الدكتور حسن هويدي
الكاتب والمفكر الفراتي والداعية الإسلامي
وقراءة في بعض قصائده الشعرية
د. حسن هويدي رحمه الله |
شريف قاسم |
الكاتب المفكر الداعية الإسلامي وأحد القيادات الإسلامية العالمية الدكتور حسن هويدي يرحمه الله وسيرته الحميدة أهلتْه لاحترام الناس له ، و شهدت له بالفضل والتميز شرائح المجتمع المتنوعة ، وقد فجعَ موتُه كلَّ مَن عرفه ، وكلَّ مَن سمع عن مزاياه الأثيرة ، ومآثره الكريمة . عاش فذًّا في بيئته الإسلامية ، مؤثِّرًا في مسيرة الدعوة إلى الله سبحانه وتعالى ، بل إن بيانات سيرته كانت منهجا معبرا عن عمق إيمانه بالله ، وصدق حبه المطلق له عزَّ وجلَّ ولرسوله صلى الله عليه وسلم ، ولسُنَّته المطهرة ولآل بيته الكرام وصحبه أجمعين ، حبث يتجلى هذا الحب في قصائده الشعرية التي وصلت إلينا . وهي وثائق لذاك الحب الأثير ، تعبِّرُ عن مشاعره وأحاسيسه ، ولا أظن أنه يرحمه الله أراد أن يكون لديه ديوان شعر يحرص على نشره ، أو أن يُذكر اسمه بين الشعراء ، وإنما هي نفثات محب للحقيقة المثلى في حياة عظماء الرجال . والداعية الشيخ حسن هويدي مغرم حقا بحب الله ورسوله وآل بيته وأصحابه ، ومن خلال هذا الحب يرنو إلى الأفق الأعلى ، ويرجو أن يكون من المقربين في مجلس الحبيب المصطفى صلى الله عليه وسلم في روضات الفردوس الأعلى . وبهذا الحب تألق مجدُ سيرته المباركة ، وتسامت حياته الإنسانية على معارج الربانية ، محلقا بروحه الطاهرة فوق زخارف الدنيا الفانية وزينتها ومناصبها ومتاعها من مال ومتاع . إذ لو أراد لجمع المال ، ولوصل إلى أعلى المراتب في دنيا الناس ، ولكنه أرادها بمشيئة الله حياة هادئة نديَّة ببيادر القيم التي تحتاجها الأمة في هذا العصر المادي ، حياة مباركة امتدَّ أثرها الكريم ، وانساب أريجُها المعطار من خلال شمائله ومناقبه ومزاياه ، كامتداد وانسياب نهر الفرات الخالد في بساتين الزَّهو المتألق بمعاني الأخوة الإنسانية ، الذي عاش حول ضفافه كاتبنا وعلاَّمتنا ، ولا مانع من أن نقول أيضا شاعرنا القائل :
زدنـي وزدني فإني مغرمٌ وأروِ قـلبي ، وعدِّد من محاسنه لـمـا تـقـلدها زادتْ به شرفًا | وعسىأراك فـي مدحه الأيام تصدح ولا تـمـل ، وعد عُلاًّ على نهلِ والدرُّ يحلو بتاجِ الحسنِ وهو جلي | لي
ويعرج بموكب هذا الحب إلى بيتِ النبوة ، حيث الحبيب صلى الله عليه وسلم ، وريحانتاه من فاطمة الزهراء :
حـبـانـيَ اللهُ بالفضلِ العظيمِ حـب النبيِّ أبي الزهراءِ أفضل مَن ريـحـانـتـاه من الزهراءِ فاطمةٍ هـي الـتَّـقـيـة فاقت كلَّ عابدةٍ | ومارأيـتُ أفضلَ من حبٍّ شفى مشى على الأرض من حافٍ ومنتعلِ خـيـرِ الـنساءِ بلا ريبٍ ولا جدلِ مـن الـنـساءِ فسادتْ نسوة الملل | غللي
ويرى من أمهات المؤمنين رضي الله عنهن أجمعين الصِّديقة بنت الصِّديق فيناجيها ، ويذكر مكانتها عند الله وعند رسوله صلى الله عليه وسلم في أبيات عديدة من قصيدته فيها رضي الله عنها ومنها قولُه :
تـنـزَّلـت الآيـاتُ فيك ويُخزَى أولو الإفكِ المبينِ ورأسُهم ويُـقـرأُ قرآنٌ مدى الدهرِ معلنا | براءةلـتُتلى على الأجيالِ فاصلة غـداةَ تـولَّـى كبره معدن اللؤمِ سُمُوَّك في جهرِ الصلاةِ على القومِ | الحكم
ويقولُ يرحمه الله في آخر هذه القصيدة الميمية :
وأحظى من الأمِّ الحنون بدعوةٍ أفوزُ بها يوم الحسابِ من الغمِّ
وأخفضُ عن حب جناحَ مذلةٍ وأهتف من قلبي : فديتُك يا أمي
