قراءة في مجموعة إيحاءات القصصية

قراءة في مجموعة (إيحاءات) القصصية

لضياء قصبجي*

بقلم: محمد الحسناوي

في المنطقة الفاصلة الواصلة بين الشعر والقصة تقع مجموعة (إيحاءات) للكاتبة السورية (ضياء قصبجي) وهي مجموعة قصص قصيرة جداً، تتناول مسائل شخصية، وقضايا عامة في الوقت نفسه، بتقنية غنية متنوعة تتدرج من البناء القصصي ذي الحبكـة المتماسـكة إلى بساطة القصيدة الغنائية، أما الأسلوب الأنيق فيذكرك بصوره ولطافته بأعلام النثر الفني الحديث أمثال مصطفى صادق الرافعي وميّ زيادة.

لقد أصاب من ذهب إلى أن القصة القصيرة أقرب الفنون الأدبية إلى روح العصر، لأنها انتقلت بمهمة القصة الطويلة من التعميم إلى التخصيص، وهي أقرب إلى التوغل في أبعاد النفس والدخول في أعمق أعماقها الباطنية(1).

ولأهمية الأسلوب في القصة القصيرة من تخير للفظ وانتباه للأداء.. جعل النقاد يعقدون المقارنات بين القصة القصيرة وبين القصيدة الشعرية، فكلتاهما يقوم اللفظ فيهما بدوره الكامل. إن القصة القصيرة تؤدي مهمة القصيدة من حيث الصور النفسية، والأحاسيس، والإحكام والدقة في انتقاء الألفاظ، والحرص على نوع التشبيهات والأوصاف، إنها بذلك أقرب في تحليل المشاعر أو تصويرها من القصيدة من ناحية، وأسرع تناولاً من الرواية الطويلة من ناحية ثانية(2).

ولما كان القِصَر في طول القصة القصيرة يُملي الطول المناسب لها، كما يملي شكلها الخاص، صار بوسعنا القول: إن كل قصة قصيرة فنية هي تجربة جديدة في التقنية (التكنيك)، ذلك لأن أهم مقومات القصة القصيرة (وحدة الانطباع)، ولا يمكن أن يوجد انطباعان متشابهان كل التشابه نوعاً وعمقاً وشمولا. وما دام تصميم القصة القصيرة قائماً على الأداء الدقيق للانطباع، فلا بد أن يختلف تصميم كل قصة قصيرة عن تصميم غيرها من القصص (3).

ولهذا قيل: إن القصة القصيرة أكثر فنية من الرواية (4)، أو هي نوع أعلى وأصعب من الرواية، أو من أصعب الأعمال الفنية. إذا كان هذا شأن القصة القصيرة تقعيداً وتنظيراً، فما شأن الأقصوصة أو القصة القصيرة جداً؟ الأمر أشد وأصعب وأدق.

في ضوء هذه الملامح نستطيع التقدم خطوات في دراسة أقاصيص (إيحاءات) التي شاءت الكاتبة أن تطلقها بلا عناوين، مكتفية بالترقيم: القصة ذات رقم (1)، القصة رقم (2)... وهكذا، متذكرين أن المؤلفة ذات رصيد جيد في الإنتاج القصصي وفي معاناة هموم الحياة والأدب، فكتابها الأول (العالم بين قوسين) صدر عام 1972.

الحرية هي الموضوع الأول الذي انتمت إليه أقاصيص هذه المجموعة: الحرية الفردية (حرية اختيار الزوج والعمل والموقف...)، أو الحريات العامة (حريات الوطن والاعتقاد والقول والاجتماع والتنقل...)، ثم ما يتفرع عن هذا المحور الأساس من قضايا نسوية أو فنية أو حب، أو ما فوق الحب.

