حلم القصور الحمراء

رواية قرأتها لك

((حلم القصور الحمراء))

تحفة رائعة من الأدب الكلاسيكي الصيني

عباس جواد كديمي*

[email protected]

في الأدب الكلاسيكي الصيني، هناك أربع روايات تعتبر الأبرز في هذا المجال ، وهي : رحلة إلى الغرب وأبطال على شاطيء البحيرة وحلم القصور الحمراء وقصة الممالك الثلاث، إضافة إلى مؤلفات وكتابات أدبية وفلسفية مميزة مثل مؤلفات الفيلسوف الصيني الشهير كونفوشيوس وتلميذه منشيوس، وكتاب ((التحولات)) الذي جمعه وحرره العديد من الفلاسفة والمثقفين الصينيين المرموقين القدامى، وغيرها الكثير من الأعمال الأدبية والفلسفية والاجتماعية المتميزة.

وتعد رواية (( حلم القصور الحمراء )) التي تُرجمت أحيانا بـ (( حلم المقصورة الحمراء ))، أعظم رواية كلاسيكية صينية، كتبها تساو شيويه تشين في منتصف القرن الثامن في عهد الإمبراطور تشيان لونغ من أسرة تشينغ الملكية الصينية (1644-1911).

تقع هذه الرواية المعروفة أصلا بعنوان ((حكاية الحجر)) في ثمانين فصلا مخطوطا طُبعت بحروف مطبعية غير ثابتة عام 1791. وقام أديب صيني آخر اسمه قاو أه باكمال الرواية لتتوسع إلى مائة وعشرين فصلا، ثم بدل عنوانها إلى ((حلم القصور الحمراء)).

وبعد أن قرأت هذه الرواية، المجهولة نسبيا بالنسبة للقارىء العربي، شعرت بدافع قوي منها لأن أتشاطر جمال عباراتها ودقة وصفها وقوة حبكتها، مع الأصدقاء العرب محبي الأدب الإنساني العالمي.

أما الدافع الآخر لرغبتي في الكتابة عن هذه الرواية فهو إلقاء ولو قليل من الضوء عليها لتعريف القارىء العربي بها.

لقد ظل الأدب الصيني عموما مجهولا نسبيا بالنسبة للقراء العرب. فبسبب البعد الجغرافي ولكون اللغة الصينية صعبة جدا وغير منتشرة خارج الصين ، لم تُتح الفرصة لترجمة الأدب الصيني ونشره بين القراء العرب، ثم أن الصينيين أنفسهم يتحملون مسئولية عدم معرفة القاريء العربي بآدابهم. ولكن سبب تؤخر الصينيين في التوجه نحو القارىء العربي، مبرر نوعا ما، لأن الصين عموما كانت متخلفة اقتصاديا واجتماعيا ، وكان شغلها الشاغل هو دفع التنمية الاقتصادية في البلاد وانتشال الناس من هوة الفقر المدقع، ولذلك لا عجب أن يبقى الأدب الصيني مجهولا كل هذه الفترة.

يعتبر الصينيون هذه الرواية بالذات مدرسة أدبية واجتماعية ، ويستعيرون كلمة "الحمراء" من عنوان الرواية ليطلقوا عليها اسم " المدرسة الحمراء" في التعريف بأحوال وعادات وتقاليد تلك الفترة من تاريخ الصين الطويل جدا. وفعلا، هناك الكثير من العبارات والصور البلاغية والأدبية والفنية المأخوذة من هذه الرواية، في الكتب والمقررات الدراسية في الصين. 

غالبا ما تعكس أحلام القصور الحمراء وقائع الحياة اليومية وتلامس الشخصيات بالرموز والإيماءات، وتعطي هذه الرواية صورة دقيقة للمجتمع الصيني في تلك الفترة من تاريخ هذه الأمة، وهي الفترة المحصورة بين الأعوام 1644- 1911، حيث الصراعات العنيفة الدامية بين أبناء الأسر الملكية للمطالبة بهذا العرش أو تلك المقاطعة ، الأمر الذي أنعكس بصورة أو بأخرى على عموم المجتمع. وهذه الرواية مرآة تعكس العادات والتقاليد والأخلاق، خاصة احترام كبار السن في العائلة، والمعتقدات والتأثيرات الدينية،وأهمية التعليم والثقافة، وأسرار تلك الفترة، وكيف كان الناس يحصلون على الوظائف وألقاب الشرف والتكريم الإمبراطوري، وكيف كان نبلاء القوم يتوارثون مناصبهم وكيف يحافظون عليها أو يفقدونها.

