شعراء في مواجهة الطغيان
ألف شاعر عربي واجهوا القمع والتعذيب والسجن والنفي والمطاردة !
( شعراء في مواجهة الطغيان )
• شعراء مصر والعراق وسوريا أبرز من واجهوا الأنظمة الديكتاتورية والقمعية.
• (الفرزدق والمتنبي وفاروق جويدة) من شعراء البلاط المرضي عنهم!
• حافظ إبراهيم قضى حياته على المقاهي ،وأمل دنقل عاش على الأرصفة!
• نزار قباني ويحيى السماوي ودرويش وأحمد مطر أبرز شعراء الرفض في العصر الحديث .
عرض: سيد سليم سلمي
كأن هذا الكتاب يحوي " قماقم سليمانية " لا تزال الأرواح والوجدانات محبوسة فيه حتى تفك أرصادها ، على وشك أن تنطلق من معقلها وتنشب في قارئها ، فترديه صريعاً ، كي تستعيد حياتها مرة أخرى .. ولو كانت تلك الوجدانات والعواطف تجيش في صدر الكِتاب كما كانت تجيش في صدور أصحابها الشعراء لأحرقت صفحاته وجوه القراء من شدة اللهيب المنبعث منها ، ولأصمّ آذانهم الصراخ والأنين والأزيز الصادر من أحشائه ، وفتّت الأكباد ما ينبعث منه من الآلام والأحزان والمظالم ، وحجب شعاع الشمس ذاك الدخان الكثيف الذي يتخلل القوافي والأوزان !.
بهذه المقدمة افتتح – المؤلف – كتابه ( شعراء في مواجهة الطغيان )!.
صندوق الشكاوى ودفتر المظالم !
نعم .. إن هذا الكتاب – بمثابة – صندوق للشكاوى ، ودفتر للمظالم ، وسجل روّاد المصحّات النفسية والسجون والمعتقلات ، ومستودع للدموع والهموم والأحزان .
هذا الكتاب – كما يقول مؤلفه - : أشبه بساحة مصارعة ، ومحكمة علانية منعقدة ، تتبادل فيها الاتهامات بين الظالمين والمظلومين ، بين المفترِين والمُفترَى عليهم ، بين الطغاة المسلحين والمستضعفين العزل . وذلك كله في ثوب أدبي قشيب ، من خلال صفحات التاريخ ، لاستخلاص الدروس والعبر .
( شعراء في مواجهة الطغيان ) هو أحدث وأهم كتاب ثقافي صدر عن " دار المريخ للنشر " في القاهرة – الآن – لمؤلفه الصحافي والأديب " محمد عبد الشافي القوصي " .. حيث يتساءل – المؤلف – بحسرة وألم شديد عن الأسباب التي أودت بحاضر ومستقبل أمتنا إلى الحال الذي نحن فيه ، رغم رصيدنا التراثي الأدبي والفكري الذي لا تستطيع أمة من الأمم أن تطاولنا فيه أو تنازعنا الريادة .
فيتساءل – المؤلف - : أين الخلل ؟! لماذا فشل كل هذا الإنجاز الثقافي ، وكل هذه الثروة الفكرية التي هي أغلى من سائر الكنوز والمجوهرات ، في أن تخرجنا من أزمتنا الحضارية ، وأن تنتشل أشلاء بقايانا من تحت الأنقاض ؟ وما هو سر تأخّر العرب والمسلمين ؟ ولماذا نهضت كل الأعراق والكيانات البشرية وقامت لها قائمة إلا الجنس العربي ؟ وما هي أسباب أزمة العقل المسلم ؟ ولماذا تأخر المسلمون وتقدم غيرهم ؟ وماذا خسر العالم بانحطاط المسلمين ؟ لماذا صرنا عبيداً بعد أن كنا سادة ؟ ولماذا صارت أمة ( سيد الأنام ) في مؤخرة الأمم وذيل الحضارات ؟
وكيف انفرط عقد الأمة بهذه الصورة المشينة ؟ ولماذا ترهّل كيانها على هذا النحو المأساوي .. حتى ضحكت من جهلها الأمم ؟! ولماذا أصبحنا عبئاً ثقيلاً على الناس وعالة على الآخرين .. هذا يتصدّق علينا بفتات الموائد ، والآخر يجود علينا ببقايا الدواء ؟!.
