن لى شفيعاً فإنى قد لجأت إلى | وجدىلـم يبق إلا رسول الله فى خلدى وطيب يثرب يطوينى على أمدى والـشوق يملأ أعماقى وفى كبدى إذا التقى الناس يوم البعث فى مدد هدى الرحاب وقد مدت إليك يدى |
وفى قصيدة " مواكب الفجر " قال :
تراتيل آى الله في موكب الفجر تضئ فؤادى باليقين والخير
بها يهتدى السارون في عتمة الدجى ويلمح فيها النور من هام فى القفر
وفى قصيدة " هجرة عمر " قال :
مـواكـب الهجرة الغراء مـضـى إليها رسول الله يتبعه ما كان إلا أبا الخطاب فارتعدوا مضى وصلى وطاف البيت متئداً | تنهمرعـلـى المدينة والإسلام ينتصر الـمؤمنون وما ملوا وما فجروا وسـاءهم أن بدا بالسيف يستعر وقـد تطاير من أبصارهم شرر |
وفى قصيدة " تعالوا إلى الله " قال :
من القدس حتى ضفاف الخليج مضيت حزيناً ففى كل أرض تـساءلت عن مجدنا المستباح أيـن الخيول ؟ خيول الجهاد | وبـيـن ربا البوسنة مـذابـح مـحـمومة قاهرة وعـن أمـسـيات لنا زاهرة أيـن مـعـاركـنـا الظافرة | الحاسرة
وفى قصيدة " ويل للحاقدين " قال :
أخا الإسلام والعرب تلاقينا على الدرب
جحافلنا تسد الأفق عن بعد وعن قرب
أخي العربي هاك دمى وها روحي وها قلبي
ويتجه شاعرنا فى وطنية عميقة الأبعاد فيغنى للسد العالى القابع فى جنوب مصر فيقول :
غـن لـلسد أغنيات غـن لـلـسـد غنه ملحمات نحن فى عيد السد نرفع رأساً يـقـف الـسد شامخاً يتحدى فوق أسوان فى الصعيد تبدى | الأمجادوهـات الألـحان وأرو عنه الصمود والإصرارا اعـتـزازا بـقدره وافتخارا مثل عملاق قد سما لا يبارى آيـة الـفن تخطف الأبصارا | والأشعارا
وكأن الشاعر وهو يبكى العراق تنبأ بما يحدث لابنة الرشيد وأبناء البهاليل فقال :
بغداد والجرح العميق يهزنى ولكننى لن أنثنى فـأنـا عـشـقتك من قديم قلعة فى موطنى وأنـا أحـس بـأن همك فى الحيات يهمنى هـذا الـنـضال على ربوعك بالإباء يشدنى بـغـداد يـا بـنت الرشيد تجلدى وتحصنى لا تـسـجـدى إلا لـرب العالمين وتنحنى فـغـدا قوى الشيطان تهوى فى قليب منتنى |
ونختم القراءة فى ديوان شاعرنا بذكرياته فى القاهرة وقصيدة حنين مغترب فقال :
تـهوم روحى فى ويـسبح فى نيلها خافقى مـساجد تزخر بالمؤمنين تـفـيض منا هله بالعلوم | القاهرةبـأنسامها الحلوة ويمرح فوق الربا الساحرة وسـاحاتها بالتقى عامرة ويهدى ركاباً سرت حائرة | العاطرة