والملاحظ في هذه الرواية أن الكاتب يضع عناوين فصول حكاياته بإسلوب المقطعين الطويلين نسبيا، مثل عنوان الفصل السادس " موهبة أدبية تُختبر بتأليف كلمات لتنقش في حديقة المناظر الرائعة"، وهذا العنوان المكون من جملتين طويلتين غير مألوفتين في العناوين، يجعل الأحداث تتدفق مثل نهر ينساب بهدوء بما يأسر القارىء ويجعله مسحورا بعالم خيالي يموج بين الحلم والحقيقة.

يروي كاتب الرواية الأحداث بشكل شيق جدا ويرسم الشخصيات بواقعية فريدة ووصف تحليلي دقيق ويتخذ من تدهور أسرة نبيل إقطاعي كبيرة خلفية لها، وتدور الأحداث بشكل  يجعل القارىء مشدودا إليها ويتابع فصولها دون ملل أو تفكير بتركها ولو لفترة قصيرة. وهذا ما شعرت به فعلا عند قراءتى الأولى لها، حيث أبهرتني العبارات الجميلة والوصف الدقيق للشخصيات والأحداث، وكذلك أسلوب الكاتب الدقيق وطريقة ربطه لمجريات الأحداث ولترابط الفصول.

تركز الرواية على شخصيات اجتماعية عديدة ولكن هناك ثلاث شخصيات حظيت بتركيز أكبر ألا وهى شخصية جيا باو يوى، وهو ابن النبيل الإقطاعي الذي توارث اللقب والمهنة والجاه من أسلافه، ولكن هذا الولد رغم تميزه بالذكاء والفطنة والموهبة، لم يكن يرضي أباه الذي كان غالبا ما يوبخه على أمل أن يتطور للأفضل بما يضمن شرف وسمعة العائلة، ولكن اتجاهات الابن سارت بشكل لم ترق لأبيه. أما الشخصية الثانية فهي الفتاة داي يوى، ابنة خالة الفتى جيا باو يوى ، والمتميزة بالجمال والرقة والأدب والحساسية المفرطة، ولكنها مُعتلة الصحة ويتيمة فقدت أمها وهى صغيرة فتكفلها أبوها بالرعاية والحنان والتربية المميزة التي جعلتها مختلفة عن بقية الفتيات في عمرها. والشخصية الثالثة المحورية في هذه الرواية هي الفتاة باو شاى المتميزة هي الأخرى بالجمال وبحسن الطالع وملائمة برجها مع برج جيا باو يوى.

ينسج كاتب الرواية قصة حب مشبوب بين جيا باو يوى وابنة خالته داى يوى، ومن خلال هذه القصة نلمس موهبة فنية بديعة ومستوى أدبي عال، ونقرأ عبارات غاية في الجمال والدقة والشفافية في وصف المشاعر والشخصيات وخلجات النفس وكذلك الجمال الأنثوي الشرقي المميز، حيث تأخذنا هذه الرواية لنعيش في ذلك الزمن ونحس بعاداته وتقاليده وشخصياته ومشاعرهم حلوها ومرها،ونرى عبر عين كاتب الرواية ذلك الجمال الشرقي وروعة مشاعر الحب غير المقيدة بزمان أو مكان.  

ومما لا شك فيه أن هذه الرواية جديرة جدا بالقراءة ، ومن المؤكد أن جمال الوصف ودقة التعابير وروعة الأحلام والوقائع ستجعل القارىء مشدودا أليها.

لقد صدرت الرواية بعدة لغات، منها الإنجليزية والكورية والأسبانية. وإيمانا مني بضرورة تعميم الفائدة ومشاطرة الأصدقاء متعة قراءة روايات إنسانية مميزة، أقتطف من هذه الرواية الرائعة((حلم القصور الحمراء))، بعض الصور الوصفية الجميلة، ليتمتع القراء بها، بانتظار أن تصدر الرواية قريبا عن (( دار النشر باللغات الأجنبية في بكين)).