القصة الأولى كتبت بصيغة ضمير الغائب وبنيت على صورتين متقابلتين: الأولى فتاة تغط في نوم عميق، مطمئنة ساكنة، والقمر يغمر سريرها عبر النافذة المفتوحة.، والصورة الثانية (باب حديدي مقفل، وخلف الباب المقفل.. امرأة ترتجف رعباً). كل ذلك في صفحة واحدة من القطع الصغير، أي ما يعادل ثلث صفحة (فولسكاب).

القصة الأخيرة كتبت في ثلاث صفحات، بصيغة ضمير المتكلم، وهي كلها مقطع طويل، تروي فيه الكاتبة قصة صعودها إلى القمة. من خلال صعودها المتكرر لقلعة (حلب)، حيث تجلس أخيراً (على مقعد قريب من القمر). كانت في الماضي تصعد بسهولة، وترى في طريقها ما ترى من آثار تاريخية وأضواء عصرية، أما الآن ففي منتصف الطريق أصيبت بإعياء، فجلست على صخرة أثرية، ولم تستطع مواصلة الصعود، إلا بالاعتماد على كتف الرفيق، وحين وصلت أخيراً قيل لها: (لقد ابتدأت الحفلة.. فتحت الستائر، وأغلقت الأبواب..)، فتألمت، فقال لها رفيقها: (لا تبتئسي. فمن يصعد سلم المجد يبقى.. حتى ولو مات الجسد)!

كانت الخاتمة في هاتين القصتين سطراً واحداً، لكنها تلعب دوراً حاسماً في تقنيتها، فهي لا تكتفي بإنهاء الأحداث، بل تكاد تقلب الانطباع العام جملة وتفصيلاً. وفي كلتا القصتين قام (التقابل) بدور مهم: التقابل بين الآمنة والسجينة في القصة الأولى، وبين الماضي والحاضر في القصة الثانية، وهناك مقابلات تفصيلية بين النافذة المفتوحة والباب المقفل، بين ضوء القمر وخلف الباب المقفل، بين النوم العميق والارتجاف خوفاً، بين القمر والقفل في القصة الأولى، بين القنطرة والسراديب، بين أفكار تأتي وأفكار تروح، بين البلدان العربية والأجنبية، صخرة أثرية ومنحوتة، صخرة أثرية أو غير أثرية، هممت بالدخول.. أغلقت الأبواب، الصعود.. النزول، يبقى.. مات الجسد في القصة الثانية.

إن التقابل سمة غالبة على أقاصيص هذه المجموعة التي كتب بعضها بصفحة واحدة (أربع أقاصيص)، أو صفحتين (ست وعشرين) أو ثلاث صفحات (أربع عشرة)، وهي وسيلة ناجحة من وسائل القصّ. أفادت منها الكاتبة أيما إفادة لا سيما الأقاصيص المبنية على مقطعين، وهي معظم هذه الأقاصيص، وعلى الأخص التي جعل أحد المقطعين صورة سوداء والآخر صورة بيضاء أو العكس. وليس التقابل دوماً بهذه البساطة أو الوضوح.

الوسيلة الثانية التي أفادت منها الكاتبة (الإعداد) وهي التدرج في رسم الشخصية أو الشخصيات على قلتها، أو في بسط الأحداث، وهي وسيلة تندرج فيها طائفة كبيرة من أقاصيص المجموعة، تلك الأقاصيص التي كتبت من خلال مقطعين: المقطع الأول حيث (الإعداد): من قص أو وصف أو عرض.. مقطع طويل، أما المقطع الثاني حيث الخاتمة أو النهاية أو العبرة أو التلخيص أو التأكيد أو التكرار أو الاستنتاج فمقطع قصير جداً، يكاد يكون أحياناً سطراً واحداً أو كلمات.

