السيمياء والتجريب عند الجاحظ

دراسة نقدية رد على الدكتور عودة الله القبيسي

د. حسن الربابعة

قسم اللغة العربية

جامعة مؤتة

[email protected]

ملاحظات حول الأسلوب والمنهج

"للدكتور عودة الله منيع القيسي المنشورة في صحيفة الرأي الأردنية يوم الجمعة الموافق يوم 6/11/2009م.

نشر الدكتور عودة الله منيع القيسي دراسة نقدية في صحيفة الرأي الأردنية يوم الجمعة الموافق لليوم السادس من شهر تشرين الثاني  2009م ،عنونها ب"السيمياء والتجريب ـ ملاحظات حول الأسلوب والمنهج "ذكر ثلاثَ ملاحظات ايجابية عن الجاحظ،، وثلاثا سلبية عن الكتاب ، الموسوم بأعلاه ،أمَّا  الثلاث التي أوردها عن الجاحظ فهو "مفكر عظيم ،وأديب عظيم ، وعالم عظيم " ونسب القول للمؤلف الدكتور حسن محمد الربابعة ، وهو ليس كذلك ، أما الثلاث السلبيات على الكتاب فهي ما يلي:الأولى"أنَّ المؤلف عرض بضع ملاحظات دقيقة للجاحظ ثم لم يقل شيئا سوى ترداد كلام الجاحظ"

والثانية "تعجب الجاحظ من بعض ما لاحظه على بعض الحيوان ، لكنه (المؤلف) لم يفسره "كالقط على الأرض والفار في السقف ، والفار قريب من جحره، يمكن أن يدخله بأمان لو أراد ، دون أن يخشى أذى القط لو  أراد، لكن الصورة النفسية تبرزُها غريزةُ خوفِ الفار  من القط ،فتمنعه من أن يدخل بيته ، لانَّ القط يوظِّف لغة الإشارة التي تعدُّ أبلغ من لغة المواء ، وهذه اللغة الا شارية هي المانعة ، فما إن بشير القطُّ إلى الفأر تارةً بيمينه وتارة بشماله ، حتى ينصاعَ الفارُ ،فيسقط على الأرض من السقف بين يدي القط فيأكله ، إن شاء أو يلهو به متلذِّذا بتنغيصه ، وتعذيبه قبل أكله "ويضيف الدكتور  عودة الله منيع  القيسى منتقدا "هذا الكلام ليس للجاحظ ، وإنما هو تعبير المؤلف عن ملاحظة الجاحظ ، ولو انه نقل كلام الجاحظ لأمتع القارئ بأسلوب الجاحظ الأدبي العلمي ، الذي يجري قلمُه فيه جريان الماء على الصخرة الملساء ، لكنه (يعني المؤلف )أراد أن يسهِّلَ فصعَّب ، لانَّ أسلوب الجاحظ مفهوم ومرقص وفيه غذاء واضح ، فالجاحظ يقول :في لعب السنور بالفار، وبلغ من تحرُّزه واحتياطه، انه يسكن السقوف ، فربما فاجأه السنور، وهو يريد أن يعبر بيتَهُ، والسنور في الأرض والفارة في السقف ، ولو شاءت أن تدخل بيتها لم يكن للسنور عليها سبيل فتتحيَّر ، فيقول السِّنور بيده كالمشير بيساره ، ارجع، فإذا رجعت أشار بيمينه؛ أن عُد فيعود، وإنما يطلبُ أن تعيا أو تزلقَ أو يُدارُ بها ،ولا بفعلُ ذلك ثلاثَ مرَّات حتى تسقطَ إلى الأرض؛ فيثبَ عليها وثبة ، فإذا وثبَ عليها ،لعب بها ساعة ،ثم أكلَها ،وربَّما خلَّى سبيلَها ، وأظهرَ التغافلَ عنها ،فتمعنُ في الهرَب ، فإذا ظنَّت أنَّها نجتْ ،وثبَ عليها وثبةً ؛فأخذها ، فلا يزالُ كذلك، كالذي ُيحبُّ أن  يسخرَ من صاحبهِ ، وأنْ يأخذَهُ أقوى ما يكون، طمعا في السلامة ، وأنْ يورثَهُ الحسرةَ والأسف ، وأنْ يلذَّ بتنغيصه "ويعلق الناقد الكريم فيقول "الذي جعل الفارةَ تطيعُ إشارةَ القط وهي على السقف، وهو على الأرض، أنها تخافُ القطَّ خوفا يصلُ حدَّ الفزَع؛ فتتعطلُ خلايا غريزة الهرب ، من العدو، وعندئذ تتحيَّرُ فتصبحُ رهن  إشارة القط، ولأنَّها فقدتْ غريزة الهرب في جسمها ،تكون فاقدة لمعرفة الاتجاهات ، فلا تتَّجه إلى جحرها ، ولأنها فقدت غريزةَ الهرب، فقد شُلَّ جسمُها بعضَ الشلل، ولذا تطيع إشاراتٍ منه لانشلال جسمها "

