حكم الفاشوش
د. كمال يونس
مسارح الدولة بعد أن ملأتها الجماهير في العروض المعادة ( الريبورتوار ) أصبحت خالية من الجمهور ، إذ أعرض عن العروض المنتجة حديثا ، وبقى الحال على ما كان عليه من مسارح خاوية على كواليسها ، لا يجدي معها التعلل بظروف انشغال الناس في الامتحانات أو منافسة الفضائيات أو00 أو 00 من العلل الواهية المستهلكة، التي لا تقوى على تبرير ذلك التردى الواضح في أحوال المسرح ، فالجمهور هو.. هو من أقبل على العروض القديمة ، وهو نفسه الذي أعرض عن العروض الجديدة .
وفى هذه المقالة نعرض من واقع المعايشة الأليمة عن قرب لأحوال وخبايا وخفايا الإنتاج المسرحي بكل صراحة ، و التي لن تدهش المهتمين بالمسرح ، إذ أنهم جميعا على علم اليقين بصدق ما نعرضه ، ولكن بعيدا عن الأقلام المأجورة للاعقي الصحون ، وأكلة فتات الموائد ، أولئك المبتزون الذين يستخدمون أقلامهم للتستر على الواقع المرير ومحاولة تجميله ، وهم معروفون بالاسم مفضوحون ، ولكن يبدو أن المؤسسة الثقافية تغمض عينها ، أو أنها في غيبوبة عن واقع المسرح الأليم ، أو أنها لا تقرأ إلا لأصحاب الأقلام المأجورة ، ولو راجعنا أصحاب الأعمال المقدمة لطالعتنا دونما أدنى مجهود يذكر، تلك الأسماء المكررة لأهل الحظوة من مؤلفين ومخرجين ، من المقربين من البلاط المملوكي المسرحي ، الذي لا يعرض إلا لأعمال كتبتها أقلام أصحاب السعادة ، الذين ما خلفوا وراءهم إلا تلك المسحة من الكآبة التي تعلو ملامح المسرح المصري ، ومشاعر السخط لدى الجمهور التعس الذي أوقعه حظه التعس في مشاهدة تلك العروض ، و التي أعرض عنها ، "ما هو الفن مش بالعافية يا جماعة" ، والتضليل الأعمى مكشوف، لكأنه نوع من الاسترضاء لتلك الأقلام الضاغطة المبتزة ، وأحلام سيادتهم وسعادتهم أوامر واجبة التنفيذ ، وكله على حساب صاحب المحل ( الشعب ) ، " واللي مش عجبه يخبط راسه في الحيط " .
الطفرة المسرحية التي شاهدناها ويا للأسف كانت هي تلك المانشيتات المثيرة ، 55 عرض مسرحي ( الكم وليس الكيف ) ، ملايين الجنيهات من بيع المسرحيات للتليفزيون ، وكلها من المسرحيات المعادة , أما الباقي فهي مسرحيات مقاولات وتعبئة شرائط ) ، النجوم يطلبون العمل في مسرح الدولة ، إيرادات تفوق الأرقام القياسية في أجور وإيرادات العروض في الأعمال المعادة ، أما العروض الجديدة فقد امتلأت فيها المسارح بالأشباح نظرا لخلوها من الجمهور، ولكن يبدو أن هذا اتجاه جديد بعد انتشار مصطلحات النصب المسرحي مثل النحت في الفراغ المسرحي ( دهان الهوا دوكو مسرحيا ) ، إذن نحن أمام محاولة جادة لتثقيف الهواء ( الأثير ) مسرحيا ، وبما أن الثقافة كالماء والهواء ، فلتبلل النصوص ، وتلقى في ماء النيل حتى يشربها الشعب ، ولكن الأولى أن يشرب " ماءها من أنتجوها ، و فيها ذلك الكم الهائل من "العك" المسمى فنا ظلما وعدوانا0
