رواية "كانوا همجاً"
رواية: ( كانوا همجاً)
للكاتب عبد الودود يوسف
رؤية أدبية مستقبلية لواقع
الخلافة الراشدة القادمة!! (*)
|
|
عبد الودود يوسف د. كمال أحمد غنيم
بقلم : الدكتور كمال أحمد غنيم
لا تعتبر تجربة الكاتب العملية محوراً وحيداً للعملية الإبداعية، حيث تتضافر التجربة مع معطيات واقعية أخرى، وتتفاعل مع معطيات شعورية خيالية، لا تدور إلا في وجدان الكاتب، وبالتالي لا يمكن الحكم على النتاج الأدبي بالافتعال أو عدم الصدق متى استمد الكثير من فضاءاته من تجارب بعيدة عن واقع لم يعايشه الكاتب أو غيره من الناس، وإنما يحكم على النتاج الأدبي بمدى صدقه والحرارة الإنسانية النابضة فيه التي تمنحه القدرة على الحياة والتشكل في عالم خاص يقبله منطق الأشياء وقد لا يقبله في بعض الأحيان.
وكثيراً ما تعتمد هذه التجارب الشعورية على مفردات من الواقع أو التاريخ أو الرؤى المستقبلية المعتمدة على أسس علمية؛ لكنها دخلت ضمن دائرة الإبداع التي تقوم أساساً على إدراك الروابط المفقودة بين الأشياء، وإعادة خلق هذه الأشياء بروابط خاصة بنفسية المبدع لحظة الإبداع وبطريقته الخاصة في التركيب بصورة عامة.
ومن خلال هذه النظرة المتأنية نستطيع تحليل أعمال الكاتب الإسلامي "عبد الودود يوسف"، الذي اجتهد في بناء رواياته من خلال فضاء الخيال، المرتكز على معطيات الواقع، ونركز اليوم حديثنا عن روايته الأولى "كانوا همجاً" التي قدم لها بقوله: "إنها محاولة تعالج واقع البشرية من خلال نظرة تستشف أستار المستقبل، حيث ستقوم الخلافة الراشدة التي ستعم الأرض.. بلسماً للناس، وشفاء لجراحات عصور الهمجية في جسد وروح البشرية المعذبة".
ثم أتبع ذلك بحديث رسول الله صلى الله عليه وسلم عن مراحل الحكم بعده، وصولاً إلى خلافة راشدة على منهاج النبوة، تعمل في الناس بسنة النبي، يرضى عنها ساكن الأرض وساكن السماء، ولا تدع السماء فيها من قطر إلا صبته مدراراً، ولا تدع الأرض من نباتها وبركاتها شيئاً إلا أخرجته.
ويفتتح الرواية بحديث بين "أم كريم و"همت"عن بشارة سيبث التلفاز تفاصيلها، وهي بشارة تتعلق بإنجاز مجلس جديد نعرفه هو "مجلس تذليل الصعوبات"، ويتبين أن الأمر يتعلق باختراع جديد هو السيارة المعتمدة على حرارة الشمس من خلال خلايا ضوئية من معدن نادر يتميز بالخفة، على أن يستبدل كل إنسان سيارته القديمة بالسيارة الحديثة، وتتخلص البشرية عبر ذلك من السيارة القديمة والقطار، واستعمال النفط، وإهلاك المواطنين بالضجيج، وإضاعة الوقت.
ويعتمد الكاتب على الانتقال من مرحلة لأخرى من خلال استخدام الهواتف المرئية والتلفاز، الذي يتابع مجريات الحياة بشكل دقيق، ويتبين أن هذه الإنجازات كلها جاءت على يد الخلافة الإسلامية الراشدة، التي جعلت الأرض بأكملها دولة واحدة مترامية الأطراف معظم أهلها من المؤمنين، إذ لم يتبق إلا نسبة قليلة جداً من الناس على دينها السابق وفق مبدأ "لا إكراه في الدين".
ونكتشف من خلال الأحداث عدل الإسلام في إفادة البشرية جميعها من قوانين العدل ومنجزات العلم، وقد مضى زمن غابر على العصر الماضي، وقد نسي الناس في نعيم الخلافة همجية القرون السابقة بما فيها القرن العشرين! هذه العصور التي اعتمدت على الاستغلال البشع لحاجات الإنسان، ويتخذ الكاتب وسيلة العرض السينمائي ليعرّف الناس بتفاصيل جاهلية القرن العشرين، والحروب المدمرة التي كانت تسيطر على الأرض، وألوان الاستبداد في الحكم.
ويمر الكاتب من خلال ذلك بمنجزات متوقعة مثل الرمانة الضخمة التي تنبأ الرسول بها يوماً ما، على أن يأكل منها جماعة من الناس دون أن تنتهي، ويُجري من خلال ذلك موقفاً حول العدل والظلم واستغلال المنصب، عندما يتهم أحد العلماء مديره بأنه وضع قريباً له في مكان عمله بمختبر تطوير زراعة الرمان، ويتبين أن المدير قد نقل العالم بشكل مؤقت لمكان عمل آخر حتى يتدارك الخسائر الفادحة في مزارع انتشر فيها وباء، وأنه اجتهد في ذلك لمعرفته من واقع شهادات العالم أن لا أحد سواه يستطيع أن يعالج المشكلة بشكل إداري حازم وناجح، وأن قريبه الذي وضعه مكان العالم له اهتمامات واضحة بتطوير زراعة الرمان، وقد وضعه بشكل مؤقت حتى لا يتوقف العمل في المختبرات، وأن قريبه هذا استطاع إنجاز الرمانة الحلم، وتقود المعطيات إلى اقتناع الناس واقتناع العالم بسرعة تصرفه عندما اتهم مديره، ويفرح الجميع بالإنجاز الجديد.
