من أشعار الأسرى والمسجونين

موسى بن سليمان السويداء / السعودية

[email protected]

منذ بدأ الجهاد في سبيل الله , وهناك من يقع من المسلمين أسير بيد الكفار , فإما انهم يقتلونهم شرَّ قِتلة , وإما انهم يذيقونهم أصناف العذاب والذل والإهانة , مع السجن الطويل في المعتقلات يتمنون الموت ولا يجدونه , فيتجرعون هم وأهاليهم مرارة الأسر والفراق , كما يحدث اليوم مع الكثير من المعتقلين في أراضي القتال والجهاد , كفلسطين وغيرها من البلدان الإسلامية المستباحة من قبل الكفار .

وهذا أيضاً ما صوره كُل من خُبيب بن عدي - رضي الله عنه -, والوزير الكاتب أبي بكر الأشبوني(1) , - كما سيأتي لاحقاً -.

   ولذا كان الإمام أحمد بن حنبل الشيباني – رضي الله عنه – , يرى أن يقاتل المجاهد حتى الموت ( الشهادة ) ولا يستسلم للعدو , فيقول : ( ما يعجبني أن يَسْتأسِرُوا . وقال : يُقاتل أحب إلي .. الأسر شديد ولابد من الموت . وقال : يٌقاتل ولو أعطوه الأمان قد لا يفون )(2) .

ثم لا ننسى ألم ومعانات أهالي الأسرى-  وخاصة الأمهات – , ومن ذلك ما روى الواقدي في " فتوح الشام " عن قصة صابر بن أوس الذي أُسر في أحد المعارك , فكانت أمه مزروعة بنت عملوق الحُميرية – وهي من فصحاء زمانها - تندبه و تبكيه , وتقول :

أيـا  ولـدي قـد زاد قلبي iiتلهبا
وقـد أضرمت نار المصيبة iiشعلة
وأسأل عنك الركب كي يخبرونني
فـلم  يكن فيهم مخبر عنك صادقاً
فيا  ولدي مذ غبت كدرت iiعيشتي
وفـكـري مـقسوم وعقلي iiمولهٌ
فـإن تـك حـياً صمت لله iiحجةً






وقـد أحرقت مني الخدود iiالمدامعُ
وقد  حميت مني الحشا iiوالأضالعُ
بـحـالـك  كيما تستكن iiالمدامعُ
ولا مـنـهـم من قال إنك iiراجعُ
فـقـلبي  مصدوع وطرفي iiدامعُ
ودمـعـي  مسفوح وداري iiبلاقعُ
وإن تكن الأخرى فما العبد iiصانعُ
طـلب السلوّ لو أن غير iiسُعاد
ورجا  زيارة طيفها في iiصدها
والله  لـولا الملك رُجّارُ iiالذي
ما عاف كأس المجد يوم فراقها




حـلـت سـويداء قلبه iiوفؤاده
وغـرامـه  يـأبى لذيذ iiرقاده
أهـدى  لـحُـبيّه عظم iiوداده
ورأى مُـحيَّا المجد في iiميلاده

فعلق أبو الحسن القِفطي – رحمه الله – على هذه الأبيات , قائلاً : " والله يغفر لهذا الشاعر في مدحه الملك الكافر , ولكنه معذور , إذ هو مأسور "(3) .

 ومن أشعار الأسرى والمعتقلين من الصحابة , ما جاء في السيرة النبوية أن خُبيب بن عدي – رضي الله عنه - وقع في قبضة مشركي هذيل أسيراً , فلما اجتمعوا عليه وقربوه للقتل , طلب منهم أن يصلي ركعتين – وكان أول من سن الركعتين عند القتل – , ثم دعا بعد ذلك , وقال : " اللهم أحصهم عددا واقتلهم بددا ولا تبق منهم أحدا ثم قال :

