في الحافلة

قراءة انطباعية في قصة "في الحافلة"  للأديب  محمد الحسناوي

محمد الحسناوي

[email protected]

بقلم: نعيم الغول

[email protected]

القطة إذا تعرضت لخطر تحمل جراءها بأسنانها، وتنقلها إلى مكان أمين. تمسك الواحد منها في

للقطة دور في القصة يتمثل في عدم الاستقرار الذي ينجم عن احساس دائم بالخطر وهو توظيف متقن.

 عنقه، وهي تشخر وتنخر. قد تصعد به إلى مرتفعات خطرة، وقد تهوي  هي وإياه في منزلقات

لا تلجأ القطط الى اماكن خطرة بحثا عن الامن وارى ان الجملة كلها لم تخدم النص كثيرا

 ومهاوٍ أخطر، وقد تموت بعض هذه  الجراء نتيجة لذلك. مثل هذا حدث للمدرس حامد، فقد نقل

 أسرته منذ سنوات من وطنه إلى عاصمة عربية مجاورة، ثم اضطر إلى  أن ينقلها بعد سنوات إلى عاصمة أخرى، حيث توفيت زوجته الغالية، ووسدها بيديه التراب. 

 ها هو ذا الآن ينقل  أسرته الجديدة من هذه العاصمة (أ) إلى  العاصمة الأخرى (ب)، ومعه بالإضافة  إلى الزوجة سخلتان  »مزنة« و»هبة«.

 الانتقال هذه المرة زيارة لأهل الزوجة  المغتربين أيضاً، ومن يدري فقد تتحول غربتهم إلى استيطان. من حُرِمَ وطنه فإن أرض اللّه كلها تصير وطناً له.

 للزوج حامد ولدان شابان يدرسان في العاصمة (أ)، وابنة متزوجة  في عاصمة ثالثة؛ أمّا الزوجة فلها أب وأخ ممنوعان من مغادرة البلاد، وأمّ وثلاثة إخوة يقيمون في العاصمة (ب)، وأخوان في

كل من (كندا) و(أمريكا). أمّا بقية الأخوات المتزوجات، فإحداهن في فرنسة، والثانية في عاصمة عربية رابعة، والخامسة والسادسة في قطر عربي. هل هي المدنية الحديثة التي سهلت الاتصال والانتقال؟ على العكس – قال حامد لنفسه – إنها  السياسة التي مزقت الأمة إلى أقطار، ثم فرقت أعضاء الأسرة الواحدة تحت كل نجم. والد الزوجة وأخوها الأكبر لا يستطيعان الخروج إلى حيث الأم والأولاد، ولا بقية أفراد الأسرة يستطيعون زيارة الوالد.

لا يزال الكاتب يتكيء على مرجعية المتلقي وهذا اذا لم تكن عنده هذه المرجعية فلن تفهمه القصة شيئا عن سبب عدم القدرة على اللقاء

في الحافلة التي تقل أسرة حامد توجد أسرتان أخريان ومجموعة مسافرين على شاكلة حامد وأسرته المرتحلة. إنها ظاهرة - فكر  حامد - تنتظم  قطاعاً كبيراً من أبناء وطنه، بل تكاد تشمل

 عدداً من أبناء الأقطار العربية الأخرى. لولا الحدود والإجراءات الأمنية في كل عبور لهانت المشكلة. كان الرحالة »ابن بطوطة« في الماضي يعبر العالم الإسلامي من مغربه إلى مشرقه بلا جواز سفر. كان أهل الشمال يهاجرون ويستوطنون في الجنوب. وطن واحد. أمة واحدة. أمّا اليوم.. عض حامد على شفته السفلى. نظر يميناً ويساراً. لم يكن هناك غرباء. مع ذلك بلع ريقاً مرّاً.