أما وسيلة (الاسترجاع): (تداعي الذكريات.. تيار الوعي)، فيبدو أن تقنية القصة القصيرة جداً لا تتسع لها، ومع ذلك أفادت منها الكاتبة في عدد من أقاصيصها، مثل: (رقم 26 - و35 و...38) وهذا لا ينفي حنين الكاتبة إلى الماضي بذكرياته وأشخاصه: الذكريات البعيدة أو القريبة ففي القصة (20) تتذكر زملاءها الأدباء الغائبين بالانقطاع عن الكتابة والإبداع أو بسبب آخر، فتقول لهم بصراحة: (لماذا متم، وتركتم القلم والأصدقاء!.. متم وفكركم ممتلئ بالأقاصيص العذبة، الإبداع النادر.. متم وزهوركم فوق مناضدكم.. متم والبلد في حاجة إليكم.. ورحلتم غير عابئين بشيء أيّ شيء)؟؟

سبع وعشرون أقصوصة صيغت بضمير المتكلم (الترجمة الذاتية)، كما أن الكاتبة تنهض بدور البطل الأول في أكثرها، وهذا يؤدي إلى معالجة موضوعات شخصية حميمة أو نسوية.

الحب أهم الموضوعات الشخصية، ولما كان هذا الضرب موجوداً ومنكوداً في أدب العرب، كان لهذه المجموعة منه نصيب يشغل ثماني أُقصوصات، بعضها في الحب الماضي أو السابق، مثل الحب في الطفولة (قصة رقم 2)، أو حب الزوج والزوجة (رقم 43 - 44)، أو الحب العذري العفيف (رقم2و6و16و28)، سوف نتوقف عند الحب العفيف الذي ينقم منه اتباع الفرويدية والذرائعية والواقعية أو الطبيعية، وهو قمة من قمم الأدب العربي والإسلامي.

(كان الشاي العقيقي اللون ينزل من فم الإبريق إلى الكأس الفارغة، يملأها رويداً رويداً، ناشراً رائحة القرفة في جو الغرفة، دون أن يظهر لها أثر. وكانت نظرات ودية متكلمة، تصل بين شخصين هما: من يصب الشاي.. وتلك التي تنتظر امتلاء كأسها تحتسيه بتؤدة.. لكن الغريب في الأمر.. أنها حين امتلأ كأسها، لم تمد يدها لتحمله إلى فمها لترتشف رشفات دافئة، من هذا الشاي الحقيقي الذي يضمحل فيه السكر أيضاً دون أن يظهر له أثر.. بل قالت لمن تتبادل وإياه نظرات الحب العنيف: اشربه أنت.. تكفيني رائحة القرفة. وكانت تعني بالفعل، أن توصل إليه فكرة من أفكارها.. ولكن بطريقة تشبه وسائل الإيضاح لتلاميذ المدرسة. (القصة رقم 6). هذا هو حجم القصة الذي لا يشغل أكثر من صفحة واحدة من القطع الصغير، أما (الشاي الحقيقي اللون، ورائحة القرفة، والكأس، والرشفات الدافئة والسكر المضمحل في الشاي) فكلها مفردات أو رموز (للحب العفيف)، وقد اختارت (رائحة القرفة) من بين كل تلك المفردات.. تلك التي تنتظر امتلاء كأسها لتحتسيه بتؤدة. وهذا ينقلنا إلى الأسلوب الرمزي الذي اختارته الأديبة لأقاصيصها التي تسلم دور البطولة فيها لغير الإنسان من (ورد أو حيوان أو نهر) وعينها على ما وراء ذلك.

في (القصة رقم 15) وردة صفراء في كأس ماء، تتحول إلى كرة من الشوك، تجرح بقسوة عنيدة في يد العاشقة، ثم تتحول إلى حشرة بشعة، تبعث على الاشمئزاز حين تطرحها أرضاً، ثم تعود إلى أصلها وردة صفراء حين يلتقطها العاشق بملقط، ثم يلقي بها في كأسها، وهي رمز للعلاقة الشاحبة (عندما ارتفع جدار الفراق بيني وبينه...).