الصورة الأولى: رباعية شعرية سائدة في تلك الفترة تصف ليلة مقمرة:

"في الليلة الخامسة عشرة يصبح القمر بدرا مكتمل البهاء،

يغمر الدرابزينات اليشمية بنوره الساطع.

وفيما كرته المتألقة تسبح في السماء،

يفتتن أهل الأرض بمنظره الرائع."

الصورة الثانية: وصف للشخصية الرئيسية في الرواية((جيا باو يوى)):

" وما كادت الكلمات تخرج من فمها حتى سُمِع وقعُ خطوات في الفناء، ثم دخلت خادمة تعلن عن وصول باو يوى.

كان يلبس إكليلا من الذهب مرصعا بالجواهر، وزينة ذهبية للجبين على شكل تنينين يقتتلان على لؤلؤة. وكانت سترته الحمراء الخاصة بالرمي الموشاة بالفراشات والأزهار الذهبية والفضية مشدودة بحزام حرير ملون من أحزمة القصر ذي شراريب. وفوقها لبس رداء مهدبا فيروزي اللون من الساتان الياباني مع نموذج بارز من الأزهار في ثماني مجموعات. أما حذاؤه العالي الساق والخاص بالبلاط فكان من الساتان الأسود بنعل أبيض.

كان وجهه متألقا كالبدر في عيد منتصف الخريف، تلوح عليه نضرة أزهار الربيع وقد بللها الندى. وكان سالفاه محددين فوق صدغيه كأنما قطعا بسكين. أما حاجباه فكانا أسودين كأنما طليا بالحبر، ووجنتاه حمراوان مثل زهر الدراق، وعيناه تلتمعان كمويجات الخريف. يبدو مبتسما حتى وهو غاضب، وفي نظرته دفء حتى وهو متجهم الوجه.

ولبس في عنقه طوقا ذهبيا بشكل تنين وسلسلة حريرية بخمسة ألوان تدلت منها قطعة جميلة من اليشم.

كان شعره القصير ذو الضفائر الصغيرة المربوطة بشريط من الحرير الأحمر قد شد إلى قمة رأسه، وجدل في ضفيرة واحدة غليظة سوداء لامعة مثل اللك الأسود، ومزينة بأربع لآلئ كبيرة، علقت بها حلى ذهبية مرصعة بثماني مجوهرات نفيسة. أما معطفه ذو الأرضية الحمراء البراقة، ويحمل تشكيلة أزهار متناثرة، فلم يكن جديدا. وكان ما يزال يلبس الطوق على عنقه وقطعة اليشم الثمينة وتميمة على شكل قفل تحمل اسمه البوذي، وتعويذة حظ. وفي الأسفل يمكن أن يلمح سروال من الساتان المزهر، لونه أخضر فاتح، وجورب أسود منقط مزركش الحواشي، وحذاء قماشي بنعل سميك.

وبدا وجهه جميلا كأنه طلي بالمسحوق، وظهرت شفتاه حمراوين كأنما مُسِحتا بأحمر الشفاه. وكانت نظرته مفعمة بالعاطفة، وكلامه تزينه الابتسامات. أما جماله الطبيعي فبدا أكثر ما بدا في حاجبيه، ذلك أن عينيه قد تألقتا بعالم من الأحاسيس والمشاعر. لكن على الرغم من ذلك فإن من الصعب التنبؤ بما يكمن خلف مظهره الفاتن هذا."

الصورة الثانية: وصف لداي يوى، الشخصية المحورية الثانية في الرواية

" كان حاجباها المقوسان القاتمان معقودين لكنهما غير مقطبين، عيناها الناطقتان قد جمعتا بين المرح والحزن، وفي ضعفها تكمن الفتنة. كانت عيناها تتألقان بالدمع، وكان تنفسها رقيقا ضعيفا. وفي هدوئها كانت كزهرة جميلة قد عكس خيالها في الماء. وفي حركتها بدت وكأنها غصن صفصاف رقيق يتمايل في الريح. لقد كانت أشد إرهافا في أحاسيسها من بى قان(1) وأكثر رقة من شى شى(2)."

