المعنى القصصي وتناوب علامات القص

المعنى القصصي

وتناوب علامات القص

 

مدخل تنظيري  في ضوء " أحسن القصص "

سورة يوسف

ومخرج تطبيقي  أو قراءة  في مجموعة  حالة موت

 للقاص  نعيم الغول

عباس أمير معارز

أولا : مدخل تنظيري

لا قص بلا حكاية ، ولا حكاية  بلا أثر .وعمل القاص وفعله هو تتبع أثر الحكاية  بوصفها قاضيا .فالقاص  يستحضر أو يستنبت الحكاية  ثانية ولكن في أرضية جديدة ،  أرضية  خاصة به دون غيره ؛ فإذا كان الاستنبات كذلك، حقق القاص لنفسه ولقصته فرديته الأسلوبية.

الحكاية واحدة ولكن الذين يقتصون الأثر غير ولكل مقتص طريقته في تتبع الأثر ولكل درجة تنقص أو تزيد مقارنة بغيره من حيث قدرته في تتبع الثر .

والذي يفعله القاص وهو يستنبت الحكاية استنباتها الذي هو استنبات فني  انه يصرف الحكاية عن تسلسلها ،فيوقف جريان الحدث في الزمان . وهو إذ يوقفه فانه يؤجل حركته المتسارعة المنتظمة ،ولا يوقفه إلا ليعيد تشكيله بما يسمح لعنصر التشوق أو الترقب أو التوقع وضده أن يكون منسربا في ثنايا القص الجديد ،أو الإجراء الجديد، أو الاستنبات الجديد للحكاية .وها هنا يتوقف الزمن الحكائي ،أو لنقل يتحول الى أثر ليس غير فيظهر الزمن القصصي ،والزمن القصصي زمن فكري نفسي فني يقتطع الزمان الرتيب ويمفصله أو لنقل يعيد حركيته بحيث تكون حركية اسبه بحركية التيار الكهربائي المتناوب منها بحركية التيار الكهربائي المستمر، وهذا ما يجعل القراءة البلاغية  للقص تؤثر في الزمن القصصي ،أو تبين مظاهره الفنية أي مظاهر منه . ومن تلك المظاهر :

1-     تسريع القص . يوسف 10-11

2-      تغييب الشخصية الرئيسية أو العلامة القصصية ثم إظهارها بالتناوب وبلا مباشرة أو تعتيم .يوسف 9-10

3-     ويؤدي تغييب الشخصية أو محاولة تغييبها الى انتفتا الجملة القصصية أو المشهد القصصي على التأويل والترميز والتأويل ها هنا هو إعادة القص لحاضر الى القص الغائب وتعليق الشخصية الحاضرة بالغائبة  والحدث الآني بالحدث المنجز أو الذي سيكون وهذا ما يجعل القارئ مستفزا تماما مقترحا الحلول أو الإجراءات التي قد توافق مجريات القص اتي لم يصل القارئ إليها بعد وقد تختلف معها فيكون التوافق  نوعا من طمأنة القارئ  ودفعه الى مزيد من المتابعة وتتبع القصصي  ويكون الاختلاف نوعا من تحضير القارئ وتشويق إلى إمساك بكشف القصة من جهة ومن جهة ثانية عدم تضحية القاص بتواصل القارئ ( الجب  ورمزيته) ( الآية .. )

4-     الاسترجاع والاستذكار مرة والاستشراف مرة أخرى ( يوسف 84 ) و(يوسف 87 .)

ان صرف الحكاية عن وجهتها ( آية : ان يسرق فقد سرق أخ له من قبل . فأسرها يوسف في نفسه ولم يبدها لهم )آية 77 ) يعني تحويلها الى جهة اخرى من جهاتها، فإذا كانت الجهة الحاضرة هي فقدان بنيامين ،فالجهة الغائبة هي فقدان يوسف . وإذا كانت الجهة الحاضرة الظن بأن بنيامين سارق فالجهة الغائبة هي ادعاء بأن يوسف سارق . . .

