مقاربات في نظرية التلقي في القرآن الكريم
د. أسامة عبد العزيز جاب الله
كلية الآداب – جامعة كفر الشيخ
بسم الله الرحمن الرحيم
تحاول هذه (المقاربة ) التعامل مع معطيات النص القرآني بما يحويه من ألوان الإعجاز المتنوعة ، التي تتنوع في مداخلها ، وتتلون مباحثها وفقا لمدارات خاصة بهذا النص ( المقدس ) .
كما أن المشهد النقدي يعج في الوقت الحالي بصراخ ( عالي النبرة ) عن دور القارئ ، وخصوصية التلقي من خلال معالجات نقدية لإبداعات بشرية لها صفة ( عدم الاكتمال ) دوماً ، وذلك لأنها بحاجة إلى ( قارئ منتج ) لا إلى قارئ ( مستهلك ) وذلك حتى يتسنى للنص الإبداعي أن يحيا .
- قوله تعالى في سورة النور: (سُورَةٌ أَنزَلْنَاهَا وَفَرَضْنَاهَا وَأَنزَلْنَا فِيهَا آيَاتٍ بَيِّنَاتٍ لَّعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ {1}
- وقوله تعالى في سورة الفرقان: (وَلَقَدْ صَرَّفْنَاهُ بَيْنَهُمْ لِيَذَّكَّرُوا فَأَبَى أَكْثَرُ النَّاسِ إِلَّا كُفُوراً {50}
- وقوله تعالى في سورة الزخرف : (حم {1} وَالْكِتَابِ الْمُبِينِ {2} إِنَّا جَعَلْنَاهُ قُرْآناً عَرَبِيّاً لَّعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ {3} ،
- وقوله تعالى في سورة القمر : (وَلَقَدْ يَسَّرْنَا الْقُرْآنَ لِلذِّكْرِ فَهَلْ مِن مُّدَّكِرٍ {17} ,
وغير ذلك الكثير من الآيات الداعية إلى بعث هذا المتلقي من الرقاد ..
وهذه الدعوة القرآنية تصوغ لهذا ( المتلقي ) منهجا يسير عليه عند ولوجه في دروب النص القرآني ، لكنها تترك له حرية اختيار وسائله وأدواته ، بل وتمنحه صفة ( الاجتهاد ) في ممارساته ، وتحيط هذا ( الاجتهاد ) بسياج من الترغيب لمعاودة هذه الممارسات .
وانطلاقا مما سبق نبتت فكرة هذه المقاربة ،إذ كانت الأسئلة تحوم حول الفكرة لعلها تجد لها صيدا أو قنصا من الإجابات . ومن أمثلة هذا التساؤلات :
- لماذا لا نؤصل لنظرية التلقي في النص القرآني ، والقرآن أول من صاغ هذه النظرية ؟ ولم لا نحدد شكل المتلقي الذي حاول النص القرآني صوغه وصناعته ( على عينه ) من خلال دعوته لممارسة هذا التلقي ؟ !
- ولم لا نحدد أنماط وأشكال المتلقين من خلال الرؤية القرآنية ذاتها ؟!
- وهل توجد حدود للتلقي القرآني لا يجب أن نتعداها ؟
- وهل هناك عملية إنتاج لمفاهيم تدور حول النص القرآني ( عملية إعادة القراءة ) ؟!
- وهل دور القارئ مع النص القرآني يتسم دوما بالسلبية ، أم أن دعوة القرآن لبناء متلقٍ ( إيجابي ) تجبّ هذه النظرة ، وهي أهم ما ميز الدعوة القرآنية للتلقي ؟!
- وكيف كان حال أول متلقٍ - نعرفه - للنص القرآني ( الرسول – صلى الله عليه وسلم - ) ؟! وحال صحابته الكرام في ممارسة هذا التلقي ؟ و( رد فعل ) الرسول – صلى الله عليه وسلم – إزاء هذا التلقي من صحابته – رضوان الله عليهم - ؟!
- وهل يعد المفسرون للنص القرآني من أنماط المتلقين للنص القرآني ؟!
- وهل اختلفت صور تلقينا للنص القرآني عن تلقي الأوائل ؟ وما مدى هذا الاختلاف وتأثيره على عملية التلقي ذاتها ؟!
- وهل معرفة لغة النص قبل أن نخوض غماره من أساسيات هذا التلقي ؟ وهذا ما منح الأوائل بعض مميزات التلقي وفضائله ؟
من كل هذه الأسئلة صيغت فكرة هذه الدراسة التي اعتمدت في بناء هيكلها على منهج التحليل الذوقي ، مشفوعة في ثناياها بأدوات البحث الأسلوبي ، وإجراءات التحليل النصي والوصفي معاً .
ولا نبعد كثيرا إذا ما اشرنا إلى أن هذه المقاربة هي فاتحة لأبحاث تالية لتأصيل ما نحاول وسمه وصوغه ووصفه بنظرية ( التلقي القرآني ) إذ البحث في هذا المجال شيق يحتاج إلى الإمعان ثم الإمعان في الإمعان ، أو الغوص على مكنونات لغتنا ، ومن ثم نصنا المقدس ( القرآن الكريم ) وذلك أملا في لمح بعض الشذرات الإعجازية لهذا النص القرآني .
بسم الله الرحمن الرحيم
سورة محمد صلى الله عليه وسلم..