 شدّ على حضنه ابنته »هبة« بنت السنتين، كمن يخاف أن تختطف  منه.  بطّأت الحافلة من سرعتها، فتمايل الركاب في مقاعدهم غير المريحة. انعطفت عن الطريق  العام. اشرأبَّ  الركاب ينظرون في النوافذ: »هذه حفر أحدثها  القصف الجوّي«. »هذه  سيارة محروقة«.

 بينما كانت الحافلة تخب في الطريق الترابي  متجنبة مواضع القصف كان حامد يسترجع ذكريات الحرب: أربعة شهور من الحصار الاقتصادي: لا غذاء  ولا دواء. أعقبتها أربعون يوماً من

اين حدث هذا؟ يفترض ان حامد مغترب عن وطنه ومشرد فهل حدث هذا في العصمة التي انتقل اليها  ومن هي هذه العاصمة التي تعرضت لحصار وقصف . واذا كانت الاشارة الى الخروج من سوريا هي الامر الواقعي افلا يجب ان تكتمل الصورة بواقعية المكان الجديد ؟ هل هذه الحالة من القصف والحصار حالة توقعية على اعتبار امكانية حدوثها؟

 القصف الجوي المستمر: نيران تهوي من السماء، ونيران تنبع من نوافير، وبراكين من الأرض.  طائرات. صواريخ. طائرات. صواريخ. شيء لا يصدق.

 قبل وقوع العدوان بيومين  خرج حامد وأسرته من العاصمة إلى الريف على مسافة مئتي

أي عدوان و أي عاصمة؟

 كيلومتر تحسباً للأخطار. قنابل  ذرية. قنابل كيماوي مزدوج. نزل ضيفاً على أحد  إخوانه  في

ما المقصود باحد اخوانه؟ اشقاء ، اصدقاء ، اعضاء حركة ام ماذا؟

الليلة الأولى، ظنَّ الأمر مؤقتاً، ولما كثر الضيوف انتقل إلى بيت أخ آخر في الليلة الثانية، ثم اضطر  إلى المغادرة إلى بيت استأجره  في الليلة الثالثة. بعد منتصف الليل استيقظ هو زوجته على أصوات القصف الجوّي للعاصمة. أصوات دويّ هائل وانفجارات. تتناهى من بعيد. أفق  السماء الليلي فوق العاصمة نهار أرجواني. خربت العاصمة عن آخرها بالتأكيد - فكر حامد - الجسور. المصانع. المساكن. المدارس. الجامعات. المكتبات العامة. المساجد.  الأطفال. النساء. تحسس أطفاله وأبناءه: مجاهد. يمان. مزنة. هبة. كلهم سالمون،  لكن ما الجدوى إذا مات الناس، كل الناس الطيبين؟!  تخيل الكارثة. لم يستطع التخيل. وضع يده اليمنى على صدغه. كأن جيشاً من النمل الخفي يجري في أوصال الشعر. ماء بارد. الليلة باردة. النجوم تنظر من بعيد، كأنها عيون فقأها الرَّصاص.

في الضحى تحسس الأخبار، العاصمة لم تدمر. انقطع الماء والكهرباء عنها. سكان العاصمة  ينزحون إلى الأرياف. على كل حال نحن في الريف. لكن  لا ماء ولا كهرباء أيضاً. لا بأس. النهر قريب.  مصباح النفط يكفي في الريف. ما بقي من الغاز يكفي للطبخ والخبز وإلاّ فالأشجار اليابسة كثيرة. لكن إلى متى؟! طالت أيّام القصف. يخف نهاراً ويشتد ليلاً. كان حامد  وأسرته يسمعون أصداء القصف من بعيد، وأخبارها  في أجهزة المذياع. ثم صاروا  يسمعونها تقترب منهم شيئاً فشيئاً. فجأة بعد منتصف الليل صار القصف  فوقهم. يا لطيف! صاح الزوجان. بكى الأطفال شهق الشابان.

 -  إنهم يضربون أهدافاً قريبة منا. لا تخافوا. (قال الأب مطمئناً).

