مشروعية الخطاب
مشروعية الخطاب
قراءة في كتاب : ( الخطاب الإسلامي المعاصر ) للكاتب وحيد تاجا([1])
د.محمد سالم سعد الله
أستاذ الفلسفة والمنطق والفقه الحضاري / جامعة الموصل
يمثل هذا الكتاب دعوة مشروعة لإمكانية طرح أبجديات الأسئلة على المشروع الإسلامي المعاصر ، وهي أصوات تمثل النبض الثقافي اليومي المتسارع في شن الحملات الإيجابية أو السلبية ـ على حدّ سواء ـ على الفكر المتبني للنهج الإسلامي .
ويتسم هذا الكتاب بجرأة الطرح المعرفي والحضاري على مجموعة مفكرين من المشتغلين بالهم الإسلامي المعاصر ، وقدّم ـ فضلاً عن ذلك ـ سلسلة من المنطلقات النظامية الملتصقة بالمشروع الإسلامي المعاصر من قبيل : هل هناك فكر إسلامي واحد في العالم الإسلامي ، أم أنّ لكل بلدٍ خصوصياته البيئية والاجتماعية واجتهاداته الإسلامية ؟ . كيف يفهم الإسلام اليوم مسألة الديموقراطية ؟ . ما هو موقف الإسلام من تعدد الأحزاب ؟ . ما هي إمكانية الحوار مع الفكر الشيوعي والعلماني ، والاتجاهات اليسارية واليمينية المتطرفة منها والمعتدلة ؟ . ما هي سمات المشروع الإسلامي المعاصر ، وما إمكانية بناء دولة إسلامية تتفاعل فيها الآراء والاتجاهات ، وتتلاحم معها الأحزاب والتيارات ؟ .
وقد حدد الكتاب من خلال حواره المفتوح والمتعدد جملة من القضايا والمشكلات التـي لا تزال حبيسة الأجوبة غير الناضجة ، وتتأتى هذه الأخيرة من ضبابية الطرح أولاً ، وحضور الترف المعرفي التقليدي من قبيل استهلاك الأجوبة الجاهزة المنتقاة من العصور الذهبية الإسلامية الماضية ، ويبدو أنّ الجنوح إلى التوسل بأجوبة الماضي السحيق لا يعكس ذلك الترف وحسب ، إنما يعبر ـ من جملة ما يعبر ـ عن الانهزام الذاتي أمام التحديات الراهنة ، ومعاملة المستجدات المعاصرة بسذاجة العقل المنغلق .
وقد حاول المُحاوِر في هذا الكتاب تلمس مواطن القوة والضعف في طروحات الإسلاميين المعاصرين ـ مع اختلاف مسلكهم ـ عن طريق أسئلة محورية شاملة وجامعة من قبيل : ما هي الإرتكاسات التي أصيبت بها الدعوة إلى الإسلام ، وما هو مفهوم الصحوة الإسلامية ، وهل يسمح الإطار الدولي في استقبال الإسلام بوصفه قوة سياسية شاملة لها إمكانية قيادة المجتمع ، هل هناك صلة بين الفكر الإسلامي والفكر العلمي ، وكيف يمكن تقويم الفكر الإسلامي ، وما معنى التجديد في هذا الأخير ، وهل يمكن الحديث عن مشروعٍ ثقافيٍّ إسلاميٍّ في ظل التصارع الثقافي العالمي ، وإذا كان هناك هذا المشروع فهل تَبَلور ، وكيف يمكن رسم العلاقة الصحيحة مع الغرب ، هل هي علاقة تأثير وتأثر أم هي علاقة مرسل ومستقبل ، بمعنى آخر علاقة الفوقية والدونية ، … إلى غير ذلك من الأسئلة التي تحتاج إلى أجوبة غير ارتجالية ، أجوبة لا تنفصل عن الماضي ولا تنسى الحاضر ـ أو تتناساه ـ ، أجوبة تنطلق من فكر يهضم الإمكانيات المتاحة يتصف بتجذره في الأصالة ، وباستيعابه للمعاصرة ، وبتخطيطه للمستقبل .
والقارئ لهذا الكتاب يشعر بالبون الشاسع بين الأجوبة المُقدَمة من قِبل الدعاة والمفكرين الإسلاميين ، نظراً لاختلاف تطلعات كلٍّ منهم ، واختلاف وجهات النظر حول مستقبل المشروع الإسلامي وإمكاناته في تسيير الفكر العالمي ومحاورته له .
الهامش:
([1]) الخطاب الإسلامي المعاصر ، محاورات فكرية مع مجموعة من الدعاة والمفكرين ، حوار : وحيد تاجا ، تقديم : جودت سعيد ، فُصِّلت للدراسات والترجمة والنشر ، حلب ، ط1 ، 2000م .