 الصورة الثالثة: وصف لباو تشاى، الشخصية المحورية الثالثة في الرواية:

" كانت باو تشاى جالسة على سرير الكانغ تخيط. وكان شعرها الأسود اللامع معقودا عند قمة رأسها. وكانت تلبس سترة محشوة عسلية اللون وصدرية وردية اللون مبطنة بفرو السرعون من اللون الأبيض كالثلج وتنورة حريرية صفراء بلون الكراث. ولم تكن ثيابها بالغة الجدة، ولم يكن فيها ما يلفت الأنظار. أما شفتاها فقد اكتستا بحمرة طبيعية، وحاجباها الأسودان القاتمان لم يحتاجا إلى قلم التخطيط ، ووجهها بدا كقرص فضي، وعيناها كلوزتين سابحتين في الماء. قد يعتقد بعض الناس أنها صموتة قليلة الكلام لتخفى بلاهتها. لكنها كانت حذرة مُعتدة بنفسها، مفتخرة ببساطتها."

الصورة الرابعة: وصف لثلاث فتيات 

   " كانت الأولى ممتلئة الجسم متوسطة الطول. لها وجنتان محمرتان كثمر الليتشى الناضج، وأنف أملس كدهن الإوز. وقد جعلها لطفها واحتشامها مقبولة مستأنسة.

والثانية لها كتفان منزلقان وخصر رقيق. وهي طويلة ممشوقة بوجه بيضاوي وحاجبين دقيقين وعينين جميلتين تفيضان بالحيوية.

وكانت أنيقة حاضرة الذهن، تبدو عليها مظاهر الأبهة. فإذا نظرت إليها لا بد أن تنسى كل ما هو مبتذل.

أما الثالثة فلم تكن قد نضجت بعد، إذ ما يزال وجهها طفوليا.

وثلاثتهن قد لبسن بلوزات وتنانير متشابهة، وتحلين بنفس الأساور وحلى الشعر."

الصورة الخامسة: وصف لمظهر سيدة صينية من تلك الفترة

" كانت عصابة شعرها المزركشة بالذهب مرصعة بالجواهر واللآلئ، ودبابيس شعرها المتخذة شكل خمس عنقاوات تواجه الشمس وتلتقط بمناقيرها سلاسل متدلية من اللآلئ. وكان طوق عنقها المصنوع من الذهب الصافي مصاغا على شكل تنين ملتو، مرصع بالأحجار الكريمة. وكانت تلبس حلية من اليشم تدلت منها على تنورتها شراريب حريرية خضراء.

أما معطفها المصنوع من الأطلس الأحمر الشديد الملاءمة لقوامها الرشيق فكان مطرزا بفراشات وأزهار ذهبية. وكابها الفيروزي المبطن بفرو سنجاب أبيض قد خالطته تصاميم من الحرير الملون. وتنورتها المصنوعة من الكريب الأخضر المائل إلى الزرقة قد اشتملت على أشكال مختلفة من الأزهار.

وكان لها عينان لوزيتان كعيني العنقاء وحاجبان مقوسان طويلان متدليان كأوراق الصفصاف. وكانت هيفاء القد خفيفة الروح مفعمة بالحيوية. أما فتنة الربيع المطلة من وجهها المطلي بالمسحوق فلم تترك أي إشارة إلى ما تنطوي عليه شخصيتها من رعب. وقبل أن تنفرج شفتاها القرمزيتان انطلقت الضحكات من فمها مجلجلة."

الصورة السادسة: وصف رائع جدا (( لحورية في أحلام القصور الحمراء))

" بعد أن اجتازت أشجار الصفصاف راحت تخطر بين الأزهار. فجفلت لاقترابها العصافير داخل الفناء، وسرعان ما انعكس ظلها على الرواق. أما اردانها الجنية المرفرفة بها فقد أطلقت عبيرا ذكي الرائحة من عبير المسك ونبات السحلبية. ومع كل حفة في ثنايا ثيابها النيلوفرية ترن حليها اليشمية.

ابتسامتها المصحوبة بغمازة على خدها مثل زهرة الدراق في الربيع. وشعرها المجمر على القفا، والجامع بين الزرقة والسواد، كركام من السحب. أما شفتاها فمثل كرزتين، ونفسها ينبعث عذبا من بين أسنانها الشبيهة بحب الرمان.

تثنى خصرها الرقيق كالثلج المحوم في الريح. لؤلؤها وزمردها يبهران العيون، وكلون فرخ الإوز ذلك الرسم على جبينها.

تدلف بين الأزهار ولا تلبث أن تخرج، مرة مغيظة وأخرى متألقة، وتطلق على سطح البحيرة بخفة كأنها تطير.