وفي القصة (37) زهور حمر غاية في النعومة بوريقات فاتحة الخضرة، تزدحم في أصيص معلق على شرفة صديقتها، أعجبت بها فأهدتها أغصاناً مورقة متوهجة بزهيرات حمر.. ثم وضعتها في كيس شفاف، لتزرعها في التراب.. قبلت الكاتبة الهدية، وغفلت عن زرعها أياماً، فوجدتها تتابع حياتها، وتتنفس داخل الكيس العازل، مستمرة في الحياة والعطاء (ولاحظت أن زهورها الحمر الناعمة، تتفتح في النهار، وتنام ضامة وريقاتها، منغلقة على نفسها في الليل، فقلت: لا شك أن الله خلق هذه الزهرة لترمز إلى الحياة والموت والبعث أيضاً..) ثم زرعتها وابتهجت في مسكنها الجديد (أسأل نفسي: هل بإمكان إنسان ما، بعد أن يقص من جذوره، ويُلقى به في مكان غريب، ويُمنع عنه الهواء والماء.. أن يستمر في الحياة والعطاء؟! وهل بإمكان السجين.. أن يمنح الآخرين.. الإحساس بالحرية)؟؟

أما النهر في القصة (9) أو الجدول الصغير المنساب بين البساتين الخضر سعيداً يغسل أحزان البشر ويروي غليل الأزهار والشجر، فقد اعتدى على حرمته من استمتعوا بالطعام والشراب والغناء والرقص بجواره، وألقوا بقاياهم على صفحة مياهه، فكان ما هو أكثر غرابة (إن موجة عاتية تجاوزت حدود النهر، ثم ألقت بهم في مجراه).

مثل ذلك شجر الكرز (القصة 8): (لماذا.. لماذا.. كلما أحببت شيئاً، أردت أن استولي عليه؟!). أو القلم (القصة 38) الذي أهداه الحبيب لها في آخر رحلة طويلة حافلة بالشموس والجراح.

أما شخصيات الحيوان فتحتل مساحة أكبر في هذه الأقاصيص:

(النمل 7 - الكلاب 14 – قنفذة 19- البعوض 23 - عصفور وفراشة 41).

في ختام قصة النمل تقول الكاتبة: (أحسست بعد النظر الطويل إلى النملات المتفقات في الرأي والهدف، أن الدموع تنحدر من عيني بصمت وغزارة.. دون أن أفهم لماذا؟). أما القنفذة - وهي الكاتبة- (حين كانت سعيدة.. صافية النفس.. إلى حد أنها نسيت أن لها أعداء.. ونسيت أن لها شوكاً يحميها. حينئذ خرجوا من مخبئهم وانقضوا عليها مجتمعين، وبشكل مفاجئ). وفي القصة (41) تقول في خاتمتها: (تجاوبت مع هذه المعركة.. حزنت لموت الفراشة.. قلت في نفسي: إذا كان عصفور الدوري يأكل الفراشة.. الفراشة تأكل من)؟!.

