النص القرآني عند محمد شحرور 15

النص القرآني عند محمد شحرور 15

ياسين سليماني

[email protected]

4- الفرقان:

 إن مفردة "الفرقان" تطرح أيضا عند شحرور مسألة الاختلاف بينها وبين المفردات سالفة الذكر وهذا بالرجوع دائما إلى التنزيل الحكيم لاستخراج مفهوم هذه المفردة. يقول تعالى:" وإذ أتينا موسى الكتاب والفرقان لعلكم تهتدون"(8)، كما يقول أيضا:" شهر رمضان الذي أنزل فيه القرآن هدى للناس وبينات من الهدى والفرقان"(9)، ويقول في موضع آخر:" ولقد أتينا موسى وهارون الفرقان وضياء وذكرا للمتقين"(10)

 كما يقول :" تبارك الذي نزل الفرقان على عبده ليكون للعالمين نذيرا"(1)، ويقول :" وما أنزلنا على عبدنا يوم الفرقان يوم التقى الجمعان"(2)، وأيضا :" أنزلنا التوراة والإنجيل من قبل هدى للناس وأنزل الفرقان"(3)، وهذه الآيات الست هي الآيات التي ورد فيها ذكر الفرقان كمفردة، وفي جميعها جاء معرفا بالألف واللام، إضافة إلى مرة وحيدة جاء فيها منونا " إن تتقوا الله يجعل لكم فرقانا"(4)

جاء الحديث عن "الفرقان" لموسى (ع) وجاء معه "الكتاب"، أي أن الفرقان جاء إلى موسى على حدة وجاء الكتاب على حدة، ففرقا عن بعضهما.وهذا الفرقان قال عنه في سورة آل عمران: إن الفرقان والتوراة والإنجيل أنزلت قبل أن يأتي الكتاب إلى النبي (ص)، ثم إن القرآن الذي أنزل على موسى (ع) هو نفسه الذي أنزل على النبي (ص) في رمضان(5):" شهر رمضان الذي أنزل فيه القرآن هدى للناس وبينات من الهدى والفرقان"، وبما أن الفرقان جاء معطوفا على القرآن يستنتج أن الفرقان غير القرآن، وهو جزء من أم الكتاب "الرسالة" وأنزل في رمضان.(6)

وهذا الجزء أول ما أنزل على موسى (ع) وهو الجزء الذي فرقه تعالى بنص الآية عن الكتاب نستطيع معرفته من خلال قراءتنا لثلاث آيات من سورة الأنعام والتي يقول فيها تعالى:" قل تعالوا أتل ما حرم ربكم عليكم1 ألاّ تشركوا به شيئا2 وبالوالدين إحسانا3 ولا تقتلوا أولادكم من إملاق نحن نرزقكم وإياهم

4 ولا تقربوا الفواحش ما ظهر منها وما بطن5 ولا تقتلوا النفس التي حرم الله إلاّ بالحق ذلكم وصاكم به لعلكم تعقلون6 ولا تقربوا مال اليتيم إلا بالتي هي أحسن حتى يبلغ أشده7 وأوفوا الكيل والميزان بالقسط لا نكلف نفسا إلا وسعها8 وإذا قلتم فاعدلوا ولو كان ذا قربى9 وبعهد الله أوفوا ذلكم وصاكم به لعلكم تذكرون10 وأن هذا صراطي مستقيما فاتبعوه ولا تتبعوا السبل فتفرّق بكم عن سبيله ذلكم وصاكم به لعلكم تتقون"(7)

ويورد شحرور هذه الآيات كاملة رغم طولها النسبي فيقول:" لو تأملنا هذه الآيات لم يكن من الصعوبة أن نستنتج أنها هي الوصايا العشر"(8)

 دليل ذلك الآية الموالية للآيات السالفة والتي تقول:" ثم آتينا موسى الكتاب تماما على الذي أحسن وتفصيلا لكل شيء وهدى ورحمة لعلهم بلقاء ربهم يؤمنون"(1)، هنا نلاحظ بشكل جلي حسب شحرور كيف أن هذه الوصايا جاءت لموسى (ع) مفصولة عن الكتاب، وأن الكتاب بالنسبة لموسى وعيسى (ع) هو التشريع فقط وليس التوراة والإنجيل، وذلك واضح تماما في قوله تعالى عن عيسى (ع):" ويعلمه الكتاب والحكمة والتوراة والإنجيل"(2)

