سلمي الخضراء الجيوسي في انطولوجيا السرد العربي الحديث
سلمي الخضراء الجيوسي في انطولوجيا السرد العربي الحديث :
الرواية العربية بدأت مترددة.. وبعد نصف قرن أخذت تهدد بإنزال الشعر عن عرشه الذهبي!
إبراهيم درويش *
هل الرواية جنس ادبي اصيل في الثقافة العربية ام دخيل، جاء اليها عبر الغرب؟ سؤال يطرح دائما في معرض تقييم التراث الروائي العربي الحديث، وهو السؤال الذي ربط بين بدايات ظهور الرواية العربية باثر الحداثة الغربية علي العقل والتراث الادبي العربي الحديث، وهو نفس السؤال الذي استدعي عددا من النقاد وكتاب التاريخ الادبي للحديث عن غياب التقليد تماما في الادب العربي، وظل هذا الرأي سائدا حتي ستينيات القرن الماضي عندما اخذ عدد من الباحثين يكشفون عن غني في تقاليد السرد او القص الروائي العربي الكلاسيكي، وقدمت هذه الابحاث تنوعا وغني في اساليب السرد والقص الراوئيين العربيين بحيث يجعل اللغة العربية من اكثر اللغات غني وتنوعا في تاريخ الادب العالمي، مما يعني ان المفهوم عن تسيد الشعرية والذائقة الشعرية لكل الانتاج الروائي الكلاسيكي فكرة تحتاج الي اعادة نظر ومراجعة، فالنثر الادبي والتراث القصصي الشعبي منه والمكتوب يقدمان صورة عن المخيال والخيال العربي في العصور القديمة، واذا كان الشعر العربي قد ثار بعد نهاية الحرب العالمية الثانية علي كل الشكل الشعري القديم، مضمونا، صوتا، وشكلا فالرواية في مرحلة الستينيات دخلت مرحلة جديدة من التجريب والتجديد، خاصة بعد ان اسس نجيب محفوظ تقاليد الرواية العربية، وتظهر ابحاث تاريخ الادب العربي ان السرد مؤسس في الذاكرة العربية وسبق ظهور الاسلام بعدة قرون، ولعل كتاب التيجان في ملوك حمير لوهب بن منبه من اهم الكتب التي تشير الي تقليد حكاية القصص، ويحتوي علي خرافات واساطير يلعب فيها الجن دورا مهما. ويقدم الكتاب صورة عن الطريقة التي تم فيها التفاوض بين الاسطورة والبطولة يتحول فيها الرجل الخارق الي انسان خارق.
المزاج الاسطوري العربي القديم سيتأثر بظهور الاسلام حيث سيتم التركيز فيما بعد علي حقائق ووقائع، وحلت قصص الغرام والحب العذري محل الاسطورة والعالم الخيالي، مع ان هذا العالم سيتستمر في التقاليد الشعبية خاصة في الف ليلة وليلة والتي ظلت حتي اكتشاف الغرب لها صورة عن الادب الشعبي ـ غير الراقي ولم تدخل ضمن الاعمال الادبية المهمة في التراث العربي. ان محاور تأسيس الشكل الروائي ورده الي اصوله العربية وان اتخذ عددا من الاشكال والصور، يعيد الباحث الي محاولة حصر اشكال السرد العربي - النثري، وهنا تحضر انواع مثل قصص العرب او ايامهم، وقصص الحب العذري التي اشتهر معظمها في العصر الاموي، اضافة للاخبار التي اشتهرت في العصر الاموي والعباسي، وكذلك الاساطير المكتوبة علي ألسنة الطير مثل كليلة ودمنة التي ترجمها من الفارسية الي العربية عبد الله بن المقفع.
وتتطور اشكال السرد لتضم المقامة التي يري عدد من الباحثيين ان الرواية العربية الحديثة ورثت تقاليدها واعادت صياغة اشكالها بناء علي النموذج الغربي الذي جاء جاهزا مع بداية النهضة العربية. ويضيف هؤلاء الي اشكال السرد انواعا اخري مثل رسالة الغفران للمعري والتوابع والزوابع لابن شهيد الاندلسي، والشكل السردي الفلسفي ممثلا بعمل ابن طفيل الاندلسي حي بن يقظان. اشكال البحث عن اصل عربي للرواية وان جاء في العقود الاخيرة لا يكتفي بالتسليم بوجود ثراء في اساليب السرد والقص والحكاية والاشارة للخيال العربي الواسع بل يتحدث ايضا عن اثر اعمال ادبية عربية في تطور السرد الروائي الاوروبي، فالمقامات اثرت علي دون كيخوت للاسباني سرفانيتس، ورسالة الغفران والتوابع والزوابع اثرت علي الكوميديا الالهية، تماما كما اثرت قصة المعراج عليها ايضا، وحي بن يقظان ساهمت في تشكيل رواية روبنسون كروز لدانيال ديفو.