أما البعوض في قصة (23) فيرمز إلى الفئة الطفيلية العدوانية في الحياة والمجتمع، تبرع الكاتبة في فضحها أولاً، ثم الإطاحة بها أخيراً أيما براعة: (أفهم، أو أني اعتدت على أن تسرق مني أشيائي الخاصة والمنزلية.. اعتدت حتى على سرقة أفكاري ومبتكراتي.. ولكن لن يصل الأمر إلى سرقة دمائي أيضاً.. فهذا فوق احتمالي!) (استغربت هذا، فالمفروض في البعوضة أنها بغباء حيواني تمتص الدماء، أو بغريزة تملكها هي غريزة السلب، والتملك، والتوسع.. أما أن تعود عليَّ بأترابها فيهجمن علي بهذا الشكل البشع وهذا الإصرار، فإن في الأمر لغضاضة كبرى. اتخذت البعوضات مكانها، كل واحدة فوق بقعة من بقاع جسدي، وابتدأت عملها غير المشروع.. لكنني سرعان ما وقفت، ونفضت البعوضات عني.. وغيرت مكاني.. لكن الطنين تابعني والبعوض لاحقني.. بينما أنا جائعة بمعنى الكلمة ومتعبة، وأيضاً وحيدة.. آنئذ فكرت.. وبالفكر وحده وصلت إلى حل رائع.. قضيت به على البعوض قضاء مبرماً). الفكر إذن أحد مفردات برنامج الكاتبة قصبجي للتغيير، وما الأقاصيص التي نحن بصددها إلا ثمرة ناضجة من ثمار هذا الفكر الهادف الملتزم، يؤكد ذلك حديثها عن الحرية المطلقة (غير المسؤولة) في القصة (34)، وتخيلت نفسها سمكة وتراجعت عن هذا الحلم النهلستي: (قد تكون في حريتها هذه مقيدة؟ إذ ربما أنها تخاف من حيوانات البحر المفترسة، تلك التي تبحث عنها لتأكلها وجبة شهية.. وقد تكون أيضاً ملتزمة بسمكات نظيرات لها يتفقن على أن يسبحن في مياه منطقة، حددتها لهن السمكة الكبرى، هل هناك حرية مطلقة على وجه الأرض؟؟.. وقبل أن استغرق في تخيلاتي.. وأن يسيطر الظلام ويصبح البحر الهادئ مخيفاً موحشاً.. كان علي أن أعود. وجهت زورقي نحو الشاطئ.. وسألت نفسي: لماذا أصبح الشاطئ هدفي؟ أليس من الممكن أن أبقى ساعات فقط دون هدف؟ فكيف يعيش بعض الناس، كل العمر، دون هدف يرتجى؟!) لذلك تجدها في قصة (13) تصنف الناس في قاعة واسعة إلى ثلاثة أصناف: الصنف الأول والثاني يميزان (الرائحة بأنها (طيبة) أو (نتنة)، ولا يكتفون بالتمييز بل تصدر عنهم تعليقات وحركات منسجمة. أما الفريق الثالث فيلتزمون الصمت المطبق: (كانوا صامتين تماماً). هل هي الأكثرية الصامتة وإلى متى تظل كذلك؟

ولو رحنا نستنبط وجهات نظر المؤلفة قصبجي لوقفنا على مفردات هذا البرنامج الإصلاحي أو التغييري:

1 - تمجيدها لقيم الحرية والإبداع والعطاء، واعتقادها بأن مصادرة الحرية لا تمنع من استمرار عطائها. الأقاصيص (3 و12 و37 و38).

2 - الدعوة إلى الحوار وأولوية الفكر واحترام الرأي الآخر. (23 و42 و43).

3 - ليست هناك حرية مطلقة، بل حرية مسؤولة. (34).

4 - الإيمان بالله واليوم الآخر (37).

5 - الإيمان بالقيم والمثل العليا كالصدق والدين (29 و35).

6 - حب الوطن (إلى درجة الإدمان المرضي ودخول السجن بسببه) (29 و35).

7 - لابد للإنسان من هدف (34).

8 - احترام كيان الأسرة (الجد 30) (الزوج والزوجة 43 و44).

9 - تفهم مسألة تعدد الزوجات (نظرة نسوية واقعية موضوعية) (40).

10 - النقد الذاتي (39).

11 - الدعوة إلى الطموح (5 و38 و45) وطلب المجد (45).

12 - دعوة المبدعين (لا سيما الأدباء) المتوقفين عن الكتابة إلى العودة (20).

13 - تقدير الحب (لا سيما الحب العفيف والزوجي) (6 و11 و15 و16 و28 و 36 و44).

14 - الدعوة إلى حماية البيئة (9 و10 و14).

15 - تنديد بالشر والقوة الغاشمة (19) وبالصامتين تجاه الشر (13) أو المتخلين عن ذواتهم أو هويتهم أو إرداتهم والذائبين في الطغيان (25).