هذا الرجوع من القص الحاضر الى استذكار القص يؤدي الى تأجيل الحصول على نهاية القص ،وأيضا يؤدي الى إثراء الشعبة الرئيسة للبناء القصي بمجمله من خلال تلقيح الحدث الرئيس بحدث مثله ،ولكن من جهة أخرى استحضار القص الماضي  يعني ان القاص يعمل على إثراء القص الحاضر ،وهذا ما يشكل قصا جديدا في ثنايا القص الرئيس، والإجراء القصصي هنا هو تفريع القص أو تغصينه على وفق ما يكون للبذرة بعد استنباتها وظهور عودها الأول ثم تشعب  هذا العود الى غير قليل عند الأغصان والأوراق والاتجاهات والهيئات أو الكيفيات .ان هذا التغصين الاستذكاري الذي يجري في ثنايا القص مقابله التغصين الاستشرافي الذي بموجبه يجيء القاص بحدث لم يحن حينه بعد ليلقح به الحدث الذي تم إيقافه في الزمن الحاضر . وبموجبه يكون القاص قد سرع جريان القص بعد أن أبطأ جريانه بالاستذكار، وبموجب الإبطاء و التسريع يكون الزمن الحاضر متشظيا الى ماض ومستقبل، وبين الأزمان الثلاثة  ممازجة وتتداخل ، وبموجبه تتداخل الأحداث وتتمرأى الأمكنة؛ فيصير المكان الذي يجري فيه الحدث اكثر من مكان ، وتصير الشخصية اكثر من شخصية ،ويصير الزمن أكثر من زمن ،وكذلك يصير الحدث .. . مع العلم أن الشخصية واحدة، وكذلك المكان والزمان والحدث؛  وغالبا ما يكون الأمر كذلك . وهذه هي خصوصية القصة القصيرة مقارنة بالرواية  حيث  الأمكنة والأحداث والأزمنة والشخصيات المتعددة ،ولكن حركية القصة القصيرة  تكثير الواحد بينما حركية الرواية  توحيد المتكثرات .

5-     كيدية القص وما يترتب على الكيدية من مفاجأة وكسر توقع

)ولما فتحوا متاعهم وجدوا بضاعتهم ردت إليهم ) يوسف 65

ثم ما تسفر عنه الكيدية من قصدية مضمرة:
(وقال يا بني لا تدخلوا من باب واحد وادخلوا من أبواب متفرقة )   يوسف 67

6-      أرضية القص  : دعوة القاص قارئه الى تبني وجهة نظره الفكرية و النفسية والجمالية  فالأرضية استمالة القارئ ومحاولة إدخاله طوعا في أجواء النص .. .. آية

 

( يا صاحبي السجن أأرباب متفرقون خير أم الله الواحد القهار )       يوسف 39 .

( يا صاحبي السجن أما احدكما فبسقي ربه خمرا وأما الآخر فيصلب فتأكل الطير من رأسه  قضي الامر الذي فيه تستفتيان )         يوسف 41

