"أبناء السلطان" حكاية فيها حكمة كبيرة
"أبناء السلطان" حكاية فيها حكمة كبيرة
جميل السلحوت
[email protected]
صدرت حكاية " أبناء السلطان " الشعبية عام 2008 عن منشورات مركز
أوغاريت الثقافي في رام الله – فلسطين ، وهي من اعداد الدكتور نمر
سرحان ، ورسومات منار بعيرات ، وبصفحات غير مرقمة .
بداية لا بدّ من التذكير بأن الأديب الدكتور نمر سرحان هو أحد أبرز الباحثين
الفلسطينيين في الفولكلور الشعبي – فهو صاحب " موسوعة الفولكلور الفلسطيني "
كما أنه أحد كتاب مجلة " الأفق الجديد " التي صدرت في القدس في ستينات القرن
العشرين .
وحكاية " أبناء السلطان " التي نحن بصددها هنا ، هي احدى الحكايات الشعبية
العربية ، وبما أن التراث الشعبي جزء من الهوية الوطنية لكافة شعوب الأرض ،
فإنه يجدر التنويه الى أن التراث الشعبي العربي لا يلقى ما يستحقه من جمع وتدوين
ودراسات بحثية ، مع التقدير للجهود الفردية التي قام ولا يزال يقوم بها بعض
الباحثين والدارسين في طول العالم العربي وعرضه ، وكذلك بعض المؤسسات مثل جمعية
انعاش الأسرة في البيرة ، والتي صدرت عنها عدة دراسات وأبحاث فلكلورية ، كما
تصدر عنها مجلة " التراث والمجتمع " المختصة بالموروث الشعبي ، فإن ذلك ليس كافياً
ولا يتناسب مع حجم وغنى تراثنا الشعبي العربي ، وقد سبق وأن ناقشنا في ندوة اليوم
السابع في المسرح الوطني الفلسطيني في القدس عدة حكايات شعبية من التي جمعها الباحث
الدنماركي " أندرسن " المولود قبل أكثر من مئة عام ، والتي تعيد المؤسسات
الثقافية في بلاده طباعتها وترجمتها الى لغات عالمية ومنها لغتنا العربية .
ومع
أن " الحكايات الشعبية " حكايات مسلّية كما هو حال جميع الأعمال الأدبية ، فإنني
أستغرب أن يضع الناشر على الصفحة الأولى من الحكاية عبارة " حكاية شعبية للأطفال "
فهل جاءت هذه العبارة من باب أن الحكايات الشعبية غالباً ترويها الجدّات لأحفادهن
الأطفال قبل النوم ؟؟ ففي الحكايات الشعبية خيال واسع يفوق خيال الأطفال ، ومع
أهميتها للأطفال فإنه لا يمكن أن نعفي الكبار من دراستها واستخلاص العبر والحكم من
بين ثناياها ، فعلى سبيل المثال فإن حكايات " ألف ليلة وليلة " المترجمة الى عشرات
اللغات العالمية لا تزال تثير اهتمام الدارسين والباحثين في مختلف أرجاء العالم .
وكذلك بعض السير الشعبية مثل " سيف بن ذي يزن " و " أبو زيد الهلالي " و " عنتره "
وغيرها . وأيضاً " كليلة ودمنة " التي ترجمها الى العربية ابن المقفع عن الفارسية .
ومعروف أن الآداب الشعبية ومن ضمنها الحكاية لم توضع عبثاً بل هي تحمل ثقافة الشعب
التي أنتجها في مرحلة من مراحل حياته وتطوره .
وعودة الى حكاية " أبناء السلطان " التي تتحدث عن سلطان له زوجتان ، واحدة
شريرة شغلها الشاغل أن تضمن وراثة العرش لابنها بعد وفاة زوجها المريض ، في حين أن
الزوجة الطيبة كان همّها العناية بزوجها السلطان المريض .
ولهذا فإن الزوجة الشريرة لجأت الى كبير السحرة طالبة المساعدة في تحقيق هدفها
فأعطاها طائراً سحرياً كي تذبحه وتطبخه وتطعمه لابنها ، وعند موت السلطان فإن طائر
السعادة الذي سيطلقه الناس سيحط على رأس الابن الذي أكل الطائر السحري وبالتالي
سيصبح هو السلطان .
