انعكاس المذاهب الأدبية
(التعبيرية – الوجودية- السيريالية- الرمزية)
في أدب زكريا تامر*
صلاح الدين عبدي
جامعة بوعلي سينا بهمدان
الموجز :
ولد زكريا في سنة 1931 في دمشق اقتصر تعليمه علی المرحلة الابتداية ثقف نفسه بنفسه فانصرف الی العمل في سن مبكرة وسكن منذ عام 1981 في لندن من اجل التضييقات والضغوط التي واجهها في سورية و اخلص منذ اصداراول قصة له في عام ،1956 لفن القصة القصيرة دون ماسواها فكتب فيه علی مدی اكثرمن اربعين عاماَ حتی اليوم و مايزال تسع مجموعات قصصية هي علی التوالي : صهيل الجواد الابيض – ربيع في الرماد- الرعد- دمشق الحرائق – النمور في اليوم العاشر – نداء نوح- سنضحك- الحصرم- تكسير ركب- و بدأ يكتب قصصاً موجهة للاطفال في مجموعتي لماذا سكت النهر- قالت الوردة للسنونو.
قصص زكريا تامر تفيض بطاقة شعرية مدهشة في كثافتها الامرالذي لم تعرفه القصة القصيرة من قبل هويكتب محاولاً لايجاد الصورت الذي لم يعثرعليه فيما قرأه. لايمكن ان نجعل زكريا في أي اتجاه او تحت راية اي حزب بحكم طبيعته المتحررة من كل القيود اذن حاول أن يكتب مالم يكتبه غيره ملتمساَ المراوحة بين التيارت المختلفة دون أن يتقيد بحرفية مبادئها مزيجا بمحليتها العربية.
تهدف المقالة دارسة اربع مدارس أدبية في قصص زكريا تامر وليس هدفها دارستها علی المستوی اللساني بل ستدرس من خلال خصائصها الادبية و الفنية حيث لها علاقة بالمضمون.
المفردات الرئيسة : زكريا تامر ، المذاهب الادبية ،القصة القصيرة
المقدمة :
طرأ ذيوع اتجاهات و مدارس الادبية في الأدب العربي المعاصرمن جراء الاحتكاك والتفاعل العقيدي و التعاطي الثقافي فأدی الی أن الادباء و الشعراء ألفّوا مجموعات غنية و مفيدة متأثرة بهذه المدارس والاتجاهات الادبية.
زكريا لم يتلق تعليماَ منظماَ بل تعلم من الحياة والكتب اكثرمما يمكن أن يتعلمه من المدارس وثقف نفسه بنفسه فقرأ و قرأ كل مايمكن أن يزوده بشعورالشبع المعرفي إلا أنه مع ذلك لم يستطع أن يبلورنفسه في اطار واضح محدد مما ساهم في عدم بلورة موقفه هو عدم معرفة المراد من الانسان العربي في فترة مليئة بالاضطراب السياسي والشعور بمرارة الهزيمة التي خلّفها فشل الصراع العربي- الاسرائيل و كل ماورد ذكره كان قد ظهر في خضم العالم العصري المتجدد بسرعة هائلة أحس الفرد بالضياع و هدر كرامته الی أن سمي هذا الجوالعالم المشترك بين حضور كافة الاتجاهات و المذاهب في آن واحد بالاتجاه التعبيري.
زكريا تامرمن عمالقة القصة القصيرة في سورية و في بلدان العرب عامة إذ إنه اقتصرفنه علی القصة القصيرة دون ماسواها ويتحدّث النقاد كثيراعن التعبيرية في قصص زكريا تامرو يعتبرونه قمة من قمم الاتجاه التعبيري في سورية من مثل عبد الرزاق عيد ورياض عصمت و خلدون الشمعة واحمد محمد عطية وامتنان عثمان الصمادي و محمد كامل خطيب و نبيل سليمان … الخ.
ومن الجدير بالذكر أننا لانستطيع أن نجعل زكريا ملتزماَ بحرفية مباديء هذه المدرسة إذ إننا قلّما نجد ابرازاً لخصائص هذه المدرسة وطابعها وانعكاسها علی منظورالكاتب في تحديد الاتجاه الذي تظهر و تتطور في الشخصية القصصية عنده. و نحن عندما سندرس هذه المدارس في مجموعاته القصصية ليس هدفنا دراستها علی المستوی اللساني حيث لاعلاقة لها بالمضمون بل سندرس من خلال خصائصها الادبية والفنية.
1- التعبيرية : (Expressionism) :
اما التعبيرية كظاهرة فنية و ادبية هي من نتاج اوائل القرن العشرين و ظهرت في ألمانيا في فنون الرسم والنحت و الشعراكثر منها في القصة والرواية و في مرحلة لاحقة بدأ ظهورها في قصة و رواية كافكا و توماس ولف1.
و قد آثر زكريا تامر التعبيرية مذهباَ أدبياَ يعبر بوساطتها عن فكره و من المعلوم أن التعبيرية تعني عناية فائقة بالخيال الذي يعير الجماد حياة ؛ و يتغلغل في اعماق النفس الخفية و لهذا اهتمت بالمونولوج الداخلي و تّيار الوعي و تناولوا المستحيل كما لوكان حقيقياَ.
و لعل سمات تعبيرية زكريا تتجلی في الدمج بين المعقول واللامعقول واعتماد الزمر والاسطورة ؛ و استلهام اللاشعوروالأحلام و أحلام اليقظة ؛ وهيمنة المجاز و الصورة علی الخطاب السردي ؛ فمن عالم الواقع يبني زكريا تامرعالماَغيرواقعي وغيرمعقول ؛ و من حطام هذا العالم في علاقاتة الشاذة : القتل والتعذيب والقمع ؛ يرسم الكاتب صورة لامعقولة لعالم معقول و هذه الرؤيا السائدة في عالم قاس و شرير هي ماينجح تامر أيما نجاح . لن نستفيض كثيراً في عرض و تقصي مظاهر هذه التعبيرية و سنكتفي ببعض هذه الاشارات التي قمنا بها محاولين اكتشاف خصائصها وطابعها في قصص زكريا تامر. و سننتقل الآن لمعانية هذه الخصائص الی قصة «البستان» في مجموعة «دمشق الحرائق».