حاجباها الشبيهان بالفراشة معقودان، لكن ابتسامة تكمن فيهما، وتنفرج شفتاها للنطق دونما صوت ينبعث منهما. وهي تنزلق بسرعة على قدمين من اللوطس، وتتوقف فتبدو كأنها ترفرف استعدادا للطيران.

مزاجها ناصع كالثلج لا تشوبه شائبة، وناعم كذلك نعومة اليشم. وفاخر لباسها بتصاميم رائعة. وحلو وجهها مفعم بالشذا ومرصع باليشم، وتسلك مثل عنقاء أو تنين في طيرانه.

وماذا عن بياضها؟ إنه كزهر البرقوق في الربيع يومض وسط الثلج. ونقائها؟ مثل نبات السحلبية وقد كساه الصقيع. وهدوئها؟ كشجرة صنوبر في واد معزول. وجمالها؟ كغروب الشمس وقد انعكس في ماء بركة شفاف. ورشاقتها؟ كتنين يتحرك في جدول متعرج. وروحها؟ كنور القمر يلمع فوق نهر متجمد.

ستشعر شى شى لمرآها بالخزي، ويتورد وجه وانغ تشيانغ(1) خجلا. أين هذه الأعجوبة ولدت؟ ومن أين جاءت؟

من المؤكد أنه لا نظير لها في بلاد الجن، ولا نِدّ لها في بلاط السماء الأرجواني.

من يمكن أن تكون هذه الفاتنة؟."

الصورة السابعة: وصف لمكان يهيىء لاحتفال بعيد تقليدي

" ها هو ذا عيد الفوانيس على الأبواب. في اليوم الثامن من الشهر الأول حضر الخصيان من القصر لمعاينة الحديقة والمقاصير التي فيها ستبدل محظية الإمبراطور ثيابها، وتجلس مع أسرتها، وتتلقى فيها مراسم الولاء والطاعة، وتقيم لها المأدبة، وتخلد للراحة. والخصي المسؤول عن الأمن عيّن كثيرا من الخصيان الصغار حراسا عند المداخل ذات الحُجُب والستائر، المفضية إلى حجرات الاستراحة. وقدمت توجيهات مفصلة إلى كافة أفراد الأسرة تحدد الأماكن التي يجب أن ينسحبوا إليها، والمكان الذي يجب أن يركعوا فيه، ويقدموا الطعام، أو يقوموا بالتبليغات- وجميع المراسم الصارمة يجب أن تُراعى. وفي الخارج تولى ضباط من وزارة الأعمال ورئيس حرس العاصمة الإشراف على تنظيف الشوارع وإخلائها من المتسكعين. وأشرف جيا شه على مراقبة الفنانين في صنع فوانيس الزينة والألعاب النارية، وفي اليوم الرابع عشر كان كل شيء جاهزا، لكن لا أحد، كبير الشأن أو صغيره، غمض له جفن في تلك الليلة.

قبل بزوغ فجر اليوم التالي كان جميع أصحاب المراتب الرسمية من السيدة الأرملة إلى من دونها في زيهم الرسمي التام. وفي مختلف أنحاء الحديقة انتشرت الستائر والحجب المزخرفة بتنانين تتراقص وطيور عنقاء تحلق، وأخذت حلى الذهب والفضة تلتمع، والمجوهرات والأحجار الكريمة تتلألأ. وأشعلت عيدان البخور المتعددة الأصناف على الحوامل البرونزية الثلاثية القوائم، وملئت المزهريات بالأزهار النضرة. وساد المكان سكون لم تقطعه همسة هامس."

وهذا مجرد غيض من فيض من صور الوصف الرائعة جدا والجمل الأدبية الثرية ببلاغتها وحسن صياغتها وسبكها، والتي تأخذنا إلى عالم بديع فى ((أحلام القصور الحمراء)).

وإذا أحببت عزيزى القارىء، معرفة المزيد عن عالم القصور الحمراء، بأحلامها وواقعها، فما عليك إلا أن تحصل على نسخة من هذه الرواية التى ستطبعها قريبا (دار النشر باللغات الأجنبية في بكين)، وستجد متعة لا تضاهى وأنت تبحر في عالم بديع في الصين الشرقية الساحرة.

               

*إعلامي عراقي يعمل ويعيش في العاصمة الصينية بكين.