تظهر القراءة التاريخية التي اشرنا لبعض ملامحها تطور وتشكل السرد الروائي العربي وتنوعه قبل قرون من ولادة الشكل الغربي الحديث الذي سيسهم في تأسيس اعمال النهضة العربية. وفي هذا السياق فان القارئ يجد أن الجهود الروائية الاولي بدأت متفرقة هنا وهناك، ومثلما حظي الشكل نفسه ـ السرد بنوع من الجدل حول اصالته او كونه دخيلا فان اوليات الرواية كانت مجالا للجدل، وسيدعي الكثير من الباحثين في العالم العربي شرف السبق، في المشرق والمغرب العربيين علي حد سواء. بعيدا عن هذا يتفق الباحثون علي اهمية الجهود التي بذلها مصطفي لطفي المنفلوطي الذي قام بتعريب عدد من الاعمال الادبية الفرنسية الي اللغة العربية، وجهود تعريب الاعمال هذه سينضم اليها عدد من الكتاب والشعراء المعروفين، حافظ ابراهيم سيترجم بؤساء هيغو والزيات سيعرب عمل غوته الرومانسي. واثر هذه المحاولات لا ينكر في التأسيس لسرد عربي جديد، اذا اخذنا بعين الاعتبار محاولات التجديد واثر الاعلام والطباعة علي تشكيل اللغة العربية. في تطور الرواية العربية سيعمل مركزان احدهما عربي والاخر غربي علي تطوير وبناء النموذج السردي، فمصر ستصبح مركز ولادة السرد الروائي، وهذا يعود لعدة عوامل معروفة يضاف اليها اثر المهاجرين اللبنانيين والسوريين، اما المركز الثاني فهو المهجر الامريكي، حيث قدم جبران خليل جبران روايات رومانسية وان تضمنت نقدا للاوضاع الاجتماعية، الاقطاع والاتراك في جبل لبنان، كما في رواية الاجنحة المتكسرة و الارواح المتمردة ، ونفس الامر يقال عن الاعمال الروائية والقصصية التي كتبها المنفلوطي والتي وصفت الفقر والظلم العبرات . يتفق النقاد علي ان رواية زينب لمحمد حسين هيكل كانت اول عمل روائي محكم تخلص من السنتمنتالية والميلودرامية التي طبعت الاعمال المعربة او التي صدرت عن المهجر . وفي الوقت الذي صدرت فيه زينب، صدرت رواية جبران خليل جبران الاجنحة المتكسرة ، ولكن زينب التي تحولت الي فيلم سينمائي فيما بعد حظيت بالكثير من الدراسات والاعمال النقدية التي قدمتها باعتبارها أول عمل روائي متماسك، قدم رؤية موضوعية وواقعية عن الريف المصري وابتعد عن الرومانسية التي طبعت اعمال المنفلوطي وجبران. ومن الملاحظ ان الرومانسية بدأت ملامحها بالتأسس والظهور عبر النثر وقبل عقود من ولادة الرومانسية العربية في مجال الشعر، اي في الوقت الذي بدأت فيه الرواية تتحرك نحو افاق جديدة ذات علاقة بموضوعات اخلاقية واجتماعية. ومن الملاحظ انه في فترة التأسيس الاولي للرواية العربية، تم تجاوز تجربة جرجي زيدان في اعماله الروائية عن التاريخ الاسلامي. ومن اللافت للنظر ان زيدان توفي عام 1914 اي في العام الذي صدرت فيه رواية محمد حسين هيكل. وكان زيدان قد اصدر اول اعماله الروائية المملوك الشارد (1890)، وعلي خلاف الاعمال الروائية الاخري التي انشغلت بالانسان العادي وكفاحه فان روايات زيدان تركزت علي حياة القصور، وصراع السلطة، والغلمان والحريم، ولهذا فاعماله في الغالب تقدم شخصيات نمطية معروفة تقوم باعمال ذات نتائج معروفة، ولهذا فزيدان لا يؤكد في رسمه للشخصيات علي الجانب السلبي او الايجابي. وما يهم في هذه الاعمال ان الشخصية الرئيسية كانت الحضارة الاسلامية في تاريخها الطويل، ورواياته