خاتِمَةُ التَّعْليقاتِ 4

د. محمد جمال صقر

[email protected]

يا مَنْ لي بنُسْخَةٍ لطالب العلم من تلك الاثني عشر كتابا بهذه التعليقات ! ولكن كيف وأنا أريد كلَّ كتاب علم ، ما نَشَرْتُ تعليقاتي التي عليه وما لم أَنْشُرْ - وكلَّ طالب علم ، من عرفت منهم ومن لم أعرف !

آه يا أمانيّ !

لئن عَزَزْتِني اليوم لبما سوف أَعُزُّك غدا - إن شاء الله - بمكتبة " بَراءٌ الْغائِبُ " كُتُبِها وحَواسيبها ونِتِّها ومَعْرِضها ومُتْحَفِها ومُسْتَراحِها ، بمَقَرِّ جمعيّة " بَراءٌ الْغائِبُ " الثقافية المنتظرة - التي تستقبل طلاب العلم من كل مكان ، بل ربما استوعبتهم بأَسِرَّتها ودواليبها وحَمّاماتها ، مقيمين ، كما استوعبتهم زائرين - على نظام المكتبة المفروشة ، غير المعهود من قبل ، المأخوذ من سيرة أبي عثمان الجاحظ ، الطُّلَعَةِ الرَّحّالة ، الذي كان يؤجر في رِحْلاته المكتبة بعد المكتبة ، ليقيم فيها حتى يستوعبها ، ثم ينتقل إلى غيرها ، من غير أن يشتري كتابا واحدا !

ولكن لا بأس ، لا بأس !

لقد انتزعت لطلاب العلم سِتًّا وثَلاثينَ وتِسْعَمِئَةِ قِطْعَة مَتْنٍ ، من متون الاثني عشر كتابا - كانت لي على كل منها تعليقة ، لأطبعها وأُلْحِقَها تَعْليقَتَها ، على النحو الآتي :

أَوَّلًا = قِطْعَةُ الْمَتْنِ :

1   أُحْسِنُ اقتطاعها كمالا وجمالا ، بحيث يُجادِلُ بها من أرادها حُجَّةً ، ويَصْدَحُ بها من أرادها نُخْبَةً ، مُسْتَغْنِيَيْنِ عن بيان منهج الكتاب !

2   وأُفَصِّلُها ، وأُعَدِّدُها ، لأُفَهْرِسَها من بعدُ هِيَ وأعلامها .

3   وأبدؤها بـ" قالَ " ، مشفوعة برقم صفحتها بين شرطتين " - - " ، غير محتاج إلى تسمية قائلها كل مرة .

4   وأرسم آياتها القرآنية ، على ما يجري عليه الآن الإملاء ، إلى أن يتيسر رسمها العثماني .

5 وأرسم أبياتها الشعرية العمودية متصلة الأشطار بلا فراغات بينها ، دلالة على طبيعة خروج كل منها نَفَسًا واحِدًا ، إلا إذا كانت مُصَرَّعَةً أو مُقَفّاةً ؛ فعندئذ أرسمها منفصلة الأشطار ، دلالة على طبيعة خروج كل منها نَفَسَيْنِ مُتساوِيَيْنِ .

6   وأرسم بعض حروفها القديمة على ما يجري عليه الآن الإملاء ، كرسم " أَنْ لا " " أَلّا " ، و" الربى " " الربا " ، و" ههنا " " ها هنا " ، ... .

7 وأُشَكِّلُها تشكيلا كاملا ، تَيْسيرًا وإِجْلالًا وحِمايَةً ؛ فلا يُحَرِّفها طالب العلم ، ولا يَكْسَل عنها ، ولا يَستَهين بها - سالِكًا من الدِّقَّةِ البالغة مَسْلَكًا انتهت بي إليه التجربةُ الطويلة ، أدعو بلزوم استعماله لا تنظير أصوله ومبادئه ، إلى :

إحياء فقه أبنية الكلم العربية .

وإحياء فقه أبنية التعابير والجمل العربية .

8 وأرقمها ترقيما كاملا ، تَبيينًا وتَمْثيلًا وتَوْجيهًا ، حتى إذا بعثها من مرقدها طالبُ العلم انبعثت له سريعا - إلا تَرقيمَةَ التَّفْقيرِ ، دلالة على طبيعة وجود كل قطعة منها هنا ، دَفْقَةً تَعْبيريَّةً واحدة بفقرة كتابية واحدة ، مهما تَعَدَّدَتْ فِقَرُها في كتابها - سالِكًا من الدِّقَّةِ البالغة مَسْلَكًا انتهت بي إليه كذلك التجربةُ الطويلة ، أدعو بلزوم استعماله لا تنظير أصوله ومبادئه ، إلى :

إحياء فقه أبنية الفقر والنصوص العربية .

وإحياء فقه مقامات التنغيم العربية .

9   وأُفَقِّرُ لأبيات الشعر فِقَرًا مُسْتقلَّة الأسطر ، حرصا على اختلاف طبيعتي الشعر والنثر .

10  وأورد بين قوسين دائما من غير تشكيل ، عبارات سابقة أو كلمات يشار إليها في القطعة ، لكيلا يستعصي على طالب العلم فهم القطعة ، ولا يلتبس نصها بما ليس منه .

