الذات المتشظية..
قراءة في قصائد هبه اليوسف
عماد كامل
العراق- البصرة
[email protected]
الشاعر وحده يستطيع أن يفهم الحياة،لذا فهو يتخذ له مسلكا يختلف عن الجماعة،ذلك لان حياته هو من يرسم آفاقها،هبة اليوسف الشاعرة التي تمارس في كتابتها الاحتجاج على القدر، إنها تصور في كتاباتها الشعرية وكأن الحياة تبددت من حولها وتبعثرت مثل أوراق شجرة عصفتها الريح.
امتاز شعرها بكونه كلاما منثورا مجرد من الأقنعة محاولة الكشف عن المعاني بوضوح تام،كما امتاز شعرها بحضور الإنسان فهي تحاول أن تكتشف السبل التي تسهم في بناء الإنسان عبر رصد الواقع الخارجي المحيط به.
تقول هبه اليوسف
هل انا موجودة حقاً ؟
وان كنت كذلك فمن انا ؟
حين سألتني عمن اكون لم اجبك
لأني لا اعرف نفسي فكيف اجيبك
هل انا وهم ام حقيقة ؟
ام انا مشعل لكل من سار في طريقه
فوا اسفي على نفسي .... لأني لم اعد اعرف نفسي
من اكون يا ترى ؟
لقد حاولت اليوسف ان تجعل من الغربة ثيمة جوهرية تعبر نحوها بشهوة(شبقية) مرتدية عباءة الصوفي الذي يسجن نفسه بعيدا عن أضواء العالم وبهرجته لينفرد بذاته،هذه الخلوة التأملية التي اختارتها بنت اليوسف تكشف عن هوس داخلي يرفض الواقع والسعي لاستبداله بواقع افتراضي تسهم المخيلة في صنعه،لذا فهي تحاول الاشتغال على عالمها الخاص(الكتابة) لتصنع منه وجود يمنحها احساسا بقيمة الاشياء التي من حولها.
فهي تدون في قصائدها الوجع العميق للذات الانسانية التي انسلخت عن كينونتها واستسلمت لهزائمها الوجودية
اذ تقول
حين بحثت في ثنايا روحي وجدت قلبي كسير
وجدت المي عفير
وجدت حبي زفير
وجدت عالمي مملوء قيحا
وجدت دنيا سكونا
وايامي قبحا
ما عدت انوي الحياة
فلي في اخر المطاف
ككل الناس الممات
فهي تحاول ان تثبت في قصائدها ان لا جدوى من وضع حلول للازمة الداخلية التي يعيشها الانسان والتي سجن نفسه بها،فهي تدرك في قرارة نفسها ان العالم ينحدر الى الهاوية ويزداد في كل يوم قسوة ووحشية.
ويظهر من خلال النصوص الشعرية ان الشاعرة ذات شخصية متمردة يسكنها الفزع من كل ما حولها من موجودات لذا يمكننا القول انها تمثل نموذج الشاهد الذي يرقب خفايا الوجع الممزوج بهموم الاخرين فهي تراقب العالم،وكأنها تعير اهتماما كبيرا بتفاصيل الحياة اليومية التي لا نعيرها اهتمامنا لتحويلها من يومي الى شعري،اذ استطاعت(الشاعره) اختراق الحجب المتراكمة على الفكر الانساني من خلال وعيها وخزينها الفكري الذي عكسته على لغتها الشعرية لتستطيع ان تشارك في عملية البحث عن الحقيقة عبر اتساع فضاء الدلالة الشعرية التي توحي احيانا بالبساطة فتبتكر قوة تأثير في المتلقي
في عاصفة ارجوازية
كسرت اشرعتي
وحطمت روحي
لم يستنقذني الا صرخاتي
بين الارض والسماء وما من مجيب
هل من مجيب
حبيب ؟ غريب ؟
ام اني انصت الى صوت النحيب
الله ما اشقاني في دنيا
غذائها الحب
وشرابها الحب
وانا بلا حب
اذا انا
من انا
شجرة خاوية
لا تحمل من الاوراق ما يسعد الناظر
ولا ثمر يأكل منه العابر
انا لا شيء
فلن اكون شيء
ويبدو ان نصها هذا يموج بالاحتجاج وصوغ اجوبة لاسئلة هي عبارة عن احلام مشحونة بالقسوة والاحتجاج،ما اضاف للنص قدرة على على التركيب واستمرارية التوالد المنسجم ليبقى المعنى متراكما،فكأن الشاعرة تحاول اختصار تفاصيل يوميات الناس ولعل اهم حدث يشغل الشاعرة في نصوصها هي(الغربة)التي تنشدها،كما انها تحاول التخلص منها اذ تشعر انها تعيش في وسط غير مألوف بالنسبة لها فتسعى الى قبول غربة تتلاشى حدود الفوارق فيها مع الاخر المختلف فتظل تبحث عن حريتها جاعلة من النص نافذة للولوج الى تلك الحرية.