المنطوق السردي لهذه القصة القصيرة أن سليمان وسميحة الممتلئان بالحب و الشاعرية و البراءة تجاه بعضهما و تجاه الطبيعة والمستقبل فجأة يتحلق حولها في البستان اربعة رجال متجهمي الوجوه و نظراتهم صارمة هازئة سليمان لم يستطع أن يقنعهم بأن سميحة خطيبته و جوابهم له أنه يكذب لو كان خطيبته فعلاَ لما أحضرها الی هنا ويقترحون عليه كأنها كانت عاهرة نحن نتهيأ لك المكان أنها تكفينا جميعاَ و لما استولی الغضب علی سليمان اشتبك معهم وسقط علی الارض بفعل ضربة العصا فترنّح فتعدوا علی سميحة و فصرخت سميحة و صرخت الأشجار و صرخ العشب الاخصر وصرخت سميحة من دون أن تستطيع التحول الی قطرة ماء تحملها غيمة. بعد أن تغتصب، أفاق سليمان من اغمائه و رأی سميحة ممزقة الثياب ملقاة تحت رجل يلهث فسارع الی اغماض عنييه خاضعاَ لرعب بارد مرتجف و اشتد الصاقه بالشعب و أنصت لنحيب ينبثق من جوف الارض مرّا َممتزجات بلهاث حيوانات تفتش عن ماء. وكانت الشمس في تلك اللحظة حمراء تجنح للأفول فالليل ألاسواد آت …».3
تبدأ القصة بالمجاز و تنتهي بالمجاز فسميحة «كانت في الايام القديمة سمكة تحيا في البحار ثم تحولت فيما بعد الی قطرة ماء في غنيمة. و نهايته وكانت الشمس في تلك الحظة حمراء تجنح للأفول فالليل الأسود آت…»
فالبداية والنهاية لاتدخلان النسيج السردي الذي يشكل سليمان و سميحة عناصره و يتمازج فيها الانسان بالطبيعي. فسمحيه ، سمكة تحيا في البحارو قطرة في غيمة و يغدو من مستوی العامل الی مستوی الفاعل الخير وعلی الرغم من أن سليمان وسميحه يحتل حيزاَ كبيراَ من القصة عبر حوارهما لكنهما لايشكلان قواماَ مستقلاَ بالنسبة للزمان بل ومضة فرح في جوف زمن سيعقبه ليل أسود…
فالقصة لاتنتهي بل يتركها الكاتب مفتوحة عبر النقاط الثلاث (...) و هي مفتوحة علی الليل الأسود الذي سيعم. تقع القصة بين قطبين متنافرين مشدودين حتی أقصاهما أي تبدأ بالضوء الموسيقي و تنتهي بالظلمة و الخواء و المفارقة التي تبني عليها القصة مفارقة الحياة والموت.
فالزمن علی مستوی القصة هو لحظة زمنية مدتها فترة نزهة لسليمان و سميحة إلا أنه مستوی تاريخية الحدث يمتد ليشتمل زمناَ كونياَ شاملاَ حيث كانت سميحة في الايام القديمة سمكة تحيا في البحار ثم تحولت فيما بعد الی قطرة ماء في غنيمة.4
نحن هنا امام زمن مجازي يوحي لنا بالتحولات التي تطرأ علی الطبيعة علی أن السمكة التي تتحول الی قطرة ماء و هذا المحال تناوله زكريا كما لوكان حقيقياَ. وايّاَ كانت امكانية صحة تحول من هذا النوع «يوحي مباشرة حقبي ممتد في اللانهاية ومصدر ذلك الثقافة الاسلامية التي هي الإطارالاجتماعي الثقافي للكاتب الذي يتحدث عن محمد (ص) علي أنه موجود بوجود الكون و لقد كان كوكباَ حتي إذن الله له بالهبوط الی الارض و يوم ولادته رأت أمه ضياء يعم الكون و شهباَ تمتد من الارض الي السماء».5
ففي الايام القديمة كانت سميحة قطرة ماء و الآن بعد اغتصابها سيأتي الليل الأسود و هكذا فالزمن يخضع لتجربة المعاناة للشخصية. هنا يدمج الكاتب الواقع بالممكن المجرد و ليس المحدد و بما أنّ زكريا يهمين علی بناء قصصه فنجده وراء الجملة و وراء السرد و الوصف و الشخصية يجعلها أن تفتقد التعليلية في السرد و في تفسير سلوك الشخصية و مصيرها و نتيجة الدمج بين المعقول و اللا معقول و من ثم الی خاتمة تستمد عناصرها من الخطاب دون أن تتناسج في البنيان الموضوعي للقصة و من ثم اتخاذها طابعاَ مجازياَ تعبيرياَ.6
و الخاتمة التي انتهينا اليها نجدها في معظم قصص مجموعات دمشق الحرائق والنمورفي اليوم العاشر و نداء نوح اي نهايات القصص تنتهي بجملة تصويرية مجازية.
فالتعبيرفي هذه تبتدئ في الانتقال من المحتمل الي المحدد وهذا النوع من السرد غير تفضيلي من جرّاء انفتاح مجازي للقصة عن حب سليمان لسميحة والنهاية المجازية بأفول الشمس تكتسب اللحظة السردية خاصيتها الاسطوريه. و نجد الحوار العاطفي بين سليمان و سميحة يحتل حيزاَ كبيراَ من القصصة و هو نفس هيمنة الخطاب علی السرد.
2- الوجودية : (Existentialism)
انصهرت الوجودية كنظرية فلسفية في اثناء الحرب العالمية الثانية لكن بمجرد انتهاء الحرب ظهرت ايضاَ كنظرية أدبية عندما نشر رائدها جان بول سارتر كتابه الشهير «ماالادب؟» عام 1947 .7هو مع الفلاسفة الآخرين من مثل غابرييل مارسيل قدّموا نظراتهم الفلسفية عبر الأدب. أما الخصائص المشتركة بين الفلاسفة الوجوديين فهي هذه: فلسفتهم تقدم تجربة وجودية حية تختلف من فيلسوف الی آخر واهتموا بالحياة الفردية و بالعالم الباطني للانسان و كما كذلك يعنون بمقولة الاختيار و الحرية و هذه من أهم مقولات عندهم فالانسان لاوجود له دون حرية و امتلاك الاختيار و لايكترثون الی المعرفة العقلية في ميدان الفلسفه. هولاء يسبقون الوجود قبل الماهية و يهتمون بالواقع الذي يهيمن عليه القلق حيث يدرك الانسان أنه موجود محدود قاصر ؛ مصيره الموت الذي هو الحقيقة الوحيدة في هذه الحياة فيعايش قلقاَ لغصة الموت و زوال الزمن و لهذا لاغرو أن يسيطرعليهم احساس العبث و يحتل حيزاَ كبيراَ في اعمالهم، و من أهم مقولاتهم ، فالانسان يعيش حياته يصارع الموت و إذ يولد دون سبب و يعيش بدافع الضعف و يموت بالمصادفة8.