 - ماذا يوجد قربنا؟ (صاحت الزوجة مستنكرة خائفة).

 - لا أدري. ربما كانت  هنا قواعد صاروخية متحركة (قال الأب).

 -  نعم شاهدت البارحة قاعدة بجوارنا (قال الشاب الأكبر).

 مع الأيام صار القطر كله مستهدفاً: رجال  البادية، حيواناتها  أيضاً. ومع الأيام تآلف الناس  مع الخطر، مع قلة الماء، وشح البنزين وغياب  الغاز  والكهرباء. لما تساوى الريف والمدينة، وطالت أيام القصف عاد الناس إلى العاصمة، حيث بيوتهم وأسرّتهم.يموتون فيها أو يحيون. عاد حامد  وأسرته أيضاً. لم يعد يتأخر خارج البيت. منذ أول المساء يدخل  ولا يخرج. الزوجة  الشابة ترتعد ساعة القصف الذي  لا يكاد يقف حتى يستأنف. الزوج يذكر اللّه. الطفلتان تتساءلان بنظرات زائغة. يحاول الأب التفسير. بنته التي في سنتها الرابعة من  عمرها لا تفهم. لا تستوعب. يحملها على يديه  إلى النافذة. يرفعها إلى أعلى كيما  ترى الشهب النارية الصاعدة والهابطة، تخترق الظلام الدامس في الأفق القريب والبعيد.  شبكة ضوئية عجيبة  وضوضاء راعدة أعجب. تتسلى الطفلة. الأم تصرخ من ركنها القصيّ: »هات البنت. لا تقتربوا من زجاج النافذة يتطاير  عليكم«. تسقط قذيفة  ضخمة في مكان مجاور. ترتج الأرض والسماء من هولها. تزغرد الطلقات، وتزمجر المدفعية من كل ناحية:

 نار. نار. نار. بو. بو. بو. بم. وش  وش ش ش.

 الطفلتان لا تفهمان ما يحدث  تماماً، لكنهما تخمنان الخطر  من الضجيج الصارخ في الخارج، ومن ملامح الأبوين والأخوين المضطربين. الذعر في وجه الأم وحده كافٍ ليرعب الطفلتين الذاهلتين. الكلمة الوحيدة التي حفظتاها »بوش«. ولعلهما استوعبتاها أكثر من الكبار. إنه لفظ

يذكر مع الظلام والعطش والقصف والدوي الهائل  المخيف. إنه يذكر مع احمرار السماء وابيضاض الأرض. يذكر في ساعات الرعب، وفي لحظات الغضب والانتقام. إنه الشيطان بعينه. شعر أشقر. عينان زرقاوان. أسنان وأظافر سود. هكذا فهمته الطفلتان.

 فطنت »مزنة« إلى احتضان أبيها لأختها الصغرى . غارت منها. تركت النافذة  المطلة على المشاهد المتبدلة. دفعت أختها تريد القعود مكانها في الحضن.  تأوهت  »هبة«: »أذنه!« قالت مشتكية بشفة ملتوية  إلى الأسفل. ضم حامد البنت الثانية إلى حضنه، لملم أطراف سترته  البنية الشتوية الوحيدة المخصصة للمناسبات غير العادية. ندم لأنه يلبسها في السفر، ويعرضها للغبار ولأحذية  الطفلتين. سعد  باحتضانهما معاً على الرغم من ضيق  المقعد وارتجاج الحافلة. التفت إلى زوجته مبتسماً، كأنما يقول لها: انتهى القصف وزال الخطر. شغل عن ابتسامتها الجوابية. تذكر أن وقف إطلاق النار لم يزل غير نهائي بعد. بوسع المعتدين أن يستأنفوه في أيّ لحظة، ولأيِّ حجة تافهة. هل يمكن أن يستأنفوه، ونحن على طريق السفر؟ نحن الآن في  المكان الذي قصفوه منذ أسابيع، وقتلوا العشرات من السائقين والعابرين، وأحرقوا  ودمروا عشرات السيارات المدنية الكبيرة والصغيرة. ما المانع من المعاودة؟!.