 أمَّا الملاحظة الثالثة فانَّ( مؤلف الكتاب ) حذفَ سطرين أخيرين من نصِّ للجاحظ نقله ،وجرى إثباتُهما مني( الدكتور القيسي) وبغية الدكتور  الاستمتاعُ بأسلوب الجاحظ السهل الممتنع  ، ثم أنهى ملاحظته مختصرا "إنَّ من مآخذه على مؤلف السيميائية أنَّه يوظِّفُ أسلوبَ الجاحظ مرة، ومرة أسلوبه" "

 ثم أخذ الدكتور القيسي على الكتاب ملاحظات فرعية أخرى منها " المؤلف صال وجال في تعريف السيميائية ، فكتب إحدى عشرة صفحة عن معناها اللغوي ـومعناها الاصطلاحي ،ورجع إلى المعاجم ورجع إلى العلماء الأجانب الذين تكلموا عن السبميائية، وذكرَ أسماءهم بالعربية والانجليزية ، ورجع إلى القرآن الكريم والحديث الشريف، والى مفكرين عرب عرفوا السيميائية ، وقصدهُ التكثير ، وإلا لاكتفى ببعض ما نقل من نصوص كلمتي " سوم" ،و"وسم "وعدَّ تعديده الاشتقاقات لكل منهما من فقه اللغة "و"اخذ  على المؤلف التزيُّد في تعريف السيميائية عن نقدَة الغرب "وعندها يقول "وكفى الله المؤمنين القتال "ويقول "وقد أورد المؤلف أخبارا كاذبة ، ظانًّا بانَّ كلَّ ما ورد في كتبهم صحيح، مع أنَّ الكتبَ فيها غثٌّ وسمين ، ويضربُ مثالا ، ما جاء شرحا  في قوله تعالى"حجارة مسومة عند ربك للمسرفين (الداريات 33)بأنها حجارة معلمة ، وعليها اسم من يرمى بها ، وهي مستحجرة قوية ومشوية ،معدَّة لهم من السَّماء (ابن كثير ج2/456)وعرض لآراء مادة مسوَّمة عند الجوهري في الصحاح إذ قال عليها مثل الخواتيم وعدَّ تفسير العلماء لمعنى مسومة كالهذيان، واكتفى بأن نقول علامة تعرف بها، ولعلَّ القولَ الأوسط حجارةً ليست من حجارة الدنيا "ويتساءل الدكتور القيسي ساخرا "إننا لم نرَ علامة خاصة لحجارة في غور البحر الميت ،ولم يرها السابقون فكيف يقال إنها معلمة بعلامة يعلم بها أنها ليست من حجارة الدنيا ، والحجارة معلمة عند الله فحسب ، وخلاصة قوله :"إن المؤلف حشد أسماء علماء غربيين لم يفيدوا البحث ،، ولم يخرج الباحث منهم بخلاصة تفيد البحث تعرف  مصطلح السيميائية للناس ، وانه حشد (15 ) خمسة عشر مثلا  على كلمة السيمياء ، من غير مردود نافع للبحث ، ولم يقدم المؤلف شيئا من عنده ، واكتفى بنقل أقوال الجاحظ وبالتعقيب الذي لم يضف شيئا ، وأحيانا كان يُذهب رونقَ بعضِ النصوص ، عندما كان يوردها المؤلف بأسلوبه "وختم حديثه بقوله "وفي الكتاب جعجة كثيرة عن السيمياء لكن من دون طحن "   