في هذا الاطار هي روايات حقب تمثل مراحل التاريخ الاسلامي. وكأي روائي يعالج التاريخ عبر المنظور الروائي فاسلوبه وحبكته الروائية ظلت محكومة بالتاريخ واطاره ولهذا لم يكن قادرا علي تغيير او التلاعب في مسار الاحداث. ومع ذلك فقد استطاع زيدان اعطاء بعد انساني لابطاله، وكان قادرا عبر اسلوبه المثير علي بناء رؤية درامية مشوقة للاحداث. ولهذا فاهمية زيدان تنبع من اعجابه الشديد بالتاريخ والحضارة الاسلامية، بشكل يجعله واحدا من اهم حراس اللغة العربية وثقافتها المعاصرين. وتظل راوياته علي الرغم من تقادم العهد عليها وبعد ان تأسست اللغة الروائية العربية مشوقة وتعطي قارئها متعة، والملاحظ ان كاتبا مثل زيدان تم تجاوزه في مجال النقد الادبي لاسباب غير معروفة. كان زيدان المهاجر البيروتي من لبنان يكتب في مصر التي انشأ فيها مجلة تعتبر من اقدم المجلات العربية الهلال ، مما يعني ان مركز الرواية كان في مصر، مع وجود تنوعات روائية هنا وهناك في عدد من الدول العربية، مثل مارون عبود في لبنان، وستقدم مصر في بداية القرن العشرين وحتي خمسينياته معظم الاسماء الادبية والمدارس النقدية، مثل جماعة ابوللو و الديوان ، ولكن القاهرة التي كانت عاصمة الشعراء وفيها امارته ستتراجع بعد الثورة التي حدثت في بغداد علي بحور الشعر العربي، وستصبح العاصمة العراقية ومعها اللبنانية مركزين جديدين للشعرية العربية الجديدة، وستظل تحتفظ بمركزية الرواية خاصة بعد ظهور نجيب محفوظ الذي سبقته عدد من الاصوات الروائية مثل توفيق الحكيم، والمازني، وطه حسين والعقاد، حيث جمع هؤلاء الكتاب بين الرواية والسيرة الذاتية، اضافة لطرق العلاقة بين الشرق والغرب، كما عصفور من الشرق ، قنديل ام هاشم ، ولكن هذا النوع من السرد الروائي سيتراجع بعد صدور رواية الطيب صالح موسم الهجرة للشمال التي تعتبر رواية تأسيسية في الادب العربي.
اهمية نجيب محفوظ، الذي يعتبر بحق عميد الروائيين العرب، تنبع من كونه اول كاتب عربي يكرس وقته لتطوير ادبه الروائي، فقد قام وبهدوء بتطوير ورسم شخصياته، ولم يكن محفوظ الذي بدأ خطواته في العمل الروائي محاولا استلهام مصر القديمة، متعجلا من امره. بدأ محفوظ نشر اعماله في نهاية الثلاثينيات من القرن الماضي، وبحلول عام 1951 كان قد نشر ثماني روايات، شكلت الفعل الروائي العربي.
وبصدور ثلاثية القاهرة التي تتحدث عن القاهرة/ مصر بين ثورتين، استطاع محفوظ، وبفرادة مثيرة خلق زمن روائي عربي، واسس معه لشروطه التي كانت معالم للروائيين الذين جاؤوا بعده، وسيكون محفوظ بمثابة الظل الذي يستظل به كل الروائيين العرب.
وفي الدول العربية، مثل العراق التي لم تشهد بدايات روائية كبيرة سيقوم الرواد فيها باستلهام المثال المحفوظي، وكما لاحظ ادوارد سعيد في مقاله ما بعد محفوظ فان ريادية الروائي المصري، كانت نموذجا وعبئا علي الكتاب الذين لم يستطيعوا التحرر من سطوة المثال المحفوظي الا بعد محاولات تجريبية كثيرة. ولكن محفوظ الذي كرس حياته للسرد الروائي، جرب في معظم النماذج والاساليب الروائية، من التاريخي، الي الواقعي الاجتماعي، وتأثر في مرحلة بمسرح العبث ثرثرة علي النيل تعتبر نموذجاً، وفي روايته اولاد حارتنا طرح عبر بعد رمزي العلاقة بين الدين والعلم.