16 - التنديد بالأنانية والسجون والاستبداد (1 و3) والتلذذ بتعذيب الآخرين (24) وعدوان القوي على الضعيف (4 و41).

17 - التفاؤل بزوال الطغيان (4).

18 - التنديد بوسائل التربية القسرية (لا سيما تربية الأطفال) (21).

19 - التنديد بالاغتصاب والاحتلال (33) وبالظلم والاستبداد (31).

20 - التنديد بالرشوة (17) والفساد الإداري (هدر الوقت والمال العام) (22) وبالطفيليين والعدوانيين (23).

21 - ضرورة العمل الجماعي المنظم (كالنمل 7).

22 - التفاؤل بالمستقبل، وعدم اليأس من الإصلاح والتغيير (18).

قد يهول القارئ أن يأتي الاستنباط من خمس وأربعين قصة قصيرة جداً بمثل هذا البرنامج للتغيير، وهذا سر من أسرار الأقصوصة المعتمدة على التكثيف في المعاني والمشاعر والاقتصاد أو الإيجاز الفائق في الألفاظ والتعابير والصور. لقد جاءت الكاتبة بعدد غير قليل من الصور المبتكرة (الصداقة فرح القلب - العصر المشحون بالغمز واللمز. تسمية تسمو فوق الحب.. معنى يتوغل في الذات ويستقر في العمق عطاء نضراً.. امتدت أزهار مشعة بالضوء والأريج بيننا وتسلقت نباتات وعرائش خضراء بيني وبينه.. إنه جزء من تألقي وصباي.. ومن الضوء المصلت على نزقي وواحتي.. ولا زال بصيص الذكرى ينوس بلا انطفاء.. اسم كل منا بات يشع بالنور والمسك.. احتفظ له بطبق الوفاء وأصيص المودة.. قلت له: سأرسل لك ورداً.. قال لي: أرسليه في البريد!)(28)، كل هذه التشبيهات والاستعارات في قصة واحدة، لكن ليس الأمر على هذا المنوال في بقية الأقاصيص ولا معظمها، بل كانت عناية الكاتبة بالوصف الرفاف المباشر، وبأسلوب الكناية، كما في الورد الذي سيرسل في البريد، ولعل ذلك أنسب لمثل هذه الأقاصيص، فقد حققت نجاحاً مرموقاً في تقديري.

التقنية في هذه المجموعة القصصية غنية جداً، بدءاً بالاستغناء عن العنوانات، وانتهاء بالتعبير الشعري الخالص (قصة 44 كتب لها.. كتبت له)، ومروراً بالخواتيم أو النهايات التي لا نستطيع الوقفة المطولة عندها.. وهي تستحق ذلك. أقول: يؤسفني أنني لم اطلع حتى الآن على بقية مؤلفات السيدة قصبجي لظروف غير مجهولة، ولكن مطالعتي لهذه المجموعة وقفتني على عبقرية نسوية أدبية متميزة تفرض احترامها.

 

* اشبيلية للدراسات والنشر والتزيع –دمشق ط1 -1955م-(112ص).

(1) القصة القصيرة - د.سيد حامد النساج - كتابك (18) ط 1977 - ص 14 و15.

(2) المصدر السابق – ص17. وانظر (الاعتراف بالقصة القصيرة) - سوزان لوهافر - ترجمة: محمد نجيب لفتة - ط 1990 - ص 26 -33 القصة الشاعرية وشاعرية القصة.

(3) القصة القصيرة في مصر - د. محمد شكري عياد - ط 1967/1968 – ص27.

(4) المصدر السابق – ص37.

(5) القصة القصيرة - د. سميح حامد النساج - ص 18 و19.

(6) نظر مثلاً خواتيم القصص (11 و26 و27 و28 و38) والأقفال والنهايات من كتاب (الاعتراف بالقصة القصيرة) ص 105 – 112