ترفض الوجودية ، القواعد والقيم الاخلاقية الخارجية اي تلك التي أوجدها المجتمع و تصرعلی أن انسان هو وحده يختار قيمه و اخلاقه داخل اطار حريته… و كما يقول سارتر. للانسان ليس شئياً آخر غير مايريد9.
و علی هذا الاساس نجد أن الاغتراب و اليأس و التفكر بالموت وعبث الوجود من أهم الموضوعات التي شاعت لدی الوجوديين.
اما بالنسبة للوجودية في القصة السورية يری د.حسام خطيب أن الوجودية ابتداءً من الخمسينات بعد استقلال عندما فتح ابواب سورية لمختلف المؤثرات و بما أن اللغه الفرنسية أوسع اللغات انتشاراَ رغم كراهة و نفورالشباب من هذه اللغة بعد استقلال سورية و لاسيما اذا أخذنا بعين الاعتبارأن الترجمات التي كانت تتم في لبنان في تلك الفترة كانت تقرأ في سورية بشكل واسع و تقدم للأدباء الشباب الذين تقوم بكتابة القصة نمطاَ جديداَ من التفكير يختلف عن الانماط التي كوّنت الغذاء الثقافي للجيل الأسبق ولكنها سطحية عابرة بمقارنة بتاثيرالادب الروسي و الادب الواقعي الاشتراكي.
يبدو للمرء من هذه الزواية أن الصراع العقائدي الذي كان علی أشدّه في فتره الخمسينات تمثلها ثلاث اتجاهات رئيسية تركت بصماتها بوضوح في الانتاج الادبي السوري :
1-الاتجاه الديني التقليدي يمثله المتدينون و المحافظون الذين ينظرون شزراً الی الفنون الادبية الحديثة.
2-الاتجاه اليساري الذي يعتبر النماذج الادبية الروسية و السوفياتية والنضالية مثله الاعلی
3-الاتجاه القومي الذي كان كتّابه يلتفون حول حزب البعث و الحزب القومي السوري فقد كان يعاني في البداية من الافتقارالی ايديولوجيا متميزة لذلك حاول بعضهم أن يلتمسها في الفلسفة الوجودية ولاسيما في افكار سارتر و آلبركاموالتي انتشرت في اوسط الشباب المثقف الغاضب بعد الحرب العالمية الثانية. و من الصعب التوصل الی نوع من التوفيق بين الافكارالوجودية و بين الافكارالقومية الملتزمة و الهادفة والمتفائلة والمضطرمة في مطلع الخمسينات والافكارالوجودية هي عرضية الوجود الانساني، قصور التعليلي العقلي ، قيود الوجود الانساني القلق ، الاغتراب الروحي ، الانتهاء المحدود و شوك الموت، العزلة و الحالة الخاصة والعدم. و قد أباح الكتاب القوميون لأنفسهم حرية التصرف بالافكارالوجودية وأخذوا يختارون منها اختياراً اقتطافيه كل يمكن أن يساعده في معتركتهم العقائدية ولاسيما في مواجهة فكرة الالتزام المنهجي التی دعا اليها الكتاب المتأثرون بالواقعيه الإشتراكيه.10
و الواقع أن معظم كتّاب الخمسينات استندوا بشكل أو آخرالی افكار الوجودية بما في ذلك بعض كتاب اليسار الذين كانوا يجعلون انفسهم في عداد الماركسيين من مثل مطاع صفدي وغادة السمان و جورج سالم… الخ ولكن هذه التأثيرات كماقلنا- آنفا- عابرة سطحية سرعان ما تلاشت بعد نكسة حزيران لدی اغلب الادباء باعتقادنا.
ان المقولات الأساسية التي لاحظناها لدی ابطال زكريا تامر تقصرعلی فكرة العبث و مقولة الحرية و مقولة الالحاد و مقوله الموت ، و فيما يلي سندرسه بالتفصيل:
2-1- فكرة العبث : تطغی علی معظم ابطال قصص زكريا تامرعلی سبيل المثال لاالحصر في قصة «الاغنية الزرقاء الخشنة» من مجموعة صهيل الجود الابيض نجد البطل يقول : «انا رجلٌ فقير بلاعمل لا أضحك و لأابكي أحبُّ الخمر والغنا والأزقة الضيقه …. عيناي نعشان و ذئبان مريضان قلبي قد يكون بلبلاَ مذبوح العنق قد أكون شحاذاَ تبكيه عتمه اليل».11 نجد في قصة «القبو» نفس الخصائص و الملامح عند شاب عاطل عن العمل الذي يقضي معظم وقته في المقهي و يحس بأنه: « تمثال من صخرصلد أملس مغروس وسط ضوضاء مخبولة عقربا الساعة يحفران قبراً للنهار، نهارهزيل بهجته ميتة…».12 حتی نری أنه انسان فقد الروح و الحيوية والنشاط فراح الزمن لايعني شيئاَ سوی الموت و فقدان الفرح لهذا لانستغرب أن يصبح لديه احساس بالتبلد وشبه نفسه فيها ب«جثة طافية علی وجه مياه نهر بطيء.» أوحين يتامل اعماقه لن يجد فيها سوی الوحشة والفراغ «لاشيء في داخلي سوی بعض العناكب و القبور المهجورة.»13 حتی مرور الزمن لايستطيع أن يبعد احساسه بالعبث والكآبة في قصة «ابتسم يا وجهها المتعب» يخبرنا البطل قائلاً: «و تعاقب عليّ الأعوام الكثيرة وأنا راقد علی ظهري دون فرح او كآبة أحمق ببلاهه الی غيمة وحشية…» 14كما لاحظنا البطل في هذه القصص كما في جميع قصص زكريا تامر لايشعر بخصوصيته و تفرده كذات قادرة علی العمل و التفكير و العشق و الاحساس بل إنه لايعايش ذاته.. بوصفه حامل القوی الانسانية الخلاقة وهكذا يهرب من ممارسة حريته التي هي جوهرالانسان بهذا تصبح اعماله مزيفة لاتمت بصله الی شخصيتة الحقيقته مما يؤدي الی احلال نفس مزيفة محل النفس الأصليه.