لـقـد أجـمع الأحزاب حولي iiوألبوا
وكـلـهـم مـبـدي الـعداوة iiجاهدٌ
وقـد قـربـوا أبـنـاءهم iiونساءهم
إلـى  الله أشـكو غربتي بعد iiكربتي
فذا  العرش صبرني على ما يراد iiبي
وقـد  خـيروني الكفر والموت iiدونهُ
ومـا  بـي حـذار الموت إني iiلميت
ولـسـت  أبـالـي حين أقتل iiمسلماً
وذلـك  فـي ذات الإلـه وإن iiيـشأ
فـلـسـت بـمـبـد لـلعدو iiتخشعاً










قـبـائـلـهم  واستجمعوا كل iiمجمعِ
عـلـي لأنـي فـي وثـاق iiبمضيعِ
وقـربـت  مـن جـذع طويل مُمنع
وما أرصد الأحزاب لي عند مصرعي
فـقد  بضعوا لحمي وقد ياس iiمطمعي
فـقـد  ذرفت عيناي من غير iiمجزعٍ
وإن إلـى ربـي إيـابـي iiومرجعي
عـلى  أي شق كان في الله iiمضجعي
يـبـارك  عـلى أوصال شلوٍ iiممزعِ
ولا  جـزعـاً إنـي إلى الله iiمرجعي

فقال له أبو سفيان : أيسرك أن محمداً عندنا تُضرب عنقه وإنك في أهلك ؟ فقال : لا والله , ما يسرني أني في أهلي , وأن محمداً في مكانه الذي هو فيه تصيبه شوكةٌ تؤذيه "(4) ومن أشعار من وقع في الأسر أيضاً , أعشى همدان الذي كان ضمن من أغزاه الحجاج بن يوسف الثقفي بلاد الديلم , فقال يشكو حاله وشدة الكرب الذي أصابه في الأسر(5) :

أصـبـحـت  رهـناً للعداة مكبّلاً
ولـقـد  أرانـي قـبل ذلك iiناعماً
واستنكرت ساقي والوثاق iiوساعدي
وأصـابـنـي قوم وكنت iiأصيبهم
وإذا  تـصـبك من الحوادث iiنكبة





أمـسي وأصبح في الأداهم iiأرسف
جـذلان آبـى أن أضـام iiوآنـف
وأنا امرؤ بادي الأشاجع أعجف(6)
فـالآن  أصـبـر للزمان iiوأعرف
فـصـبـر  لـهـا فلعلّها iiتتكشّف
أقـول  وقد ناحت بقربي iiحمامةٌ
معاذ الهوى ما ذقت طارقة الهوى
أتـحـمـل محزون الفؤاد iiقوادمٌ
أيـا جارتا ما أنصف الدهر iiبيننا
تـعالي  تَريْ روحاً لدي iiضعيفةً
أيـضـحك مأسورٌ وتبكي iiطليقة
لـقد كنتُ أولى منك بالدمع iiمقلةً







أيـا  جارتي هل تشعرين iiبحالي
ولا خـطـرت منك الهموم iiببالِ
عـلى غصن نائي المسافة iiعالي
تـعـالـي أقاسمك الهموم iiتعالي
تـردَّدُ فـي جـسـم يُعذب بالي
ويـسكت  محزون ويندب iiسالي
ولـكنَّ دمعي في الحوادث iiغالي

 ومن رومياته أيضاً من " يتيمة الدهر " للثعالبي :

أراك  عـصي الدَّمع شيمتك iiالصبرُ
بـلـى أنـا مـشتاق وعندي iiلوعةٌ
إذا الليل أضوى بي بسطت يد الرجا
تـكـاد  تضيء النار بين iiجوانحي




أمـا  لـلـهوى نهيٌ عليك ولا iiأمرُ
ولـكـن مـثـلـي لا يذاع له iiسرُ
وأذلـلـت  دمـعاً من خلائقه iiالكبرُ
إذا  هـي أذكـتـها الصبابة والفِكرُ