ولعل هذا مرجعه ديكتاتورية التفرد بالقرار ومركزيته في سلوك مملوكي متفرد ، والى ومجموعة بكوات، ( وأهلا يا بكوات ) ، فلقد تم اختيار مديري المسارح من أهل الثقة ، وليس أهل الخبرة ، ضمانا للولاء ، وعدم المواجهة بمقولة لا ، "وقال إيه اصبروا عليهم يا جماعة ، وأدوهم فرصة شوية !!!!"، ومن العجب بأن فيهم ومنهم من لم يقف على مسرح أساسا ، ولكن العلة الحقيقية هي في كونهم من العشرة الطيبة، التي أوردها سيد درويش في الأوبريت الشهير، ومن العجب أن منهم من فشل مسرحه تماما ، ولا يقدر ليس على المنافسة فقط ، بل التواجد ولم يستقل أو يقال من منصبه ، ولدى اقتراح محدد لوزارة الثقافة ، وهو استيراد مديرين مسارح هنود أو يابانيين ( عندهم دم وإحساس والإحساس نعمة 00 مش كدا ولا إيه ؟!! ) من أولئك الذين يستقيلوا أو ينتحروا عند فشلهم ،
كثيرة هي الظواهر التي تحمل روائح كريهة وتشير إلى الخلل أداء ومضمونا من النصوص النص نص ، حتى وصل الأمر هكذا علنا أن تعرض مسرحية "الأقنعة" التجريبية ، من تأليف وإخراج لينين الرملي على مسرح الزمالك ، من إنتاج المسرح القومي ، "و مسرحي وأنا حر فيه مسرحي أفرده وأتنيه "، "إيه يعنى لما يفشل عرض مين هيحاسب مين ويللا أهو كله إنتاج ثقافي !! "0
في البدء كانت الكلمة وفى هذا العصر إعلان للاستغناء عن المؤلف إذ كثرة ظاهرة تأليف وإخراج ، رؤية وإخراج ، إعداد وإخراج ، وفى الطريق حوالي 6 عروض من تلك النوعية ، أي عروض البنا والمناول ، وجحا أولى بلحم طوره ( المسرح ) ، تدشين فعلى لمقبرة النصوص ومتاهتها، وعدم الاقتراب منها، فهي مسجلة في هيئة الآثار ، بل رممت ، واستحدثت لجان الرفض للغلابة ، ولجان القبول والرضا السامي للمحاسيب ، وتاه الشرفاء من الموظفين أعضاء لجان النصوص، وبح صوتهم ، حتى أعضاء تلك النصوص من الخارج والمفترض أنهم من الصفوة، كانت العلة في الاختيار، هي ترضيتهم بالمكافآت الكبيرة التي توفرها لهم عضويتهم بتلك اللجان العليا ،" ويا لجنتين في العلالى يا مسرح هما الدوا"، وكتب عليها متاهة النصوص ، واستخدم الفرز الآلي، حتى أن النصوص يعلن رفضها دون أن تقرأ ، أو تلقى في سلة مهملات ( زبالة ) مدير المسرح ، والأفضلية للنصوص الضاغطة ، والأقلام الضاغطة ، والنصوص الباراشوتية ( نصوص المظلات أو نصوص المجاملات ) ، والحق أن تلك اللجان لا تتمتع بأية مصداقية لدى العاملين والمهتمين بالمسرح ، وكأن هناك فيتو ضد دخول الكتاب الفعليين دائرة الضوء المسرحية ، وعلة كل مدير للمسرح أن لديه نصوصا تكفى سنتين، وأنه سيكمل مسيرة المدير الذي يسبقه ،" والسنتين ما بيخلصوش ، وأعضاء اللجان العليا رغم تجاوز دورهم ما بيستقيلوش ، والعملية كلها فاشوش في فاشوش" ، ولا يعود المؤلفون الغلابة سوى بابتسامة المديرين حتى يوصف الواحد منهم بأنه قد " عاد بخفىّ حنين"، واللى اختشوا ماتوا 0
النجوم الذين نجحت بهم عروض الريبورتوار فشلت بهم العروض المنتجة حديثا ، يلتهمون الأجور ، وموظفو المسرح لا يتبقى لهم إلا الفتات ، ولا أمل لهم في الارتقاء لا فنيا ولا وظيفيا ( إذ يتم الاستعانة بمديرين سابقى التجهيز) وكأن وزارة الثقافة تعتنق وتطبق المثل القائل " شراية المدير ولا أنيته"0
ويبقى المسرح المصري على حاله مرددا أغنية أم كلثوم في مواجهة فاروق حسنى وزير الثقافة المصري ، ومديريه الذين ابتلى بهم المسرح المصري " أروح لمين وأقول يا مين ينصفني منك)" ، وفى حالة عدم استجابته فلننصح المهتمين بأن يكنسوا عليه وعلى المديرين مقبرة النصوص ، إيه ما تعبتوش من الظلم ، ما تهمدوا بقى، يا ساتر0