2-2- مقولة اللحرية :
باتت مقولة الحرية إحدی الركائز التي يعتمد عليها الادب العربي لكن خطورة أهميتها تأتي حين تهتم بحرية الكائن اوالفرد بمعزل عن مجتمعه أوحين لم يصطحبها احساس بالمسؤولية تجاء الآخرالذي يشاركه في الحياة هذا ما يتجلی في قصص زكريا تامر وهو نفسه يشير الی ذلك قائلا: «يخيل لي أن ابطال قصصي يريدون خبزاً او حرية او فرحاً فلاينالون سوی السحق و الذين يسحقونهم هم اولئك الذين يربحون من فقدان الحرية والفرح وعندما تكون القوة البربرية هي الآمرة و المسيطرة فمن الطبيعي أن يكون حتی الابتسام محظوراَ ومن الطبيعي أن يقتل الانسان معنوياَ و مادياً»15.
و قضية الحرية هذه هي محور اساسي في قصص زكريا تامر في قصة عباس بن فرناس المخترع الاندلسي الذي حاول الطيران، حيث يستدعي الملك ، عباس فيسأله عن سبب رغبته في الطيران ثم يتهمه بأنه يريد أن يطير بهذه الأجنحة هرباً من جور الملك و ظلمه و يأمر بأن يلقی به من قمة الجبل الی قاع الوادي ليتمزق و تتناثراشلاؤه وهذا هو مصير ابطلال زكريا الذين يريدون أن يهربوا من ظلم الظالمين لينال الحرية ، يكتظ قسم عظيم من قصص زكريا بالشرطة والسلطة و خدم وحواشيها من الاب المتسلط المتحجرورجال الدين المتطرفين الذين كانوا موازين لشرطة في هيمنة تسلطها علی البطل او فرد زكريا و هولاء هم الذين يرهقون و يزهقون الحرية كما يری رياض عصمت: «تلك الحرية التي ترهقها و تزهقها هراوات الشرطة و بذرة الخوف الكامنة في نفوس البشرالضعفاء الذين يسقطون سقطات تراجيدة واحداَ تلولآخر. اذن فهو ليس بحثاَ عن الحرية فقط و انما نزعة تراجيدية نحو التحررالمستحيل كثيراَ ما تنهي مثل قصص كافكا بمصرع ابطالها و هم يكافحون عبثية و تعسف قدرهم بعديه الاجتماعي و الميتافيزيقي دون أن يفقدوا صبوتهم للحقيقة و استشهادهم كمتمردين رافضين».16
2-3- مقولة الالحاد :
ان بطل زكريا يؤمن بالاستمتاع بالحياة الحاضرة مثل اصحاب ابيقوريين او اصحاب اللذة ورفض الماضي و المستقبل ورفض العمل ، يقول بطل قصة القبو:«كانت كآبتي أقسی من عذاب أرض بلا مطرولم أكن اكثر من كومة لحم لايستطيع مساعدتها اي إله»17 أوبطل قصة صهيل الجواد الابيض يقول: «أنا لست سوی مخلوق ماضائع في زحام مدينة كبيرة قديمة…لا املك سيارة و لابناية شامخة في شارع لايسكنه الفقراء. جبهتي لم تلمس مرة سجادة مسجد…أشتغل في اليوم ثماني ساعات ، أتعب ، ابتلع الطعام بسرعة…أقامر بمبالغ ضئيلة. أضحك ببلاهة. أغازل فتيات أشتم ا… أصادق مومسات أتسكع في طرقات لولبية أتجرع بنهم خموراً ردئية ، الليل من دونها كآبة فاجعه.»18 نشم من هذه السطور افكار الكآبة و العبث و نتيجه لسيطرة و هيمنة العبث علی فكرة البطل أدّی الی أن ازداد احساسه بالوحشة و الوحدة. لاشكّ أن فكرة الالحاد من الافكار المستوردة التي استمدها الكتاب العرب من الغرب لتأثيرالافكار العربية خاصة الوجودية الملحدة التي انتشرت اكثر من الوجودية المؤمنة في الوطن العربي لأن فلاسفتها يقدمون آرائهم عبر الرواية و القصة.
2-4- مقولة الموت :
ان خطر الموت يمنع الانسان من القيام باعمال كان يود القيام بها لو لم يكن موجوداً في حياه لاأمل فيها و يهيمن عليها اليأس و الكآبة و القنوط. إن معرفة أنه لم يعد هناك أمل في شيء و أن كل لحظة يعيشها تقربه اكثر من الموت. و لهذا نری بطل زكريا تامر لم يهتم لموت أقرب انسان لديه و هي أخته في قصة« النهر الميت» نجده في المقبرة يبتسم الی درجة يضطر والده أن يهمس في أذنه طارق «كف عن الابتسام» …أنت في مقبرة. ان البطل غريب في افكاره يصدم بها مجتمعه و لايريد أن يراعي تقاليد المجتمع إذ أن تقاليد مجتمع كشبكة يتقيده. زكريا تامر أحد أهم كتاب القلائل الذين شغلتهم الأسئلة الكبري المتعلقة بمعنی الحياة و سّرالموت. و لاتكاد تخلو قصة من قصصه من هذا الهاجس الذي يزيد من غربة و تمزق ابطاله و لاتكاد تنتهي قصة من قصصه دون أن نری موت البطل المادي او المعنوي و في كل مرة ينتصب السؤال الأبدي أمام أبطاله كما انتصب امامه في الحياة لماذا نحن احياء؟ لماذا نستمر في الحياة؟ هل الحياة تستحق أن تعاش و هل لها معني؟
حتی حين يسأل أحدهم بطل زكريا في قصة القبوعن الساعة يرفض أن يجيب عن سوال: كم هي الساعة؟ يتحدّت نفسه مستغرباً: «لماذا يسأل مادام سيموت في يوم من الأيام.»19 و نحن هنا تجاه لحظة عبثية تری في الحياة اللامعنی مادام سيعقبها الموت:« و ربما كان ادب زكريا تامر نموذجاً واضحاً للنزوة الموت التي غذتها الحياة المعاصرة فصبغت بالسواد كثيراً من تشابه صاحبها و من البديهي أن تهيمن صور الموت في سياق العوالم الكابوسية »20. لأن هذه العوالم الكابوسية تجارب جديدة وبطل زكريا يحب كل التجارب الجديدة كما يشير قائلاً: «أنا احب كل التجارب الجديدة…. الموت لايخفيني إنه بدء طريق الي عالم كبير جدّاً و مجهول»21.