ويستعرض الكاتب حدثاً نادراً يتمثل في وقوع محاولة سرقة، تسهم منجزات الخلافة الإسلامية في كشفها؛ من خلال جرس الإنذار، الذي تكفّل بغياب اللص عن الوعي، ثم تطور علم الجريمة الذي استطاع التقاط الأصوات والصور من الفضاء عبر أجهزة حديثة؛ بيّنت تفاصيل الجريمة، ومواقف التخطيط المسبق لها، ثم معالجة الدوافع، ومناقشة الأخطاء النفسية والسلوكية التي قادت إليها؛ من خلال عواقب العزوبية وعدم الزواج، مما ينعكس على حياة الإنسان في شكل فوضى تؤثر في نفسيته، وتمت معالجة الأسباب ومحاصرة الظواهر المماثلة، وكان الكاتب يستعرض في أثناء ذلك من خلال أشرطة الفيديو والأفلام أحوال السرقات في الماضي، وطرق التحقيق الهمجية مع المتهمين، ووسائل العقاب غير الإنسانية التي تمارس ضدهم.
ويقف الكاتب من خلال مجريات الرواية عند موقف فاصل بوفاة الخليفة، وتداعي الأمة لاختيار خليفة جديد، وترشيح ثلاثة يختارون من بينهم "حبيب الحق" الدكتور في كيمياء الكون، الذي أتقن علوم الإسلام الأساسية في سن التاسعة، وعمل ست سنين في إدارة المواصلات بين النجوم، وكان على رأس اللجنة التي اخترعت السيارة الجديدة ، وهو أسود اللون.
ويناقش الكاتب من خلال ذلك فكرة التمييز العنصري عندما يعترض أحدهم على اختيار خليفة لونه أسود، ويدرس أبعاد ذلك ومسبباته النابعة من سلوك أحد المواطنين السود في حيه، ويتبين أن الرجل ساء تصرفه بسوء معاملة جيرانه له، وتتم معالجة ذلك، والتنبيه على خطورة تسلل مثل هذا السلوك على مستقبل الحكم الراشد.
ويستعرض الكاتب مواقف الأقلية غير المؤمنة مستعرضاً أفكاراً وضعية تشبه أفكار القرن العشرين من شيوعية ورأسمالية، وانصراف معظم أتباع هؤلاء إلى الإسلام بعد إدراكهم لعظمته وقدرته الفائقة على حماية الفرد والعمل لمصلحته وفق دستور إلهي عظيم، ويميل الكاتب إلى إنهاء روايته وفق التصور الإسلامي عن تدفق الخير والبركات بتوفر الإيمان واليقين، حيث يتم اكتشاف نجم من الذهب يحقق للناس الرغبة في الحصول على هذا المعدن الثمين الذي طالما تصارع الناس وتصارعت الدول من أجله.
ويصوغ الكاتب كل هذا على الصعيد الفني من خلال النمط الروائي الدرامي التمثيلي متقن الصنع، حيث تركز الرواية على قضية واحدة تُحل بطريقة منطقية في إطار الوحدات الثلاثة المعروفة، فالزمان مستقبلي لكنه محدود، يعتمد على الاستباق في شكله الإجمالي، ويرتكز على الارتداد للمقارنة بين واقع الحضارة الغربية الهمجية في عصرنا والواقع المشرق في الحضارة الإسلامية الراشدة المنتظرة.
والمكان واحد ممتد في إطار رقعة الخلافة الممتدة في أرجاء الأرض، وذلك في وضع ينسجم مع الإمكانية المتاحة للتنقل وفق سرعة الوصول من مكان لآخر مع معطيات المخترعات الجديدة.
ويبقى نسيج الأحداث متماسكاً لولا الارتدادات الواسعة، التي قد تُقبل ضمن انسجامها مع نسيج الأحداث من خلال مبدأ المقارنة.
وقد اعتمد الكاتب التشويق عنصراً أساسياً من عناصر الرواية، التي بدأها بحدث مرتقب أحب أن يسميه البشارة ، حتى الحدث الأخير المتمثل في اكتشاف النجم الذهبي، ومال الكاتب إلى اصطناع أكثر من ذروة عبر حبكته الفنية التي أقامها، مما خلق جواً من الجذب من مرحلة لأخرى في إطار تشويق عام، يرتكز على اعتماد الرواية للتصور المستقبلي.
وبعد... فإن الكاتب واصل منهجه هذا في روايته الثانية "ثورة النساء"، التي تخيل فيها بطلة وهمية اسمها "سامورا"، تعيش في الغرب، وتعاني من التمزق الأسري والإهانات التي تعيشها المرأة، وعدم الاستقرار العائلي، وقوانين العمل الظالمة، وتثور على كل هذا، فتتبعها النساء، وعندما تُسجن خوفاً من تقويضها لأسس الحكم الغربي؛ الذي يدّعي الحرية والديمقراطية؛ تصطدم بكتاب "حياة محمد"، الذي تكتشف من خلاله أن معظم ما نادت به من مبادئ نابعة عن فطرتها إنما هي موافقة لما جاء به من تعاليم، فتدخل في الإسلام، مبشّرةً بأحكامه وتعاليمه، وتحقق نجاحاً كبيراً، لكن خفافيش الظلام تقوم بقتلها لتكون شهيدة الغرب الساعي بفطرته إلى الإسلام.
ويبقى أن نقول أن العمل الإنساني يحاول أن يحقق الكمال الفني، لكن الطبيعة البشرية تأبى إلا أن تثبت للإنسان أن الخطأ والزلل طبيعة إنسانية تفسر الكثير من هنات وقع الكاتب فيها عبر عمليه الأدبيين الجميلين.