وأما في قصيدته اللامية ( قرة العين ) والتي تزيد على ( 250) مئتين وخمسين بيتا ، يعكس فيها حبَّه لأصحاب الحبيب صلى الله عليه وسلم وهو الأسوة صلى الله عليه وسلم في عبادته وجهاده وصبره وثباته :
ياخيرَ مَن في الوغى لاذ الكماةُ به من هولها بلهيب شبَّ مشتعلِ
ففي حنين وقد ولَّى الخميسُ ، بدا في بأسِه ثابتَ الأركانِ كالجبلِ
وحبه لأصحاب الحبيب الذين يرى فيهم المصاحف التي تمشي على وجه الأرض ، والقيم التي تتلألأ نورا في وجوههم وسلوكهم ، والمثل التي تفرَّدوا بمزاياها بين أمم الأرض قديمها وجديدها على توالي العصور وتقلُّلبِ الدهور ، يقول في خليفة رسول الله صلى الله عليه وسلم :
هـذا أبـو بكرٍ الصديق صاحبه إمـام مـعـرفةٍ جلَّتْ ومرحمةٍ الـقامع الرِّدةَ ، الحامي لشرعته | في الغارِ مستقبل الأهوال والغيلِ وزهـد مـسـتيقنٍ بالله متَّصلِ الحازم الراسخ المحفوظ من زللِ |
ويقف على باب أمير المؤمنين الشهيد عمر بن الخطاب رضي الله عنه ليذكر فضله ويشير إلى مكانته :
ومنهُمُ عمر ، لهفي على عمر أقامَ بالعدلِ صرحا قاهر الدولِ
لو كان بعد النَّبيِّ المصطفى رسلٌ لكان منهم نبيًّا غير منتحلِ
ويأتي إلى أمير المؤمنين ذي النورين الشهيد عثمان بن عفان رضي الله عنه ، وهل تخفى مآثره ومزاياه :
هو الحييُّ فتى القرآن منتدب للجيشِ جهزه بالمالِ والإبلِ
الراشد الصَّابرُ الراضي بمحنته له الشهادة والباغي إلى سَفَلِ
ويعود مرة أخرى إلى بيت النبوة ، ليناجي الخليفة الراشدي الرابع أمير المؤمنين علي بن أبي طالب رضي الله عنه ، باب مدينة العلم المحمدية :
ومنهُمُ المرتضى المحبوب قدوتنا يعسوب أهل الهدى نبراس كلِّ ولي
ليث الوغى سيد الأقران حيدرة مولى الجميعِ أمير المؤمنين علي
هؤلاء الأئمة الأبرار الأطهار المتحابون في الله لله ، الذين أحسنوا البيعة لله ولرسوله صلى الله عليه وسلم ، ومن حولهم الأشداء على الكفار ، الرحماء فيما بينهم ، الأصحاب الكرام ، الأنجم الزُّهرُ كما وصفهم فقيدنا الغالي :
أولاء قوم سمت في الدهر أنجمُهم زهرا على صفحات المجد لم تزلِ
هم الكرام به الرحمن أكرمهم بالفوز في الأجل المحتوم والعجلِ
هذا الحب لله ولرسوله وآله وأصحابه ، يعكس القيم الحية النبيلة التي كانت في حنايا الداعية حسن هويدي ، بادية في اهتمامانه ، مشرقة في أحاسيسه ومشاعره ، فعاش المربي والحكيم والمجاهد والزاهد الصَّابر المؤثر ماعنده من نفيس الحياة لدعوة الله ، وإيمانه الرصين المتين بربه ودينه جعله القدوة على طريق الله بين أهله وإخوانه وسائر مواطنيه ، وقد آثر هذا الطريق على سواه غير آبهٍ بالمحن والنوازل ولا بالتعب والجهد ، ولا بالخطر . فقد ضحَّى بوقته وراحته ، ونأى عن مسقط رأسه ، وعاش غريبا ومات غريبا ودُفن في بلاد الغربة ، ومع كل ذلك لم نجد له بيتا واحدا فيه رائحة تذمر أو شكوى مكتئب ، بل إن شكواه كانت على حال الأمة المهين الذليل ، وعلى أوضاعها المزرية ، وعلى مافي أقطارها من فوضى واضطراب ، وعلى ماحلَّ بأبنائها البررة من قتل وسجن وتشريد وابتلاء وملاحقات المواطن لأخيه المواطن يقول عليه رحمة الله :
كـل يـوم رزيَّـة في قلوب الأحباب جرح بليغ ومن الكرب زفرة تلو أخرى | ومصابُوبـلاء مـخـيِّـمٌ ومـن العين للدموع انسكابُ حجبَ الأفق آهُها والسَّحابُ | واكتئابُ
