مناقشة رسالة دكتوراة بلاغة في جامعة مؤتة

د. حسن الربابعة

قسم اللغة العربية

جامعة مؤتة

[email protected]

تم مناقشة رسالة دكتوراة في البلاغة عنوانها "بناء المعنى في القصة القرآنية دراسة أسلوبية بلاغية "من إعداد الطالب احمد علي حسين ربابعة ، بإشراف الأستاذ الدكتور زهير احمد المنصور أستاذ البلاغة والنقد في جامعة مؤتة والأستاذ الدكتور محمد الغرايبة أستاذ الفقه في كلية الشريعة والدكتور يوسف عواد القماز الأستاذ المشارك في قسم اللغة العربية وجميعهم من جامعة مؤتة ، وذلك في اليوم التاسع من شهر نيسان 2008م ، في قاعة كلية الآداب .

  لقد نهضت الرسالة على مقدمة وخمسة فصول وخاتمة ، واعتمد الباحث على (64) أربعة وستين مصدرا ومرجعا في (249) مائتين وتسع وأربعين ورقة من القطع الكبير ، من ذوات السطور السبعة عشر ،

   أما المقدمة فوعد فيها الباحث الكشف عن بعض المعاني التي تبرزها الفصص القرآنية بأساليب تركيبية عرفها العرب في أدبهم شعرا ونثرا ،

أما الفصل الأول فوسمه ب"المعنى في الدراسات النقدية والبلاغية " والثاني وسمه ب"التشبيه في القصة القرآنية وأثره في بناء المعنى "وأما الثالث فوسمه ب"التمثيل في بناء المعنى في القصة القرآنية "وأما الرابع فوسمه ب"ظاهرة الإيحاء وأثرها في بناء المعنى في القصة القرآنية " وأما الخامس الأخير فكان"ظاهرة النداء في القصة القرآنية وأثرها في بناء المعنى "

أما في فصله الأول فوقف عند المعنى لغة واصطلاحا ومكانة المعنى في اللغة واصناف الدلالات الخمس  على المعاني، وهي التي ذكرها الجاحظ في بيانه وتبيينه من لفظ وإشارة وخط وعقد ونصبة ومثل على كل نوع بما يكفيه تدليلا ، لا استقصاء ، واحتج بصاحب البرهان في وجوه البيان ، اسحق الكاتب الذي أورد أربع دلالات للمعاني هي البيان بالاعتبار ومنه الذي   يدرك بالحس ، ومنه البيان بالاعتقاد ومنه حق لا شبهة فيه وثالث هو بيان العبارة الذي يشمل فنون القول كالاشتقاق والتشبيه واللحن والرمز والأمثال واللغز والرابع البيان بالكتاب وهو الذي يبلغ من بعد وغاب ، وذهب الباحث إلى قسمي  المعنى وهما الحقيقة والمجاز ، وذكر أنواع المعاني السبعة التي يحددها السياق ؛ من معنى صريح وضمني ، وأسلوبي ، وانفعالي كتركيز النبر وسرعة النطق ، والمعنى الانعكاسي كقوله تعالى آمرا نبيه الكريم "فبشرهم بعذاب أليم "(آل عمران 21) والمعنى الانتظامي كتراسل الصفات من نحو صفتي جميل ووسيم ، وخسوف وكسوف ، والمعنى الموضوعي ،من تقديم وتأخير كقوله تعالى " وجعلوا لله شركاء الجن"(الأنعام /100)وادرح أمثلة عن دور السياق في كشف المعنى من نحو معنى عاطفي وتناوب المعنى والغموض واللفظ المشترك ، كاتفاق كلمتين صوتا وبمعنى مختلف .

  وأما الفصل الثاني التشبيه وأثره في بناء المعنى ، فذكر أدوات التشبيه المعروفة من حروف وأفعال وأسماء لكن الجديد هو الأمثلة التي مثل عليها ، وهي الدراسة المعتمدة ، وتنبه إلى توظيف الفعل "حسب "أداة تشبيه ، ولو قال حرف تشبيه لكان أفضل معتمدا على قوله تعالى "قيل لها ادخلي الصرح فلما رأته حسبته لجة "(النمل/44)فربط الفعل "حسب بين المشبع الصرح بالمشبه به اللجة بجامع الشفافية بين طرفي التشبيه .