***

لعلَّ  من الردّ  المناسب على السيد  الدكتور عودة الله منيع القيسي المحترم الذي وظَّف  من نفسه ناقدا في "ملاحظاته حول الأسلوب والمنهج في كتاب "السيميائية والتجريب " لمؤلفه الدكتور حسن محمد الربابعة ، المنشور في مؤسسة رام للتكنولوجيا والكمبيوتر ، مؤتة ، الكرك ، الطبعة الأولى ، 2007م .، أقول لعلَّ من الرَّدِّ أن أوجِّهَ له الشكرَ؛ لتصديِّه بدءا  لدرسه هذا الكتاب، أو إن شئت ُقلْ ربَّما  لاطِّلاعه على جزئيات انتقائية تخيَّرها ،  فتزيَّد فيها ما حلا له ،أو انتقص منها ما شاء أن ينقصه ، ابتغاء غريلة النصوص، وتبيان الصالح منها، ويبدو انه لم يجد في الكتاب المذكور  ولا  خصيصة صالحة ـ وان يتيمة ـ ليهتفّ بها للعالَم ،الذي ينشرُهُ له ،على شبكات الانترنت ،بل  في جريدة الرأي الأردنية ، ذائعة الصِّيت التي يصدرُ منها في ما سمعته من أحد موزعيها ـ إن صحَّ   ـ مائة ألف نسخة يوميا ، التي آمل منها  أن تنشر ردِّي هذا، بغية حقِّ الردِّ، وتبيانِ الرأي الآخر، في زمن شاع فيه مصطلح "الرأي والرأي الآخر"، تماما كما سمحتم للدكتور القبسي  نشر مقالته على صفحاتها ؛من قبل ، يوم الجمعة الموافق لليوم السادس من شهر تشرين الثاني عام ألفين وتسعة ميلادية .