ثانيا : المخرج التطبيقي

1-  المحور الفكري  وتناوب عمليات القص ـ ثمة علاقة وثيقة بين المرتكز الفكري للقص  والمرتكز الجمالي .مرتكز الحسن . فالفكرة هي التي تبثق مظهرها الخارجي من حيث وسائل وطرائق قص ؛ لهذا اختلفت طرق معالجة الفكرة، وتعدت وسائل عرض الشخصيات في المجموعة فأنت لا تجد أسلوبا واحدا وطريقة بعينها تتكرر في كل قصة . واما تجد طرائق عدة وأساليب قص مختلفة  من مثل الاعتماد على الاستذكار مرة، أو ما يسمى بالتداعي، أو الحوار الداخلي  أو الاعتماد على التلبث والتاني في عرض المشهد القصصي  حتى يكون القاص  قد استوفى زوايا الرؤية القصصية جلها مرة اخرى , وتجده ثالثة يعتمد على الحوار بوصفه أسلوب قص فيجيد . كما أجاد في اعتماده على الوصف في قصص أخرى . ثم هو يختفي وراء شخصياته مرة، ويصرح بحضوره مرة . ويراوح بين التصريح، ويعدمه ثالثة ؛فيزاوج بين ما يقوله القاص، ويجسد وجهة نظره بين ما تقوله الشخصية؛ فيتبنى آراء شخصية بعينها ويرفض تماما آراء اخرى . ودوما غاية نعيم الغول هي تحفيز المتلقي واستمالته الى مزيد من أعمال الفكر، وممارسة التأمل الروحي كما مارسه هو حين اتخذ لقدراته الجمالية أكثر من موضوع، ثم اختار الانطلاق من البعد العميق في موضوعه الى حيث ماهر ذلك البعد ؛ فكانت الحوادث ذات البعد الواقعي معبرا لنعيم كما يقول ما يريد قوله فكريا عن طريق القص وحسنه.

2-  تحولات اللغة القصصية  : ولقد اتخذ القاص لذلك لغة قصصية مكثفة غالبا تتميز مما تتميز به بالثراء الدلالي، والقدرة على أن تكون المفردة علامة دلالية تفضي الى غيرها من العلامات، سواء كانت هذه المفردة جملة وصف أو جملة حوار ،خارجيا كان أو داخليا. ولقد استنبت القاص لغته في موضوع قصته في كل مرة ؛فكانت زاوية نظره إلى موضوعه أو رؤيته الإبداعية المختلفة سببا لاستدعاء معجم قصصي متميز بدا من خلالها القاص  وكأنه لم يفته أبدا الاهتمام المسبق لنصه الذي يريد أن يكتبه. ولهذا كانت نصوصه تتميز غالبا لا دائما بامتلاكه منطق الكتابة القصصية الناجحة وكذلك هو مجمل نصوصه وخاصة في النص الذي يحمل عنوان خبر عاجل . ومن بعد فان نصوصه تمتلك القدرة على التحول باللغة القصصية من جهة الى أخرى ،  من الصلابة والقوة الى الرقة والليونة، من الواقعية المريرة إلى الرومانسية الشفيفة ، من الحكمة السلسلة الى السخرية المريرة ، وكذلك في غير قليل من نصوصه التي يزيد الأمر تبيانا لتلك القدرة  ان القاص لا يعجزه أو يعقد الحدث بالحدث مع ما بينهما من بون وبعد ومفارقة ظاهرة . وكذلك بدا لي الأمر وخاصة في نص (بانتظار جودو) وهو يربط بين مسرحية بانتظار جودو "لبيكيت"  وبين المقاتلين الذي يترقبون تنفيذ مهمتهم القتالية بانتظار ساعة الصفر، والطفل الصغير الصبي رابع اؤلئك الثلاثة ،وكذلك هو بانتظار التعرف على (جودو) لا من على شاشات الفضائيات وانما حيث ساحة المعركة .

3-  أرضية القص : كلما أمعنت قراءة النصوص للبحث عن قراءة جامعة للمجموعة برمتها وحين يفرغ القارئ من القراءة أولى التي هي قراءة المتعة والتذوق ثم يعيد القراءة  التي هي قراءة التدبر والبحث عن المدلول الرمزي أو البحث عن الخطاب القصصي الكامن في ثنايا النصوص جميعا  فانه سيجد ان الأرضية التي تستنبت فيها النصوص جميع هي أرضية واحدة وأنا هنا لا أقصد ( المكان ) من حيث هو مصطلح نقدي غربي وإنما اقصد الأرض الواسع التي تتوزع على الأمكنة جميعا وعلى اختلافها . هذه الأرضية الجامعة هي القاسم المشترك بين نصوص المجموعة كلها. وكأن الموت الذي اتخذ لنفسه ان يكون المضاف إليه ضمن العنوان الكبير الذي هو عنوان المجموعة (حالة موت ) حتى إننا إذا بحثنا عن أرضية الموت في القصص جميعا وجدنا ان الموت من حيث هو موت اعتباراي أو موت حقيقي موجود في كل نص من النصوص الستة عشر . والمفارقة ان يصير المسجد مساحة للموت الاعتباري المر ، وهذا ما جرى في قصة (زوجتي  والمفتاح) فما بالك في بقية الأمكنة .  