 وللوزير الكاتب أبي بكر محمد بن سوار الأشبوني الأندلسي , - الأنف الذكر – قصيدة طويلة ومعبرة , قالها وهو أسير في مدينة قورية(8)، يصف بها كيفية القبض عليه حينما هجم عليهم النصارى(9), منها قوله :

ولـمـا بـدا وجـه الصباح iiتطلعت
فـقلت  لهم : خيل النصارى iiفشمَّروا
وكـانـت  حـميّا النوم قد iiصرعتهم
وأفـردت سـهـمـاً واحداً في كنانة
وكـنت  عهدت الحرب مكراً وخدعةً
فـطـاعـنـتُهم  حتى تحطّمت iiالقنا
وأضـرِّج أثـوابـي دمـاً iiوثـيابهُم
وأحـدق  بـي والـموت يكشر iiنابه
فـأعـطـيـتها وهي الدنية iiصاغراً
فـطاروا  وصاروا بي إلى iiمستقرهم










خـيـولٌ مـن الـوادي محجلةٌ iiغرُ
إلـيـهـا وكـروا هاهنا يحسن الكرُّ
فـفُـلُّـوا ولـوا مـدبرين وما iiفرّوا
من الحرب لا يُخشى على مثله الكسرُ
ولـكـن  من المقدور ما لامرئ iiمكرُ
وضـاربـتـهم  حتى تكسرت iiالبُتر
كـأنّ  الـذي بـيـني وبينهم iiعطرُ
ومـنـظـره  جـهـمٌ وناظره شزرُ
وقد  كان لي في الموت لو يدني iiعذرُ
يـصـاحـبـني ذلٌ ويصحبهم iiفخرُ

 ونختم ببيتين لعبد الله بن إبراهيم بن مثنى الطوسي المعروف بابن المؤدب ، المأسور بصقلية(10) :

لا يـذكـر الله iiقـوماً
جاهدت بالسيف جهدي


حـلـلـت فيهم iiبخيرِ
حـتى أُسرت iiوغيري

              

 1/ نسيتاً إلى مدينة أشبونة أو الأشبونة وتسمى أيضاَ لشبونة وهي مدينة أندلسية على ضفاف البحر قريبة من شنترين يُنسب إليها بعض العلماء والفضلاء منهم عبد الرحمن بن عبيد الله الأشبوني أحد طلاب الإمام مالك . آثار البلاد للقزويني , ومعجم البلدان للحموي , وتاريخ العلماء والرواة للفرضي .

2/ الإقناع لطالب الانتفاع , شرف الدين موسى بن أحمد الحجاوي ج2ص71 , دار هجر , الرياض .

3/ إنباه الرواة على أنباه النحاة , جمال الدين علي بن حسن القفطي ج2ص328 , دار الفكر العربي , القاهرة .

4/ زاد المعاد في هدي خير العباد , شمس الدين محمد بن أبي بكر الزرعي المعروف بابن القيم الجوزية ج3ص245 , مؤسسة الرسالة , بيروت .

5/ الفرج بعد الشدة , أبي علي التنوخي ، ج2ص122 , دار صادر , بيروت .

6/ قال محقق الكتاب : الأشجع : عرق ظاهر الكف , والأعجف : الهزيل .

7/ وفيات الأعيان , أحمد بن محمد ابن خلكان ، ج2ص58، دار صادر , بيروت .

8/ قُورِيةُ : مدينة من نواحي ماردة بالأندلس كانت للمسلمين , وهي النصف بينها وبين سمُّورة مدينة الافرنج . معجم البلدان , ياقوت الحموي . 

9/ الذخيرة في محاسن أهل الجزيرة ، علي بن بسام الشنتريني ، القسم الثاني المجلد الثاني ، ص811 ، دار الثقافة , بيروت .

10/ فوت الوفيات والذيل عليها , محمد بن شاكر الكتبي , ج2ص154 , دار صادر , بيروت .