11  وأشرح بين قوسين أحيانا من غير تشكيل كذلك ، ما يعوق طالب العلم من غوامض لم تتناولها التعليقة .

12  وأنبه بين شرطتين أحيانا ، على تصحيح ما يعوق طالب العلم من أخطاء لم تتناولها التعليقة ، أو على شَكّي فيه .

آخِرًا = التَّعْليقَةُ :

1 ألتزم نقل نص تعليقتي الذي أجده على حاشية نسختي من الكتاب - مهما اختلفت طبائع التعليقات وأزمنتها وأمكنتها - دلالة على حَيَويَّةِ مَسيرَتي التَّعْليقيَّةِ ، إلا أن يؤذي طالبَ العلم نصُّ تعليقةٍ ؛ فأهذبه له قليلا ، راضِيًا أن يُكافِحَ نَصَّها على عَواهِنِه ، مَنْ يَحْظى بجِسْمِ الكتاب ! وربما تكررت على قطعة متنٍ تعليقةٌ سبقت على قطعة متن تشبهها ، فدلت على أصالة تفكير المعلِّق - أو تكررت قطعة متن على نحوٍ ما ، وجَدَّتْ لها تعليقة غير التي كانت لها من قبل ، فدلت على تطور تفكير المعلق . أما أن يكون لتعليقةٍ مَعْنًى له مَعْنًى ، يشترك في فهم المعنى أكثرُ طلاب العلم ، وينفرد بفهم معنى المعنى أَقَلُّهم - فلا شيء فيه ، بل ليته استمر لسائر التعليقات ؛ إذ هو من أظهر معالم البيان العالي الذي يسعى على أَثَرِه كلُّ عربي مُبين وكلُّ مستعرب مُسْتَبين ! ولم أكن أعلق إلا بقلم الرصاص ، حتى أعود في تعليقتي متى رابتني ، أو يعود غيري متى بدا له فيها - بل التزمت في ذلك قلم رصاص واحدا متغير الأسنان ، أهدانيه أخي مجدي الضابط الحكيم ، ظللت أستعمله وحده ، حتى أَضَعْتُه على مفرق الأربعين مآبي إلى القاهرة من مسقط ؛ فعلقت بقلم الحبر ولا سيما الأحمر ! ثم عجبت لاجتماع هذه الأحوال ( ضياع قلم الرصاص ، وإشراف سن الأربعين ، والإياب إلى القاهرة ) ؛ فرأيت مرة أن أكتب سيرتي العلمية والعملية ، من وحي صيرورة الرصاص حبرا ، ومرة أن أكتبها من وحي الأربعين ، فأما كتابتها من وحي الإياب إلى القاهرة ، فكأنما اكتفيت فيها بـ" سيرةُ الْعَلاماتِ وَالنُّجومِ " :

وَإِذَا الْقاهِرَةُ الْفاخِرَةُ ارْتاحَتْ لِقَلْبي

أَزْهَرَتْ روحي

وَدَوّى صَوْتِيَ

اسْتَنْبَطْتُ سِرَّ الْفَنِّ وَالْعِلْمِ

وَأَطْلَقْتُ سَبايَا الْحُلْمِ

وَاخْتَلْتُ عَلَى الْخَيْلِ

وَلَمْ يَكْبَحْ هَوايَ الْقَلَق

وأما كتابتها من وحي الأربعين ، فكأنما اكفيت فيها عندئذ باحتفالي اليتيم بذكرى مولدي ، في جماعة من إخواني ، أخوض فيهم ، ويخوضون فيَّ ، أَشْهَدُ ويَشْهَدونَ خشيةَ أن نعود ! وأما كتابتها من وحي صيرورة الرصاص حبرا ، فربما كفاني فيها هذا الكتاب الذي أقدمه الآن ، نفسه !

2   وأُلْحِقُها قطعة المتن ، فتجري مجراها في تفصيلها وتعديدها وإملائها ورسم آياتها وأبياتها .

3   وأبدؤها بـ" قُلْتُ " ، مسؤولا عن كل ما يقع بعدها .

4   وأشكلها تشكيلا ناقصا ، وقوفا عند حاجة ما يُشْكِل ، ونزولا عن مقام قطعة المتن ، غير مخالف بما أسلكه في التعليقة ، عما في القطعة .

5 وأرقمها ترقيما كاملا مثل ترقيمي قطعةَ المتن ، أُحيطُ فيه علامة الترقيم من قبلها ومن بعدها ، بمَسافة حَرْفٍ ، دلالة على استقلالها استقلال الكلمة ، غير عابئ بما يلتزمه نُشَطاءُ الإنترنت الآن ، من إزالة مسافة ما بينها وبين ما قبلها ، دلالة على تكاملهما .

6 وأُفَقِّرُ لكل فكرةٍ فقرةً ، منتقلا من الأولى إلى الثانية بـ" ثُمَّ " ، ثم من الثانية إلى الثالثة أو ما بعدها بـ" ثُمَّتَ " ، دلالة على ما فيها من دقيقة معنوية زائدة ، ينبغي لطالب العلم أن يراعيها .