قراءة في قصيدة (هاجر) للدكتور كمال غنيم
قراءة في قصيدة (هاجر) للدكتور كمال غنيم
نقد وتحليل
الدكتور/ يوسف رزقة
أستاذ الأدب والنقد المشارك
هاجر القرن العشرين قصيدة الشاعر كمال غنيم هي ثنائية الماضي والحاضر، الإيجاب والسلب، الإيمان واللاإيمان، العمل واللاعمل.
وهي بنية من أربعة مقاطع، الأول والثاني فيها يمثلان (الحاضر، السالب)، والذي أشار إليه النص باسم الإشارة (هذي)، وهو دال يمتلئ شهوداً وحضوراً وتشخصاً، وعرفه منذ السطر الأول بالصحراء الممتدة والمضافة لكاف الخطاب، وكاف الخطاب هنا
ليس علماً فرداً بعينه، وإنما علماً متكرراً، هو هاجر (الأم، المرأة)؛ التي ترنو إلى حياة كريمة لا تجدها ولا تجد عوناً على الوصول إليها، ومن ثمة دوال هذا المقطع مشبعة بالسلب/ الواقع المعاصر: (الصحراء، القحط، الشمس الحارقة، النار، الرعد المزيف، العقم، الدمع والعربدة)، ونهاية الأمر: لا حياة، بل عقم تركله أقدام (الصبية، البراءة والحياة والمستقبل).
وفي حوارية المناشدة (ألا تتركنا) بين المتحدثة هاجر والآخر يستمر السلب والعقم، يجسده التكرار في دال النص (لا) بعد الإعلان عن الظمأ ونزيف الدم والموت في السطرين الثاني والثالث:
رحماك فلا كبش يثغو،
رحماك ولا نبع يتفجر تحت الأقدام.
رحماك ولا أفئدة تهوي،
لا أسمع خطوات قادمة،
لا أسمع حتى همس الأقلام!
وهذا نفي وتكرير يتم معنى الصحراء والامتداد في مطلع النص (هذي صحراؤك تمتد)، وتتعمق دلالة السلب والألم بتكرير دعاء الرحمة المحشو برجاء لا أمل في تحققه:
رحماك فلا كبش يثغو،
رحماك ولا نبع يتفجر تحت الأقدام.
رحماك ولا أفئدة تهوي،
ولعل في طباق الخطوات والهمس ما يؤكد الفشل، وينشره على أوسع مدى في رؤية المتحدثة للواقع.
***
وفي حركة تقابلية يتحدث النص في المقطع الثالث والرابع حديثاً أطول عن الماضي (الإيجابية والعطاء) والمستقبل (التفاؤل والعمل). وهذا بدوره يلقي ظلالاً مفيدة على المعنى في المقطع الأول والثاني، وهنا تقابلنا الدوال: (النبع، الصبر، التحنان، انشقاق الصخر، وتفتح الآفاق، ومحو الجدب... وهز النخل)، فضلاً عن الدوال ( الإيمان والعمل) المتكررة في المقطعين:
- إيمانك والسعي جناحا عشق وحنانِ
- لولا إيمانك والخطوات العجلى
ما انبثق النور مع النبعِ،
ما جاءت أفئدة تهوي،
تسعى بالخيرِ،
وترفع رايات النصرِ.
(إيمان وعمل) هو العنوان المناسب لمقطع الحياة الموجبة، الإيجابية التي تنبع من الدوال الاسمية بما تحمل من ثبات ورسوخ: (النور، الخير، النبع، الفجر)، ودوال الأفعال بما تبعث من حركة وتجديد وحيوية: (أنتزع الأشواك، أسافر نحو الخير، أحرث هذا الكون، أقلع جذور البؤس، تمحو الجدب، تفجر ينبوع الخير، يطلع نور الفجر، تسعى بالخير، ترفع رايات النصر).
وهي إيجابية تولد من رحم السلب والصراع والمدافعة: فالرحلة ليست سهلة والدرب طويل، والكون بدر، والأشواك في القدمين، وجذور البؤس تنشر العتمة.
والمدافعة حياة، والمقطع مفعم بحيوية الحركة بين (الأنا، المتحدثة) والآخر في حركة موجبة يظللها الحب والرغبة في النصر:
أحتاج إليك لأحرث هذا الكونَ
وأقلع منه جذور البؤسِ،
مازلت أسافر نحو الخيرِ،
وأنت بقلبي.
وخلاصة القول إن أردنا الإطراء، والنص يستحق منا ذلك، فالخيال واسع والأفكار غنية، وحركة الحوار والصراع والتقابل أكسبت النص جمالاً ومعنىً، وقد وظف النص اللغة والأساليب خير توظيف، وكان للتناص والاستمداد من القران حضور مهم في النص.