 - قلت لك يا أمّ  مزنة  أجّلي السفر (رفع صوته).

 - قلت لك يا أبا مجاهد عجّل السفر (جحظت عيناها).

 هكذا  تخيّل شجاراً سوف يحدث فيما لو وقع عدوان مفاجئ. على كل حال: الولدان الشابان في

العدوان حاصل ولكن لو قال هجوم

 العاصمة سالمان. البنت  المتزوجة في عاصمة عربية بعيدة تبقى سالمة. سوف تبقى منا بقية إذا ذهبنا. يا لطيف!! حمد اللّه. ابتسم لزوجته. ابتسمت له زوجته. هذا هو المسموح به في سيارة عامة. ثم هو أكبر المسافرين سناً. لا يليق به أكثر من الابتسام. »ابتسم«: قال لنفسه. »ابتسمت«: أجاب نفسه. ما زالت الطفلتان في حضنه تستمتعان. ضاق ذرعاً بحملهما، لكنه على الرغم من ذلك سعيد. كل الآباء يحبون أبناءهم، لكنه يشعر أن حبه لهما أكبر. هل للتقدم في السن علاقة في زيادة المحبة للأطفال، أو للجمال، أو لشبه الطفلتين لأختيه. في ملامح »مزنة«  يرى صورة أخته »صبيحة« التي توفيت بسرطان الدم بعد أن تزوجت، وأنجبت عدداً من البنين والبنات. الشعر الخرنوبي الميال إلى الشقرة الذهبية في ضوء الشمس. الابتسامة العذبة تشرق في العينين قبل الشفتين. في ملامح »هبة« يرى صورة أخته الصغرى »مديحة« التي استوطنت »بيروت« مع زوجها وأولادها، وما أدراك ما بيروت!  الشعر الخرنوبي الميال إلى السواد.

عبارة فيها تدخل من الكاتب وهي لم تكن جزءً من مونولوج داخلي

لا يدري حامد بالضبط ما الذي جعله يتخيل نفسه هرّة. ألانه يحتضن  الأطفال، أم لأنه يهاجر  بأسرته كثيراً؟! تذكر قصة غريبة حكاها له أيام الدراسة  الجامعية زميله صالح. قال: إن جاري الساكن  معي في إحدى غرف المسجد خسر عدداً من طيور الحمام.  تسلَّط عليها قط أشقر.  ذو عينين زرقاوين. يقنص الطيور ويأكلها واحداً  بعد واحد. يكمن  للطير في مكان جانبي، ثم يفاجئه  بأسنانه  ومخالبه  الحادة، فيقضي عليه. ما العمل؟ جاري لا يريد إزهاق روح القط، فيرتكب إثماً،  ولا يريد أن يخسر  بقية طيوره. كان يريد أن ينفس عن قلبه بالانتقام. أخيراً وجد الحل. كمن  هو للقط. ألقى القبض عليه. غمس أصابع يدي القط  ورجله بالغراء المصبوب في كرات نصفية من قشر الجوز. جفّ الغراء. إذا مشى القط سمعت قرقعة الجوز  في يديه ورجليه. لم يعد يستطيع استخدام مخالبه في  التسلق  أو الجري أو الصيد. إذا ركض وراء الحمام  على سطح  السقيفة جلجلت الصفيحة المعدنية تحت وقع الكرات  الخشبية. أحست الحمامات بالقرقعة. طارت. امتلأ

يفضل استعمال المضارع : فتحس الحمامات بالقرقعة وتطير فيمتلئ  قلب الجار..

قلب القط غيظاً وجوعاً. امتلأ قلب الجار أمناً وتشفياً.

