خاتِمَةُ التَّعْليقاتِ = 3

خاتِمَةُ التَّعْليقاتِ = 3

د. محمد جمال صقر

[email protected]

إِنَّ التَّعْليقَ تَعْدِيَةُ فعل العَُلاقة إلى مفعول به ، يقع عليه ، من بعد أن كان أسير فاعله ، لا يتعداه ! فلقد كان " العالِقُ " ، في مَلَأٍ من نفسه ( عَلِقَ شَيْءٌ بِشَيْءٍ ) - فصار " المُعَلِّقُ " و" المُعَلَّقُ " ، في مَلَأٍ من الكُتُب والكُتّاب وطُلّابِ العِلْمِ ( عَلَّقَ شَيْءٌ شَيْئًا بِشَيْءٍ ) !

أقرأ الكتاب الجيد ، فيَعْلَقُ بشيء فيه شيءٌ في نفسي مُتَقابِلَيْنِ ، ثم يَتَدابَرانِ ، فتذهب علاقةُ بَيْنِهما أدراج الرياح ، ولا سيما عَمَّنْ لم يشهدها ، ولم يعرفها - حتى إذا ما عَلَّقْتُ شَيْءَ نفسي على يمين شَيْءِ الكتاب أو شماله أو أمامه أو ورائه ، اطَّلَعَ طالب العلم على حَميمٍ ينافس في خِدْمَتِه ومَنْفَعَتِه حَميمًا :

1  بالتَّصْحيحِ ؛ فلا أُفْلِتُ خطأ صَوْتيًّا ، ولا مَقْطَعيًّا ، ولا صيغيًّا ، ولا مُعْجَميًّا ، ولا تَعْبيريًّا ، ولا جُمْليًّا ، ولا فِقْريًّا ، ولا نَصّيًّا ، ولا كِتابيًّا ، ولا ديوانيًّا ، ولا رِساليًّا - إلا بصواب الرأي فيه ، فإن أفلتُّه خاليا كان هو نفسه صوابا ، فإن كان شديد غرابة الصواب نبهت عليه طالب العلم .

2  والتَّوْضيحِ ؛ فلا أُفْلِتُ غموضا صَوْتيًّا ، ولا مَقْطَعيًّا ، ... - إلا بوجه من الفهم ، فإن عجزت عنه نبهت عليه طالب العلم ، لكيلا يفلته هو ؛ فرب حامل فقه إلى من هو أفقه منه .

3      والتَّكْميلِ ؛ فلا أُفْلِتُ نقصا صَوْتيًّا ، ولا مَقْطَعيًّا ، ... - إلا بإضافة تكملة مناسبة ، فإن عجزت عنه نبهت طالب العلم عليه .

4  والتَّجْميلِ ؛ فلا أُفْلِتُ توفيقا صَوْتيًّا ، ولا مَقْطَعيًّا ، ... - إلا بالطرب له ، والارتياح إليه ، والثناء عليه ؛ فلا يشكر الله من لا يشكر الناس !

5  والتَّوْصِيَةِ ؛ فلا أُفْلِتُ إصلاحًا صَوْتيًّا ، ولا مَقْطَعيًّا ، ... - إلا بصرخة في طالب العلم ، أن يقتدي بآثار الرادَةِ الصادقين المخلصين المجرِّبين .

6  والتَّمْرينِ ؛ فلا أُفْلِتُ مَثارًا صَوْتيًّا ، ولا مَقْطَعيًّا ، ... - إلا استثرت عنده بَياني إلى تعويض الكتابة عما حظيت به دونها القراءةُ ، خوفا عليهما وهما المتوازيتان المتداخلتان المتكاملتان ، أن تَضْمُرا ، فتَزولا .

7      والتَّنْفيسِ ؛ فلا أُفْلِتُ نَقْدًا صَوْتيًّا ، ولا مَقْطَعيًّا ، ... - إلا نَكَأْتُ به جُرْحًا رُمَّ على فساد ، أُطَهِّرُه لأرتاح من علته .

أَعَمَّ من أيِّ شرح عَهِدَه مِنْ قَبْلُ ، أو تحشية ، أو تقرير ، أو تعقيب ، أو استدراك ، أو اعتراض ، أو خلاف ، أو محاكمة ، أو ما أشبهها - عُمومًا يشتمل عليها كلها جميعا معا ، ولا يطابق أيا منها وحده ، بل يستطرد إلى ما لا يشمله !

" إنها خدمة جليلة يسديها المعلق المتمكن على الكتاب وعلى قارئه حين يدون ملاحظاته وتصويباته وشروحاته التي تصلح الأخطاء وتفصح المبهم وتغني الكتاب فيصبح مميزا عن غيره من النسخ المنشورة .

ويمكن تصنيف التعليقات المخطوطة التي سبق أن اطلعت على نصوصها في الكتب المطبوعة بالأنواع التالية :

1- الزيادات ، وهي إضافة معلومات جديدة لإغناء الكتاب أو لاستكمال النصوص فيه ، سواء كان ذلك بسبب عدم معرفة المؤلف واطلاعه عليها ، أو بسبب أن بعض الأحداث لم يدركها المؤلف وقت نشر الكتاب .

2- التهميشات ، ويشمل ذلك إضافة ترجمة المؤلف أو تراجم بعض الأعلام أو الإشارة إلى مصادر التراجمة وتوثيق الاستنادات أو الإشارة إلى مؤلفات أخرى حول الموضوع ، أو سرد فهرس موضوعات تهم المعلق في الكتب غير المكتشفة .