ولا يمكن لمسلم بَرٍّ يعيش ويرى ماتشهده الأمة من فرقة وضعف ووهن ، ومن تسلط الأمم الباغية على أبنائها ومقدراتها وثرواتها ، وما في أقطارها من ويلات ونكبات ، ومن قتل وتدمير وامتهان ، ومن كيد ومؤامرات ، ثم لايذوب قلبُه كمدا ، ولا تحدثه نفسُه عن واجب الدفاع عن دين الله وعن الأمة ومقدساتها ، ورغم كل هذه المصائب لايجد اليأس إلى قلوب الدعاة ولو كُوَّة بقدر سمِّ الخياط ، ولم تُبعدْهم عن الثغور التي يرابطون فيها ، لأنهم يعلمون علم اليقين أن هذا الطريق هو طريق الأنبياء وأصحابهم ، والدعاة وطلابهم ، وأن قافلة النبوة من لدن نوح عليه الصلاة والسلام إلى عهد سيدنا وحبيبنا مُحَمَّدٍ عليه الصلاة والسلام معرضة للابتلاء ، وكذلك أتباعها إلى يوم الدين . ولهذا كان صمود العلماء العاملين ، وجهاد المجاهدين الأوفياء ، وكان صيحة فقيدنا الغالي حسن هويدي :
يـقـيتا بنصر الله قومي فقد جهادا لنيل المجدِ في ساحة الوغى فـمـا هـي إلا جـولة ثم تنجلي وتـخـفـق في الآفاق رايةُ أحمد عـلـيها هُدى الإسلام : الَّلهُ ربُّنا | سرتبـأحـنـائنا روحُ المؤيدِ ثباتا على الإيمان صبرا على الضُّرِّ غـياهبُ ليلِ الغيِّ في مطلع الفجرِ مـوشـحـةً بالفتح مشدودة الأزرِ وأحـمـدُ هادينا إلى الحكم بالذكرِ | بالنَّصرِ
أجل ... اليقين بنصر الله والجهاد في سبيله لنيل المجد وإعادة السؤدد ، والثبات على قيم التوحيد والإيمان رغم المكاره والرزايا ، والصبر والمصابرة على مرارة النوازل ... هي من أركان الفتح التي وُعدت به هذه الأمة بمشيئة الله ، صيحة لطالما أطلقها المخلصون تتأجج في ثناياها حرارة الإيمان ، لتعيد لأبناء الأمة المكلومة مساحات الحب و التضحية والمروءة التي فقدوها لطول العهد ، وتراكم الغريات والملهيات . نحن نؤمن ونعتقد بحتمية الفتح والنصر إن شاء الله رغم الغُمم في دياجير الضياع ، ورغم مالحق الأمة من أذى العولمة والحداثة والتَّفرنج الأعمى ، وقاعدة بياناته المعلومة من السقور والفجور والاختلاط ، ومن الملهيات التي انداحت على الأفق عابرة للحدود ، مكسرة للقيود ... ورغم كل ذلك فالإسلام حيٌّ في مشاعرنا وأحنائنا ، راسخ في قلوبنا قد استعصى على كل تيارات الترغيب والترهيب ، وعلى المعاناة التي لاحدود لأحزانها وآلامها ، إنها صيحات الخلاص التي تتجدد دائما ، تجدُّدَ الأيام والشهور ، وتنسج المواسم والمشاهد من تاريخ الأمة راية الحق ولواء الفتح ، وهو يرفرف ويعيد أيام الهجرة ، وأيام الفرقان في بدر وأحد والخندق وحنين واليرموك والقادسية وحطين ... يراها الشيخ حسن هويدي منطلقا لتغيير النفوس على مايرضي الله ، وعودة حميدة إلى كتاب الله وسُنَّة رسوله صلى الله عليه وسلم ، يقول :
حتى تكون لنا المواسمُ واعظا يهدي إلى نور الكتاب المنزلِ
فالهجرة الغراء خيرُ مُذَكِّرٍ للمؤمنين لهجرِ كلِّ محرَّمِ
نعم هجر المحرمات ، وترك الموبقات ، والنَّأيُ عن مائدة الشيطان التي باتت مترفة ... هي من أسباب النصر . وأختم هذا المقال المقتضب حول بعض قصائد فقيدنا الغالي يرحمه الله بهذا التخميس الجميل الذي ينبض بالحب الحقيقي لله سبحانه وتعالى :
لجأتُ إلى الرحمن مولى سريرتي وقلبي جريح من هموم كثيرةِ
فيا ملجأ من هول كل كبيرةِ ( أيدركني ضيمٌ وأنت ذخيرتي
وأُظلمُ في الدنيا وأنت نصيري )
أجل شيخنا الحبيب خرجت من الدنيا تزف روحك إلى الآخرة قلوب المؤمنين والمؤمنات ، من أبناء مدينتك ديرالزور ، وأبناء بلاد الشام ، وقلوب أخرى اشرأبت يوم وفاتك حزينة كليمة ... ولعلك فزت برحمة من الله ورضوان .