عندمايسأل زكريا في مقابلة فيما اذا كان يخاف من الموت يجيب قائلاً : «علی العكس انا أتمنی تلك السنوات قصيرة جدّاً … سأكون مسروراً يوم أموت لأني سأكون بهربي اضطراري هذا و الذي تم بفضل الموت قد أسهمت في انقاص عدد الناس الذين يتسلط عليهم أماني لايملكون سوی التجويع و القمع و الكلام المنمق عن العدالة و المستقبل السعيد ، إن الموت بالنسبة للمواطن العربي يعني التخلص من الجوع و الذل و الاضطهاد.»22
لاحظنا أن زكريا تامر تناول الدواء كما هو، و عرضه علی سبيل الاشارة للقاريء كنوع من الخلاص آخذين بعين الاعتبار ان الرفض و التغيير أمران لايمكن تلقينهما و كل ماورد ذكره كان قد ظهرفي خضم العالم العصري المتجدد بسرعه هائلة حتی أحسّ الفرد بالضياع و هدر كرامته.
3- السيّرياليه : (surrealism)
كانت فرنسا هي مسقط الرأس للنظرية السيريالية و في حضن فرنسا ولدت هذه المدرسة و رعت حركتها منذ القرن العشرين إلا أنه بسقوط فرنسا في الحرب العالميه الثانية هاجرت السيرياليه من فرنسا الي امريكا.
اما السيريالية فتعني مافوق الواقعيه التي ظهرت تجسيداً لمنهج سيجموند فرويد «التي تنبت فكرة التلاحم العضوي بين الحلم و الواقع و كل ما هو فوق الواقع و تدمير الذات و الهروب كما أنها حلقة اتصال بين عالم الشعور و اللاشعور و بين حلم النوم و حلم اليقظه و تعمل علی تشابك الرؤي و دمج المتناقضات حتی توقظ الانسان علی رؤيه جديدة للاشياء.»23 و خير من يمثل السيريالية في اعماله هو صاموئل بيكيت.
السيريالية تسعی الی تمزيق الحدود المألوفة للواقع عن طريق ادخال علامات جديدة و مضامين غير مستقاة من تقاليد سابقة… أذ إن هذه العلاقات و المضامين الجديدة مستّمده من الاحلام سواء في اليقظة اوالمنام و من تداعي الخواطر التي تتداخل فيه الأسباب مع النتائج ولكنه لايقيم علي أساس منطقي بحث يحطم قيود المنطق التقليدي ومن هواجس عالم الوعي و اللاوعي علی السواء بحيث تتجسّد هذه الاحلام و الخواطر و الأوهام و الشّطحات و الهواجس المجردة في اعمال أدبيه يری فيها القاريء مايدور داخل عالمه الخاص و تخترق الجدران السميكة التي كانت نتيجه لرواسب الحياة التقليدية المتكاثقة24.
لانستفيض اكثر من هذا لأننا نری ليست في طاقة هذا المقال. و من خلال قصة «وجه القمر» من مجموعه دمشق الحرائق نستبين هذا المدرسة:
المنطوق السردي لهذه القصة أن سميحة فتاة مطلقة تعيش في بيت أهلها و الآن قد جلست علی الكرسي و ينصت الی قطع شجرة الليمون التي كانت رفيقها و رمز فترة مشوؤم طفولتها لأنها كان ابوها قد ضربها إبّان طفولتها بسبب انحسار تنورتها عن ركبتها و يغتصبها آنذاك رجل عجوز لهذا فهي تكره ماضيها المتمثل هنا بشجرة الليمون و اذ كانت متزوجة بما أن لديها التجربة الجنسية غير المرضية واجهت بالبرودة الجنسية فطلّقها زوجها يريد امراة « تتأوّه و يرتعد لحمها إذ تستنشق راحة رجل ناء.»25
تسعی القصة أن تصور لحظة الوعي الأولی للرغبه الجنسية في اعماق إمرأة شابة و يحق الكاتب أن يُعّد نفسه ناجحاً إذ استطاع أن يصور هذه التجربة النفسيه البحة في اطارمادي ملموس فالبطلة سميحة تبلغ لحظة وعيها الجنسي بعد الطلاق و كانت رؤياها للرجل تتشكّل من عناصر الرجال الثلاثه الوحيدين الذي عرفتهم في حياتها، الاب القاسي الذي ينهال عليها ضرباً و هي في العاشرة لأنهاكشف عن ساقيها والزوج الذي لم يستطع تحمل برودها الجنسي فطلّقها و الكهل الذي اغتصبها و هي في الثانية عشرة و لايتوقع من فتاة بمثل هذه التجربه أن تشعر برغبة جنسية حقيقية و لهذا زكريا تامر يستحضر مجموعه من العوامل مختلفه:
العامل الاول : هوقيام الحطاب بقطع شجرة الليمون رفيق طفولتها و لها تأثير مزدوج فهي من جهه ترمز الي الانعتاق من اسار الماضية الي انتهاء مرحلة الطفولية عند المرأة الشابة. و من جهة ثانية الاب الذي أمر بقطعها ، بقطع هذه الشجرة تتحرر الفتاة من ارتباطها بأبيها عدّو الجنس و النموذج الحي للأب الشرقي المستبد الذي يقمع فرديتها و يستفيد زكريا من ضربات الفأس التي مواكب القصة كايقاع يذكر المرأة بأن عهد الطفولة قد انقضي و أن والدها هو الذي أنجز هذا الامر.