لقد أدرك – المؤلف – أن الأزمة تكمن في ( أنظمة الحكم ) الجائرة التي أنشبت أنيابها عبر حقب تاريخية طويلة ، وعن طريق ثورات رعناء ، وأنظمة ديكتاتورية حالت دون حدوث أي نهضة أو إصلاح ، بسبب تهميشها ومطاردتها وتصفيتها للصالحين والمصلحين من أبناء الأمة ، وعزلهم عن مواقع الريادة والتأثير ، حتى يخلو الجو لحواشي السلطان وحواريه وجواريه من المتسلقين والمنافقين والأدعياء الذين هم – بمثابة – اليد اليمنى من الطغيان !. الحلقات المفقودة !
لذا ، جاء - هذا الكتاب - ليكشف عن بعض جوانب الأزمة ، ومواضع الخلل ، والحلقات المفقودة بين الرعاة والرعية ، أو بين الأنظمة والشعوب ...
وكما يقول المؤلف : ليس معنى ذلك أن هذا كتاباً سياسياً يتحدث عن قيام الأمم وسقوط الحضارات وما كان من شأن الحكام والولاة والعبيد والخدم . كما أنه ليس كتاباً أدبياً صرفاً ككتب النقد المدرسي التي تتحدث عن الشعراء وعصورهم ومذاهبهم وأغراضهم الشعرية . وليس هو كتاباً فقهياً يعني بالمرويات والأحاديث والعنْعنة والإسناد .
يتكون هذا الكتاب من أكثر من 400 صفحة من القطع الكبير ، وقسمه - المؤلف – إلى خمسة فصول بعد المقدمة ، هي على النحو التالي :
رسالة الشعراء
رسالة الشعراء ، كناسة الشعراء ، الشعر السياسي ، شعراء المعارضة ، قصائد لها تاريخ.
في الفصل الأول يعرف المؤلف ( الشعر ) بقوله : هو الثورة العارمة على العادات الراكدة ، والتقاليد الوافدة ، والجهل والغش والخداع والفوضى ومخلفات عصور الاستبداد والانحطاط .. والشعر هو الغناء الحار للبطولة .. فهو وقود الثائرين ، ونشيد المجاهدين .
والشعر – بمثابة – العصا ، والرمح ، والسيف ، والرصاصة ، والبندقية ، والريح التي تقتلع البيوت والأشجار ، والبركان الذي تتطاير منه الحمم ، والزلزال الذي لا يبقي ولا يذر ..!.
ويرى – المؤلف – أن الأدب عامة ، والشعر على وجه الخصوص ، ليس كلاماً منظوماً ، أو سطوراً مرصوفة ، ومقطوعات وحواشي ، وأوزاناً وقافية ، أو صوراً بيانية ومحسنات بديعية ، كما يتوهم المتوهمون. إنما الأدب لابد أن يكون أولاً أدب مسئوليات ضخمة تجاه الإنسانية .
أما عن تعريفه للشاعر ، فيقول – المؤلف - : هو الأديب الثائر ، والمبدع العبقري ، والفيلسوف الواعي ، والخطيب المفوه ، والعالم النحرير ، والمصلح الاجتماعي ، والإمام الذي يتقدم الصفوف ، والمجاهد في سبيل الحق والعدل ..
وهو المحارب الذي لا تلين قناته ، والفارس الذي لا يترجل أبدا ...!.
فالأدباء والمبدعون والشعراء قادرون – بالتعاون والتحاور – على قيادة المجتمع المعاصر إلى بر الأمان ، ومرفأ النجاة ، وانتشاله إلى شاطئ السلامة .
