كم حصاراً يتحمله مثقفو أمتنا؟
الكاتب الإسلامي "شريف الراس" وروايته "الورطة"
كم حصاراً يتحمله مثقفو أمتنا؟
|
|
الناقد : محمد القدوسي الكاتب : شريف الراس
عن وزارة الثقافة والإعلام العراقية صدرت الطبعة الأولى من رواية "الورطة" للكاتب السوري الساخر "شريف الراس".
وفي ختام الرواية التي تقع في 66 صفحة تنويه عن الجزء الثاني منها الذي لم يصلنا بعد.
ومنذ الورقة الأولى في "الورطة" يأخذنا شريف الراس بأسلوبه الممتع إلى أجواء الحكايات العربية القديمة، فتحت عنوان الرواية يقول المؤلف:"وفيها حكاية ما جرى لأستاذ الفلسفة محمود قاضي
القلعة (العبقري سابقاً) منذ لحظة وصوله إلى البلاد إلى أن نجا من الموت بأعجوبة."
وفضلاً عن أن المقولة تستعير أسلوب القاصّ العربي القديم، فهي تكشف مستور الرواية منذ بدايتها، إنها واحدة من آلاف قصص القمع المتشابهة في وطننا، ولا يبقى أمامنا غير متابعة التفاصيل والاستمتاع بأسلوب الكاتب القادر على رسم "ابتسامة ما" بين أكثر الأحداث مرارة.
لكن مرارة أحداث الورطة حاصرت الابتسامة تماماً كحصار شريف الراس ثلاثي الجدران بين سوريا والعراق ومصر.
الشخصيات ثرية الإنسانية، خاصة "محمود قاضي القلعة" أستاذ الفلسفة والكاتب الذي اختار العمل "نقاشاً" في السعودية (صباغ بعامية العراق ودهان بالعامية السورية) وحين قرر العودة وابنه عدنان بعد سنوات من السلبية والتفرغ لجمع المال فوجئ بتوقيفه في المطار، وبأن تلميذه السابق "النقيب خضور" سرق حقائبه وبأن ابنه قتل برصاص الشرطة –دون أدنى تهمة- على باب المسجد وزوجته فقدت عقلها، وأخيراً وجد نفسه معتقلاً مدى الحياة في سجن كمصيدة الفئران، لأن السلطات التي تقتل الأبرياء تخاف من الثأر فتعتقل أقارب الضحايا.
الوطن كله في زنزانة، هذا ما يكتشفه محمود قاضي القلعة وهو في السجن تحت رحمة سجانين مشوهين نفسياً، تحوطهم شكوك العمل تحت إمرة منظمة صهيونية.
وعندما مات خاله بين يديه، وتأكد من أن المعتقلين المرضى يقتلون ويستخدمون كقطع غيار بشرية لمرضى الكلى والعيون، بينما تسجل إدارة السجن أمام أسمائهم أنهم "قتلوا أثناء محاولة الهروب" وعندما التقى "محمود قاضي القلعة" بزميله "شكري" الرسام سابقاً ومورد الأغذية الفاسدة للمعتقل لاحقاً، بكى عمراً من السلبية، وأكذوبة فكرية ضللته وسلبته من هويته، وتمنى أن تواتيه فرصة تصحيح أخطاء ما فات.
وقد واتته الفرصة فعلاً ونجح في الهروب، مع ابنة أحد المعتقلين من مكتب مدير السجن حيث كان مكلفاً باغتصابها بدلاً من المدير العاجز، ومهدداًَ بالموت إن لم يفعل.
ويأتي الحل من أعلى عندما تهاجم الطائرات الحكومية زنزانات المعتقلين وتحصد ألفاً وسبعمائة معتقل في لحظة واحدة، لينتهز "قاضي القلعة" فوضى القصف ويهرب مع الفتاة، بينما الجرافات تدفن الجثث.
ولم تكن في حاجة لما كتبه شريف الراس في ختام روايته حيث قال:
"حوادث الحكاية –مع الأسف الشديد- كانت كلها نقلاً أميناً لوقائع حقيقية".
أما ما حدث بعد ذلك فمسجل في الجزء الثاني الذي كتبه المؤلف ولم يصلنا حتى الآن، وليس لنا إلا أن نصبر ونسأل: كم حصاراً يتحمله مثقفو أمتنا؟