و العامل الثاني : صرخات الرجل المعتوه التي لاتخضع للعقل و يثير في اعماق الفتاة الغرائز البدائية و اما المشاعر ردود الفعل التي تثير في هذه اللحظة ترتبط بالقيم الجتماعية كالشفقة فضلاَ عن المرأة تشعر بالحرية امام القيود الاجتماعية حينما تتجاوب مع الصرخات الذكرية للرجل المعتوه الذي لم يكن من مجتمع العقلاء و الرجال الذين تساورها الظنون بشأنهم. بل علی العكس هو يعاني الأذی و التعذب من قبل اطفال من مجتمع العقلاء فصرخاته صرخات ذكر خالصة لاتخضع للعقل او المجتمع.
و العامل الثالث : الدم المتدفق من رأس الرجل المعتوه و أنحاء أخری من جسده هذا المشهد يوحي للشابة بالدم المنثبق من لحمها حينما يعضها زوجها بقسوة وان للدم تأثيراً حاسماً بعد أن تهيأت المرأه تماماً.بفعل العاملين السابقين:
و العامل الرابع يجعل الكاتب، الفتاه تستسلم لأحلام اليقظة كانت قد جلست علی الكرسي فحواسها مشغولة باستمرارأذناها تسمع ضربات الفأس و صرخات المعتوه و أنفاها تشمُّ رائحة شجرة الليمون و عيناها بمشهد الدم المنبثق من جروح الرجل المعتوه في الأحلام اليقظة تری المرأة صورة المذكر القوي التي اعتادت رؤيتها في احلام الليل وينساب الحلم يرافقه الايقاع بينما يطوف شبح طفولتها في لاوعيها و يشتد الايقاع في الخارج و يقوي فتستيقط الفتاة و تطل من النافذة تحدق الی الرجل المعتوه و الدم المنبثق منه و تستمع الی بكائه الذي بدا يتحول وحشي شرس و في هذه اللحظة الحاسمة ينفصل الرجل الكهل (رمز الاب و المغضب) عن لاوعيها ليموت في مكان قصي يتحرر جسدها و يغلي دمها بالرغبة و في اللحظة ذاتها تصبح الشابة مقبلة علی الجنس بلا حرج لقد بلغت القصة ذروتها و حلم سميحة بهجوم جنسي عنيف يقوم به الرجل المعتوه في الوقت الذي تسقط فيه الشجرة لقد تحررت سميحة الآن من هواجس و رواسب الطفوليه و انقضي خوفها من الجنس الي الإبد26.
ليس من السهل أن نقف علي فكرة القصة بقراءة سريعة ، ان الواقع و اللاواقع هنا يشكلان نسيجاًواحداً في جسد القصة و وحدة منسجمة دون أن نجد تنافراً بين عالمي الواقع و الحلم ، كل منهما يستّمد وجوده من الآخر حتی أنه يصعب علينا تحديد أيهما المصدرو أيهما الفرع لذلك يكون من الصعوبه بمكان إن نميز في مثل هذه القصة بين الشكل و المضمون.
4- الرمزية : (symbolism)
كانت الرمزية ولدت في اواخر القرن التاسع عشر في فرنسا و من حمل لواء دعوتها شارل بودلر ، آرتور رمبو ، استفان مالارمية … الخ.
المدرسة الرمزية هي التي تعبر عن حالات غامضة من الناحية العاطفية من النفس و رصد و تفسير هذه الحالات الغامضة تحتاج الی حس مرهف و نظرة ثاقبة و هكذا يقدمون آرائهم من خلال الضباب و وراء الايحاء تتراءی الحقائق بعيدة المنال غير واضحة المعالم و قد قامت الرمزية في وجه الحركات المعاصرة لها من مثل الرومانسية و الپارناسية و الواقعية و الطبيعية و دعت الی عالم مثالي هو في نظرها اكثر واقعية من عالم الحواس.27
الرمزيون يرون بدل أن يتنالوا الحالات مباشرة يفرضون علی أنفسهم أن يعبّرها عبر استخدام الرموز الكامنة او الاختصائية حتی تؤثر في القاريء هولاء يتغلغون الی ماوراء المادة الظاهريه لكي يكشفوا عن الفكرة الاساسية.
القصة عند زكريا تامر تقرب من الرمز كثيراً حتی تكون أقرب الی التجريد و هو يسعی الی ذلك وصولاً الی تقنية فنية تعتمد علی عناصر منها : الاحلام و احلام اليقظة و النجوی والكوابيس و يتكيء تارة علی الاسطورة و الخرافات الشعبية.28
اعتقد بأن قصص زكريا تامر أحرجت النقاد الراغبين في فهمها و تفسير دلالتها علی سبيل المثال في قصة وجه القمر مليئة بالرموز و الايحاءات و وصول الی فكرة القصة يتسنّي للقاريء بالصعوبه. انّ النص التامري منفرد بين مثيله في القصة العربية القصيره و هذه الفرادة فيه نابغة من صوغ قصة سهلة ممتنعة دالة علی براعة زكريا الادبية.
يستخدم زكريا من مجموعته الاولی اي صهيل الجواد الابيض الرمز و سيطرة الصورة الرمزية علی قصصه هذه ذات دلالة كبيرة حيث :«الرمز يقتل الشيء» كمايقول لاكان علی سبيل المثال في قصة الأغنية الرزقاء الخشنة بطل القصة يريد أن يحطم المعامل و أدواتها بإسم الانسان لأنه يری أن هذه آلات حاملة اليهم الشقاء وهو يريد أن يعيد الانسان الی الارض بعمله هذا ، هنا يقول النقاد أن المعمل رمز الذئب والغضب و الشقاء و الكراهية و الغربة و الارض رمز الام. و تهديم المعمل : العودة الی الارض الی الامومة الی الطفولة – النقاء- السعادة – الانسان – الحب…. الخ. و في قصة الرجل الزنجي يتكلم بطل القصة مع شخص في داخله ويقال ان الرجل الزنجي ترميز الی اللاشعور و اللاوعي او الرغبات الداخلية المقمومة و الموسيقي و البحر يرمزان دائماًالی الحرية و رجال الدين و الشرطة و الاب يرمزالی القمع و الضياع و التمزق دوماًَ عند بطل زكريا تامر.29
و نجد رياض عصمت يری في قصة البستان – ناقشنا فيما قبل – في تحليلها الرمزي قصة دمشق المرمزلها بفتاة و البستان هو غوطتها و كيف تسقط مغتصبية ذبيحة و حبيها عاجز عن الدفاع عنها.30
انفتاح النص التامري علی الدلالات المتعددة الكثيرة بل انفتاحه علی فيض وافر من الدلالة زاخر بالاشارات التي توحي بانواع مختلفة من التأويل السياسي و الاجتماعي و النفسي. هنا نستعرض قصة النمور في اليوم العاشر في المجموعة بنفس هذا العنوان و التي يعتقد النقاد أن شهرة زكريا تامر يرتبط بها. المنطوق السردي أن قصة النمر الذي يكون في القفص و يروضّه المروّض خلال عشره ايام باتخاذ الاساليب الملائمة للنمر.