وعندما ذهب ابن الشريرة للصيد مع اخوته مصطحباً الطائر السحري المطبوخ ، لم يكن
جائعاً ، فأكله اخوته . وعندما تفرقوا للصيد بعد مقابلة امرأة عجوز لم تنحز
بنصيحتها لأيّ منهم . وصل كبيرهم " سالم " الى مدينة عامرة بسكانها
المجتمعين لاختيار سلطان وريث لسلطانهم المتوفي ، وعندما أطلق كاهنهم طائر السعادة
حطّ على رأس " سالم " فكرروا محاولتهم أكثر من مرة وكانت النتيجة واحدة ، فسلطنوا
سالم عليهم .
أما
الابن الثاني " سلمان " فقد وقع في فخّ قبطان سفينة على شاطىء بحر ، فدعاه
الى جولة بحرية وفي نيته أن يلقيه في البحر كي تسير سفينته بسلام . وفي السفينة
التقى بشاب حبيس غرفة شبيهة بالسجن ، فأخبره بنية القبطان ، فهربا من السفينة بقارب
نجاة حتى وصلا جزيرة أقزام سكانها يقتتلون ،" فانضما الى الفريق الأكبر وهزما
الفريق الآخر ، وأصبح سلمان ملك الأقزام والسجين الآخر وزيراً عنده "
في
حين وصل الابن الثالث " سويلم " الى غابة كثيفة ، فرأى عربيداً أسود يطارد
أفعى ، فقتل العربيد ، وكافأته الأفعى بأن " أعطته ناياً ، اذا عزف عليه وصل الى ما
يتمناه " ومشى في طريقه حتى وصل مدينة فيها قصر من جماجم البشر ، وسبب ذلك أن
للسلطان بنتاً لا تضحك ، ومن لا يستطيع اضحاكها يقطع رأسه ويضيف جمجمته الى جماجم
الآخرين ، واستطاع " سويلم " أن يضحكها عندما استحضر بواسطة الناي السحرية طفلة
بثلاثة أنوف " وعلى الفور أمر السلطان بإقامة حفل زواج كبير ، ومنح زوج ابنته مالاً
وقصراً فخماً "
أما
الابن الرابع " مُسلّم " ويعتقد أنه ابن الشريرة ، فقد وصل الى سلطنة أخيه
سالم الذي زوجه أجمل فتيات سلطنته .
وبعد شهر التقى الأخوة عند شجرة الخروب التي تفرقوا من عندها ، وعادوا الى بلادهم ،
فوجدوا " أن الزوجة الشريرة قد استولت على العرش بعد وفاة أبيهم وتزوجت من وزيره ،
جلسوا معاً وتذاكروا في الأمر ، قال سالم مخاطباً أخاه الصغير : يا أخي انها أمّك
وأمّنا جميعاً ولا سبيل الى عمل شيء الآن ، سندعو الناس الى حضور انتخاب الملك
الجديد ، وسنقبل بأي شخص يحط على رأسه طير السعادة " وفي اليوم التالي حطّ طير
السعادة على رأس " سالم " فرضي به الجميع ملكاً وعاش الجميع في هناء وسرور "
ويلاحظ في هذه الحكاية أن الزوجة الشريرة لم تنجح في مرادها فوراثة العرش هي من حق
الابن البكر للملك ، كما هو متعارف في الأنظمة الوراثية ، ولو حصل عكس ذلك فإن
الأمر سيؤدي الى خلافات ستعكر صفو الجميع ، وهكذا فإن الأحداث سارت في الحكاية بهذا
الاتجاه السلمي ، وأعادت الحق الى نصابه ليعيش جميع الأخوة في هناء وسعادة .
ويلاحظ أن الحكاية الخرافية فيها دعوة للمحبة وخصوصاً بين الأخوة ، فجميع أحداثها
دارت بسلاسة لخدمة الهدف الرئيسي دون استعمال للعنف ، حتى زوجة السلطان الشريرة
التي استأثرت بالحكم بعد وفاة زوجها في غياب أبنائه ، وتزوجت الوزير فإنه لم يتم
ايذائها من ابنها أو من أبناء زوجها ، فسالم الذي أصبح سلطان اعتبرها أمّه مثلما هي
أمّ أخيه ابنها .