المكان الوحيد الذي شكل علاقة مفارقة مع بقية الأمكنة في المجموعة هو السجن في قصة( السجين ).وها هنا تنبني المفارقة القصصية بين نصين: نص( السجين )،ونص( زوجتي والمفتاح)؛ فيصير المسجد مكانا للموت الخارجي ،ولكنه مكان للحياة الداخلية وفق منظور القصص ورؤية القاص ؛ فيما يصير المسجد "مسجد المستعجلين" مكانا للحياة الظاهرة، ولكنه مكان الموت الباطن . ولك ان تعمم هذه البنية  بنية التضاد والتوازي على جميع النصوص .

1-    الاسترجاع والتذكر

              في قصة الطوق :

يبدأ القص بأرضية ن يتحدث فيها القاص  مداخلا بين ذاته وذات السارد ( الشخصية الرئيسية) . هكذا ؛

" كانت تقول بأن منتهى طموحها  كسر الطوق ،وكنت تصغي  إليها باهتمام، وحاولت ان تعرف بأي معنى تريد كسر الطوق ؛ فالأمر يهمك."

والاستمالة هنا ، استمالة القارئ  كيما يقترح محاولة  حلوله الخاصة لماهية هذا الطوق ، وكيفية كسره ، فالقاص  هنا يطالبنا بالإصغاء إليه لا إلى المرأة التي شرع النص بتبيان طموحها ،وإصغاؤنا إليه يعني استسلامنا له ، وهو يكسر  الطوق من خلال  محاولة الفتاة كسر  الطوق ..والذي بين هذا الكسر وذاك مقابلة ومواجهة ، وأيضا بينهما اختلاف ..

ونظن أن النص  في جملته  الثانية سيتابع قص الحدث الأول ..ولكنه يستوقفه ، ليجيء  في  الجملة التالية  لهذه الفقرة  بما يشكل  شروع القاص  في قصقصة  الحدث  أو تقطيع أوصاله فيقول :" كان يحدث نفسه  بصوت مسموع ، نظر الى وجهه .." ( ص 14). وها هنا سيبدأ الاستذكار  وسيشكل  الاستذكار سمة هذا النص  على وفق ما حددنا معالمه في النقطة الرابعة من المدخل ، ثم سنجد في النهاية  أن محاولة الفتاة كسر الطوق والتمرد على الأهل ، يقابلها سعي  شخصية ذلك الشاب  الى كسر طوق آخر  ، هو طوق  المظاهر والاعتبارات البالية تلك التي وقعت هي ضحيتها بدليل أنها حينما حدثته عن مظاهر  او نتائج كسرها للطوق ، كانت النتيجة  شراء الكثير من الفساتين ومعرفة وافية بشوارع عمان وارتياد المطاعم والإلمام بأسماء  سيارات التاكسي  والمقاهي  ودور السينما او دور العرض  السيمي ..

أما هو وقد كان يتهيأ للخروج الى عقد قرانه، وفي هذه اللحظات جرى  ويجري القص  أمام المرآة ، فقط (ص 14 ، ص 17).

وهكذا يتضح لنا أن القص  يجري في ثوان أو لنقل  دقائق  معدودة  من الزمن الحكائي ، ولكنه من حيث الزمان القصصي ، زمن ممتد ، زمن يتجاوز الدقائق  ، إلى أمام . ثم الى سنين انصرمت ربت فيها أبوه على كتفه وهو يحتضر  قائلا لأمه :" أريده رجلا من بعدي .. لا ينخدع ببنات هذه الأيام ، زوجيه بنتا من طينتنا"

ولتبين هذه الحقيقة  نستطيع ان نجري اقتراح قراءة أخرى للنص ، على وفق بلاغة  الاقتطاع ، فنقرأ النص ، صفحته الأولى وبعضا من صفحته الثانية ، ثم نتجاوز أكثر من صفحتين لنجري  لحمة أخرى  للنص من خلال  تعليق  المقطع الأخير  من الصفحة الأخيرة  بما سبق من الأولى  وبعضا من الثانية.