الراوية العربية التي بدأت مترددة، قدمت تنوعا وغني في الاصوات والموضوعات ذات بعد حداثي وما بعد حداثي، واعمالاً ذات طابع ملحمي، كما في ثلاثية نجيب محفوظ، وخماسية مدن الملح لعبدالرحمن منيف، الذي قام بالتأكيد علي فكرتي القمع والنفط وتشكل المدن التي تذوب تحت وقع الحداثة، واعمال ابراهيم الكوني، عن الصحراء العربية الليبية، في جمالياتها وقسوتها، اساطيرها وناسها، ازهارها ووحوشها، وهناك ثلاثية غرناطة، لرضوي عاشور، عن سقوط غرناطة، والهزيمة العربية في المدينة، والجيل الذي عاش تحت الحكم المسيحي. مثل رواية محفوظ، فرضوي عاشور تقدم رواية اجيال، لها انعكاسات علي الوضع الحالي الفلسطيني وضياع فردوس اخر.
وما دام الحديث عن فلسطين، فعلي الرغم من حجم الكارثة الفلسطينية، وتشرد الشعب الفلسطيني الا انه لا الادب الفلسطيني ولا العربي استطاع ان يقدم عملا روائيا بحجم هذه الكارثة، فغسان كنفاني، الموهبة الادبية والكاتب السياسي الملتزم مات في عز عطائه الادبي واعماله التي نشرها خاصة ما تبقي لكم احتوت علي بذور عمل ملحمي انتهي بشهادة واستشهاد الكاتب، كما ان اميل حبيبي توقف عن عمله المهم المتشائل اما جبرا ابراهيم جبرا، الناقد والشاعر والروائي والفنان فقد ظل مشغولا بنفسه، اي ان جل اعماله تدور حول ذاته، فوليد مسعود في البحث عن وليد مسعود هو في النهاية جبرا.
هذا الغني في الاصوات والموضوعات، ادي الي ولادة حركات تجريب في الرواية، ويظهر هذا واضحا في مدن الملح ، التي تحدثت عن ثلاثية القسوة القمع، والبيئة، والنفط ، كما يبدو التجريب واضحا في اعمال جمال الغيطاني التجليات ، الزيني بركات ، والاولي هي عن النوستالجيا، وموت الاب، الذي قد يكون الاب الطبيعي او اب الامة، جمال عبدالناصر مثلا. مثال اخر عن التجريب، كسر الحدود الروائية وخلق سرد جديد يبتعد عن النموذج المحفوظي يظهر واضحا في اعمال حيدر حيدر، واعمال ابراهيم نصرالله، خاصة براري الحمي ، واعمال غسان كنفاني، وكذلك في اعمال فؤاد التكرلي، المسرات والاوجاع و الرجع البعيد ، وادوارد الخراط الزمن الآخر ، يقين العطش و حيطان عالية ، ويظهر هذا في اعمال الياس خوري التي يري سعيد في مقاله الانف الذكر انها تبتعد عن الشكل الروائي المحفوظي ، ويصف سعيد الياس خوري بانه كاتب التناقضات ، باب الشمس ، ابواب المدينة و الجبل الصغير .