بل ينبغي على الأدباء والشعراء السعي إلى تكوين رأي عام عربي وإسلامي يمثل القاعدة الجماهيرية العريضة من الشعوب التي هي منوط بها تحرير الأوطان المغتصبة ، واسترداد الكرامة المهدرة .
بل إن واجب الأدباء والشعراء – كما يقول المؤلف - تهيئة مناخ عام عالمي يؤمن بوجود الأمة العربية الإسلامية وبعدالة قضاياها وأهمية رسالتها الحضارية بين الأمم . وتحرير " الآخر " من العقد المزمنة والأكاذيب والأباطيل التي علقتْ بذهنه منذ العصور الوسطى ، والتصدي للدعاية الصليبية والحملات الإعلامية الصهيونية ... لابد من تهيئة رأي عام يفسح صدره لعودة الحق إلى أهله ، وظهور القوة الإسلامية بجوار القوى العالمية الأخرى ، مدركا أن من حق العرب والمسلمين أن يحكموا أنفسهم وفق عقيدتهم ، باعتبارهم أغلبية في بلادهم ، كما تنادي بذلك مبادئهم الديمقراطية التي يتغنون بها ، وأن من حقهم أن يدعوا إلى رسالتهم الإنسانية العالمية ، باعتبارها إحدى الأيديولوجيات الكبرى في العالم التي لها ماض وحاضر ومستقبل ، ويدين بها أكثر من مليار مسلم على ظهر الأرض .
المعارضة المغرضة
وعند حديثه عن ( شعراء المعارضة ) ، يقول المؤلف : لعلّ أسوأ طوائف المعارضة أولئك الذين يعارضون من أجل المعارضة ، أو الذين يتلهفون على مقاعد السلطة ويسيل لعابهم من أجل كراسي الحكم ، فإن أُعطوا منها رضوا وإنْ لم يُعطوا إذا هم يسخطون !. ومعارضة هؤلاء معارضة حقيرة الهدف وخسيسة الغاية ، لا نوافقهم فيها إطلاقاً .
كما يرفض – المؤلف – المعارضة التي تضعف الدولة أمام خصومها ، وقد تهدد وجودها ورسالتها ، ويصفها بأنها معارضة مشبوهة ومغرضة وسيئة بلا ريب . وسائر العقلاء يرفضون أيّة معارضة من هذا القبيل .
التحليل النفسي لشعراء الرفض !
وعند حديثه عن ( خصائص شعراء المعارضة ) يحدثنا – المؤلف – حديثاً عذباً ومشوقاً للغاية ، لا يتمالك القارئ نفسه من فرط الضحك والقهقهة .. فمثلاُ يقول :إن المتأمل في ( شعر المعارضة ) يلحظ أنه يمثل قاسماً مشتركاً بين شعراء العربية كلهم ، فلا نكاد نجد شاعراً برئاً من هذا المرض أو رُقي من هذا السّحر ، بل أُصيبوا كلهم بإصابات بالغة ، ولُدغوا من نفس الجحر مرات ومرات ، وكأنهم ولدوا في جحر العقارب والأفاعي ، فما من شاعرٍ منهم إلا اكتوى بناره ، وتلظّى بسعيره ، ودفع ضريبة ما جناه عليه لسانه ونفسه الأمّارة بالشعر ، ورغم ذلك يُصرّ الشاعر على معصيته ، فلا رجوع ولا إقلاع ولا ندم ولا استغفار ، بل اقتراف المزيد من الذنوب والأوزار التي تصل إلى حد " المعلّقات " ، كما فعل الكُميت الأسدي ، ودِعبل الخزاعي ، والعرجي ، وأبو نواس قديماً ، وكما فعل عبد الحميد الديب ، والجواهري ، والبردوني ، وأمل دنقل ، ونزار قباني ، وبلند الحيدرى ، وأحمد مطر ، وغيرهم في العصر الحديث .
و( شعر المعارضة ) هو - في الأغلب - نتيجة أو ردّ فعلٍ من الشاعر للظروف الاجتماعية المحيطة به ... فقد يكون الشاعر مظلوماً ، أو مضطهداً ، أو خلاف ذلك من المآسي الحياتية التي تحيط بهم .
