رواية "التبر" لإبراهيم الكوني والأصالة
رواية "التبر" لإبراهيم الكوني والأصالة
جميل السلحوت
تعتبر رواية "التبر" الصادرة طبعتها الثالثة عام 1992 عن دار التنوير للطباعة والنشر في بيروت للأديب الليبي ابراهيم الكوني من الروايات الرائدة التي تدور احداثها في الصحراء الليبية ، وتتحدث عن جانب من حياة قبائل الطوارق البربرية .
وهذه الرواية تذكرنا برواية " موتي وقط لوسيان " للاديب الفلسطيني محمود شاهين ، والتي صدرت في العام 1998 عن وزارة الثقافة الفلسطينية، أي بعد رواية الكوني بعدة اعوام ،وتدور أحداثها في براري السواحرة جنوبي القدس حيث مسقط رأس الاديب ومرتع بدايات شبابه، فرواية شاهين ابطالها الرئيسيون هم كباش الغنم ، والتناطح بينها والذي غالبا ما يكون للفوز للاناث والسيطرة على القطيع ، في حين ان رواية الكوني بطلها بعير " مهري أبلق " نادر الوجود ، له سمات لا يتصف غيره من الابل بها ، فصاحبه يصفه بانه " أبلق ، رشيق ، ممشوق القوام ، نبيل ، شجاع ، وفيّ .... " ص 8 وهو بعير نادر الوجود حتى ان القبائل تحسد من يملك بعير من هذه السلالة ، يقول أحدهم : " لا يحب أن يفلت المهري النادر من نوق القبيلة ، انا أرى أن تستأثر نوقنا به ، نريد نسلا من السلالة المنقرضة .المهاري البلقاء في ابلنا عمل ستحسدنا عليه القبائل " ص 16
والمهري الأبلق هذا بطل الرواية الرئيس ، فهو يسبق صاحبه في البطولة ، بل انه هو الذي كان يقوده الى تنمية الحدث ، وهذا البعير ظهر في الرواية كما البشر ، فيه من الحكمة والصبر والفلسفة الشيء الكثير ، ويبدو ان الكاتب أراد في روايته هذه ان يزودنا بشيء عن حياة الطوارق التي يمتدون في الشمال الافريقي من ليبيا الى موريتانيا ، وعن قسوة العيش التي يعانيها مواطنو الصحراء الليبية ، من خلال صولات وجولات " المهري الأبلق وصاحبه أوخيّد "
وتنبع اهمية هذه الرواية من محليتها ، وبالتأكيد فإن الكاتب قد عاش بين هذه القبائل فهو احد ابنائها ، كما أنه مطلع بشكل واسع على حياة هذه القبائل ، والا لما استطاع ان يكتب رواية بهذه التفاصيل الدقيقة عن حياتهم ، وعن جغرافية صحرائهم ، وعن معتقداتهم وأساطيرهم ن وجوانب من تراثهم القديم ، وهذه ميزة ينفرد بها الكاتب حسب اطلاعنا .
ويبدو في الرواية واضحا ان " أوخيّد " قد استمد بطولته في الرواية عندما أقرن حياته بحياة " المهري الأبلق " فهو جليسه ومستشاره ونبع حكمته ، فعندما اصيب " المهري " بعدوى الحرب من نوق احدى القبائل التي سطا عليها ، فإن " أوخيّد " بذل الغالي والنفيس، وتحمل المشاق في سبيل الوصول الى نبتة " الترفاس " شبه المنقرضة ، والتي تنمو في الصحاري البعيدة وتشفي من الامراض جميعها كما وصف له ذلك أحد الحكماء .
واسم الرواية " التبر " جاء عندما وافق " أوخيّد " ان يطلق زوجته ويسلمها هي وطفلها منه لابن عمها " دودو " الذي كان يعشقها منذ الصغر مقابل أن يعيد اليه " المهري الأبلق " الذي كان يحتجزه عنده ، فما كان من " دودو " إلا أن " أخرج من صندوق الحديد جراباً جلدياً قديماً موسوماً بإشارات السحرة ، غرف منه بفنجان الشاي مرتين ، فتلألأ التبر وأعمى العيون ، أشعة الغسق الصفراء انعكست على الحبيبات الصفراء فتلامع الذهب .. قدّم له الصرة وقال : لا تعتبر هذا رشوة ، انه سيقيك الحاجة عن تمر المجاعة " ص124
واستعاد " أوخيّد " المهري الأبرق ، وسار به الى احدى الواحات حيث ينمو نبات " الترفاس " العجيب ، وبقي الى أن جاءه أحد رعاة الابل ، وأخبره دون أن يعرفه قصة الرجل الذي باع زوجته بالذهب ، فطار عقل " أوخيّد " وذهب الى مضارب قبيلة " دودو" وقتله وألقى الذهب في ماء النبع ، وهرب الى أماكن بعيدة ، إلاّ أن قبيلة " دودو" طاردته الى أن ألقى رجالها القبض عليه ،وقتلوه بطريقة "تانس" في قتل ضرتها الشريرة حسب أسطورة " تانس وأطلانتس " حيث تقول الأسطورة :
" قيدوا يديه ورجليه بالحبال ، جاؤوا بجملين ، شدوا اليد اليمنى والرجل اليمنى الى جمل ، وشدوا اليد الأخرى والرجل اليسرى الى الجمل الآخر .. أحرقوا أجسام الجمال بألسنة السياط . قفز أحدهم نحو اليمين وقفز الآخر في الاتجاه المضاد "ص159
ثم قطعوا رأسه وأخذوه للقبيلة حتى يتيقنوا من قتله .
وواضح أن الكاتب الذي يمتلك لغة أدبية جميلة قد خلط الواقع بالخيال الأسطوري في هذه الرواية ، فقد عاد الى الجذور البعيدة للطوارق ، مروراً بالاسلام ، وعرج قليلاً على الاحتلال الايطالي لليبيا ، لتدور أحداث روايتة في تلك المرحلة .
ومعروف أن الأديب الكوني الذي كتب أكثر من ستين رواية أديب ذو مستوى رفيع تُرجمت أعماله الى عدة لغات ، وحاز على عشرات الجوائز المحلية والعربية والعالمية ولا يزال في قمة العطاء .