3-   الشروحات التي توضح المبهم من النصوص والأفكار التي مر عليها المؤلف بإجمال .

4-   التفسيرات ، وهي التعليقات التي تبين بالتفصيل معاني الكلمات والمفاهيم من الأسماء والمواقع والأحداث .

5- التصحيحات ، وهي تعديل الأخطاء الواقعة في المعلومات والنصوص أو بيان تعارضها في مواقع مختلفة من الكتاب بما في ذلك إصلاح التصحيفات الطباعية ، ومن يطلع على بعض التصحيحات التي كتبها المحققون والعلماء على كتبهم يجد أن يعضها تمس موضوعات مهمة في الكتب المحققة مثل تعديل الأخطاء في أسماء الأعلام والمواضيع الملتبسة والتي يكثر التصحيف فيها ، وكذلك إصلاح الأخطاء في أبيات الشعر والأحاديث النبوية .

6-   الاعتراضات ، وهي التعليقات المفصلة التي تبين رأي المعلق في رفضه للأفكار التي وردت في مواقع مختلفة من نص الكتاب .

7- التحذيرات ، تختلف عن الاعتراضات بكونها تنبه القارئ بأخذ الحذر من مجمل الأفكار التي طرحها المؤلف في الكتاب ، وغالبا ما يكون التحذير في أول الكتاب أو خاتمته ، وربما تكون موجهة لفئة من القراء .

8- التقريظات ، وهي مدح الكتاب والثناء عليه في مواقع متعددة أو في البداية أو في خاتمة الكتاب ، كما يشمل ذلك الثناء على المؤلف وتزكيته .

9- التمليكات ، يدون المعلق اسمه على الكتاب مع تسجيل تاريخ تملكه ومكانه وسعره ، وكيف حصل عليه . وربما يوجد على الكتاب أسماء عدة معلقين انتقل الكتاب إليهم في فترات مختلفة بالشراء أو الإعارة أو الإهداء أو بالميراث . كما قد يكون التملك على هيئة ختم باسم لمالك ومكتبته الخاصة داخل الكتاب أو على كعبه .

10-  الوقفيات ، كان وقف الكتب أو حبسها على المدارس وطلبة العلم والمساجد من الاعمال الخيرية المعتادة في الحضارة الإسلامية ، وللوقف صيغ موحدة يمكن ملاحظتها على المخطوطات العربية ، واستمر وقف الكتب المطبوعة حتى العصر الحديث . وتعليقات المؤلف مهمة في المطبوعات القديمة لما تكشفه من معلومات تاريخية متنوعة عن الأشخاص والكتب والأمكنة والنشاط الثقافية .

11-  مدونات خاصة ، وهي التعليقات التي ليس لها صلة بالكتاب ولا مؤلفه وإنما هي نصوص ومعلومات أو أفكار قد تكون منقولة أو من إبداع المعلق مثل : كتابة الأشعار والحكم ، أو كتابة أخبار وتواريخ أحداث عامة أو شخصية أو لها صلة بأناس آخرين .

هذه بعض أنواع التعليقات التي قد تأتي في ثنايا الكتب المطبوعة وتكسبها مزيدا من القيمة والندرة ، سواء كانت التعليقات مفصلة أو مبتسرة ، أو جاءت على هيئة رموز مثل وضع الخطوط وعلامات الاستفهام والتعجب على بعض النصوص . ومصدر الكتب التي عليها تعليقات هي المكتبات الخاصة التي يجمعها العلماء والمؤرخون والأدباء لسنوات عديدة من أعمارهم بعد ذلك قد تهدى للمكتبات الوطنية أو تكون معروضة للبيع في المزادات ، أو لدى باعة الكتب القديمة " .

وعلى رغم استعصاء تعليقاتي كثيرا على تلك التصنيفات ، صدق علي الصويمع فيما قال - 76-78- من " خصائص الكتب النادرة " ؛ فلقد ازدادت كتبي بتعليقاتي ، وازدانت ، حتى لا أظن أن تكافئها الأموال ! وما أكثر ما مَزَحْتُ في غمرة البلوى بتجارة مكتبات العلماء :

-      لا أبيعها إلا بكذا ... !

وفي الصدر حِفْظُها لأبنائي وتلامذتي ، لا حَزّازُ الشَّمّاخ :

فَقالوا لَه بايِعْ أَخاكَ وَلا يَكُنْ لَكَ الْيَوْمَ عَنْ رِبْحٍ مِنَ الْبَيْعِ لاهِز

فَلَمّا شَراها فاضَتِ الْعَيْنُ عَبْرَةً وَفِي الصَّدْرِ حَزّازٌ مِنَ الْوَجْدِ حامِز

والفخر بأم فهر التي زارها جمعة الماجد الملياردير العربي الإماراتي ، التاجر وصاحب " مركز جمعة الماجد للتراث " ، و" كلية الدراسات العربية والإسلامية " بدبي ، يعرض عليها الملايين في مكتبة أبي فهر محمود محمد شاكر أستاذنا - رحمه الله ! - فأبت عليه قولا واحدا ، لا كلام قبله ولا بعده ، لا كثيرا ولا قليلا ! ولكنها لما وجدت زياراته وحسن تودده وشدة تمسكه ، وهي الكريمة بنت الكريم زوج الكريم أم الكريمَيْنِ ، ضَيَّفَتْهُ :

-      أسمح لك بصورةٍ من نسخة الأستاذ من " لسان العرب " ، على ألا تنشرها !