2-    تغييب العلامة :

     في   قصة السجين

وهنا غيب القاص الحدث الرئيس الذي جعل من الشاب سجينا وجعل  من ذلك الرجل ـ الضابط ـ يتفنن في تعذيبه  ويتعجب من عدم اعترافه بألم التعذيب . جاء ذلك في النص :" قفزت ضحكة مدوية من فم الرجل الذي استطرد قائلا :" هل تخشى العار ان فلت آه ، او بحت بشيء؟! ومن سيعرف ؟ وركله في خاصرته ، وتابع :" لم تقل حتى ولا آخ " ووضع حذاءه على رقبته ، وهتف بتشنج:" ولا آي ولا اوو ..  الليلة .. الليلة .. وعدت نفسي ان اسمع  الاخ والاه والاوو والاي ..  لا شيء غير ذلك . " ص 36

ولقد استعاض عن ذلك بحدث التعذيب  نفسه ، وعلى وفق تصويري أخاذ وبتتابع حركي مركز ، يدعونا فعلا الى العود الى مفتتح النص : إذ يشرع القاص بتركيز حواسه  الجمالية على شخصيته الرئيسية فيقول: كل حواسه تركزت على باب الزنزانة الحديدي الضخم . حين سمع صوت المفتاح يدور في القفل " طق .. طق.. طق " واخذت دقات قلبه تتسارع ، وقفز قلبه من بين  أضلاعه حتى سد انفه .. وتوالت انفاسه ، وتصبب عرقا . بدا انه يعرف ماذا يعني ان يفتح باب الزنزانة  في الواحدة بعد منتصف الليل  اذ تراجع بسرغة الى اقصى الزنزانة في الزاوية . لكن يده اصطدمت بسطل وضع ليبول فيه .. فسال البول على الارض  . فابتلت يداه وظهره به"  ص 34

وفي شروع القاص لتعليم وترسيم حدود نصه وحركية حدثه ، دعوة  ضمنية كيما نركز حواسنا كلها على ما يجري ، ولقد نجح القاص حقا ،وهو يرد الحدث الى الآخر ، فتكون كل مرة من مرات التعذيب صورة لغيرها ..وهكذا في بنية مشهدية ثرية لم تستلزم من الأمكنة إلا ما تتطلبه زنزانة ولم تستدع من الشخصيات إلا شخصية واحدة لم تقل ولا كلمة واحدة ، ولكنها قالت الكثير ودون ان يخل صمتها بمجريات النص وبلاغته.

وفي تقديري ان النص كان سيبلغ ذروة النجاح لو توفر له ما يلي:

أ-كان يجب  في ضوء معيار تغييب العلامة ان لا يكون  العنوان " السجين " . وكان يمكن ان يكون " القفل " مما جاء في وصف الباب او لمعان بارد " مما جاء في وصف عيني السجان  او " ارتعاشات " مما جاء في اخر النص.

ب- وكان يجب ألا يصرح ان الباب باب زنزانة ، وان الذي دخل  هو جندي  وان سلسالا يتدلى من رقبته  تتوسطه نجمة سداسية ـ . بداية هو ليس سلسال وإنما سلسلة لان السلسال هو الماء العذب ..