 يقارن شحرور في هذا الصدد – مستعملا فكرة " الترتيل" المطروحة في الفصل السابق- بين الآيات التي أوردت مفردة "الفرقان" بدءا بآيات "الوصايا العشر والتي أتت بعدها" "ثم أتينا موسى الكتاب" وقوله تعالى:" وإذا أتينا موسى الكتاب والفرقان"(3)، بقوله :" من قبل هدى للناس وأنزل الفرقان"، أي أنها أنزلت قبل محمد (ص)، وقوله :" تبارك الذي نزّل القرآن على عبده"، أي أنها أنزلت على محمد (ص) أيضا.(4)

 يستنتج شحرور أن الفرقان هو الوصايا العشر التي جاءت إلى موسى وثبتت إلى عيسى (ص) وهي رأس الأديان السماوية الثلاثة وسنامها، بأن القاسم المشترك بين الأديان الثلاثة وهي الأخلاق وليست العبادات وتحمل الطابع الإنساني العام(5)

 ثم يبين أن هذه الوصايا العشر أي "الفرقان" أنزلت يوم بدر، حيث هذه المعركة حصلت في رمضان، وآيات الفرقان في سورة الأنعام ليست مكية، فهنا يخبرنا تعالى أن الفرقان أنزل على الرسول (ص) في يوم المعركة، دليل ذلك قوله جل وعلا:" وما أنزلنا على عبدنا يوم الفرقان يوم التقى الجمعان"، ويرى أن هذه الوصايا في سورة الأنعام لها أوثق الصلة بسورة الفاتحة(6)، فقد ورد في هذه السورة قوله تعالى:" أهدنا الصراط المستقيم"(7)، وحدد هذا الصراط بقوله تعالى:" صراط الذين أنعمت عليهم"(8)

ويرى شحرور خلافا للرأي الشائع أنّ الذين أنعم عليهم الله بالصراط المستقيم هم بنو إسرائيل الذين عاصروا موسى (ع)، و به فضلهم الله على العالمين وذلك في قوله:" يا بني إسرائيل اذكروا نعمتي التي أنعمت عليكم وأني فضلتكم على العالمين"(9)

فهذا التفضيل كما يقول شحرور والنعمة هما الصراط المستقيم الذي أنزل لأول مرة في تاريخ الرسالات إلى موسى (ع) وذلك في قوله:" ولقد مننّا على موسى وهارون، ونجيناهما وقومهما من الكرب العظيم، ونصرناهم فكانوا هم الغالبين، وأتيناهما الكتاب المستبين، وهديناهما الصراط المستقيم"(1)

 ثم يضيف شحرور أن الوصايا العشر سميت الصراط المستقيم لأنها لا تتغير أبدا، حيث أن الأخلاق مبادئ إنسانية عامة وهي من ثوابت الدين الإسلامي ولا تحمل طابع التغير مع الزمن والتطور فالوصايا والحدود والعبادات هي الصراط المستقيم أي التقوى الاجتماعية في الوصايا والتقوى الفردية في العبادات.(2)

 ولعل ما يثير الانتباه أكثر مما سبق هو قول شحرور في السياق ذاته:" وهكذا نرى أن الوصايا العشر هي الفرقان وهي الصراط المستقيم، وكل من اتبع هذا الصراط إلى يوم الدين هو من الذين أنعم الله عليهم وهو من المهتدين، وكل من تركه فقد ضل، وكل من عاده فقد باء بغضب من الله كائن من كان لذا أتبعها بقوله:" غير المغضوب عليهم ولا الضالين" في أخر آيات الفاتحة(3)

               

1- شحرور، الكتاب والقرآن، ص63.

2- سورة طه، الآية 14.

3- سورة النمل، الآية92.

4- شحرور، الكتاب والقرآن، ص63.

5- سورة القمر، الآية19.

6- سورة فاطر، الآية29.

7- شحرور، الكتاب والقرآن، ص63.

8- سورة البقرة، الاية53.

9- سورة البقرة، الاية185.

10- سورة الأنبياء، الآية 48.

1- سورة الفرقان، الآية01.

2- سورة الأنفال، الآية41.

3- سورة آل عمران، الايتان3،4.

4- سورة الأنفال، الآية29.

5- شحرور، الكتاب والقرآن، ص65.

6-المصدر نفسه، ص65.

7- سورة الأنعام، الآيات 151،153 .

8- شحرور، الكتاب والقرآن، ص65.

 

1- سورة الأنعام، الآية154.

2- سورة آل عمران، الآية48.

3- سورة البقرة، الآية 53.

4- شحرور، الكتاب والقرآن، ص66.

5- المصدر نفسه، ص66.

6- المصدر نفسه، ص66.

7و 8- سورة الفاتحة، الآيتان 6،7.

9- سورة البقرة، الاية47.