 هذا شأن القط المعتدي، أمّا حامد فإنه معتدى عليه، مشرد من وطنه. قتل واعتقل الكثير من

حدث بانتظار ان يحدد ممن ولماذا؟ما علاقة امريكا بالامر؟ يفترض ان تنقل لنا القصة قضية معاناة المشرد عن وطنه لظروف سياسية ولكن الامر اختلط بالضربات الجوية الامريكية ؟

إخوانه وأصحابه، وهو نفسه قلق  لا يكاد يستقر طويلاً في مكان. وبودّه لو يستطيع أن يضع الغِراء والحديد في أيدي المعتدين وفي قلوبهم، أولئك آكلي لحوم البشرية، لحوم النساء والأطفال  الأبرياء.

 خفق شيء مثل الحمام  في صدر حامد. تفتحت حواسه كلها. من خلال النافذة التي على يمينه  أبصر تربة  الأرض الحمراء. أبصر   أيضاً شجيرات متفرقة من شجر  الصنوبر. إنها ملامح من أرض الوطن. أليست امتداداً جغرافياً لبلاده؟ اثنتا عشرة سنة لم يرَ فيها بلاده. لم يرَ نهر العاصي، ولا سهل الغاب، ولا بساتين جسر الشغور. اللقلق الأبيض بسيقانه  الطويلة يتجول على ضفاف  النهر الضحلة - النيلوفر بزهره الأصفر الفاقع وأوراقه الخضر الداكنة الرحراحة  يسبح  على السطح، ويضمخ النسيم بعبيره الزكي النفاذ.  الأطفال بأثوابهم الزاهية يتدحرجون   على المرج  السندسي في »عيد النيروز«. الخيول بفرسانها تشق الهواء والغبار  في  سباق »بازار الفرجة«. حامد وزوجته وولداه الشابان لا بُدَّ أنّهم يتذكرون الوطن والأهل.  لا بُدَّ  أنهم يحملون في مخيلتهم  بقايا صور. الطفلتان »مزنة« و»هبة« لا تتذكران شيئاً من ذلك. لقد  ولدتا  في الغربة. أين »صبيحة« لترى شبيهتها »مزنة« فتبوسها وتبوسها من خدها وشعرها، وترفعها هكذا في الهواء. أين »مديحة« لترى شبيهتها »هبة« لتضعها على كتفها، وتجري بها في أرض الدار الواسعة: حبيبتي »هبة«. روحي »هبة«. بنت أخي الغالية »هبة«. حامد كان يشعر أن أولاده محبوبون، لهم حظوة  غلاوة خاصة  لدى أهله أمه وإخوته. الطفلتان لا تذكران شيئاً من ذلك. ماذا تعرفان عن أحضان الجد والجدة  والعمات وعن القبلات وهدايا  الأعياد  والمناسبات؟ ماذا تعرفان عن عنب الدار »السباعي«، وعن بستان الخالة أم حسن، وعن ليالي الصيف المقمرة في حقول الكرز والتين والعنب والفستق الحلبي؟!.

 نار. نار. نار. بو. بو. بم. وش. وششش. بوش

  ملخص القصة:

الأستاذ حامد ينتقل يسافر في حافلة مع زوجته وابنتيه إلى عاصمة  رمز لها الكاتب بالرمز (ب) لزيارة ذوي زوجته. والأستاذ  مواطن سوري  يتعرض وأسرته للتشريد في أقطار الدنيا بحيث يعيش كل اثنين أ وثلاثة منهم في قطر. يعيش هو في عاصمة عربية لم يحددها الكاتب بالاسم . تتعرض لحصار اقتصادي مدته أربعة اشهر و لأربعين يوما من القصف فيأخذ آسرته وينتقل إلى الريف  يستمر القصف و يطال الريف فيصبح العيش في المدينة والريف سيان فيعود إلى المدينة وفي فترة وقف إطلاق النار يقرر الذهاب إلى العصمة ب لزيارة ذوي الزوجة. في الحافلة يتذكر ما جرى من قصف أمريكي للعاصمة ويعقد الكاتب مقارنة بين المعتدي الأمريكي وبين القط الأشقر الذي يأكل الحمام. وتذكره الأشجار بوطنه وجوانب الحياة المستقرة فيها كما يعبر عنها بالأعياد وفرح الأطفال و الحب الذي يلقونه ثم فجأة تقصف الحافلة.