و( شعراء الرفض .. أو الشعراء المعارضون ) لا تجمع بينهم أزمنة بعينها ، ولا أمكنة بذاتها ، فهم متناثرون أو متفرقون في سائر الأزمنة ومختلف الأمكنة ، وإن كانت بعض الحقب الزمنية تشهد أسراباً منهم وأفواجاً غفيرة ، وتضجّ بهم الحياة ضجاً ، كتلك الحقب التي يسوسها الحكام الجبابرة والطغاة الذين يفسدون في الأرض ولا يصلحون .
و( شعراء المعارضة ) – في الغالب – لم يكونوا متصالحين مع المجتمعات التي عاشوا فيها ، بل عاشوا منبوذين فيها ، لأنهم عادة لا يعيشون في الحياة ، ولكن يعيشون ضيوفاً على الحياة !.
و( شعراء المعارضة ) مُسيّرون لا مُخيّرون في هذا الأمر ، وأنهم مُساقون إليه سوقاً ، ومدفوعون إليه دفعاً ، ربما بسبب طبيعتهم النفسية القلقة ، أو بفعل شياطينهم المردة ، أو من قسوة الحياة ، ووحشية المجتمع ، وعقابيل الطريق الوعرة التي يسلكونها رغماً عنهم !.
( شعراء المعارضة ) – دائما – يظلوا في بؤرة الأحداث ، ويحظوا بسمعة واسعة الانتشار ، لكن الكتابة أو الحديث عنهم لا يكون في الوسائل والقنوات الرسمية ، إنما يكون على استحياء وفي السهرات الخاصة ، كما أن الحديث عنهم كثيراً ما يأخذ طابع التهكّم والسخرية والتقليل من شأنهم .
( شعراء المعارضة ) لا يُحسنون الدبيب إلى القصور ، ولا يتقنون التسرب إلى الطبقة العليا في المجتمع ، لأن مثل هذه الأماكن تحتاج إلى نوع من المرونة واللباقة الاجتماعية أو ما نسميه " الخبث " ، وهؤلاء الشعراء غير مؤهلين نفسياً لأداء هذا الدور.
( شعراء المعارضة ) تغلب عليهم روح التمرد أو الثورة ، وقد ساعدهم هذا على أن يكونوا خارجين على الأنظمة ، أو غير منتمين إليها ، وإذا انتموا فإن غالب انتمائهم يكون للأنظمة والأحزاب المشاقّة والمكايدة للأنظمة القائمة ، ويكون انتماؤهم كذلك للكيانات التي تضع " العدل الاجتماعي " في برامجها من قريب أو بعيد( شعراء المعارضة ) يبدون ككتيبة من العُصاة ، فقد أجبرتهم الحياة بصفة عامة على أن يعبروا عن القلق والفقر والهروب والموت والأشياء القريبة التناول ، ولهذا يعتبرهم النقاد من رواد " الواقعية العربية " فقد كشفوا عن الشاعرية الكامنة في الأشياء البسيطة ، واقتربوا من لغة الحكْي ، وتنبهوا بشفافية إلى المرئيات التافهة ، وأخذوا من الحياة شرائح ساخنة ، ثم عبروا عنها من خلال نفوسهم .. ومن خلال نظرتهم الخاصة للحياة .
( شعراء المعارضة ) يهتموا اهتماماً خاصاً بظاهرة الموت في أشعارهم ، لأنهم يشعرون أنهم أبناء الموت ، وأن حياتهم دائماً في خطر ، ومن ثم فإن خلاصهم الحقيقي لابد أن يكون خارج الحياة لا داخلها ، وهم في الغالب لم يمارسوا الحياة في " دائرة الأدب " وهكذا عاشوا يتامى في الحياة ، وفي الوقت نفسه كانوا مطالبين بالحصول على " تصريح إقامة " داخل مناطق بعينها في المجتمع .