**********

لقد أذكرتني مقالةُ الدكتور عودة الله منيع الفيسي المحترم عند اطلاعي عليها ،على عوالم  شبكات الانترنت، التي نقلتها  من  صحيفة  الرأي العزيزة عليَّ ، أذكرتني  بجلسة علمية أمامَ أستاذِنا  الدكتور  العلامَّة المرحوم إحسان عباس ـ عليه شآبيب الرحمة  والرضوان؛ تنصبُّ عليه  انصبابا ـ ، إذ كنَّا جلوسا حول مائدته العلمية ،في حلقة دكتوراة في الأدب والنقد، في جامعتنا الأردنية الغالية ،فبل نحو عشرين عاما من اليوم (2009م )، ويبدو انه أراد أنْ يعلِّمنا كيف نقرأ  كتابا، فسأل عمن يريد أن يقرأه على مسامعنا ،وكيف يقرؤه ليحكِّمهُ ، لو قٌضي  إليه تحكيمُهُ، فانبرى طالب  لهذه المَهمَّة ،فأعطاه الأستاذ العلامة  عباس نسخة من كتاب في الأدب ، ليقرأَ فيه ، ولم نكن ندري تخصُّصَه الدقيق ؛ أأدب هو أم  نحو ـ  لكنَّه  كان يبدو لنا  متفيهقا حينا، متفلسفا متقعِّرا في كلامه حينا آخر ، يهتمُّ بالرفعِ  والجرِّ في كثير من مجريات   حديثه ، وان كان بعضُها غيرَ ضروري في زمانه ومكانه" فيذكرنا بقصة النحوي المشهورة  الذي تكأكأ عليه الصبيةُ لما سقط أرضا  ، فتكاكؤا  عليه تكأكؤهم على ذي جنة "  وأمرهم أن يفرنقعوا عنه، فقهقهوا  لأسلوبه، وغريب لفظه في موقع لا يستوعبهُ المتلقُّون ، قهقهوا   طويلا ، حتى كادت أشداقهم تتشقَّق ؛فما  إن قبضَ  زميلُنا  الكتاب بزهو ، وهو المحسود على نعمة القراءة ، والمشفق عليه بآن ،أمام الأستاذ عباس  ، حتَّى عدَّها مكرمة كبيرة من أستاذنا  عباس، ـ والحق كذلك ـ إذ  أوكل إليه الأستاذ عباس   أحد ابرز أساطين العلم والمعرفة خلال القرن العشرين ـ   بداءة ، أن  يقرأ على مسامعنا من الكتاب ،ما شاء ، و  يبدو أن همَّ أستاذنا  كان  كيف نقرأ ؟ وكيف ننقد؟  زها زميلُنا المحظيُّ ،المشفق عليه  بما يحفظه من قواعد اللغة وأمثلتها ، وبدأ  يتململُ  متنافجا  ،َيُمدُّ عنقَهُ للأمام  كقوسٍ ،كديكٍ أوشك أن يصيح ،  و بدا يتمايلُ برأسه يَمنة وبَسرة ، ويتنحنحُ ليحردَ من حشرجة، قد تعترض مخارج الحروف  من فمه ،  أو بُحَّةٍ قد جفَّفت ريقَهُ ،،و اخرج مِنديلَهُ من حقيبة  يدوية ،كانت بجانبه الأيسر ؛ تحسبًّا من تعرُّق طارئ ، إن أحرجه الأستاذ لسوء قراءة  محتملة ، لا سيما وهو يواجه النص  للوهلة الأولى،أو إذا