ماجد العويّد في "الليلة الثانية بعد الألف"

ماجد العويّد في "الليلة الثانية بعد الألف"*

د. حمزة رستناوي**

[email protected]

يعمد القاص ماجد العويد في قصته "الليلة الثانية بعد الألف"  إلى إخراج نص قصصي حداثي إلى الوجود من خلال عملية تلاقي معرفي لنصوص متعددة بعد تجريد هذه النصوص من تاريخها العضوي "حديث الإسراء و المعراج- رسالة الغفران- الكوميديا الإلهية.."

و رغم ما يبدو من وضوح في النسق العام للقصة من خلال التسلسل المكاني و الزماني للأحداث و الحبكة,  إلى طريقة السرد التقليدية على لسان المتكلم و محاكاة أسلوب ألف ليلة و ليلة,  إلا أننا سنصاب بخيبة أمل كبيرة عند البحث عن المعنى الأحادي للقص , فالنص يحمل قدرات دلالية متعددة بعيدا عن الإغلاق.

*

المتفائل هو الذي يسير في اتجاه واحد في طريق يقف الإنسان فيه متألقا جميلا, أما المتشائم فهو الذي يسير في الاتجاه المعاكس متأففا ساخطا من عدم التوازن الذي يلف العالم. و النص القصصي للعويّد  خارج ثنائية "تفاؤل –تشاؤم", إنه  نص مأساوي يستنشق الواقع الحياتي بمعاناته الوجودية,  و يومئ القاص إلى اللا إنساني و اللا شخصاني و اللا عادل بطريقة إفرازية لا واعية,  يقوم بها بشكل تلقائي, حيث يعمل إلى استخدام الميراث الإنساني من وعيه,  بعد أن يعاني من ارتجاج الذات مما انعكس في وضوح الرؤيا لديه.

و رغم أن الليلة الثانية بعد الألف ليست من القصص الواقعي ,إلا أننا نستحضر عند قراءتها الواقع الذي يعيشه الإنسان المعذب في هذا العصر على الصعيد الفردي و القومي من خلال العديد من الإشارات .

" حلفت له أنني بائس ضاقت بي الدنيا,وحيد بلا أنيس, نزعت مني أرضي و بيتي- وقفت أمام دار القضاء فإذا بابها موصد- صاح بي قائلا إن المساجد لم تبن للمتسكعين, المارقين, المظلمة عقولهم, و إنما للعبادة و السجود لذلك العالي القهار"

 إن هذا التضمين الواقعي يغني القصة, و يزيد من القدرات الإيحائية للنص و يجعله أكثر قربا من المتلقي.

يسيطر على القصة شعور بالاغتراب الإنساني يتجلى من خلال الرجل الذي ساح في البرية باحثا عن الذي يعيد أرضه المغتصبة له,  فخلال مسيرته يعبر من السوق إلى بيوت لله ..إلى دار القضاء.. ثم الفلاة حيث يلغي الإحساس بالزمن المألوف إلى أن يلتقي بالأعرابي,  و انتهاء بمدينة البرزخ التي يصفها بقوله :

"مدينة من أطياف و أشباح منبعثة من الأجداث, أرضا مقببة. كل قبة فيها فتحت من أعلاها لكأنها مدينة من بركان , بملايين الفوهات لا أرض هنا أو سماء أو فضاء , و لا فراغ بين أرض و سماء. لا شيء هنا مما هو حي أو فان"

لقد كانت هذه المدينة مخيبة للآمال:

 " كان عبثا رفع الصوت, لا صوت ينبعث من بين الشفاه, لا صوت أبدا, و إنما شفاه مطاطية تأخذ أشكالا و أوضاعا مختلفة , فتارة تعلو و في أخرى تهبط, و في ثالثة تزم, فأبكي حظي العاثر"

تتميز القصة بالغنى المكاني الذي يسير في سياق التسلسل الزماني, بالانتقال من الأسواق المسقوفة إلى المفتوحة,  و ما لهذا من دلالة فالسقف هو الحجاب الذي يحد من رؤيتك للأعلى و هو كناية عن الانغلاق و التحدد.

و على الصعيد الفني نقرأ في القصة العديد من الصور الفنية الموحية و المبتكرة من خلال الانزياحات الدلالية  حتى تبدو أقرب للشعر أحيانا.

 -  " فأشهد بعيني قمر الغنى"

فالقمر هو محسوس يحيلنا إلى البصر و الغنى معنوي , و ما أجمل الحياة عندما يزينها الغنى و الليلة حينما يزينها القمر.

 -  "محلقا في الفراغ فوق قبر الدنيا"

 فالقبر هو الشاطئ الذي نودّع فيه هذه الدنيا , و الدنيا هو كل ما تراه و ما تشعر به خارج القبر, الفراغ عكس الموجود, و الدنيا هي الوجود,فعندما ننزع الموجود من الدنيا تصبح فراغا, و تسكن الدنيا المقبرة.

 - " و شعرت بالليل يشرق مخترقا أعماقي"

 فالشمس هي التي تشرق ,و الشروق ظاهرة مكانية, و الشروق عكس الغروب-مقدمة الليل- الباعث على هذا التكوين الدلالي هو حالة الاسترخاء التي يحتاجها البدن المرهق من الرحلة الطويلة و الجوع العميق.

               

* من مجموعته القصصية  "الغمام" الصادرة 1999 عن دار آرام - دمشق

** شاعر وكاتب سوري