رواية الشغف لعيسى قواسمي

موسى أبو دويح

كتب عيسى قواسمي (رواية الشغف) الّتي صدرت طبعتها الأولى سنة 2009م، وجاءت في 194صفحة من القطع الوسط. وأهداها الى زوجته. وقسّم روايته إلى 17 فصلًا بدون عناوين.

ولقد سمّى روايته (الشّغف) وهو اسم مختار وجذّاب وملفت للنّظر، وله معنى ذو دلالة. جاء في القاموس المحيط:(الشّغاف كسحاب غلاف القلب أو حجابه أو حبّته أو سويداؤه كالشّغف فيهما ويحرّك. وكمنعه أصاب شغافه وكفَرِحَ علق به، وكسَحَاب وغُرَاب داءٌ يأخذ تحت الشّراسيف من الشّق الأيمن، ووجع البطن، ووجع شغاف القلب، وكجبل موضع بعُمان، وقشر الغاف- والغاف شجر له ثمر حلو جدا- والمشغوف المجنون).

والشراسيف كعصافير مفردها شرسوف كعصفور وهو غضروف معلّق بكلّ ضلع، وهو الطّرف المشرف على البطن. فالشّغف إذًا هو التّعلّق بالشّخص الّذي يصل إلى حدّ الجنون.

بطلة الرّواية فتاة أرستقراطيّة من القدس تخرّجت من الجامعة الأمريكيّة في بيروت. تسمّى (حنين). وغلب عليها الحنين والحنان في جميع فصول القصّة، فعلاقتها بأبيها قائمة على الحنان، حيث كانا منسجمين، كلّ منهما حريص على إرضاء الآخر. وعلاقتها بزميلتيها سهى وخلود كذلك. وعلاقتها بوالدة يوسف اليهوديّة، وعلاقتها بيوسف كلّها شوق وحنان؛ حيث ملكت عليها كلّ مشاعرها وحواسّها، تلهج باسمه في كلّ مكان وحين، فعندما أفاقت من غيبوبتها -الّتي نقلت على أثرها إلى المستشفى- ورأت صديقتها سهى فوق رأسها قالت:

- أين أنا؟

- في المستشفى.

- ماذا حصل؟

- لقد فقدت وعيك، عليك الاهتمام بنفسك أكثر.

- ماذا حصل؟ هل هناك جديد مع يوسف؟ صفحة178.

فهي تسأل عمّا حصل مع يوسف، ولم تسأل عمّا أفقدها وعيها وجعلها في غيبوبة وأوصلها إلى المستشفى؛ لأنّ يوسف هو كلّ شيء في حياتها.

ويوسف ابن ذلك الفلاح القرويّ الفلسطينيّ الذي تعرّف (أي أبو يوسف) على فتاة يهوديّة فتزوّجها، وكانت ثمرة هذا الزواج يوسف. غير أنّ تلك اليهوديّة تركت زوجها وتركت له ابنه يوسف وتزوّجت من يهوديّ.

ولمّا نشأ يوسف حاول أن يتنكّر لكلّ ما يربطه بأمّه؛ لأنّه رأى ذلك عارًا وأنّ قومه قد يعيّرونه به. أمّا حنين فحاولت أن تفيد من أمّ يوسف –مستغلّة عاطفة الأمومة عندها- لإدخال يوسف إلى القدس والحصول على الهُوِيَّة الزّرقاء الّتي يحملها أهل القدس. وحاولت أن تخرجه –بوساطة أمّه- من حصاره في كنيسة المهد في بيت لحم مع المحاصرين، إلا أنّ يوسف رفض ذلك ولم يقبل به.

اسمعه يقول في صفحة162-163:(أردت أن أخبرك أنّ أمّك تعمل على إخراجك من الكنيسة. صعق يوسف من الخبر. صرخ بشدّة:

حنين أرجوك. لا تدعيها تفعل ذلك. إنّ هذا الأمر سيدمّرني. إنّها لا تدرك عواقبه. قولي لها ألّا تتدخل بالأمر.

أمّا مكان الشّغف فهو فلسطين كلّها وعلى الأخصّ القدس وبيت لحم ومقدّساتهما، وإن كان الكاتب قد عرّج في روايه على القاهرة ونِيْلِها وذلك عندما حضرت حنين مؤتمرًا حول دور المرأة العربيّة في المجتمع في القاهرة.

أمّا الحوار في الشغف –وهو العنصر الأهمّ من عناصر الرّواية- فقد جاء موفّقًا رائعًا سهلًا سلسًا بسيطًا مفهومًا. ولست مبالغًا إن قلت إنّه طغى على الرّواية، حيث غطّى ثُلُثَيْها فزاد على مئة صفحة. فمثلًا الفصل الحادي عشر فيه ثماني صَفَحَاتٍ من الْحوار والفصل كلّه عشْرُ صفَحات.

ولغة الرّواية لغة سهلة سلسة مفهومة واضحة، لا تعقيد فيها ولا تقعّر في اختيار مفرداتها حيث جاءت الجمل قصيرة مختصرة لا سيّما في الحوار.

ويلحظ القارئ الفرق الواضح عند عيسى قواسمي بين كتابه الأوّل (همس الظّلال) وروايته (الشّغف) في الكتابة والأسلوب والإبداع. وإن كانت الرّواية لم تخلُ من أخطاء نحويّة وإملائيّة، كان بالإمكان تصويبها لو دقّق الكاتب في ما كتب، وأنعم فيه النّظر؛ لأنّها أخطاء واضحة بيّنة، من السهل معرفتُها، وأسهل من ذلك تصويبُها. فليَنْتَبِه الكاتب إلى ذلك.

ومن إبداعات الكاتب في الشّغف أنّه كشف نهاية يوسف من بداية الرّواية، لكنّه سار في الرّواية سيرًا طبيعيًّا بحيث أنسى القارىء نهاية الرّواية وبقي يقرأ مستمتعًا بالقراءة باحثًا عن النّتيجة.

فإلى المزيد يا عيسى، وإلى الأمام يا أبا عمر.