عجز عن إجابة سؤال ،غير متوقع يلقيه عليه، شيخ الحلقة الكبير  ، وهو  العلم ُ الكبير  الموسوعي الفذُّ ،من طراز الأستاذ عباس، ولعلَّ زميلَنا  تمنَّى  أن يكونَ قد قضم قبل هذه البليَّة ، سكَّرا فضيًّا ، كما أبلغنا بعد قرأته المشهورة، أمام أستاذنا عباس ، وفتحَ صفحةً من وسط الكتاب ، وظنها فَتحةً أنموذجية ،  وصار يُقلقلُ  في القراءة  حينا، و يدغم ما يحسنه من ألفاظ  عبارات؛ لقيتْهُ في فقرات الكتاب ، يقلقل كأنما يقرأ في كتاب الله ، وعلت شفتيه علاماتُ الإشمام، وصارت  تعتوره همزاتُ الوصل والقطع حينا  ،وعلاماتُ الترقيم ، حينا آخر، وشابَهُ ضعفٌ واضحٌ  في تفسيرِ النصوص ، كما صار ينظرُ إلى سقف المكتب، بين الفينة والأخرى، والأستاذ ينظرُ إليه، لعله بنظرُ في الكتاب المتمركزِ برجفةٍ  بين زنديه ،  ليجيبَ عن أسئلة  مفترضة ، و بدأ يجتهدَ في تحليل النصوص، من خارجِها ، بدلا من أن ينظر في شبكة علاقات النصوص من دواخلها ، ليعرفَ ما يقوله بحق  وكيف يقول  ،فصُدِم الأستاذُ عباس ـرحمه الله ـ وهو العالم الجليل  ـ  وقال له "أهكذا يُقرأ الكتابُ  يا بُنيَّ ، لِمَ لمْ تقرا المقدِّمة ، أو الملخصَ إن وجد  أولا والخاتمة،  وفهرس الموضوعات إن وُجدتَْ ثانيا ،ثم تختارُ ما تريدُه بعناية ودراية ثالثا ، دون أن تأخذَكَ في الحقِّ لومةُ لائم ،  ثم أعرض الحسنات يا بُنيَّ  أولا، ثم أبرز ما تراه من سلبيات ثانيا ، فأنت حكم "ستكتب شهادتهم ويسألون " واتق الله في ما تنقده ، فانَّ إحدى  يديَّ  كاتب الكتاب هذا  في التراب، والثانية  ها هي أمامنا  قي هذا الكتاب ، وأضاف احد الطلبة مازحا :"وإلا نلت يا أخانا  القارئ شر عقاب " فابتسم الأستاذ عباس ثم أكمل حديثه :"واعلم يا بُنيَّ، أن من ينهج هذا النهج في القراءة ،فانه لا يستفيدُ  ولا يُفادُ منه ،مثلهُ كمثلِ من بُعصَبْ على عينيه ،ويُلقى في مكان لا بعرفه، وما إن يُكشفُ عن عينيه،  وُيسألُ أين أنت؟ فيقول :"ها ، ها  ،لا ادري ، وانَّ من يتصدَّى لدراسات الأدب من علماء  النحو خاصة  ـ وهم كثر ـ فيجب أن يطلع على نوافذ اللغة المختلفة ، في شبكة علاقاتها ،فالنحو وحده نافذة واحدة ،تطلُّ منها على النص ، ولكنك لن ترى منها وحدَها أبعاد النص الأخرى، وما تحليلُك هذا  يا بني بكافٍ "    