في اليوم الاول يأمر النمر بنزق الی مروّضه أن يحضرله طعاماً إذ أنه حان وقت طعامه و واجه بعدم اكتراث المروّض لطلبه لأن النمر لايحق له أن يأمره لأنه مجرد عبد يجب عليه أن يمتثل الاوامر. في اليوم الثاني يطلب المروض من النمر يقول إنه جائع فيحصل علی مايبغي من اللحم و إذ يقول النمر إنه جائع يقول المروض لتلاميذه هاهوذا قد سقط في فخ لن ينجومنه و في اليوم الثالث يطلب المروض من النمرحين يقول له قف فعليه أن يقف ليأكل من الطعام و في اليوم الرابع يعجبه أوامر المروض لكنه يريد منه أن يقلد مواء القطط و ينفذ اوامر المروض لكنه تقليده فاشل و يثير ازدراء المروض و يقول للنمر يجب عليه أن يتدرب اليوم و الغد سيمتنحه فاذا نجح أكل اما اذا لم ينجح فلن يأكل. في اليوم الخامس بتقليده مواء القطط ينال قطعة كبيرة من اللحم الطازج تشويقاً له و في اليوم السادس ما إن اقترب المروض من النمر حتی سارع النمر الی تقليد ولكن المروض يقول له قلّد نهيق الحمار غير أن النمر يزفض و يقول للمروض سأموت ولن أنفذ طلبك فابتعد المروض عن قفص النمردون أن يتفوه بكلمة. و في اليوم السابع يقول المروّض للنمر، الحلم الذي ستأكله له ثمن انهق كالحمار تحصل علی الطعام فحاول النمر أن يتذكر الغابات فأخفق و اندفع ينهق مغمض العينين و صوت نهيقه حسب رأي المروض ليس ناحجاً ولكنه يعطي للنمر قطعة من اللحم اشفاقاً عليه و في اليوم الثامن يقول المروض للنمر سألقي خطبة و حين سأنتهي ،صفق اعجاباً بعد انتهاء المحاضرة يقول النمر لم افهم ما قلت لأني جاهل أمي و كلامك رائع يجيبه المروض عليك أن تعجب بكل ما أقوله و أن تصفق اعجاباً له و لما صفقه النمر قال المروض انا لا احب النفاق و المنافقين و ذلك اليوم يحرمه من الطعام و في اليوم التاسع يأتي المروض بحزمة من الحشائش و يلقي بها للنمر و يقول له كُلْ قال المروض منذ اليوم لن تأكل سوی الحشاش و لما اشتد جوع النمر حاول أن يأكل الحشاش فصدمه طعمها و ابتعد عنها مشمئزاً ولكنه عاد اليها ثانية.
وابتداء يستسيغ طعمها رويداً رويداً و في اليوم العاشر اختفی المروض و تلاميذه و النمرو القفص فصار النمر مواطناً و القفص مدينة.31
يالها من قصة رائعة ،يشير زكريا تامر في اختيار النمر كرمز لهذه القصة قائلاً: «النمر يا عزيزي هو الحيوان الوحيد الذي يستطيع أن يعود الی طبيعته الحيوانية في أية لحظة مهما حاولت أن تدعي ترويضه و استئناسه في السيرك مثلاً …. لذلك فإن قصة النمور في اليوم العاشر تعني في المقام الاول أن الانسان العربي سيعود الی طبيعته الانسانية الحقة ليصلح الاوضاع العائلية و الدليل علی ذلك ما يحدث في فلسطين المحتله الآن.»32 و تتسم القصة بالنهايات المفتوحة و بالنسبة لاستلذاذ و استمراء النمر للحشاش ليشير زكريا تامر أن الظلم امر عادي و القمع عادي و الاضطهاد عادي و الاحتلال عادي و الجوع عادي و القتل اليومي عادي.33
نتائج البحث :
1- يعّد زكريا تامر قمة من قمم الاتجاه التعبيري في سورية.
2- زكريا لم يكن ملتزماً بحرفية مباديء هذه المدارس بل أباح لنفسه أن يغيرها و يمزجها بالميزات المحلية.
3- لعل سمات تعبيريه زكريا تتجلی في الدمع بين المعقول و اللامعقول و اعتماد الرمز و الاسطورة و استلهام اللاشعور و احلام و احلام اليقظه و هيمنة المجاز و الصورة علی الخطاب السردي.
4- ان المقولات الأساسية الوجودية لدی اعمال زكريا تامر تقتصر علی فكرة العبث و مقولة الحرية و مقولة الالحاد و مقولة الموت و مجموعته التي تتجلی فيها الوجودية هي صهيل الجواد الابيض اي مجموعته الاولی.
5- يستخدم زكريا تامر اللاوعي و اللاشعور في المدرسة السيرياليه و ينسج بعضها ببعض في وحدة منسجمة دون أن نجد تنافراً بين العاملين حتی من الصعب أن نميز في قصصه التي يكتبها علي ضوء هذه المدرسة بين الشكل و المضمون.
6- القصة عند زكريا تامر تقترب من الرمز كثيراً حتی تكاد تكون أقرب الی التجريد و هو يسعي الی ذلك وصولاً الی تقنية فنية تعتمد علی عناصر منها: الاحلام و احلام اليقظة و النجوی و الكوابيس و يتكيء تارة علی الاسطورة و الخرافات الشعبية.