الشخصيات

الأستاذ حامد الشخصية الرئيسية غير محدد العمر ولا الوظيفة ولكنه يبدو كبير السن " في مثل عمره لا يحبذ الابتسام" يتعرض للاضطهاد في بلده سوريا( لم تقل القصة ذلك لكننا نعرف الكاتب ) ويطرد منها ويظل يعيش حالة من القلق والتنقل من مكان إلى آخر. تزوج ثانية بعد وفاة زوجته الأولى.

زوجته : الزوجة الثانية تقترح عليه السفر لرؤية ذويها تعيش في قلق ورعب من القصف الأمريكي وتشارك زوجها حياة غير مستقرة مفروضة عليهما.

مزنة : طفلة في الرابعة تذكر حامد بأخته وتعمق الإحساس لديه  بافتراط حبل الأسرة القسري. «  يرى صورة أخته »صبيحة« التي توفيت بسرطان الدم بعد أن تزوجت، وأنجبت عدداً من البنين والبنات. الشعر الخرنوبي الميال إلى الشقرة الذهبية في ضوء الشمس.

هبة :  طفلة في الثانية « يرى صورة أخته الصغرى »مديحة« التي استوطنت »بيروت« مع زوجها وأولادها، وما أدراك ما بيروت!  الشعر الخرنوبي الميال إلى السواد.

 المكان : الحافلة على الطريق إلى عاصمة أخرى

الزمان : غير محدد. ولكن هناك نقل بديع من الزمن الحاضر الى الماضي  . انتقال سلس وجميل من حالة الوجود في الحافلة ثم الى زمن القصف فعودة الى الحافلة .

الحدث : الانتقال بحافلة إلى عاصمة أخرى للزيارة وما يتخلله من تذكر لحوادث القصف وتذكر لحياة الاستقرار في جسر الشغور التي لم يحدد الكاتب ما هي ( قرية ، مدينة ، محافظة) معتمدا على معرفة من عرف وجهل من جهل.  فقد وضعنا الكاتب مع الأستاذ حامد وزوجته وابنتيه في الحافلة ووصف لنا حالة عدم الاستقرار التي يعيشها أسرته في الأرض وحدثنا عن ذكريات القصف والحنين إلى حياة الاستقرار التي أثارتها رؤية الأرض والأشجار من إحدى نوافذ الحافلة وعند هذه النقطة قصفت الحافلة وكان الذي قصفها الأمريكان " نار نار نار بم بم وشش (بوش). 

فكرة القصة:

تجاذبت القصة فكرتان :

الأولى : يموت الإنسان العربي مشردا في الأرض ومضطهدا سياسيا  من قبل حكام بلده بسبب معتقداته وآرائه.

الثانية : يموت الإنسان العربي نتيجة تسلط  أمريكا عليه اقتصاديا وعسكريا وذبحها إياه. ( القط الأشقر الذي يأكل الحمام)

رموز :

الحافلة : رمز للانتقال من حياة الى اخرى وتعبير عن عدم الاستقرار وانتهت المرحلة بالموت بعد قصف الحافلة.

الهرة : رمز لحياة غير مستقرة تنقل فيها جرائها من مكان الى آخر سعيا وراء الأمن.

والقط: رمز التسلط والعدوان والنهب الذي تمارسه أمريكا. ( لا أدري لماذا سمى الانثى هرة ولم يقل قطة وسمى الذكر قط ولم يسمه هرا؟؟!)