*****

لقد نسب إليَّ الدكتور القيسي  قولا لم اقله عن الجاحظ "بأنه مفكر وأديب وعالم" وان كان هذا صحيحا ،لكني لم اذكره في كتابي، فكتابي منشور يؤكِّدُ ذلك ،فأمانة النقل واجبة مضطردة ،وكنتُ أتمنَّى على الدكتور الناقد ، أنْ يُعرِّف بالكتاب؛ ـ فهو أمانة في عنقه ،ـ بأنه من بحثين أحدُهما عنوانُهُ" السيميائية "عند الجاحظ،، والثاني عنوانه " التجربة عند الجاحظ "  والبحثان منشوران في اعزِّ مجلتين أردنيتين  هما "دراسات" الأردنية "والثاني في "مجلة اللغة العربية "في مؤتة ، ولهما ملخصان منفصلان ، في اللغتين العربية والانجليزية، الأول في الصفحة (13) الثالثة عشرة والثاني في الصفحة  الرابعة والثمانين ((84) ،ـ  وان كان النشرُ ذاك لا يمنحهما  درع الحصانة عند القرَّاء  ـ أمَّا ملخَّصُ الأولِ فيبيِّنُ أبرزَ نتائج الدراسة عن السيميائية  ـوليس كما ذكر الدكتور القيسي في دراسته ـ وعليه فدارت مقدمة الدراسة  على  أن مصطلح  السميائية عربيٌّ لا غربيٌّ  ، وانَّ  العرب  عرفوه بمعنى العلامة، وقد  اعتمدنا على النصوص الشعرية عن السيماء والسيمياء بالمد والقصر، والمعنى واحد تماما كما ورد المعنى عند الغربيين من أمثال دوسيسر وغيره ،ممن ذكروا معناه "سيمولوجي "وسيمانتك "وهما بمعنى واحد أيضا  ، هو علم العلامات، وقد عرفناه في الصفحة ا(16)أما التزيُّدُ بالمراجع الأجنبية  التي يستكثرها  عليَّ الدكتور القيسي،  بل يعدها حشوا ،وأحيانا في ختامه المسكي "جعجعة لا طحن فيها " فإنها دراسة مقارنة بين مفهوم السيميائية عند العرب، وهم الَّسبَّاقون لمعرفة المصطلح ،و أعلام السيمائيين الغربيين الذين قالوا في المصطلح قبل نحو قرن ونصف من الزمان، وادَّعوا أنهم مبنكروه ، فكان لزاما  عليَّ أن أقارن بين العرب والغرب ؛ ممن كتبوا فيه  لأعرف الحقيقة ، وهي ضالتي المنشودة ،وعلى ذلك فليس من حشو  في ما ذكرت خلافا لما تفضَّل به الناقد الكريم، أما تزيُّدي في مادتي "وسم "و"سوم "اللتين تدلان على معنى العلامة والإشارة من نصوص قرآنية ،فليستا  من باب فقه اللغة فحسب، بل لتعدد المعاني وتوزيعها على  النبات في" تسيمون" من"وسم " وعلى سمات رجال الأعراف يوم القيامة ، وعلى علامات النفاق إذ سماتهم  تعرف  بلحن القول، ومن دلالات "سوم "تعرف وجوه أهل النار المسودة ، وسمات الفقراء المؤمنين ممن لا يطلبون الناس إلحافا ، ومن "سمات" المؤممين علامات في وجوههم لكثرة السجود ،  وقد أديرت معاني "سوم" على الإنسان والحيوان والجماد ، وكان كل ذلك ليس من نافلة القول، أيها الناقد الكريم ، وما ذكري شيئا منه يغني عن الباقي ،  وأوردت معانيهما  على  متعدد، من نحو"سوم "التي منها  : التعذيب النفسي إذ سلم فرعون بني إسرائيل سوء العذاب "من مادة "سوم ""يسومونكم سوء العذاب ، يذبحون أبناءكم ويستحيون نساءكم "ومن سوم تدار على الملائكة المسومين يوم بدر ،وتدار "سوم" على الخيل المسومة من الإنعام "وهي المحجلة  "ومن سوم يدار على الحجارة الني قُذفَ بها قومُ لوط "وليس من حقي تكذيبُ علماء التفسير، دون دليل ، لكنَّ من حقِّي أنْ أتساءلَ "وما يدريك أيها الناقد الكريم أنَّ الحجارة التي قُذفوا فيها ظلَّت في أجسامهم ،وقد تحللت فبهم مع عظامهم، لا سيما وهي من  طين منضود، فعادت إلى التراب ، وما يدريك أيها  الناقد الكريم ، أنَّ انجرافات قد نقلتها إلى مواقع أخرى، أو ما بدريك أنها تحللت  مع من خسف بهم في قرية لوط  ؟ ثم لو جرَّبتُ  أن أتوقَّفَ عند كلِّ قضية من مثل هذه التي تطرحها ، إذا لقادني البحث  إلى حلقة مفرغة ، يتشتت فيها البحث ويفسده التخمين ، كما تفسده الظنون دون إثبات علمي، فالبحث أيها الأخ النبيل ، هدفه البحثُ عن الحقيقة حسبُ، لا رجما بالغيب، لأنه لا يعنيه في بحث أكاديمي، تحترم فيه آراء النقدَة وعقولُهم ممن يُرسل إليهم ، و ولو أخذتُ بدراستك  أيها الفاضل ، لقادني إلى  تشكك في ما وصل إليه المفسِّرون، وماذا افعل عندها ؟ وما عندي من ردٍّ  علمي حاسم، فيذهب البحث حيران ؛ بين حيص بيص ، لكن هذا لا يمنعك أيها الناقد الطيب،  أن تقوم  وحدك بدراسة منفصلة ،طالما أن الموضوع راقك للبحث فيه ، لا سيما  أيها الأخ  الكريم، أنَّ لك اجتهاداتٍ  في تفسير بعض آيات الله ، كما في ملحوظة لك قد صححتَ بئرَ ماء إلى نبع في غار، في زيارة شخصية لك ، وأنت تتحدَّثُ عن إسقاء الرِّعاء، من ماء في عهد النبيين الكريمين  شعيب  وموسى عليهما وعلى رسولنا أفضل الصلاة والسلام ، هذا إن كان النبعُ هو المذكور، وكلُّها أيها الأخ النبيل، دراسات افتراضية، ليس من السهولة إثباتُها وإقناعُ الآخرين بها ، وان كان من حفِّنا أن نشك، لأننا موجودون "على ما يقوله ديكارت "، فالشكُّ هو أولُ خطوة للتجربة، واثبات الحقيقة باليقين  ،التي نسعى إليها ، وقد استحسنتُها منك من جهة،وأخذتُ عليك  من أخرى بعض الهنات الطباعية واللغوية، ـ كما يمكن أنْ تأخذها عليَّ الآن ـ ولا ادري أطلعت عليها أم لا؟ وما الوقوف الطويل عند مثل هذه القضايا ،الا استطراد ، فد برفضه  المحكِّمون ؛لطوله ، ذلك لأنك إنْ شككتَ فعليك إثبات ما تشكُّ فيه، وإلا عدُّوه  تكذيبا للعلماء دون دليل ، أمَّا إن كنتَ ترغبُ  في دراسات أخرى، فلك ذلك ، أمَّا  إعجابك بأسلوب  الجاحظ  ،حتى  تكادَ ترقصُ طربا لو نقلتُ أنا  أسلوبَهُ كما هو، فلك رأيك،أمَّا  أنا فأتخشي الإطنابَ والاستطراد، مما لا يطيقه البحثُ ، بعد أن  وجدتُ ضالتي في لغة الإشارة بين القط والفأر ، وحسيُكَ من طوق أحاط بالعنق، أُّيها  الأستاذ الكريم، أمَّا لو أردتُ أن انقدَ كلَّ ما في النَّصِّ ،فستجدني انقله حرفيا، وبأمانة  شأني  في نحو صفحتين في تجربة الجاحظ التي أغفلتَََها  أيها النبيل، وأرجو الا تكون عامدا(ص84)، إذ خلصتِ الدراسة ُإلى  تجربة صديقِ الجاحظ ، مع كلبه، وأبرزتْ خمسةَ مبادئ من علم النفس التجريبي الحديث  للجاحظ ـ رحمه الله  بالمعنى لا باللفظ ـوهي؛ النعمبم ، والتدعيم، والتمييز، والنكرار،  والانطفاء ، وكان ينبغي عليك  أيها الناقد المتصدي للكتاب، الإشارة إليها ،لانَّ المحكمين الأمناء  الذين اطلعوا على البحث عدوا البحث أصيلا ، وهي من مبادئ علم النفس التجريبي ، والملخص باللغتين كما هو مدرج بالكتاب، وهذه التي حددها الطبيب الروسي بعد الجاحظ ، باثني عشر قرنا ، ولعلك لو اطلعت على مادة "pavalov " على ، google لوجدتَ تجربنه على  كلب، ونتائجه لا تختلف كثيرا  عن نتيجة الجاحظ ،الا باللفظ تقريبا والمعنى واحد، برغم من الفرق الزمني بينهما ، يقدر بحوالي