الاحالات و الهوامش :
1- رضا سيد حسيني، مكتبهاي ادبي ،ج2 ، ص 703
2- عبدالرزاق عيد ، العالم القصصي لزكريا تامر ، ص 96 –99
3- زكريا تامر ؛ البستان (مجموعة دمشق الحرائق) ص 11-17
4- عبدالرزاق عيد ، ص 103
5- عبدالرزاق عيد ، ص 107
6- المصدر السابق ، ص 104-105
7- د. نبيل راغب ، موسوعة النظريات الادبية .
8- رضا سيد حسيني ، مكتبهاي ادبي ص 959-977
و حول الموت بالمصادفة يمكن أن يشير علی الموت غير المعقوله لآلبركامو الكاتب الشهير الفرنسي ، اذ اصطدمت سيارته بشجرة اثناء انحرافه لتفادي عربة نقل فقتل في الحال و الامر المروع أنه وجد في جيبه تذكرة قطار مما دل علی أنه غيّر رأيه في آخر لحظة فسافر بالسيارة و بذلك كان مصرعه العبثي خير مصداق لمذهبه في الوجود.
9- غسان السيد ؛ لحرية الوجودية بين فكر و والواقع ، ص 86
10- دكتر حسام خطيب ؛ سبل المؤثرات الاجنبية و اشكالها في القصة السورية. ص 91-94 بتصرف.
11-زكريا تامر ؛ الأغنية الزرقاء الخشنة (صهيل الجواد الابيض) ص 14
12-زكريا تامر ، القبو (صهيل الجواد الابيض) ص 46
13-القصة نفسها ، ص 46
14-زكريا تامر ، ابتسم يا وجهها المتعصب ، ص 57
15- غسان السيد ؛ لقاء مع زكريا تامر ، جريدة البعث ؛ 8/5/1972.
16- رياض عصمت ؛ الصوت و الصدي ؛ ص 71
17- زكريا تامرر ؛ القبو (صهيل الجواد البيض) ص 41.
18- زكريا تامر ؛ صهيل الجواد البيض ص 45-46
19- زكريا تامر ؛ ابتسم يا وجهها المتعب ، ص 60
20- د. غسان السيد ؛ الاغتراب في ادب زكريا تامرر ، ص 80
21- زكريا تامر ؛ ابتسم يا وجهها المتعب ، ص 60
22- د. غسان السيد ، لقاء مع زكريا تامر ، جريده الانوار، 29/9/1974.
23- ر.م . البيريس ؛ اتجاهات الادبية في القرن العشرين ، ص 161-167.
24-د. نبيل راغب ، موسوعة النظريات الادبية ، ص 347-348 بتصرف
25- زكريا تامر ؛ وجه القمر (دمشق الحرائق) ص 97-102
26- د. حسام خطيب ؛ معالم القصة القصيرة في سورية، ص 299-309 باختصار و تصرف.
27- د. نبيل راغب ؛ ص 299-311
28-د. محمود ابراهيم الاطرش ، اتجاهات الفنية في سورية ، ص 292
29- عبدالرزاق عيد ، ص 20-90 باختصار.
30- رياض عصمت ، الصوت و الصدي ، ص 201
31- النمور في اليوم العاشر (النمور في اليوم العاشر) ص 54-58
32- مجدي ابوزيد ؛ البيان ، 2002 ، عدد116
33- زكريا تامر ؛ اذا نمنا قتلتا (الانقلاب المسموبه) ، مجله التضامن، ع 42 ، 1984 ، ص 33
فهرس المصادر :
1- ابوزيد ، مجدي ؛ الجوائز تمنع في ارذل العمر ، البيان ، عدد 116 ، 2002
2- الأطرش ، محمود ابراهيم ؛ اتجاهات القصة في سورية بعد الحرب العالمية الثانية ، دمشق ، دارالسؤال للبطاعة و النشر ،1982
3- البيريس .ر.م ؛ اتجاهات الادبية في القرن العشرين ، جورج طرابيشي ، ط 1 ، منشورات عويدات ، بيروت ، 1965
4- تامر ، زكريا ؛ صهيل الجواد البيض ، ط 4 ، بيروت دار رياض الريس للكتب النشر ، 2001
5- ...................؛ربيع في الرماد ، ط 4 ، بيروت دار رياض الريس للكتب النشر ، 2001
6- ...................؛الرعد ، ط 4 ، بيروت دار رياض الريس للكتب النشر ، 2001
7- ...................؛دمشق الحرائق ، ط 4 ، بيروت دار رياض الريس للكتب النشر ، 2001
8- ...................؛النمور في اليوم العاشر ، ط 1 ، بيروت ، دار الآداب ، 1978
9- ...................؛نداء نوح ، ط 4 ، بيروت دار رياض الريس للكتب النشر ، 2001
10- ...................؛سنضحك ، ط 4 ، بيروت دار رياض الريس للكتب النشر ، 2001
11- ...................؛الحصرم ، ط1 ، بيروت ، دارالآداب ، 1978
12- ...................؛تكسير ركب ، ط 1 ، بيروت ، دار رياض الريس ، 2002
13- ...................؛ اذا نمنا قتلتا ( در انقلاب المسموح به) ، مجله التضامن ، ع 42، 1984
14- خطيب ، حسام ؛ سبل الموثرات الاجنبية و اشكالها في القصه السورية ، ط 5 ، دمشق ، مطابع الاداره السياسيته ، 1991
15- ...................؛ معالم القصة القصيرة في سورية ، ط 5 ، منشورات دار علاء الدين ، 1998
16- راغب ، نبيل ؛ موسوعة النظريات الادبية ، ط 1 ، الشركة المصريه العالمية للنشر ، 2003
17- سيد حسيني ، رضا ؛ مكتبهاي ادبي ، چ12 ، موسسه انتشارات نگاه ، 1381
18- السيد ، غسان ، الاغتراب في ادب زكريا تامر ، مجلة الموقف الادبي ، ع 352 ، 2003
19- ...................؛ لقاء مع زكريا تامر ؛ جريدة الانوار ، 29/8/1974
20- ...................؛ لقاء مع زكريا تامرر ، جريدة البعث ، 8/5/1972
21- ...................؛عصمت ، رياض ، الصوت و الصدي دراسة في القصة السورية الحديثة ، بيروت ، دار الطليعة ، 1979
22- ...................؛عبد ، عبد الرزاق ؛ العالم القصص لزكريا تامر ؛ ط 1 ، بيروت ، دارالفارابي ، 1989