3-    الانفتاح القصصي على التأويل

                           قصة حالة موت

في " حالة موت " وهي القصة التي  تحمل المجموعة  عنوانها ؛ يبدأ القص من الأزمة  القصصية ، وكذلك جل  نصوص المجموعة ن وهذا ما يشكل ميزة وتميزا للنص ؛ ذلك ان النص الناجح  هو النص الذي يبدأ  بالأزمة عينها ، ثم يبدأ يطوي  ما قبل الأزمة وما بعدها أي ما يترتب عليها من  حلول واقتراحات ، على الأزمة فتنفتح الأزمة على حدود القص بكل جوانبه ،ويكون القص الاستذكاري  والاستشرافي ، سببا لتفكيك الأزمة ثم اعادة بنائها او استنبات حدثها قصصيا ..ويستدعي التفكيك المزيد من المقابلات القصصية بين جمل قصصية ورموز ، كلها تشكل مفاتيح النص  التي بوساطتها  تصير الأزمة مرجعا  للنص  ليس  غير ، أما النص  فهو ما يعلق  بذلك المرجع وما يصدر  عنه بعد أن ينهل من منهله.

ولهذا جاء في يوسف ؛ أولها " يا ابت إني رأيت أحد عشر كوكبا والشمس والقمر  رأيتهم لي ساجدين ، قال يا بني  لا تقصص رؤياك على اخوتك فيكيدوا لك كيدا" يوسف 4/ 5 .

وهذا يعني  أن الذي  يجب  بعد الشروع بإراءة الحدث للقارئ من قبل القاص ، هو إجراء مقابلات قصصية مؤجلة  من خلال  أحداث أخرى تصب جميعها في مصب  الآراء الأولى ، بعد ان تكون من حيث العمق  الفكري  و النفسي قد صدرت عنها أصلا..

لهذا كله نرى الى قصة  حالة موت على أنها  وهي تعرض لحال شاب فلسطيني  وجد أمه وأخاه ابن التاسعة  وقد فقدا الحياة بفعل  رصاصتي قناص  رصدهما من على سطح إحدى البنايات المقابلة  وذلك بعد ان حاول  الطفل ابن التاسعة مشاهدة ما يجري  من خلال نافذة الشقة  التي يسكن وأمه واوه ، وكان الذي يجري  ان الصهاينة المحتلين أصابوا شابا فلسطينيا برصاصهم ثم طفقوا يجرونه من رجليه ليرموا به قرب إحدى المدرعات .. ثم يتحول  الطفل بعينيه  الى سيارة  أبو ماجد وقد شرعت الجرافات بطحنهما ، وإذ  هو كذلك يقتنصه القناص ، فتندفع أمه فتهوي هي  الأخرى على مقربة منه وقد أصابتها  الرصاصة  في أعلى رأسها  فيما اخترقت  الأولى صدر  عمر حيث القلب  بالضبط.

أما ماجد ، ويبدو انه كان بعيدا عن عمر  وأمه لحظتها فيشرع القاص بعرضه علينا في السطر الأول من القصة وهو يتحسس من أمه وأخيه . ص 105 .

ويستمر النص  كذلك وهو يقابل  بين الموت والحياة ، والحرية و الاغتصاب  والوطن واللاوطن ، والزمن واللازمن .

ودائما ثمة فتحتان ، يقابلان ما أحدثته رصاصتا القناص  في رأس الأم  وصدر الأخ ؛ فهناك حقيبتان ( ص 106) وهناك طريقتان لإغلاق العيون أو سببان ؛ النوم والموت (ص 107)، وهناك حبة ملبس  في فم عمر  وسجين في سجن الاحتلال  هو الأب ، وقد جرى ذكره اللحظة وفي هذا الموضع من القص  ص 107 وهناك مرتان حاول من خلالهما ماجد إخراج الحبة  من فم عمر ص 108 ، وهناك لحظتان تداخل  فيهما الماقبل  بالمابعد ،فلا يمكن إيقاف زمن الموت ولا يمكن تلمس هنيهة من زمن للإدراك والوعي واللحاق  بحركة الموت والإماتة ص 108 ،

وهو دائما بين جسدين هامدين ؛جسد الأم وجسد الابن ، جسد الماضي وجسد المستقبل وليس لثالث الموتين إلا الموت ، فهو ابن الأم و أخ الطفل ، وهو ابن الماضي والمستقبل و لا أمل بحياة غير حياة الموت ولكن بإرادة اخرى ص 108 .