اللغة : السرد غلب على الحوار بسبب ان القضية محسومة لدى الكاتب  ولو كانت غير ذلك لكان الحوار سيد الموقف فالحوار الكثير يشير الى تجاذب في الأفكار وتضاد بين الشخصيات. ترامت في ثنايا النص كلمات عامية مفصحة مثل " تسلط" " غلاوة"و" بوسة"" الفرجة". اللجوء الى التصوير المشهدي . قلة الاستعارات البلاغية. وهناك صورة لم يوفق الكاتب فيها الى التعبير عما يريد مثل :  النجوم تنظر من بعيد، كأنها عيون فقأها الرَّصاص.

فصورة النجوم وقد فقأ الرصاص عيونها صورة غير صحيحة فكيف ينظر من فقئت عينه ؟ ثم أليست النجوم لامعة فإذا فقئت عيونها ألا  ينطفئ البصر فتزول لمعتها فلا تُرى. الكاتب يريد ان يقول إن الرصاص وصل إلى كل مكان وأتلفه حتى النجوم لم تسلم منه،  لكن التوفيق في ظني جانبه . وأظنه لو قال:" بعيون تشع فزعا أصفر يلاحقه الرصاص؟؟ لربما كان أصاب( مجرد اجتهاد من طرفنا ).

هناك مباشرة وتدخل من الكاتب في بعض الأجزاء مثل : "وما أدراك ما بيروت". و "من حُرِمَ وطنه فإن أرض اللّه كلها تصير وطناً له."

زاوية النظر : الراوي العليم باستخدام ضمير الغائب . ويلاحظ أن الكاتب تخفى وراء شخصية حامد وبدا هذا التوحد في بعض الأجزاء التي كان السرد تقريريا مباشرا.

في اكثر من موقف يتكيء الكاتب  على ما يعرف القارئ مسبقا بمعنى ان القصة ليست البنيان العضوي الكامل الذي تفسر فيه جزئيات الحدث نفسها بنفسها. ثم انه مع اللجوء إلى الرموز  في الإشارة الى العواصم تاه القارئ في ربط الحدث بالمكان وخاصة في عبارة مغادرة البلاد فأي بلاد قصدت؟ لو قرئت هذه القصة بعد خمسين سنة كما نقرأ لموباسان بعد مائة سنة فماذا سيفهم القارئ؟

 الجماليات في القصة :

بدا الكاتب قصته بذكر القطة بالمؤنث ضمن جملة تتحدث عما ستفعله القطة إذا تعرضت للخطر وعليه فقد أدخلنا الكاتب مباشرة إلى الفكرة وهي بداية تقريرية بطبيعة الحال. وقد جعل من القطة شخصية تتناوب الأدوار في القصة فهي تارة الأم التي تحمي صغارها وتنقلهم إلى أماكن مأمونة وتارة - قط ذكر- تهاجم وتؤذي. ثم ربط موت بعض الجراء في أثناء السعي نحو الأمان وموت زوجة حامد الأولى في الغربة. ورغم أن الفكرة العامة في القصة تتحدث عن الانتقال لأسباب قسرية إلا أن انتقاله هذه المرة كان للزيارة مما لا ينسجم مع الفكرة العامة ويضيق السبيل أمام إقناع القارئ بجوهر معاناة حامد ولو جاء الانتقال بالحافلة هربا من الحرب إلى خارج البلاد لبلغت القصة مداها الإنساني بإقناع شديد.

المزاوجة في الزمن ما بين الحافلة وخارجها كان جميلا وسلسا.

انها القصة بكلمة بوش في تصوير صوت انفجار القنبلة حملت الاسم الكريه لتشير الى ان مصدر البلاء كله هم وفي هذا ربط ايضا بما ورد في القصة " الذعر في وجه الأم وحده كافٍ ليرعب الطفلتين الذاهلتين. الكلمة الوحيدة التي حفظتاها " بوش ".