  وأما الفصل الثالث "التمثيل "فمثل على إحياء الموتى ،وقصره على الله تعالى شانه تعالى في إحياء الطيور الأربعة لسيدنا إبراهيم عليه السلام، وإحياء الميت في عهد موسى عليه السلام، لما ضرب ببعض لحم البقرة الصفراء الفاقع لونها ، أحياه الله تعالى فذكر قاتله ثم خر ميتا ، وإماتة العزير مائة عام ثم بعثه واراه تعالى كيف يحيي الموتى من نشز عظم واكسائه لحما بقوله "وانظر إلى العظام كيف ننشزها ثم نكسوها لحما "(البقرة 258)ومثل على الموت الجماعي بقصة مات فيها قوم  جماعيا من قوم موسى "فقال لهم الله موتوا ثم أحياهم "(القرة 243)ومن التمثيل إحياء الميت من النبات حيوانا بأمره عز وجل شانه في عصا موسى عليه السلام "" فألقاها فإذا هي حية  تسعى "(طه/19)لإقناع السحرة فآمنوا بالله لموسى ،.شانه تعالى في الإحياء والإماتة للإقناع ،والإيمان ومن التمثيل في القصة القرآنية ما لا يدرك بالحواس ، وإنما يدرك بالعقل فحسب ، شان طلب موسى أن يرى  ربه جهرة ، فاندك الجبل وانصعق موسى كما هو مفصل في سورة الأعراف (اية143) .فالله تعالى يدرك الأبصار من حيث لا تدركه   ، ومن التمثيل بناؤه للتضحية والحض عليها على نحو مما فعله سيدنا إبراهيم ،إذ ضحى بنفسه أولا  لأجل عقيدته فحطم الأصنام وألقاه النمرود  في النار التي تحولت بإذن الله عليه بردا وسلاما ، كما تلَّ ثانيا جبين  ابنه إسماعيل عليه السلام ليذبحه فرؤيا الأنبياء حق، ففداه الله تعالى بذبح عنه عظيم،  ومن التمثيل القصي أن ينبه المرء  إلى، سوء "حب الذات "شانه في  ولدي آدم، والحسد في سورة يوسف . ، وجلى الباحث المعنى الخفي مستخلصا من ظاهر القص   ، على نحو مما قصه الله تعالى علينا من أم موسى وقذف ولدها في التابوت ، وتربى موسى  في حجر فرعون، ثم لما شاء الله انتصر عليه موسى ، فقوة الله تتجلى باطنا مستخلصة من الظاهر ، ومثلُ ذلك الرجل الذي آمن مسرا إيمانه في عهد موسى عليه السلام ، فظاهره غير باطنه

أما الفصل الرابع في الإيحاء وأثره فكان أجود فصوله ، لأنه أتى بأمثلة حية عملية من إشارة وكناية والهام ، فمثل على الإيحاء برموز الشيفرة حاليا في سورة يوسف عليه السلام، فرؤياه للكواكب والشمس والقمر تدل على أمه وأبيه وإخوته الأحد عشر  وفي ختام  السورة كانت تفسير رؤياه لما حمل أبويه على العرش وسجدوا له سجود احترام لا تهبدا ، والشيفرة في رؤيا سجينين معه، والشيفرة في رؤيا الملك لسبع بفرات سمان وضعاف مناصفة ومتلها السنابل ، فحل يوسف نظام الشيفرة فسر به الملك وجعله على خزائن الملك يدبر أمور اقتصاد الدولة ، وفيها إيحائية المتاع كقميص يوسف والدم الكاذب عليه وإيحائية القميص وقدّ امرأة العزيز له والقميص وإبصار أبيه لما القي عليه وفيها إيحائية السلوك من الأمن الشخصي وامن الأمتعة وصاع الملك والمكيدة لاستحضار بنيامين أخيه ، وفيها ترميز إلى خطورة تمييز احد أفراد الأسرة عن غيره ، ومن المعاني الإيحائية أدب التعلم والصبر على مشاقه، كما في قصة موسى والرجل الصالح واختصاص العلوم ،فعلم موسى ليس كعلم الخضر عليهما الصلاة والسلام ، وان كان كل منهما رفيعا من لدن الله تعالى، وعلم المرء محدود وعلم الله غير محدود سبحانه ، ويبدو أن الدكتور احمد الربابعة أفاد من خبراته العسكرية ؛ لأنه ضابط امن كبير متقاعد، فجلى هذا الفصل تجلية أثارت لجنة المناقشة؛ فاستحسنوها خاصة، على مجمل رسالته عامة

   أما الفصل الخامس الأخير فابرز الباحث الربابعة ظاهرة النداء بوسائله المتعددة من حروف نداء قريبها وبعيدها ممثلا عليها بما يشكر عليه من تطبيقات من القرآن الكريم ، نفعنا الله والمتلقين من بركات القرآن الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه تنزيل من حميد مجيد ، وعسى أن يجعله في صحائفنا وان يرجح به حسناتنا إذا كفتنا  يوم الحساب .