وهناك شرشف وبطانية ، لتغطية الجسدين ،وهما لغير الموتى  ولكن أمه لا ترضى لمعزة الشرشف والبطانية عندها  ثم وبناء عليه تجيء اقتراحات ، فاليافطة ، يافطة الانتفاضة التي كان يعد لها ماجد ورفاقه هي اللائقة بالتغطية وسيكون المكتوب عليها " حرية الدفن " ذلك ان الحصار شديد و لا يمكن الخروج في أثناء الحصار لدفن الموتى ، فهناك إذن شعاران يكتبان على اليافطة  ؛ الأول كان مخططا له ان يكون " حاصر حصارك " لدرويش ، ولكن الذي اقترحه الموت اعنف من درويش على ما هو عليه من عنف ، فكان الشعار الذي اقترحه ماجد ليدفن والديه هو " حرية للدفن " .

والشعار أيضا كلمتان ؛ حرية و للدفن .." 

ولكن كلمة الدفن تحمل معنيين ، لهذا بدت مشوشة  إذ خطها ماجد بدم أخيه الصغير بعد ان تصرف ذلك الصغير بالطلاء حينما كان حيا ، وها هنا استبدالان  أولا استبدال الدم بالطلاء  واستبدال الشعار الثاني بالشعار الأول ، ولكن الدفن كما جاء في القصة ص 111 مشوش فلا يمكن للحرية ان تدفن وان دفن الموتى ، وان دفن الشعب ، وقد يكون للمقطع "فن " من الكلمة بعده الرمزي والتأويلي الكبير ، خاصة حينما نقرن كلمة فن باللهو والانشغال بزينة الحياة الدنيا .. مما كان منه الأمة التي يعدل ماجد عن كتابة  ما يشير  إليها على لافتته، ألا وهو شعار " العرب قادمون" ، وبعد ان تقدم يرفع اليافطة ، كان ثمة متقابلين ، اليافطة أمامه والدبابة خلفه .. ص 113 .

وحينما جعلت اليافطة ترفرف  حيث جسده بفعل  من الريح كان الذي غطته اليافطة من جسده  الذي هرسته الدبابة هو جزء ، فكان ثمة جزءان ، جزء ظاهر  من اليافطة  وهو الذي  كتب عليه الشعار ، والذي  ظهر من الشعار  هو " حرية " وحسب .

وهكذا يدفن القاص ماجدا ولا يدفنه ، ثم هو ترك أمه وأخاه الصغير بلا دفن أو تغطية ، وغطاه هو ، فهو الحاضر  المغطى  ، أما أمه ، أو أمته وأما ابن التاسعة الذي يمثل المستقبل  فما زالا لم يدفنا بعد .

وبمجمل القول ،

-         لقد أشعرتني قصة  " خبر عاجل " بقدرات كاريكاتورية  او بكاريكاتور قصصي ، خاصة و القاص يتنقل بسرعة فائقة  دونما ان تخل عجالته بمتطلبات الحدث وما ينبثق  منه الحدث ويريد ان يطرقه او يوصله من خطاب قصصي .

-          في قصة أحلام السيدة فضيلة ، كان إجراء  القص  عن طريق الحوار ، إجراء ناجحا ومميزا ولقد حقق ما يمكن للوصف  ان يحققه لو اعتمد  القاص على الوصف ..

ولكني تمنيت على القاص  ان لو جعل  الحوار الذي جاء على لسان المرشدة  اكثر تكثيفا فقطعه عند " أنت والمرشدة والطبيب " ص 120  ثم يجيء ما بعد ذلك على لسان القاص نفسه.- لست مع المباشرة  وسحب النص الى الواقعي  في نهاية "قصة شقة"  للبيع ص 67 .كان يمكن استنبات الحدث بطريقة  اكثر مواربة  ومكايدة