ألف ومائتين من السنين ،لقد أدرجتُ نصَّ الجاحظ حرفيا  في دراستي ووقفتُ عند تجاربَ جزئية ، كان ينبغي عليك أيها الناقد المحترم  للمرة الثانية أن تشير إليها، وهي مدرجة في الملخصين العربي والانجليزي، ونهضت الدراسةُ كلُّها على التجربة المذكورة ، وكانت التجاربالمذكورة  تمهِّد لدراسة إبداعية نهض بها الجاحظ رحمه الله تعالى  ، وقد  احرز قصب السيق ، وكان فيها الفرس المجلي ، وما هذه الدراسة  التي وصفتها بجعجة دونما طحن أيها الناقد الطيب ، إذ سبق الجاحظ  علماء النفس التجريبيين كما أشرتُ، وقد عدَّها بعض المحكمين من البحوث الأصيلة التي تقدم للعلم جديدا ، وقد نشر ملخص هذه الدراسة على شبكة آرام التي تصدر في السويد ، فالجعجعة كانت بطحين وصل قوته إلى أماكن مختلفة منها الذي ذكرت ، أما دراستك يا زميلي في رابطة الأدب الإسلامي، فتميلُ نحو إعجابك بأسلوبه كما تسمِّيه "المرقص"، فهذا شانك ، والأسلوب الذي أعجبك ليس في إطار موضوع بحثي، لأني أتقيد تماما بموضوعي، ولا أحيدُ عنه ،الا لصالحه في معلومات مبتسرة لا تفصيلية ، و الا أتشتَّتُ في ما يحلو  لي على جنبات البحث الذي أسوقه إلى غايتي ! أما  إعجابك  بأسلوب الجاحظ المرقص  فذاك شانك ، أما  أنا  فتجربتي  مدرسا عبر عشرين سنة وما زالت  لأدب الجاحظ ، وقد قرأ من نصوصه المختلفة  طلبة كثار ، من ذكور وإناث، بأصوات الجنسين،  في كليات مجتمع أردنية ، وجامعات أردنية ويمانية ، فلم أشاهد أحدا  منهم رقص لما  قرأ  أيَّ نصٍّ من نصوص  الجاحظ،، ولا حتى  لما قُرئ عليه ، أما رقصُكَ يا أخي ،  عند سماع أسلوبه ، فمسالة شخصية ذوقية ،يمكنك أن تدرس بحثا بالعنوان نفسه، أو تقرا وترقص كما يحلو لك  ، لقد حذفتُ شيئا مما قاله الجاحظ ،وذكرتُ ما يعني النصَّ حسب ، وهي لغة الإشارة التي يوظِّفُها القطُّ في الأرض إلى الفأر في السقف، كما يفعله بعض أساتذة النحو من أمثال حضرتكم ، في قصر سؤالهم على إبراز  الشاهد النحوي، دون الحاجة إلى  أن يذكروا كلَّ ما ذكر في درج السياق ، اختصارا وتوفير وقت وجهد ، أما  قولُكَ  الذي أخذتَهُ عليَّ لأحلل نفسية فأر، لأزعم أنه مصاب يشلل الأعصاب، وغير ذلك من شطط القول، فهذا يحتاج إلى إثبات علمي، قد أعجز عن الإجابة  عنه، وقد يُتندر  بي، لأني لستُ من أهل الاختصاص فيه ، ورحم الله امرأ عرف حده فوقف عنده ، أما  لو قلتُ مثلَ هذا  أيها الأخ النبيل، لعدَّه  المحكِّمون ، من غرائب   التندر ، أو  من باب الهرطقات، وقد يُرفض البحث ونشرُهُ ، فأعودُ بخفيَّ حنين ، لانَّ هذا من اختصاص أهل الطبابة  لا من اختصاصي.

وأخيرا ، فتحياتي لك، أيها الناقدُ المجتهد ، فقد فُزْتَ بأجر على الأقل، بإذن الله، واللهُ يضاعف لمن يشاء ، و أرجو أن تشحذ قلمَك للدراسات النقدية في الأردن، حرْصا على أمانة العلم ونقدهِ وتنقيتِه من الشوائب، وانْ يتَّسعَ صدرُك للردود، لانَّ في كتاباتنا معا سعيٌ جادٌّ ، لنقد الدراسات ونقد نقدها ،إثراء للفكر والعقل معا ، إكراما  لرسالة الإسلام الداعية،إلى تمثُّل الفعل الأمري  الإلهي  "اقرأ"وتصاقبه "ارق"وهو  الذي أظنُّ  أنَّا  نسعى معا  على حفافيه، لاستنهاض حركة نقدية جريئة وصحيحة ، دون أن  نغمط  حقوق المؤلفين . والله ولي التوفيق .