( شعراء المعارضة ) لا نجد عندهم – أحيانا - محاولة للعودة إلى مسقط رءوسهم في حالة الاغتراب أو النفي – مهما أظهروا عشقهم لمنازلهم وتباكوا عليها في أشعارهم ورسائلهم - ، فسرعان ما نراهم يندمجون في المجتمع الجديد ، لأنهم يجدوا أمنهم فيه ، ولا أدلّ على ذلك من الجواهري ، وبلند الحيدرى ، ومظفر النواب ، ومحمود الدغيم ، وأحمد مطر ، وغيرهم ممن قضوا أعمارهم في المنافي والشتات .
( شعراء المعارضة ) لا يميلون إلى الغزل أو النسيب ، فطبيعتهم الجادة ، تمنعهم من ذلك ، أو أنهم غير مؤهلين للتعامل مع النساء ، فلم تلفت انتباههم المرأة في الحياة .
( شعراء المعارضة ) لا يعتمدون الثرثرة الفارغة أو الإطالة الممجوجة في قصائدهم ، كشعراء المدائح ، بل يعتمدون على الإيجاز في الألفاظ وتكثيف المعاني قدر المستطاع .
( شعراء المعارضة ) لا تظهر قصائدهم في حينها - في كثير من الأحيان - ، ولا تُسمع في الموطن الذي وُلِدتْ فيه ، وربما لا يُعرف صاحبها ، وقد تُنسب إلى غيره ، إذْ يغلب عليها صفة الكَتْمْ ، فهي من الممنوعات أو المحظورات ، فهي أشبه بالديناميت ، أو كأنها زجاجات حارقة وعبوات ناسفة ، كقصيدة " القدس عروس عروبتكم " التي لم يُعرف شاعرها الأصلي سنيناً طويلة ، وغيرها من القصائد الجارحة !.
( شعراء المعارضة ) يلجأون – أحيانا- إلى التعريض أوْ المواربة ، بدلاً من التصريح أوْ الهجاء المباشر، لأن التعريض أهجى من التصريح ، لاتساع الظن في التعريض ، وشدة تعلق النفس به ، والبحث عن معرفته ، وطلب حقيقته ، وأن أجود ما في الهجاء أن يسلب الإنسان فضائله النفسية ، وما تركب من بعضها مع بعض .
( شعراء المعارضة ) يُركّزون في أشعارهم على كل ما يُوحي بالزوال والفناء والقتل ، فلعلّ الإحساس بالفناء والعدم وغلبة التشاؤم هو بمثابة تعبير عن حياتهم البائسة ، خاصة عندما يكون الإنسان مُضيّعاً ، أوْ طريداً ، أوْ منفياً ، وفاقداً للأمل في العدل الاجتماعي أو الحرية أو الديمقراطية التي عاش يحلم بها ويدعو إليها .
( شعراء المعارضة ) تتميز أشعارهم بقوة الألفاظ ، واستلهام رموز التراث خاصة الشخصيات التي تمثلت فيها البطولة والتضحية والشجاعة النادرة ، والصدق ، والعدل ، والأمانة .
( شعراء المعارضة ) لا يجمع بينهم زمان بذاته ، ولا تجمعهم عائلة أو قرية أو مدينة بعينها ، إلا " عائلة الرفض " أو " قبيلة الرجولة " أو " مدينة العصيان " ..فمثلا نجد عمرو بن كلثوم في " العصر الجاهلي " ، والكميت الأسدي في " العصر الأموي "، ودعبل الخزاعي في " العصر العباسي " ، وحافظ إبراهيم في " العصر الحديث " وأحمد مطر في " الألفية الثالثة"!.
في الوقت ذاته نرى أبا القاسم الشابي " تونسياً " ، والجواهري " عراقياً " ، والبردوني " يمنياً " ، وأمل دنقل " مصرياً " ، وعمر أبو ريشة " سورياً " ، ومحمود مفلح " فلسطينياً " .. أوطانهم متباعدة ، وأمهاتهم مختلفة ، ولكن ... رسالتهم واحدة ، وغايتهم مشتركة ... أو كلهم في الهم شرق ! .