بناء علي هذا الغني في فن الرواية او السرد الرواية والقصة ، تقدم الباحثة الفلسطينية المعروفة سلمي الخضراء الجيوسي، انثولوجيا جديدة بالانكليزية، تطمح لتقديم صورة شاملة عن ارهاصات السرد العربي وتنوعاته، وما سبق قوله هو جزء من الافكار العامة التي طرحتها في مقدمة الانثولوجي، وهي مع اعترافها بغني السرد الرواية لكنها تري ان القصة القصيرة كانت اسبق الانواع السردية للظهور والتمأسس في الادب العربي الحديث، وهي سابقة علي الرواية التي لم تؤكد حضورها الا بعد الحرب العالمية الثانية، وجهود نجيب محفوظ تحديدا، ولهذا فالجزء المخصص لنماذج القصة القصيرة اوسع واشمل من ذلك الذي خصص للرواية حيث تبدأ الجيوسي المختارات بعمل قاطع الطريق لمارون عبود، فيما تبدأ المختارات الروائية من اعمال برضوي عاشور وثلاثية غرناطة، ومع ان المدي الروائي هنا اقل تنوعا من المدي القصصي الا ان معظم الاسماء في قسم القصة القصيرة هي من كتاب الرواية، وتثني الجيوسي في المقدمة علي التجريب في الرواية، خاصة عند نصر الله، ومنيف، والخراط، والتكرلي، اضافة لمحفوظ وهم الكتاب الذين واصلوا الكتابة واعتبروها نوعا من المهنة ، فيما تحتفي بابداع يوسف ادريس القصصي الذي تري انه كان يكتب من قلبه ومدفوعا بعواطفه، وبالعالم الغرائبي في قصص زكريا تامر، الذي ظل حريصا علي المواصلة ضمن هذا الفن الادبي.
واللافت للنظر ان تقاليد القصة القصيرة في العالم العربي ازدهرت في الوقت الذي لم تكن فيه هذه التقاليد محل احتفاء في الادب الانكليزي او الامريكي. وفي هذا السياق لا بد من الاشارة الي اعتقاد الناقد الراحل احسان عباس ان تقاليد الادب العربي الحديث هي عن القصة، فيما قلل الناقد من اهمية الرواية، وكان يعتقد مثل ادوارد سعيد ان الراوية هي استيراد من الغرب، وهو موضوع او قضية تظل محلا للجدل. المختارات في الانثولوجي تطمح إلي ان تكون شاملة للجغرافيا العربية، حيث تغطي كل الاسماء المعروفة، ولكن الجيوسي وان اشارت الي انجازات رواية المرأة العربية، حنان الشيخ، وغادة السمان، الا انها لم تشر الا من بعيد لجهود المرأة في الكتابة الروائية، خاصة، والاسماء الجديدة التي ظهرت في الاعوام الاخيرة، تظل غائبة عن الانثولوجي. وللقاريء العربي، ناقدا كان او هاويا، ان يتساءل عن غياب هذا الاسم او ذاك، ولا يمكن لمعد المختارات ان يدعي الشمولية، وما يطمح اليه في النهاية هو التمثيل والاشارة للتنوع. قد اتساءل عن غياب اسم سوداني معروف هو معاوية محمد نور مثلا، او اسم كاتب اخر، مثل اسحق ابراهيم اسحق، سوداني ايضا، وقد نتساءل عن عدم الاشارة مثلا الي ادب الاعتراف، ممثلا بمحمد شكري، مع انه موجود في المختارات، الا ان الانثولوجي التي تزيد عن الف صفحة، لها حدودها ولها ابعادها، والمقدمة في هذا السياق شاملة في تحديدها لابعاد التجريب الروائي، حيث لدينا رواية الواقع الاجتماعي، رواية الحداثة وما بعد الحداثة، الرواية البيئية او الايكولوجية تعجب الجيوسي برواية الموريتاني موسي ولد ابنو مدينة الريح ، رواية الصحراء، القمع، ورواية المأساة الفلسطينية.
الجيوسي، ناقدة واديبة مثابرة، اخذت علي عاتقها منذ 1980 عبر برنامج الترجمة من اللغة العربية بروتا تقديم التراث الادبي العربي الحديث للغرب، حيث قدمت الشعر العربي الحديث: انثولوجي ، و الادب الفلسطيني الحديث: انثولوجي ، و حقوق الانسان في الفكر العربي ، و تراث اسبانيا الاسلامية ، اضافة الي كتابها المهم اتجاهات وحركات الشعر العربي الحديث التي كانت رسالة الدكتوراه التي تقدمت بها الي جامعة لندن وقدمها لقراء العربية الناقد العراقي عبد الواحد لؤلؤة. وما يهم في هذه الانثولوجي الاخيرة هي ان هناك اشارات عن منافسة الرواية للشعر العربي، الذي ظل يتسيد المخيلة العربية لقرون وظل ديوان العرب ، واذا كان ادوارد سعيد، يقول ان الرواية ساهمت في تشكيل الوعي الوطني والسياسي العربي الحديث، فانها قد تكون ديوان العرب الجديد .
* ناقد من اسرة القدس العربي