قصيدة الومضة عند رفعت المرصفى

إبراهيم خليل إبراهيم

إبراهيم خليل إبراهيم

تعتبر قصيدة الومضة هى قصيدة التكثيف الشديد والتلميح الأشد حيث تكون فيها مساحة المُصرَّح به أقل بكثير من مساحة المسكوت عنه وفى هذا النوع من القصائد يحيل الشاعر المتلقى إلى كل حرف من حروف قصيدته ومن ثم فهى تسمح للمتلقى بإعمال فكره واستخدام كل مهاراته الثقافية والأدبية واللغوية لفك طلاسم هذه القصيدة ، وقصيدة الومضة تعتبر قصيدة المثقفين ولا يمكن لأنصاف المثقفين أن يتعاملوا معها أو حتى يستمتعوا بها .

ويمكن أيضاً أن نقول أنها قصيدة النضج واكتمال المعين الشعرى لشاعرها ويمكن أيضا أن نقول أنها قصيدة الصمت الإيجابى أو الصمت المقروء .

قصيدة الومضة أيضاً هى قصيدة الدهشة فى أنقى معانيها ..

ويمكن القول باختصار أنها القصيدة التى تستنفر عقل وفكر المتلقى ليكون على قدر مستواها الفكرى والأدبى .

وقصيدة الومضة هذه مأخوذة عن " ابجرامات" الشعر الإنجليزى الحديث وقد كتب تحت هذا العنوان " إبجرامات " الشاعر والناقد الكبير د. عز الدين إسماعيل – رحمة الله عليه - العديد من قصائد الومضة فى التسعينات من القرن الماضى ومن الشعراء الذين يكتبونها باقتدار حتى الآن الشاعر الدكتور حسن فتح الباب و الشاعر والناقد الكبير د. كمال نشأت تحت عنوان " قصائد قصيرة " وقد صدر له ديوان كامل تحت هذا الاسم كما أن الشاعر والناقد الكبير عبد المنعم عواد يوسف يكتب هذه القصيدة أيضا بحكم نضجه وامتداد تجربته الشعرية والنقدية .

ومن الجدير بالذكر أن نؤكد على أن الذين يتصدون لكتابة هذه القصيدة يجب أن يتخرجوا أولا من كل المدارس الشعرية المختلفة قديمها وحديثها بدءا من المدرسة العمودية وحتى ما يسمى الآن بقصيدة النثر وللحق أؤكد أن شاعرنا رفعت المرصفى قد تصدى لكتابة هذا النوع من الشعر باقتدار فقد بدأ فى كتابتها ضمن ديوانه الثالث " حروف على صفحة القلب" الصادر عام 1998 وأيضاً كتبها ضمن ديوانه الرابع " دماء على جدران التاريخ" الصادر عام 2000 ثم أصدر ديوانه " للعشق رائحة البحر " 2003 الذى جاءت معظم قصائده من قصائد الومضة وبتصدى شاعرنا الكبير رفعت المرصفى لهذا النوع من الكتابة الشعرية يعلن بشكل غير مباشر عن اكتمال معينه الشعرى بكل أبعاده الفنية والإنسانية ويعلن بشكل غير مباشر عن وصوله إلى قمة الهرم الشعرى والمعرفى فشاعرنا له عشرات الإصدارات الشعرية والنقدية التى تخاطب الكبار والصغار .... ولما لا وشاعرنا يكتب فى معظم الدوريات المصرية والعربية منذ منتصف الثمانينات وحتى الآن .

نعود إلى قصيدة الومضة عند رفعت المرصفى ونختار بعض النماذج من إبداعاته لتكون الدليل والبرهان على ما قدمنا .

الومضة الأولى :

البحرُ كتابُ لجنونى / ينمو الجمرُ على أحرفِهِ

أُقرؤهُ ... حين تُجنُّ الشمسُ

وحين تُجنُّ الأسماكُ

يقرؤهُ المُصطافون

والنموذج السابق يتكون من ستة عشر كلمة تتحدث عن تجربة إنسانية شديدة الجمال وشديدة الإيحاء يمكن أن تفرد لها صفحات فى عالم النثر فكل سطر من سطورها يحتاج لمساحات كبيرة لشرحه وتحليله كما أن هناك مساحات كبيرة مسكوت عنها أو متوارية بين السطور وعلى المتلقى أن يبحث عنها كل حسب مخزونه المعرفى ومنظوره الجمالى .

الومضة الثانية :

الموجُ لا تهابهُ الشطوط / لكنّها تميلُ كى يفوتْ

فلا الشطوطُ قد طواها البحرُ يوما

ولا الهديرُ قد أصابهُ القُنوطْ

وهكذا نعيشُ أو نموتْ

إنها تجربة شعرية غاية فى العمق وآية فى الجمال صاغها شاعرنا فى إحدى وعشرين كلمة ولكن بين هذه الكلمات آلاف من الكلمات والمعانى مسكوتاً عنها.

وعلى المتلقى أن يتأمل ويبحث ويحلل حتى يصل إلى ذروة المتعة الشعرية والتأملية ... ألم أقل لكم أنها قصيدة المثقفين ؟

يطرح الشاعر تجربة الحياة والموت وما بينهما فيأتى بمعادل موضوعى للتجربة وهو البحر والشطوط وما بينهما ، تجربة عميقة وقوية تم رصدها فى كلمات قليلة تحمل كل معانى وعطاءات التجربة بين سطورها ، فالتجربة هنا كالومضة التى تلقى بأضوائها على من حولها ولمساحات بعيدة حسب ثقافة وفكر كل متلق .

الومضة الثالثة :

قالت ... شِعرُكَ نَهرْ

فافتحْ شلّال قصائِدك علىّْ

الزهرة تشتاقُ إلى الرِىّْ

قُلتُ ..... منابعُ شِعرى

تبدأُ من عينيكِ ومن شطيك ِ

تصبُ ببحر هواكِ الملكىّْ

الومضة الرابعة :

كان يُشاغبها فى مرايا الليل

وفى عُرس الطّمى .... تُشاغبهُ

وحين يباغتُه الشعرُ

يتحوّطُها من جذْوتِـــهِ

ويفـ.........................يضْ

الومضة الخامسة:

باقٍ على جَبل الصلابة هِزتان

يا أيها الحُزن المسافرُ فى دمى من ألف عامْ

ألفيةُ الحزن المُعتّق كُنتُها .... وسكنتُ فى أبياتها

قد صِرتُ فى بيت التَّأوّهِ شطرتين / وفى الكلام

يا أيها الوجع المُحرقُ أحرفى / أفلا تنام ؟

الومضة السادسة :

للشمسِ ....... ضفَّتان

إحداهما للناس

والأُخــرى ..... ملاذ الشعراء

الومضة السابعة :

زهرةُُ ..... أطلقتُ سِّرها فى الوريد

فاستطابَ الفؤاد المُعنىَّ

واستقامَ الخفوقُ المراوغُ

غَنىَّ .............

وباح دمى ....... بالنزيف الجميل

زهرةٌُ .... أطلقتْ سِـرها فى الوريد

فاستقادَ الرمادُ الذى هادنْتهُ الرياح طويلا

واستحال المواتُ القديم اخضراراً