( شعراء المعارضة ) تتفاوت مستوياتهم الاجتماعية ، فلا ينتمون جميعاً إلى القبائل ذات النفوذ أو الأسر الأرستقراطية ، وليسوا كلهم من الصعاليك والبؤساء ... فإذا كان عمرو بن كلثوم من قبيلة ركعتْ وسجدتْ لها الجبابرة .. فإن منهم البائسين مثل : البردوني !. وإذا كان نزار قباني عاش في أفخم قصور الشام وأجمل فنادق لندن وباريس ، فإن أمل دنقل عاش ومات على أرصفة القاهرة !.
وإذا كان منهم من ترقّى إلى أعلى المناصب ونال أرفع النياشين كالبارودي الذي عمل وزيراً للحربية ، وكان رئيساً للوزراء .. فإن عبد الحميد الديب لم يجد له أيّة وظيفة طوال حياته ولو بخمسة جنيهات .. حتى طُويت صفحته المؤلمة ! .
كذلك نجد التفاوت البعيد في هوياتهم الثقافية ومرجعياتهم الفكرية ، فنجد منهم القوميين أمثال : السياب ، ومحمود درويش ! ونجد فيهم الإسلاميين أمثال : أحمد محرم ، ووليد الأعظمي! .
وإذا كان بعضهم عاش ملتفاً حول نفسه وحجرته فقط كعبد الحميد الديب ، فإن البعض الآخر حلّق بجناحيه في سماء الأمة بأسرها كعمر أبي ريشة ! .
- وإذا كان بعضهم مهموماً بمصيبة بلده فقط ، مثل يحيى السماوي مع العراق ، ومحمود مفلح مع فلسطين .. فإننا نجد البعض الآخر شاهراً سيفه في كل الجبهات كحافظ إبراهيم ، وأحمد مطر !.
وإذا كنا نجد فيهم الشعوبيين والثوريين والبعثيين أمثال : بلند الحيدرى ، ومظفر النواب .. فإننا نجد فيهم أيضاً العلماء والفقهاء أمثال : الشيخ الغزالي ، والشيخ يوسف القرضاوي !.
وإذا كان أكثر شعراء الرفض أو الشعراء المناوئين قد أُودعوا السجون أو عاشوا في المنافي مثل : الجواهري ، والسماوي ، وأحمد مطر ، ومحمود الدغيم .. فإن منهم من عاش عزيز الجانب موفور الكرامة أو شغل مكاناً بارزاً في الحياة السياسية مثل : الشريف الرضي ، والمتنبي ، والمنفلوطي ، وعبد الولي الشميري !.
وفي الوقت الذي نجد عامة هؤلاء المعارضين ذوي حظ واسع من الشهرة والدويّ كعمرو بن كلثوم ، والكميت ، وحافظ إبراهيم ..فإننا – في المقابل - نجد البعض حُرِمَ من هذا الضجيج ، وانحسرت شهرته مثل : إسماعيل شعشاعة ، وعصام الغزالي ، وخالد سليم ، وعبد الحسيب الخناني !.
وإذا كانت قاعدة شعراء المعارضة من الرجال ، فإننا رأينا – أيضا - الشاعرات المعارضات أمثال : فدوى طوقان ، وعليّة الجعار ، ونوال مهني ، وسعيدة خاطر !.
وإذا كان بعضهم عاش حياة مديدة ووصل إلى أرذل العُمُر ، مثل البرد وني ، والجواهري فإن منهم من طُويت صفحته على عجل ومات مبكراً مثل :الشابي ، وهاشم الرفاعي ، وغيرهم .
ومنهم من كان رافضاً دائماً ، ومعارضاً إلى آخر الخط ، وعلى طول الطريق : كأمل دنقل ، وأحمد مطر ، ويحيى السماوي ، وسميح القاسم . ومنهم من كانت " المعارضة " موقفاً أو حادثة في حياته مثل : الفرزدق ، المتنبي ، فاروق جويدة ، محمود خليفة غانم .. وغيرهم.